"من منا لا يسمع بعائلة يعقوب...؟ بل من منا لا يبجلها ويعظمها...؟ كيف لا، وهي تفاخر أمام العالمين بأنها عائلة يعقوب عليه السلام!!؟ وابنها يوسف نبي الله، والأمين على خزائن الأرض...!!؟ وهل يجوز للعالمين طراً أن يتجاهلوا، أو يجهلوا يوسف، ونبوءته الصادقة؟ كلنا نعرف هذا، والعالم كله يعرفه. فهو المتنبئ بالغد، والمفسر للأحلام، وهو الصادق الأمين، وهو الذي اجتباه ربه، وعلمه من تأويل الأحاديث، وقد طبقت وسامته الافاق، حتى راودته زوجة عزيز مصر عن نفسه ”ولقد همت به”، ”وقدت قميصه من دبر”، وكانت من الكاذبين، وهو الذي أكبرنه نسوة المدينة ”وقطعن أيديهن وقلن حاشا الله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم”، حتى كاد يصبو إليهن. وهو بعد ذلك تنبأ بما سيؤول إليه حال مصر، وسنيها العجاف، بعد سنيها السمان، ويبسها بعد اخضرارها.. إذن، من حق عائلة يعقوب أن تتفاخر، وتعظم نفسها، فهي مباركة وعظيمة، أبوها يعقوب الكظيم، وابنها يوسف. ألا تستحق التكريم، والتفضيل!!؟ وأن تطلب أن يفتح لها الطريق.. في المطارات. والأفراح وكل المناسبات الاجتماعية..، وحتى المؤتمرات- إن وجدت- وأن يشار إلى إخوة يوسف بالبنان!!؟ يا له من مجد من الله به على هذه العائلة!! هذا ما كنا نعرفه عن عائلة يعقوب، وهو قمين باحترامنا لها، وتقديمها علينا...! ولكن، لنعلم أنها ملعونة عائلة يعقوب.. وأنها ليست مجيدة، ولا مباركة. تلك هالة مزيفة خلقت حولها.. وتمجيد في غير محله لعائلة يعقوب التي لا تستحقه. ملعونة عائلة يعقوب؟ حتى وإن كان جدها إسحاق، وابنها يوسف. إنها من أحط العائلات، وأشدها كفرا، ونفاقا.. وإنها حرية بالخزي والتحقير. ألم يدعوا أنهم حراس يوسف من الذئاب!؟ وأنهم المؤتمنون عليه دون العالمين!!؟ وأنهم له الحافظون!!؟ ألم يقل لهم أبوهم:(وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون) ...؟ ملعونة عائلة يعقوب. لقد سولت لأبنائها أنفسهم أمرا حقيرا، فتآمروا على يوسف نبي الله، قالوا (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا)، وقد اختصموا، وتنازعوا، واختلفوا حول الطريقة التي يتآمرون بها على يوسف، ويخونون أباهم يعقوب عليه السلام. (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب). لكن يوسف كان يعلم بهذا، (وهم لا يشعرون) (وجاءوا على قميصه بدم كذب). ملعونة عائلة يعقوب، كذابة، وغادرة، وخائنة، لقد عروا يوسف من ثيابه (أقصد أبناءها)، وشوهوها بدم مزيف، وأبعدوه عن الناس، وألقوا به في الجب. فعلوا كل ذلك؛ ويوسف يسمع، ويرى، ولكنه لم يصرخ في وجوههم ويقل لهم: خونة… قذرون… غدارون.. أنتم إخوتي!!؟ يوسف كان صابرا صبرا جميلا، بما أوحى الله إليه: (لتنبئهم بأمرهم هذا)، وكان بريئا براءة الذئب من دمه، بل كان يبتسم لهم، ويداعبهم، وهم يحفرون له في الجب، كان يعرف ذلك، ويعرف أنهم فاشلون، ولم يقل لهم: إنكم تغدرون بي، وتكذبون على أبي. ولم يقل لهم: سأنبئكم بعملكم هذا، في يوم ما، وتسود وجوهكم، وأنتم مذنبون، مدينون، ومحقرون من العالمين. هم أيضا كانوا في وجهه يضحكون، إمعانا، في الغدر، والحيلة الفاشلة....."
