إعلان

تابعنا على فيسبوك

مذكرات برنار ليفي "يوميات كاتب في قلب الربيع العربي" ح 3

سبت, 20/02/2021 - 00:06

 رؤية ولادة المجلس الوطني الانتقالي

تحوّلت قضية عبد الجليل إلى وسواس. بدأت اليوم بأن تسوّلت من صحفيّي تيبستي إمكانية الاستعانة بحقائب اتصالهم عن طريق الأقمار الصناعية؛ لأني أعرف أن من الممكن حتى من هنا الاتصال بالانترنت. شغلت محرّكات البحث الّمْفضلة لديّ وكتبتٌ بأشكال فرنسية مختلفة اسم مصطفى عبد الجليل. فأنا ألفظ هذا الاسم من دون أن أعرف عنه شيئاً يُذكر.

أعرف باختصار أنه كان وزير العدل في عهد القذّافي سنة 2007 (في الشهور الأخيرة لقضية الْممرّضات البلغاريات) وأنّه خلال عامي 2009 و2010 قاد حملة؛ من داخل النظام لتحرير السّجناء السياسيين وهي حملة يصعُّب قياس نتائجها الواقعية لكنّه بالتأكيد استحقٌالهالة التي يبدو أنه استفاد منها وأنه أوّل موظّف في الدولة التحق بالثوّار في 15 شباط/ فبراير (وبعد ذلك اختارته لجنة حكماء في 17 شباط بعد أن اجتمعت في البيضاء رئيساً مؤقّتاً للحركة؛ وفهمتٌ مؤخرا من خلال الوثائق الأميركية التي سرّيها ويكيليكس أنه مسلم تقيّ أقرب إلى المحافظة. غير أنه مُتعاون ومُنفتح ومؤكّد أنه ليس إسلامياً قريباً من القاعدة الخ كما تزعم أبواق القذّافي.

قضيت باقي اليوم مع فكرة في واحدة في رأسي عبّرتٌ عنها في كل لقاءاتي وكرّرتها بلا كلل أمام دوار الشمس البائس الجاهز, في كل مرّة لتذكير غوقة بوعده في لقاء عبد الجليل وقيادتي إلى هذه الشخصية التي لم أعد أعرف إن كان خيالي وحدّه هو الذي يُعطيه هذه الأهمية أم الواقع؛ فأنا أريد بأي ثمن حقاً بأيّ ثمن؛ أن يمكن لي الاتصال مع هذا الرجل غير المرئي مع هذا الفرد الغامض للغاية مع أفلوطين المتمرّد ومع هذا الجدعون الآخر لكن أقول مرّة أخرى هل عيوني وحدها هي التي تُحيط بها هذه الهالة (يقول لي جيل «لا» مُطمئناً( لكن من دون أن أصل إلى معرفة إِنْ كان هو نفسه يبحث عن الاطمئنان؛ فلا أحد حتى الآن استطاع أن يراه؛ ومن الواضح أنه الشخصية المفتاح؛ فتخيّل سفرّنا إلى جنوب السودان. لولم نْصِرٌّ في نيروبي ثم في لوكيشوكيو على النجاح في رؤية جون قرنق.

وحيث إنهم أكّدوا لنا أن رجمة قريبة من بنغازي؛ وأنه كان بإمكاننا لو أن الاتصال الهاتفي يصل هناك. أن نعود إلى المدينة بسرعة. ذهبنا إلى رجمة لنرى مستودع الذخيرة الذي انفجر الليل الماضي. لنرى أنقاضه. وهذه السحابات من الدخان التي ما تزال تنبعث من بعض الأنقاض. وفي مكان أبعد قليلاً وابلٌّ من غبار أسود وكأن قوة الانفجار شكّلت سحائب من السّخام الذي كان يتصدّع. بينها تجول مجموعة من الناس المتدثّرينَ بمعاطف ذات قُبّعات يبدو أنها تقيهم من عدوى مجهولة؛ بين الأنقاض بحثاً عن قطعة سلاح سليمة عن صندوق ذخيرة لم يأتِ عليه الانفجار. هل نتج الانفجار عن حادث؟ عن عملية تخريب؟ عن قصف جوي (لكن رأى أو سمع شيئاً)؟ كل ما هو معروف أن هناك 27 قتيلاً وأن هذا ليس في صالح الثوّار الذين سمعناهم أمس في البريقة يستاءون من نقص السلاح. من جهة أخرى؛ كل شيء تغيّر. بعد عدة ساعات تقريبا لكنّ لهجة بعضهم من خضنا معهم نقاشاً كانت مختلفة. إذا خف التبجّح وازدادت الوجوه اكفهراراً. حكى بعضهم كيف يُعطي القذافي رجاله الفياغرا وشحم البنادق تاركاً لي أن أحزر الغرض من استخدامه. ويذكر آخر قائد مرتزقة تشادي فظيع جدا مجهول الاسم لكنه معروف أنه أكتع. بينها يؤكّد الطالب الجامعي ربيع بأنه تلقى معلومات من ابن عمّه في طرابلس عن هجوم مُضادٌ وشيك.

