الفن روح الحضارة وهويتها فا ختاروا منه مايعبر عن هويتكم

في إطار الحديث عن الفن لا بد من الإعتراف بوجود الفارق بين الفن الذي يعبر عن هوية الشعب وخصوصيته الحضارية،وبين الأخاديد الصغيرة في هذا الفن التي تسمى بالفلكلور الشعبي
فالفن هو روح الحضارة وعطرها وبعدها الرمزي الروحي والجمالي  الأخاذ ، والفن هو الذي من خلاله يحكم على المستوى الحضاري للشعوب فقديما قيل ..اذا أردت ان تعرف مستوى حضارة أمة فانظر الى موسيقاها .وقال فيلسوف التاريخ عبد الرحمان ابن خلدون.ان اول ماينقطع من قواعد العمران صناعة الطرب .وقال الامام الغزالي .ملم يهزه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد الميزاج ليس له علاج . 
وإنطلاقا من هذه المقولات لكبار العلماء والمفكرين ندرك الاهمية الكبرى لرسالة الفن الملتزم والمعبر عن هوية الامة وخصوصيتها الثقافية والحضارية بعيدا عن الميوعة والمسخ والتفلت لأن الفن هو البصمة الحضارية التي تضعها هذه الأمة اوتلك على اللوحة الفكرية والثقافية والجماليةللحضارة الانسانية باعتباره دفق مشاعري وفيض عبقري وإلهام رباني غارق في الروحانية والتأمل والاحساس والرقة والعذوبة والجمال والأنسنة 
يعبر به ومن خلاله الفنان عن روح الأمة ووجدانها وعبقريتها وذاكرتها الثقافية والتاريخية عبر قواعد وقوالب فنية وجمالية أصيلة ومتجددة ومشبعه بروح التراث وهموم وأحاسيس المجتمع في ٱيحاءات فنية ناجمة عن التفاعل المشترك بين  وجدان الفنان  وإحساسه المرهف  من جهة وحركة الطبيعة  وما أودعه الله فيها من جمال أخاذ وصوربديعة ومظاهر موحية من جهة أخرى وصدق من قال.. 

على تفنن واصفه بحسنه
يفنى الزمان وفيه مالم يوصف     
نعم هذا الجمال الدال  على عظمة الخالق والمتسم بالحركة والصيرورة نحو الفناء كمصير محتوم  لكل مخوق هو مانسميه الفن  يعبر عنه الرسام بريشته والشاعر بشعره والموسيقي بموسيقاه العذبة والتي تلامس الروح والوجدان وتسموعلى التقيد بالزمان والمكان  منحوتةمن واقع الأمةوروحها ونظرتها للحياة وحكمها على الأشياء وتعبيرها عن الافراح والاتراح والآمال والآلام  والتأمل والخشوع والتفكير في المصير الحتمي للحياة وهو الفناء
وانطلاقا من هذه الخصوصيةللموسيقى ظلت الموسيقى على مرالزمان تشكل عنصرا من اهم عناصر الهوية والذات الحضارية للشعوب مؤكدة بذالك "أن الشعوب لاتنسجم الا مع تراثها وفنونها "
من هنا كان الحرص على نقاء الموسيقى الملتزمة مسؤولية الجميع افراد ونخب ومؤسسات وخصوصا وزارة الثقافة وأجهزتها المختصة وفي مقدمتهم رابطة الفنانين الموسيقيين الموريتانيين التي يجب ان تضع في مقدمة اهتماماتها حماية  السلم الموسيقي الموريتاني الأصيل من التشويه والتمييع والتلويث والسقوط والمسخ والانحراف تحت اي مسمى فالمويسقى ليست مجرد ترف ثقافي وجمالى يقدمه الفنان لعلية القوم مقابل مكاسب مادية وٱنماهي ثقافة ورسالة وهوية وذاكرة تاريخية وهي من أكبر عوامل التأثير في صناعة الاجيال وصياغة العقول والامزجة والاذواق بسموها ورقيها والتزامها يسمو الفرد والمجتمع  ويتم التوجيه نحو القيم الفاضلة والاهداف الكبرى للامة وبسقوطها وفراغهاوخوائها وضحالتها  وميوعتها وفجورها يسقط المجتمع  وأجياله الصاعدة في براثن  ذالك المناخ الثقافي  الفاسد ويتحول من مجتمع انسانى راقي الى مجتمع ميكانيكي آلي خال من القيم النبيلة الروحانية والانسنة وقابل للانفجار والتمزق  والتطرف بسبب  السيكولوجية المادية الناجمة عن  تأثير الموسيقى  التافهة والرديئة وعلى العموم فإن في موسيقانا الأصيلة مايغنينا عن هذه الموجة من السقوط الفني  الرهيب الذي لوث الاخلاق وأفسد الأذواق وقطع الارزاق ولم يحمل رسالة اويضيف متعه اويعبرعن قيمة فنية وجمالية معتبرة بل افسد الساحة الفنية  وخلق جيلا  يجهل تراثه ولغته ويلهث وراء الصخب والعنف الموسيقي والصراخ الفارغ المعروف محليا ب"بنجه" تلك الكلمة التي تجهل الأجيال مصدر اشتقاقها وجذرها اللغوي؟!!
نعم للتنوع الثقافي ولكل تعبير فني اصيل مادام في حدوده المعهودة وسياقه  المعروف لكن التيدنيت الموريتانية وآردين  والرباب والناي  الخ  تبقي هي جوهر المكون الفني لدينا وقد عبرت التدنيت كمكون فني يجمع بين العود العربي الاندلسي والتيدنيت الزنجية أصدق تعبير عن خصوصية هذا المجتمع كمجتمع عربي إفريقي مسلم يعمر هذا المعبر من معابر الحضارة العربية الاسلامية على افريقيا فهي عبارة عن ثلاث جوانب  " الكحلة لكنيدية البيظه"
  وعن أشوار كحل وبيظ وقد عكست الموسيقى التنوع الثقافي والإجتماعي في المجتمع الموريتاني 
اما بنجه فهي جزئية صغيرة من الفلكلور الشعبي ظهرت في بعض الجهات التي لم تزدهر فيها الموسيقى الأصلية لقلة الأسر الفنية فيها وضعف التراث الموسيقي هناك وهذه الجزئية لا يجوز ان تعمم على الوطن كله لأنه في غنى عنها فالفن رسالة وهوية وثقافة وأصالة وقيم  وتراث وليس ميوعه وصخب عالى وكلام فارغ وهي اضافة الى اضرارها الفنية فان فيها اضرار اقتصادية واضحة حيث تقضي على مصدر دخل ءالاف الاسر الفنية التي يمنعها العرف الاجتماعي من ممارسة اي نشاط غير الفن فالمجتمع الموريتاني قام على أساس تقاسم الأدوار الوظيفية لكل طبقة وإذا أ حلت بنجه محلها وأصبحت هي الموضة الحاضرة في كل المناسبات فإن هذه الاسر ستها جر ويهاجر معها تاريخ المجتمع وثقافته وهويته وأمجاده  وبظانيته.. 