من قصة “ملعونة عائلة يعقوب ومباركة ايتها القافلة”
للكاتب معمر القذافي
---------
بدأت الشمس تحبو رويداً رويداً بين الكثبان الرملية لترسل أولى خيوطها الذهبية معانقة جبين الصحراء الناصع، ولتعلن ولادة يومٍ جديد!
قال العقيد وهو يتأمل بطمأنينة وخشوع، لحظات الشروق الاولى، إن الشمس والصحراء توأمان لا يفترقان مادامت السليقة وهما حلفا رحلة ابدية لا تزول إلا بزوال الكون!
وقفت بمحاذاته.. والتزمت الصمت وسط سكونا رهيبا أحاط بالمكان، وامام صحراء شاسعة نهارها مثيراً كليلها.. صحراء تأسر الالباب وتستحوذ على منابع الإلهام، وتفوق بغرابتها كل تصورات ومخيلات التعجب..
أردف العقيد، والذي هو فارس الصحراء ورسولها، قائلاً، ان الصحراء إذا أعطت تعطي بسخاءٍ وكرمٍ لا تعرفونه.. وان إنسان الصحراء هو رسول لقيم النقاء النادر.. والفطرة التي جبل الله تعالى الناس عليها... ِان رسول الصحراء هو إنسانها الذي يتفرد بالوعي واستشراف المستقبل وإعادة صياغة الماضي كي يبني الغد المشرق من ركام الحاضر البائس، ثم سكت برهة وأضاف بنفس النبرة الهادئة، وهكذا يُصنع التاريخ.. وتُقام الامم.. وتنتصر الرسالات.
ألهذا كنت أنت رسول الصحراء كما كتبت عنك الكاتبة الإيطالية ''ميرلا بيانكو '' في بداية السبعينات.. عندما رأتك تبث الحياة في وطنٍ من العدم.. وتنفخ الروح في أرض الموت.. وما انت ألا بدوياً يافعاً مر، في حين من الدهر، على جبهة الصحراء فازدهرت.. وكأنه كان يحمل معه الريح والمطرَ؟ قاطعته بهذه العبارة- مسترسلاً- وكأنني لا انتظر منه من جواب.. وغير أبه كذلك بعباءات الظلام التي قعدت للعقيد كل مرصد، ولَم تترك وحلٌ إلا وتلطخت به.. ولا ماء عكر إلا وغطست فيه!
لم يعلق العقيد على كلامي.. وكنت أدرك ملياً تحفظه، وتذكرت كيف طلب من ميريلا بيانكو نفسها، إعادة طباعة كتابها تحت مسمى اخر هو "رسالة من الصحراء" ومع ذلك يبقى لكل رسالة رسول!
نظر العقيد إليّ مبتسما ثم قال تعال معي! وأوى الى ركن قريب حيث يصدر الرعاة ورجال الصحراء.. ثم اتى ''بطاستين من الشاي الأخضر'' وإناء حليب ناقة - لازال متوشحا برغوته وكأنه قد استحلب لتوه، ومعه أيضا حفنة من ''نبق السدر''!..
لم أساله انًى له هذا! وبسرعة قال لي "هيًا اجلس وأفطر معي" ثم أضاف مبتسماً ساخراً.. نحن لا نلوث الصحراء.. هنا لا توجد ''معلبات التونة'' الإسبانية ولا قنينات مياه ''اڤيان'' السويسرية ولا ''ياغورت دانون الهولندي'' ولا ''جبنة لا فاش كي ري الفرنسية'', ولا ''عجة اومليت لميليكانية''! هنا خلاصة الطبيعة.. هنا إفطار الصحراء.. وهذا يوماً زمهريرا فجهز نفسك له وقويها بعطاء الصحراء الذي لا ينضب!
فرحت كثيرا بمجالسة العقيد على رمال الصحراء.. هذه الرمال التي بدأت كثبانها وكأنها جبال راسيات او مواخر سفن عملاقة تعبر بحراً لجياً من السراب..