ساعة الغداء.. قتلنا الوقت على الكورنيش بإعادة شرحنا لقصص الحضانات وجمع القيامة التي بدت في أعيننا أقلّ أهمية من البارحة. وفي الحيّ الإيطالي القديم قضينا الوقت في زيارة الكاتدرائية (المحوّلة عن وظيفتها) ذات القَبتّين بلونيها الأخضر والقصر الأسقفي سابقاً نصف المهدّم. حاولنا أن نعثر على أطلال بنغازي القديمة أطلال هيرودوت والملكة بيرنيسا ‏ لكنْ ماذا يُمكِن أن يبقى من مدينة دمرت ثلاث مرّات. بل أربع مرّات. أجل! إبّان الغزو الفارسي والعربي والعُّثماني يُضاف إليها الغزو الإيطالي؟ دوّنتٌ على عجّل، ومرّة أخرى أيضاً أنْ الفن وفن الأدب بالتحديد؛ يعرف كيف يمنح الحجرٌ حياةٌ وأن مدينة خالية من الكتّاب لن تعرف أبداً إلا وجوداً من مستوى ثانٍ. في الثانية بعد الظهر يأتي النصر! فها هو محمّد عبد الملك؛ المعروف بدوّار الشمس يتلقى أخيراً المكالمة الهاتفية التي كان ينتظرها فنوّرت وجهه المليء بالزوايا والتجاعيد. يقول مؤكّداً: "مصطفى عبد الجليل هنا" ويبقي صوته فاتراً مُتباطئاً قليلًا رُبما يفعل ذلك قصداً أم أن هذه طريقه في أن يتقدّم قليلاً؟ هل هؤلاء الفرنسيون مُستفزو الأعصاب الذين يستعجلونه منذ أمس.؟

الرجل في المدينة ينتظرنا هيا بنا.. . بيت واسع جميل غرب مركز المدينة كان الدائرة المحلية لوزارة الخارجية. حديقته مطلّة عل البحر مُهملّة. ومليئة بجذوع الأشجار ونباتات الأدغال. وتتسلّق على واجهته نباتات الجهنميّة الحمراء والبيضاء من دون دعائم. علا ضجيج حشراتٍ حاد فَوْر تَخطّيها العتبّة. في الحديقة حوض مليء بالرمل. وفي داخل هذا المقرّ الغريب عدّة حجرات متتالية حيث يقف رجال مُسلّحون وفي الطابق الأوّل قاعة بأعمدة فتحاتهًا زجاجية عليها ستائر مفتوحة بأرائكها ذات الدواليب التي جُهَزت أمامها كؤوس الشاي وفناجين القهوة وعُلّقت على الجدار خريطة ليبيا ألوانها عديدة ومزيّنة بحروف على شكل حلقة يبدو أن القاعة تحل محل البهو. هذا هو المكان.

بعد أن قضينا ساعة في دراسة تفاصيل دوائر الخارطة؛ قال جيل بقلق: «هل أنتم متأكدون من مجيئه؟». أجاب دوّار الشمس بصوته المُترافق مع شكٌ المرح الممتع الذي يُشير إلى أنه هو القائد في هذه القضية: «أكيد سوف يأتي. تفضّلوا بالجلوس. لن يتأخر». وأضاف بصوتٍ خافت استعاد النغمة الأخوية التي كانت فيه البارحة: "لا‏ تغضبوا هذا يوم خاصٌ إِنْه اليوم الذي ستتمّع فيه بنغازي بحكومة انتقالية؛ لهذا السبب تأخر". وقال لي حين رأى اندهاشي من عدم اتصاله ليُخبرنا بأنه لم يَنْسَنا: "لا تقلّق: أرجوك؛ خصّصٌ لكم وقتأ وفهم أن هذا هام وسيأخذ الوقت الكافي للتحدّث معكم".

