بدا أنّ ثمّة صراع سياسي مُحتدم، يجري توجيهه إعلاميّاً، ضدّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، فالأخير ومع نواياه المُعلنة في إعادة بلاده إلى الطابع الإسلامي “المُتحلّل” من العلمانيّة، التي تركت آثارها الأليمة على الإسلاميين في الأربعينيات، وامتداد سُقوط الخلافة العثمانيّة، هذه التغيّرات التي انتهت مع حملة تحويل الكنائس التاريخيّة إلى مساجد، تتصدّى لها المُعارضة الساعية للإطاحة بأردوغان، انتخابات الرئاسة 2023.
هذا التصدّي المُعارض لسياسات أردوغان، عُنوانه فيما يبدو العودة إلى أصول الأتاتوركيّة، التي وضعها أوّل رئيس علماني لتركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، وبدا أنها تتعلّق بمُحاربة الطابع الإسلامي الذي يطغى على تركيا أردوغان، بدايةً من تركيز الأخير على قراءة القرآن باللغة العربيّة، وحتى إعادته تحويل الكنائس التاريخيّة، إلى مساجد، وعلى رأسها الشهيرة كنيسة “آيا صوفيا”، والتي أغضبت اليونان في المقام الأوّل، وأعلنت على إثره الحداد، وصولاً لاسترداد حقوق المُحجّبات، واللاتي وثّقت الكاميرات الاعتداء عليهن في الشوارع العامّة، وهبّ أردوغان لنصرتهن.
وفي معركة لا تزال تأخذ مساحة واسعة من المُناوشات الإعلاميّة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، قال النائب السابق في حزب الشعب الجمهوري التركي المُعارض فكري صاغلار، أنه يشك في أيّ قرار قضائي يصدر عن قاضية مُحجّبة، أو ترتدي الحجاب، وهو موقف يُعبّر بشكلٍ أو بآخر عن حنين العلمانيين إلى ماضيهم، الذي منع أي مظهر من مظاهر عبادات ورموز الدين الإسلامي، وهو ما يجد ردود صارمة من حكومة أردوغان، وحزبه الحاكم.
هذه التصريحات “العنصريّة” وفق مُنتقدين تجاه النساء التركيّات المُحجّبات، جاءت في مقابلة تلفزيونيّة على شاشة “هلق تي في”، وهي المحطّة المُقرّبة من حزب الشعب الجمهوري المُعارض، ويقول صاحب التصريحات النائب صاغلار، إنّ القاضية المُحجّبة، “لا يُمكنها أن تُصدر أحكاماً، بمعزل عن مُعتقداتها، وأيديولوجيّتها”، وهو ما يطرح تساؤلات مُنتقدين حول تأثّر القاضية غير المُحجّبة أيضاً بمُعتقداتها هي الأخرى، وأفكارها التي قد تمقت الإسلاميين في المُقابل.
وزير العدل التركي عبد الحميد غول، والمعني الأوّل بطبيعة الحال بالرّد على الهُجوم على القاضيات المُحجّبات، قال إنّ عقليّة حزب الشعب الجمهوري تُشكّل خطرًا على البشريّة، بشكل أكبر من فيروس كورونا.
ويبدو أن حزب الشعب الجمهوري المُعارض، يسعى إلى إعادة إحياء عصر قمع الإسلاميين، وإعادة البلاد إلى علمانيّتها، وزير العدل التركي يُحذّر من هذه النوايا، وأكّد في تغريدة على حسابه في “تويتر” نرصد الجزء اللافت منها: “أنّ لغة التهميش، وفاشيّة الملبس، كلها أشياء مدفونة في مقبرة أفكار عفا عليها الزمن”.
المُتحدّث باسم الرئاسة التركيّة إبراهيم كالن، وصف التمييز المبني على الحجاب والزي، بالعقليّة الهمجيّة، وأن بلاده لن تُعطي هذه العقليّة الفرصة أبدًا.