أرتشفت الجرعة الأولى من الشاي وسألته بنشوة الواثق، يا سيدي قد قلت لهم من أنتم! وانت تعلم انها ذرية بعضها من بعض توارثت العمالة.. وتبادلت أدوار الخيانة.. ولا تعرف من التاريخ الا سلات مهملاته.. فمن انت إذن! ولماذا جعلت اللعنة على عائلة يعقوب التي أنجبت النبي يوسف وأباه وأخاه وجعلت منهم أثني عشر سبطاً، وفجرت لهم الأرض اثنتي عشرة عيناً حتى علم كل أناس منهم مشربه وحتى جعلوا من أنفسهم لاحقا شعب الله المختار!
وانت يا سيدي.. قد ولدت في فجر يوم اغرٍ.. وفي وادٍ غير ذي زرع.. وعلى سفح شعبة تسمى ''الكراعية''.. فاحتضنتك قافلة مباركة.. يا سيدي قد بَارَكْت السماء تلك القافلة وما حولها كما باركت القافلة التي خرجت بيوسف من غياهب الجبً حتى بلغ سعيه في ارض الكنانة تماما مثل القافلة المباركة التي احتضنتك وانت تصرخ أولى صرخات الحياة.
قلت له بجسارة غير معهودة فمن انت اذن؟!
أجابني العقيد وكأنه لم يكترث لسؤالي قائلاً انا ابن الصعاب والمآسي.. آنا ابن امرأة من البادية كانت تشرب حليب الإبل.. وتربي الماشية.. وتجمع الحطب.. وتمخض اللبن.. وتدق النواة.. انا ابن رجل أرعب الموت وهو الذي لم يأخذ يوما تحصينات الحصبة.. ولا امصال "البي سي جي".. ولا دواء "الجدري".. غير انه كان يكتشف طعم تراب الوطن في طفولته وهو يحبو خلف جداي "مبروكة بنت الفارس" عندما كانت تجمع الحطب في بادية سرت.
لم تحتفل اسرتي يوماً بعيد ميلادي.. اذ لم يكن هناك "سجل الانفس"، لا في قريتنا ولا في بلادنا، يوم ولادتي..
لكن امي قالت لي ذات مرة: "جبتك يا عمورة بعد ''خشت الجرمان' بعام ' (يوافق سنة 1942) وكان في فجر اخر يوم ثلاث.. اَي في يوم ثلاثاء، من شهر ''المنسي الأول''..
فكان تاريخ ولادتي هو يوم الثلاثاء 23 من جمادي الأول.. ما يوافق 7 الصيف/يونيو 1942!
جالت بذاكرتي رواية لطالما حدثتنا بها ''جدتي رابحة''، عمة العقيد الوحيدة، اذ كانت تقول: في فجر ذلك اليوم كانت مرتْ (زوجة) خوي ''عيشة بن نيران'', "على طريق"، اَي ان المخاض قد اقترب، وفِي ذلك الفجر رأيت ناراً امام بيت ''خوي محمد'', فأرسلت ابنتي رقية ذات الأربعة عشرة عاماً لتستطلع خبر تلك النار فعادت ''رقية'' وكأنها قد وجدت على النار هدىٍ.. عادت مسرعة تنادي بصوت عالً "حني.. حني (أي امي امي) خالتي "عيشة جابت وليد".
أطلقت جدتي ''رابحة'' روزنامة زغاريد عالية.. وانطلقت الى بيت اخيها محمد زوج ابنة عمها عائشة.. ثم بدأ توافد بعض النسوة من ''عيت احميد والجرًده وعيت الزناتي'' وقامت جدتي رابحة على الفور بقطع الحبل السري للمولود ثم دعت له في اذنه وحنكته في مهده..
نعم مباركة ايتها القافلة التي احتضنتك وكأني بها قافلة يوسف عليه السلام التي نقلته من غياهب الجب الى قصر العزيز..