يدخل رجل في الدوار ظَننْت أنّهِ هو طبعاً. وارتكبتٌ الخطأ نفسه مع دخول شخص آخر. ودخل ثالث يبلغ من المهابة ما جعلني أَتأكّد من أَنْه لا يمكن إلا أن يكون هو فنهضت بالتالي للسلام عليه محضرا تحياتي له؛ لكن لا إِنّه خطأ جديد. فوجدت نفسي في هذا الموقف الذي أعرفه جيداً بأن أخمّن العلامة التي سأتعرّف من خلاها على هذا الرجُل حين سيُقدّم نفسّه الرجل الذي لا يعني لي شيئاً وكنت ما أزال حتى عشية أمس أجهلٌ اسمه ووجوده: لكنه يبدو لي في تلك اللحظة أهمّ شخص على وجه الأرض؛ حيث أمرٌ تقريباً بطريقة محتومة؛ جانب الهدّف.  قلت لنفسي كثيراً من المرات: «لن أعيدها. مرّات كثيرة» حضَرتُ نفسي: «لن أترك نفسي هنا أنخدع بمظهر». وكلّ مرّة يحصل الشيء نفسه. كل مرّة» السيناريو نفسه. في أسمرة (في أرتيريا»؛ في هوامبو (في أنغولا)» في جوبا (في جنوب السودان) حيث سلّمت على حوالى ستة أشخاص حسيتهم جون قرنق قبل أن أهتدي إلى شخصه الحقيقي؛ وفي زينيكا (في البوسنة الوسطى) حيث قضيت النهار أنتظر في المقر المركزي اللواء محمّد ألاجيك؛ القائد الأسطوري للفيلق السابع في جيش البوسنة وذلك قبل أن أتعرّف وجهّه النقيّ ونظرته نصف الخبيثة نصف المرتبكة التي سوف يكتشفها العالم بعد زمن طويل لحظة إدانته في محكمة لاهاي كانت تحدث. في كل مرّة. المهزلة نفسها. تماماً مثلما حصل اليوم؛ فخلال ساعة: وبعد ازدراء تكرّر ثلاث مرّات حيث تركت نفسي للانخداع هنا يظهر لي بهيئة مهيبة لا تقبل الجدل؛ هنا بتواضع مظهره وبمزيّة أفضل أيضاء هنا بقامته العالية يُغطّيها لباس قبل تقليدي؛ فخلق حين أطل قشعريرة غير ملحوظة بين الليبيين أنفُسهم وانتهى بتقديم نفسه: مصطفى عبد الجليل الحقيقي: قصير القامة بسمته متواضعة نظرته كنظرة النسر الباهرة: أصلع شعره قصير جدا والدائرة السوداء في جبهته التي تدلّ على مزاولته السجود وكثافة تعبده معطفه رمادي؛ تفصيلته ممتازة لم يخلعه على الرغم من الحرارة المرتفعة إلا في وسط الحديث؛ إنها الصلابة الشديدة التي طالما وجدثها عند أولئك الذين يواجهون الاستبداد بأيدِ عارية وقد وصل كالمعتاد لحظة عدّم انتباهي وبالتالي لم أتمكّن من معرفته.‏

تمّ الحديث: بحضور ستة من مُعاونيه في حُجرةٍ أخرى؛ متّصلة طوليا مفروشة بأثاث حديث ومجهّزة بحواسيب وثُريْتين موضوعتين على طاولة وبهواتف محمولة لا تتوقّف عن الرنين وتتتشر عُلَبٍ الصودا في كلّ مكان بينما لفت سجاجيد الصلاة. جلس مصطفى عبد الجليل وراء مكتب من خشب متين. يفهم الإنكليزية. ورُبّما الفرنسية أيضاً. لكنّه يزعم أنه لايجيدها. ويطلب من أحد الحاضرين الذي يتكلم الإنجليزية بامتياز أن يقوم بالترجمة. راح يُراقبني. أقرأ في نظرته حُسْنَ اهتمام مشوباً بقليل من التحفّظ. بدأ خلال ما يقرب من ثلث ساعة يجيب على أسئلتي ويشرح لي: في اللحظة الراهنة لحديثنا واقع حال التمرّد: حدّثني عن نفسه ومن أين جاء عن قصّة الُممرّضات البلغاريات التي كان القذّافي يُريد استغلالها ضدّ رأيه هو كي يبتز الغرب؛ وعن اجتماع مدينته البيضاء حيث قرّر مجلس الحكماء أن يسمّيه رئيساً له؛ وعن نهار اليوم الحاسم الذي سيّكرّس هذا القرار ويمنح الحركة مجلساً‏ انتقالياً مبنياً ومدعوًا للاستمرار وعن الانتصارات العسكرية التي يُحَقّقها الثوّار وانتصارات الأيام الأخيرة التي تشهد على تفوّقهم المعنوي وعلى عدالة قضيّتهم وعلى إيهانهم؛ لكنْ بحسب ما كان يعرف عن ردود أفعال هذا «القائد» الذي خدمه زمناً طويلاً طبعا فسوف يتصرّف بسرعة ويردٌ بطريقة وحشية محَاولاً أن يغسل التمرّد الذي قام في وجههه بالدم ولن تُقَاوم المدّن المحرّرة (بن جواد وراس لانوف البريقة واجدابيا وحتى بنغازي) طوابيره المصفّحة إلا بمعجزة. هل أنا الذي قاطعته هنا؟ أم توقف بعد أن قدّر أنه تكلّم بما فيه الكفاية؟ لم أَعٌّد أعرف.