الهُجوم على الحجاب، يجري بالتزامن مع توصيف آخر استخدمته صحيفة “سوزجو” التركيّة المُعارضة أيضاً، حين صنّفت إعادة متحف وكنيسة “آيا صوفيا” للعبادة، بقائمة الكوارث، والمصائب التي حلّت بالكرة الأرضيّة خلال عام 2020.
وسبق لرئيس بلديّة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، والمُنتمي لحزب الشعب الجمهوري المُعارض، والذي نجح بالفوز على مُرشّح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، أن أثار حفيظة الأتراك، والإسلاميين تحديدًا منهم، على خلفيّة إقامته فعاليّة دينيّة، وجرى فيها رفع الأذان باللغة التركيّة، وجرى حدوث تخالط بين الرجال، والنساء في فقرة “الدراويش”.
قد تكون حُظوظ حزب الشعب الجمهوري التركي المُعارض قويّةً، وتحديدًا إذا قرّر رئيس بلديّة إسطنبول الترشّح عن حزبه للانتخابات الرئاسيّة القادمة 2023، بعد نجاحه بالإطاحة بمُرشّح حزب العدالة والتنمية الحاكم بالانتخابات الأخيرة لرئاسة البلديّة، وفي مدينة تعد معقل حزب أردوغان إسطنبول، والأخيرة كانت قد مهّدت الطريق أمام الرئيس أردوغان ليترأس بعد بلديتها، الجمهوريّة التركيّة.
المتحدّث باسم الرئاسة التركيّة، قال وفي ردّه على الهُجوم على القاضيات المُحجّبات، بأنّ بلاده لن تُعطي هذه العقليّة الفرصة أبدًا، وهو ما قد يُوحي بثقته، وحزبه باستمرار حُكمهم البلاد مُنذ عام 2002، ومنع وصول هذه العقليّة للحُكم، لكن قد تكون تركيا والتي نفضت عنها غبار عصر فاشيّة الملبس على حد توصيف وزير العدل، أمام تحديات كبيرة، في حال خسارة حزب أردوغان، وعودة حزب الشعب الجمهوري المُعارض للسلطة، والذي كان قد حكم البلاد ضمن سياسة الحزب الواحد، وهو وبرموزه الحاليين، لا يخفون امتعاضهم من صُعود نجم الإسلام أو الإسلام الإخواني، ويُهاجمون رموزه، ويرغبون بالعودة إلى الخلف، خاصّةً أن هذا الحزب، يَعتبِر نفسه “حزب أتاتورك”.
ومع هذا كلّه، وتزايد حدّة المُنافسة، للإطاحة بأردوغان وحزبه عن السلطة، استطلاع رأي أجرته شركة أوبتيمار للأبحاث، أظهر أن أردوغان لا يزال يتفوّق على الشخصيّات البارزة في حزب الشعب الجمهوري المُعارض، أو المُرشّح المُحتمل عبد الله غول.
وبحسب الاستطلاع، فإنّ 44.7 بالمئة سيُصوّتون لأردوغان مُقابل 34.7 بالمئة قالوا إنهم سيُصوّتون لرئيس بلديّة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وتحديدًا إذا وصل الاثنان إلى جولةٍ أخيرة، ومُقارنةً بشعبيّة أوغلو، فإنّه في حال انحصر السباق الرئاسي بين غول، وأردوغان، لم ينجح غول في التفوّق على أردوغان، وبقي وفق الاستطلاع، عند نسبة قليلة 20 بالمئة.
بكُل الأحوال الاستطلاعات قد لا تُعبّر عن الحقيقة دائماً، وهُناك مقولة تركيّة حزبيّة تقول، وحده حزب الشعب الجمهوري المُعارض يستطيع الإطاحة بحزب أردوغان، وليبقى السؤال هل سيسقط وينتهي الإسلام السياسي “الأردوغاني”، كما انتهى الإسلام الوهّابي؟.. الإجابة في 2023 أو ربّما قبلها بعام في حال أُجريت الانتخابات باكرًا، وهذا يبقى احتمال.
خالد الجيوسي
رأي اليوم