قال لي العقيد ردا على سؤالي له -وكأنه يتلو شطراً من قصته "ملعونة عائلة يعقوب، ومباركة ايتها القافلة:
'' أن عائلة يعقوب شانع ومفضوحة، بعد ان كنا نحسبها محترمة، ومباركة، لا لأن لها مجدا تليدا في الغابرين، أو أن لها مالا ممدود، أو ماء مسكوبا، أو بيتا معمورا، أو سقفا مرفوعا… على العكس تماما، فهي- أصلا-عائلة مجهولة، محتقرة، وضيعة، وتابعة، تسكن البادية- كما هو مذكور في القرآن- وهي عائلة بطبيعة حالها من الرعاء، وأقصى انتصار لإخوة يوسف كان يمكن تحقيقه، هو الانتصار على ذئب، أو ثعلب، ولا يحلمون بالانتصار على الامبريالية والرجعية. هذا المجد العالمي العظيم، لا يدور في مخيلة أحد من أبناء عائلة يعقوب، ولا تحلم بمجد مصر وخزائنها، إلا يوسف الذي كان يرى الغد، واختص بتأويل الأحاديث. لولا هذه الفعلة؛ ماذا كان حال عائلة يعقوب؟ بل ماذا كان حال العالمين معها...!؟ كان يمكن أن يحملها الناس على أعناقهم تقديسا لها؟ ألم تنجب لهم يوسف!!؟ وكان يمكن أن تكتسب حق الإخراج في طريق السابلة، لا لأنها عائلة يعقوب، التي أنجبت يوسف، الذي أوحى الله إليه، وجعله نبيا، وأمينا على خزائن الأرض، ومفسرا للأحلام وتعشقه النسوة…. حمدا الله، الذي كشف لنا عائلة يعقوب في القرآن الكريم، واتضح أنها لم تكن حفيظة على يوسف، بل كانت تكيد له كيدا، وتمهله رويدا؛ فهو يبنى لها مجدا، وهي تحفر له جبا''.. ثم سكت برهة ورفع رخم صوته قائلا.. مباركة أيتها القافلة!
وبعيدا عن الشبهات.. قلت.. وقد أدركت مبتغى الرجل.. ولهذا وجبت اللعنة على الخائنين الذين لا يفلح لهم كيد..
فقال العقيد هل تعلم ان الصهاينة لا يزالون يستخفون من هذه الشنيعة الى يومنا هذا حتى انهم أنكروا تأمر اخوة يوسف عليه وادعوا ان القافلة السيارة التقطته في جنح الليل كون النبي يعقوب رفض ان يرسله معهم فذهبوا مغاضبين لكن يعقوب شعر بعد ذلك بالندم فطلب من يوسف ان يلحق بهم غير انه ظل الطريق فالتقطته القافلة..
قلت له نعم قد ورد هذا في العهد الجديد.. اجبته وانا أتصور حالنا الذي يكاد يطابق حال عائلة يعقوب اليوم..
أضاف العقيد وبكل تأكيد ان المقصد من هذه الإسقاطات ليس اخوة يوسف الذين استغفر يعقوب لهم الله وبشرهم بالغفران, "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" وهم أنفسهم أقروا بالخطيئة.. وعندما حضر يعقوب الموت تعهدوا له بان يكونوا مسلمين كما بين القران ذلك:" أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون".. ولكن خلف نت بعدهم خلف تقطًعت بهم السبل.. واضلهم السامري واخرين.. حتى حرفوا الكلم عّن مواضعه.. وجعلوا لله انداداً.. فأصبحوا اشد الناس عداوة للذين آمنوا.. وتوعدهم الله تعالى بالويل والثبور بعد ان يمكن لهم في الأرض مرتين.. ولهذا حلت عليهم لعنة الله والملائكة والنَّاس اجمعين..
ان هذا الإسقاط الذي لخصه العقيد في كلمات ليست كالكلمات يسمو فوق كل الشوائب والشبهات ويحقق العمق من مغزى لعن الحيانة والخونة فعائلة يعقوب الاولى مبرأة وهي ليست عائلة يعقوب اليوم التي لم تورث عن سليلتها إلا الخيانة والتأمر وان تابت الأولى فقد عثت في الارض فساداً الثانية..
نعم ملعونة عائلة يعقوب اليوم.. التي تربصت برسالة ابنها يوسف.. وحرفتها كما تربص بك سليمان محمود صاحب الفريات.. والمقريف شيطان كل الخيانات.. والرفاق الذين ولوا مدبرين..
يا سيدي قد صنعت لنا تاريخ يعلو فوق القمم.. لكننا جعلنا من تاريخك سخرية.. حتى سخر الزمن منًا..
قد بنيت لنا وطناً من العدم.. فحفرنا لك قبراً من الحقد والحسد ولَم ندفنك فيه.. وأثلج غيابك قلوب الشياطين مجتمعة.. وحتى بعض انصارك وحواريوك استكثروا عليك الشهادة.