لأنْ الأشياء بعد هذه اللحظة ستجري بسرعة. أتنبّه أولاً إلى أنه لا يملك فكرةً من أيّ نوع. كما تنبّه هو إلى أن الذي أمامه كذلك. ينظر إِلّي بطريقة بيغوفيتش نفسها حين رآني أَوّل مرّة في قصره الذي كان تحت القصف. أو بطريقة مجيب الرحمن قبل عشرين عاما حين أتيت» بسروالي القصير في البيت الواطى» في طابق كان يسكنه في شارع مُطِلَ على ساحة «داكا الكبرى» لأشرح له أنني ساهمتٌ في تحرير بلاده وتقضي كبريائي بأن أساهم في إعادة بنائه.

وحتى بطريقة الجنرال مسعود المُحاصّر في مخبئه ذات يوم من عام 1968: غداة سقوط "تالقان" حيث أتيتٌ لإجراء مُقابلة معه لجريدة اللوموند واقترحتٌ عليه وأنا أغادر بأن أجعل شيراك يُقابله.

بدأت بالقول «العالم كله ينظر إليكم؛» لأنه ينبغي قول شيء ولأنني دائماً ما أفعل مع المناضلين من أجل الحريّة الذين أتيح لي أن ألتقي بهم في طريقي. "كل العام ينظر إليكم." عيونه مثبتة عليكم. فبنغازي ليست عاصمة ليبيا الحرّة فقط بل عاصمة أحرار العالم كله رجالاً ونساء. أتينا لنقول لكم هذا. أتينا أيضاً لننقل لكم تحيات أبناء وطننا من يتذكرون كفاحنا ضد الفاشيّة. فمعركتكم هي معركتنا. وشجاعتكم تُوجب علينا الالتزام بمساعدتكم. كنت مُكبّلاً بما نطقتُ به توَاً. حتى إني مُتضايق قليلاً بسماع نفسي من جديد أكرّر الخطب الرنانة الُملّة مثلما فعلتٌ أمام قرق في جنوب السودان؛ وعبد العزيز في جبال النوبة وللمقاومة في بوروندي؛ وأنغولا أو أفغانستان وخصوصاً أنها خطب عديمة الدلالة يسمعونها بتهذيب مع علّمي أنها في ذاتها لا تساوي شيئاً. وحيث إِنها عديمة الدلالة لأنها عديمة الدلالة" ولأنني أفكر ببيغوفيتش المُحاصّر المحبوس في الجزء الأقل دماراً في قصره الذي كان؛ في ذلك اليوم؛ صائراً إلى موت مُعلّن فتخطر في بالي فكرة تكاد تكون أقل عبثية لكنها تستحقٌ أن تصير محسوسة.

أقترح عليه ما سبق أن اقترحتّه على بيغوفيتش بعد أن شرح لي ببعض الكليات بعد عودتي إلى فرنسا التي ستّثير غضب سيمون فياي وكلود لانزمان وبعض الآخرين: إذ قال إن سراييفو هي فرصوفيا وأنه يتوسّل الغرب ألا يترك غيتو فرصوفيا مرّة ثانية. اقترحتٌ على بيغوفيتش أن يجعل من طلب النجدة الذي يُوجّهه إِليّ رسالة مكتوبة بحسب الأصول وسوف أُوصِلّها إلى الرئيس فرانسوا ميتران. وإليه؛ إلى الرجل المجهول الذي يقف أمامي؛ والذي يُذكٌّرنِي من خلال ملامح كثيرة ذاك الذي تعوّدنا على تسميته. كالبوسنيين "الختيار"؛ عرضتٌ أن أنقل ما قاله لي كما هو إلى نيكولا ساركوزي ‏ وربما إذا رغب أن أرافق وفداً من مواطني بنغازي أو من مسؤوليها إلى فرنسا.