يبقى ان أشير إشارة خاطفة إلى الجدل بخصوص حكم الفن أو السماع.. 
أولا الأصل في الأشياء الإباحة وتحريم الحلال يساوي في الحرمة استباحة الحرام والتحريم لا يكون إلا بنص قطعي الدلالة والثبوت أو إجماع وهذا مالم يقع في السماع؛ فمنهم من حرمه مطلقا ومنهم من اباحه مطلقا ومنهم من فرق فيه "وإذا وقع الإحتمال سقط الإستدلال " 
ابن العربي المالكي قال، " لم يرد في تحريمه حديث صحيح ولا نص صريح"؛ الشوكاني في نيل الأوطار اباحه؛ ابن حزم في المحلى أباحه؛ الغزالي جعله مندوبا.. 
القرضاوي له فيه رسالة الفن وحكم الفن بين المجيزين والمانعين خلص فيه إلى اباحته حمدا ولد اتاه اباحه..
طويل العمر ولد ملاي الكبير كان يسمعه وأباحه 
جدنا حيده ولد الحاج عماركان يسمعه ولد بيبني اباحه خلق كثير كثير ..
والذين يريدون تحربمه يمهدون لذالك بمقدمة يخلطون فيها بين حكم " الإضلال عن سبيل الله والخلوة والإختلاط والفن" كي ييتنتجوا الحرمة وهذا لا يوجد فيه شيئ على اطلاقه.
فأنت لو إشتريت الموطأ قصدك به ان تضل به عن سبيل الله فقد فعلت الحرام لكن هل كل مشتر للموطأ يقصد به الضلال والإضلال ؟!!!
وهل كل من يسمع ام كلثوم في رباعيات الخيام اوفريد الأطرش وأو طلال مداح او وردة الجزائرية او طلال مداح.
يريد الضلال والإضلال ؟!!كلا بل يريد ان يروح عن نفسه. 
وكانت الجواري تغني في بيت رسول الله ولو كان الفن حراما بالمطلق لما سمح لهن رسول الله ص بذالك " دعهما يا ابا بكر فإنه يوم عيد" أو حتى تعلم يهود ان في ديننا فسحة" أوكما قال. 
ثم ان حكم الخلوة شيئ وحكم الإختلاط شيئ ءاخر فالخلوة بالأجنبية حرام والإختلاط فيه ماهو حرام وفيه ماهو عبادة؛ فالناس تختلط رجالا ونساء عند بيت الله الحرام لأداء ركن الحج ولو كان كل اختلاط حرام لكان للرجال يوم حج وللنساء يومهن فالله لا يمكن ان يعبد بالمعصية والحرام؟!!!
كما ان السماع لا يقتضي بالضرورة الإختلاط فقد اسمع الشيخ ولد اباشة اوبناس أومحمد ولد بنكه أو نعمة ولد النان اوولد عوة أو يعقوب ولد حمبارة او ابي ولد لخبال او عليه بنت اعمر تشيت أو ديم بنت آب أو سيدي احمد ولد احمد زيدان أو ولد بوب جدو وأنا في بيتي وحدي فهل هذا يعني اختلاطا..
المهم ان القضية قضية خلاف والورع لا يفتى به اصلا وتحريم الحلال يساوي في الخطورة استباحة الحرام فالأصل في الأشياء الإباحة والتحريم لا يكون إلا بنص قطعي الدلالة والثبوت أو إجماع وهذا لم يقع في الموسيقى والسماع. 

والسلام عليم ورحمة الله.   

سيدي الخير الناتي 46316779