قد جعلت من خيمتك محجة لكل القادة، لتغرس فينا القوة.. فجمعنا لك أراذل اهل الأرض ليغرسوا فينا الذل والهوان..
يا سيدي قد سرت عبر كل العصور لتبني لنا مجداً تليداً.. فنكصنا على أعقابنا بلا مستقبل ولا حاضر..
قد علمتنا يا سيدي معاني الشرف.. فأتينا لك بسافلة أوروبا -آن كوجين- لتخلًق لك كل صور الإفك والبهتان.. وحتى ان تلفزيون غزة، التي لم تبخل عليها يوما بشيء، ولم تكن الا مدللتك.. خصص تلفزيونها الاخوانجي 30 حلقة كاملة لإعادة تدوير كتاب صاحبة -افك العصر الحديث- كرد جميل من غزة، التي سولت لها نفسها التربص بمن أحبها وكان سندها وعضدها.
نعم يا سيدي قد بيًنت لنا اكذوبة التلمود.. فجئناك ببرنارد ليفي صاحب أطروحة 'الروح اليهودية'' يحرسه بعض الديوثين من غلمان الإحداثيات والذين كانوا يبحثون عن يهوديتك مندفعين بأكذوبة سليمان محمود الاثيوبي وشيطنة عميد الخونة المقريف.. حتى ان ليفي نفسه كتب عنهم مذهولاً: ''كانوا لجهلهم وسفاهة تفكيرهم يحرسونني بسلاحهم ويتوعدون "اليهودي" بالقتل وكنت انا اليهودي الوحيد بينهم''..
يا سيدي ان حالنا لا يختلف عن عائلة يعقوب التي استوجبت لعهنا.. ولم يعد ينفعنا ندما اليوم.. غير ان عائلة يعقوب الأولى خرت ليوسف سجداً حين دخلوا عليه المحراب.. ثم نكص حفدتها على اعقابهم من بعد من تبين لهم الآيات.. واما نحن فلازالت كراماتك تنهشنا اناء الليل وأطراف النهار.. تلقي علينا بالمخازي.. وترمينا باللعنات والانكسارات..
يا سيدي قد تركت فينا نبراساً كأنه محجًة بيضاء.. ولكن زاغت ابصارنا ونحن نزور عليك التاريخ.. يا سيدي قد طمسنا حتى قبور اطهر من مشى فوق تراب ليبيا..
يا سيدي قد خربنا بيوتنا بأيدينا.. ولازالت تحل بديارنا تلك القارعة التي تركتها خلفك.. ''هي بالسلامة يا بلاد تهني...تو تعمري كانه خرابك مني''....
قال لي العقيد ان زمنه قد اختصر في رحلة مباركة.. وهي كذلك.. ابتدأت في "الكراعية".. واختتمت في "الزعفران".. حيث اجتمعت البركة والزناد.
لم اتمالك دمعة حزينة تركت أثرها مع بقية ترابٍ لازال عالقا بخدي وانا استحضر قافلة "رتل العز".. فقلت في نفسي نعم واي بركة أكثر من ذاك التراب.. واي زناد اقوى من ذلك الزحف..
ثم أشحت بوجهي عنه ورميت بحبات النبق على الأرض.. بعد ان جف حلقي تماما رغم "جغمة" حليب الإبل الساخن التي شربتها لتوي..
أخذ العقيد متكأ له عند شجيرة رتم واستخرج كتاب يقرأه.. حاولت، ولازالت تمتلكني مسحة الحزن، ان استرق نظرة الفضول الى عنوانه فوقعت عيني على كلمة 'الأمير' ولم اتعرف على بقيته لو كانت له بقية.. لكنني ارتأيت الا اسأله عن العنوان فالرجل قد دخل في استراحة محارب كما يفعل بعيد كل شروق..
قلت في نفسي ولا زال الفضول يمتلكني، آهو كتاب الأمير الميكافيلي ام انه الأمير الصغير لصاحبة ''أنطوان دى سنت-غزبري''؟ ولما لا لوكان الأمير الصغير فالرجل يحمل قلب طفلاً داخل قلب الأسد.. وقد يكون له فيه ايضا مأرب أخرى.
خميس الزناتي