في تلك اللحظة: لم تكن لديّ أية فكرة عن الطريقة التي يُمكن أن تتم فيها الأشياء. وأقل ما يُمكن قوله أنني لم أكن على يقين من إمكانية القدرة على الاتصال برئيس الدولة الغربية الذي استقبل قبل أربع سنوات القذّافي استقبالاً فخما في باريس ولا من كيفية تصرّفه إزاء فكرتي. لم أَنْتَخِبْه. ولم أتحدّث معه منذ سنوات. أجل! فيما عدا مرّة واحدة؛ أو بالأحرى مرّتين حين تعلق الأمر بالحصول على موافقته على التدُخل لإنقاذ سكينة أم العائلة التي حكم عليها بالرجم. وقد تدخل وإليه يعود فضل أنها لا تزال على قيد الحياة ‏ ومنذئذ انقطع الاتصال.

الحقيقة أن هذه الفكرة كما في سراييفو تماماً كما في سراييفو خطرت ببالي هكذا من دون تفكير أو تأمّل مُسبّق: مجرّد حركة تمرّد داخل ذاتي مجرّد رُعب انتابني أمام ما صرح به أمامي إذ شعرت فعلاً باللحظة الْمناسبة «لواجب فِعلٍ شيءٍ ما» واجب الحكمة الشعبية حين يكون حدوث الجريمة وشيكا وبضرورة التنبّه إليها وعدّم الانصياع لحتميّتها.

يُراقبني مصطفى عبد الجليل بانتباه يكاد يُضايقني. شعرت كما لم أشعر من قبل أنّه يتساءل: من هو هذا الرجل الذي لا يعرفه. الذي ينتمي إلى نوع ينبغي ألا يعرفه أكثر من ذلك، جاء يقترح عليه أن يصله برئيس خامس أقوى دولة في العالم، ث هل أكون دبلوماسياً...أم صحفياً...أم جاسوساً... هذه الأنواع كلها يعرفها عبد الجليل... معروفة في ليبيا على صعيد قدراتها وحدودها وطريقة عملها...لكنْ لا! "مثقف" و"مُلتزم"! فضلاً عن أنه خدُومٍ يعرف نيكولا ساركوزي مع أنه لا ينتمي إلى حزبه! بدا له ذلك كله في غاية التعقيد. تجتاحه بقوّة فكرةٌ أنني قد أكون مازحا أو مُتحمّساً أو مجازِفاَ بحسن نيّة ولكني أحد الحالمين الذين تُنتج منهم الحرب عدداً كبيراً. حتى قد يقول لنفسه وقد يقوله أي إنسان وخصوصاً موظف كبير في الدولة الليبية الذي مارس عمله في ظل طرائقها ونظمها! ما هكذا تتم الأمور وهذا الرجل يُضيّع وقته.

ربما حدّث نفسه قائلاً: ينبغي التحقّق لكن كيف العمل؟ أتكلم بالهاتف لكنّ البلد مقطوع عن العالم. يسألني أكثر يسبرني بشكل أفضل ‏ لكنّ الزمن يستوجب التعجيل. لا. في هذه اللحظة تولدَ شيءٌ في ذات هذا الرجل. شيء كاللغز ليس عندي شرح حقيقي له وأنا أعيد التفكير بهذا المشهد, محاولا إعادة وصّفه. فأضاء وجهه على عكس كل توقع. شكرني على كلماتي القليلة التي قلتها ثم نظر إلى جيل؛ ومارك وفرانك؛ وإلّي وشكرنا لمجيئنا إليه ولأننا سافرنا هذه المسافة الطويلة كي نصل إلى مدينته التي تعيش حالة حرب. وفي النهاية قال ببساطة بينما كان أحد هاتفيه المحمولين ماركة ثريا يرن إذ نسى أن يفتحه للمرة الأولى منذ بداية الجلسة: «أنا موافق» اتصلوا برئيسكم إذا استطعتم؛ وقولوا له لم يعد القذّافي يملك أية صفة لتمثيل شعبه فالشرعية وحدّها التي يجب أن تعترف بها الأمم المتحدة هي هنا وإذا اعتقد أن الحديث انتهى وأشار إلى روسيل الذي صوّر كل شيء طبعا أن يجمع أدواته قائلاً إنه سوف يأخذ إجازة لعدّة أيام أضاف باللغة الإنكليزية على الفور وانفرج وجهه: لا لا لا تذهبوا فهذا الاجتماع هامّ لا تُصوّروه فهو مهم ويُمكنكم أن تلخّصوا مجرياته في تقريركم لرئيسكم.

تلت مُناقشة باللغة العربية استبعدنا عنها تلقائياً. لكنّي شعرتٌ أن النقاش مُتأجج ومتناقض, حيث بدا أن عبد الجليل كمن يُقدِّم مُرافعة ويصِرٌ ويُقاتل كاسباً الموقف لكن خطوة خطوة وبصعوبة في مواجهة رجالٍ أخطات حين ظننتّهم مُجرّد مُعاونين له. بعد حوالى ربع ساعة؛ سكت الجميع. انتهى النقاش فجأة كما بدأ فجأة. وخيّم صمتٌ عل الجو اخترقه عبد الجليل بقوله بالإنكليزية أيضاً كما لو أنه يعدّنا شهوداً عن نقاش تابعناه: «هو ذاك؟ وردّد هذه الكلمة وهو يأمر الآخرين بنظرته الثاقبة أن ينصرفوا. لم يكن عددنا كبيراً. عاد كما كان عليه قبل قليل. في أي فندق تنزلون؟ في فندق تيبستي. هذا مُلائم جدأ فهناك سوف نجتمع لنختم ونُطالِبٍ بهذا.. ويُرينا صفحة مُزْدوجة مطبوعة على الساحبة تعتمد بالإنكليزية تعتمد تشكيل «مجلس وطني انتقالي» رأيت في رأس القائمة أنه رئيسه. أضاف بصوت مُتأثّر: «هذه وثيقة تاريخية. أنتم أوّل من علم بها. احتفظوا بهذه النسخة حتى موعد اجتماعنا هذا المساء؟. وهم بالذهاب ليفتح الكوّة الزجاجية على يسار مكتبه وكأن النقاش رفع حرارته. وفي هذه اللحظة أسرع أحد الرجال يبدو أنه كان يهم بطواعية ليفتحها له. فاستنشق مُوارباً وجهه جرعة من الهواء المتصاعد من البحر ‏ وبعد لحظة صمت صرفنا بالقول: «لقاؤنا في الطابق الأول من فندق تيبستي. وإذا تكلمتم مع رئيسكم هاتفيا ارجعوا من فضلكم. إلى السيد -غوقة؛ الُمتحدّث باسمي الذي سوف ينتظركم في البهو.

الاستنجاد بنيكولا ساركوزي

عُدنا إلى الفندق. كان الصّداع المنذِر منذ هذا الصباح قد انتهى بالتفاقُم. صعدتٌ إلى غرفتي لأتمدّد وآخذ حبّة أسبرين. ثم نزلتٌ إلى الطابق الأول حيث يبدو لي أن الرجال أنفسهم الذين رأيناهم في الفيلا يجتمعون بالإضافة إلى خمسة آخرين حول طاولة ويستمعون إلى عبد الجليل. وإذ لم يكن لدي مُترجم وكان رأسي ثقيلا قلت لنفسي: الخروج في الهواء الطلق سيّريحني. فنزلت حتى عتبة الفندق باحثاً عن المكان الذي تعمل فيه الهواتف المحمولة بالكاد. بعد قليل تكون الساعة السابعة مساء. أهتف لطيّارنا لأتأكد من أنه حصل على السماح ببقائه في مرسى مطروح؛ وفي الوقت نفسه لاختبار الخط الهاتفي البائس.

اتصلتٌ بجاي إلى جريدة الأحد لأقول له إن ورقتي تتخذ مسار هاما لم نستطع التفاهُم بسبب رداءة الاتصال فأغلقت الخط حالاً. بقيت حوالى نصف ساعة على السَّلَّم وجهي بين يديّ ورأسي كالطبل؛ أكاد لا أعير انتباهاً للصحفيين العائدين من تصوير تقاريرهم. قلق جيل ودوّار الشمس وفرانك الذي لا يتركتي فأخبرتهم أن كل شيء على ما يُرام فبعد دقائق قليلة سيزول هذا الصّداع النصفي. وأخيراً يزول لأنني التزمتٌ حين شعرتٌ فعلاً بتحسّن حالي قليلا بضرورة محاولة الاتصال بنيكولا ساركوزي.

كيف أتصرّف؟ وبأية نغمة؟ وماذا لو عاد الصداع النصفي بقوّة؟ وماذا لو كان الصوت غير واضح كما حصل مع جاي والطيّار؟ ما العمل حين أتصل من بنغازي على خط رديىء. مع رئيس الجمهورية الذي لم أكلّمه منذ سنوات؟ لكن! على افتراض أن الاتصال ممكن وأن مركز الهاتف في الإليزيه (وليس معي إلا رقمه) يحولني فعلاً إلى الرئيس وأنني أجد الكلمات الأولى الكلمات التي تسمح بفتح الخط فماذا أقول له؟ ما الرسالة بالضبط؟ فآلام رأسي تبلغ من القوّة ما يحول بيني وبين أن تكون أفكاري واضحة تماما حتى إني لم أعْد أعرف في الحقيقة: الرسالة التي أريد تمريرها؟ اتُصلت. لسحن الحظ ليس الخط رديئاً جداً.

لحسن الحظ يرد علي في مركز الهاتف ضابط مُناوب يقول لي كما لو أن الأمر تحصيل حاصل: "لا‏ تترك الخط سأصلك بالرئيس".

ولحسن الحظ أيضا ها أنذا بعد عدّة ثوان من الموسيقى مع نيكولا ساركوزي على الهاتف . بصوته الواضح اللطيف ونغمة صوت الرئيس الذي أزعجه لكنّه يتخيّل تماماً أنه لابُدَ أن يكون لديٌّ إذ اتَصل به يوم السبت؛ وفي هذه الساعة شيء مُهِم أقوله. بدأت بالقول: "السيّد الرئيس". يقرع الصداعٌ رأسي من جديد. فأشدٌ على الهاتف بيد وأعصر صدغيّ باليد الأخرى الإبهام على صدغ والخنصر على الصدغ الُمقابل.

"أنا في بنغازي سيادةً الرئيس".

أجاب وكأنٌ لا شيء أكثر عاديّة من أن يسمعني أتحدّث من بنغازي: «آه! كيف تسير

الأمور؟ كيف حالك؟

هو الذي بدأ يخاطبني بضمير المخاطّب الْمفرد. لم يُدهشني هذا ما دُّمنا نتحدّث دوماً برفع الكلفة. لكن هنا في بنغازي حيث أقف متوازناً على درجة السلّم الوحيدة حيث تعمل الهواتف المحمولة ورأسي يشتعل صُداعا يُزعجني حتى أن أفتح عينيّ فقد بدت لي بداية المكالّمة غير واقعية.

"عندي شيء مهم لأقوله لك".

هات نعم؟؟ :

دائماً باللطف نفسه. لكن مع قليل من نفاد الصبر في الصوت. رُبَّا لأنْ الخطّ تشوّش. أو لأنّ هذا الصداع اللعين يُسمعني من حيث لا أدري صوتاً غريباً.

"التقيت للتو «المسعودون» الليبيون."

التقيتٌ ماذا؟

اللواء مسعود. «المسعودون» الليبيون. مُعارضو القذَّافي. رأيت الُمعارضة تتشكّل في

شخص واحد...  أتى شخص بدين. صحفي فرنسي من دون شك والتصق بي مُحاولاً أن يتصل بالهاتف هو الآخر. أدرت له ظهري. كان هذا الانتقال البسيط فوق أنه يُفَجّر رأسي ليجعلني أفقد شبكة الاتصال. أعدتٌ الاتصال. من حُسن حظي أن الخطّ واضح وأنهم حوّلونيٍ إلى الرئيس من جديد.

"كنت‏ أقول مسعود... مسعود الذي أغلقت فرنسا أبوابها في وجهه بصورة مخجلة في

عهد شيراك..."

- أعلّم... أعلّم...

خامرني شكٌ بإزعاجه من جديد. رُبّما لأنّه وجد أن أنني بالغت قليلاً في الغمز من شيراك. لكن رؤية الأشياء من هنا مع صراخ الشباب في الأسفل ورَشّات الكلاشنكوف؛ وإطلاق منصّة الصواريخ الُّمدوّي بقوة هائلة في النواحي القريبة لاشيء حقاً يفوق هذا ضجّة ولم أحسٍب حتى الآن نتائج ذلك كلّها. استدرت قليلاً باتجاه البحر لأن الشاشة تُظهر لي أن ليس لديّ من مؤشرات الشبكة الستة سوى أربعة.

"شاركت قبل قليل في ولادة حكومة بنغازي".

"الكومونة؟ لا أسمعك بوضوح..."

هل حقاً لم يسمعني جيّداً؟ أم أنّ هذه الكلمة المُشبّعة بالتاريخ بتاريخ خاص أرهبته

فجأة؟ :

في النهاية أريد أن أقول المعارضة. رأيت ولادة المعارضة الوطنية ضد القذّافي وأرى من الخارق أن تكون فرنسا أوّل من يعلّم بذلك.

."أكيد‎"

كان يبدو مطمئناً. لهجته أقرب إلى المودّة. بدا لي أنه عنى. في قوله «أكيد»؛ صدى أنصاف الكلمات والتواطؤ القديم.

"فكرتي هي دعوة وفد من هذا المجلس الذي شكل توا إلى باريس".

لكنْ عندي سؤال؛ وعَدتٌ به أصحابٌ الشأن هناء وعلّي أن أسألك إيّاه: هل تقبل أن

تستقبل شخصياً هذا الوفد..

ثيراًما حدثتُ الُمعجزات لكنّ الذي يحدث هنا في هذه اللحظة إنه هو مُعجزة المعجزة

الثانية اليوم وإذا فكرنا فيها تكون أقلّ احتمالاً من الأولى. فبدل أن يتعجّب قائلاً: ايا لها من فكرة! بدل أن يجيبني بحذر لم لا؟ ليست الفكرة واضحة تماماً ولكن‏ لا؟ "فلتتحدّث في هذا حين نلتقي في باريس" بدل أن يُلامس الموضوع برفق ويطلب مني وهذا ما كنت سأتفهُمه كلياً أن أتصل بمُستشاره جان ‏دافيد ليفين؛ وأبحث الأمر معه قال رئيس الجمهورية؛ وقد بدا له من الطبيعي أن يقترح استقبالاً رسمياً لسّلطة مُتكوّنة حديثاً لا أحد يعرف عنها شيئاً وهي تنتفض ضدّ حكومة طرابلس القوية جداً وكرّر بصوتٍ هادى:

"بالتأكيد.."

انقطع الحديث فجأة. لم أفعل شيئاً هذه المرّة. حرصت على ألا أتحرك مليمتراً واحداً بعد.

غير أني تساءلت عما إذا لم يكن هاتف الثريّا خلافاً لهاتف الإيريديوم الذي تملكه صفوة الصحفيين يفصل كل ثلاثين أو أربعين ثانية. تلزمني عشر دقائق هذه المرّة: للعثور على شبكة؛ مُتنقّلاً من نقطة إلى أخرى مجرّباً أكمة في الشارع المُعاكس؛ رُكن من مرآب عائداً إلى السَلّم من جديد, ذلك كله وفي ذهني جملة "بالتأكيد" الغريبة الثمينة اللتي ترنّ الآن متّحدة بآلام رأسي. ومن حسن حظي الرئيس ما يزال هناك. وهذه المرّة هو الذي بدأ.

"فكرت..".

طرأ تشويش حال بيني وبين ساع بقية الجملة. قلت «ألو»» وأنا مقتنع بأنة فكر أجل

لكن كي أختم بأنه لا يفهم شيئاً مما أطلبه منه ينبغي أن نتكلّم في الموضوع بهدوء بعد عودتي ومكالمة ليفيت: الخ. ألو؟ لم أعد أسمع شيئاً...

استأنف قائلاً بعد أن صار الخط واضحاً من جديد والصوت صافياً: فكدرتٌ. سوف

أستقبل أصدقاءك بطيب خاطر.

قلت: أصدقائي بينما كان صدغيّ ينبضان بقوة وما صدّقت أذُّنّي... لاشك أنه سيكون

حدثاً عظمياً... سيكون صداه عالمياً...

كرّر: هذا ما أقول؛ وابتعد صوتّه فجأة لكنّ الخط هو الذي يُصلِح نفسه على ما يبدو

حاسماً جودة الاتصال ونقاء الصوت. سوف أستقبلهم بكل سرور. ستتحدّث في أمرهم عند عودتك. تعال قابلني.  انهى الاتصال. استغرق الحديث خلال المرّات الثلاث ثلاثين ثانية. قلت لنفسي إِنّه أجل من أن يُصِدَّق. غداً أو بعد غد سيستيقظ قائلاً: لا معنى هذه القضّية. سيجد مُستشاراً يُنذّره ويُقنعه بأنَ أيّ رئيس جمهورية لا يستقبل هكذا بفعل مُكالمة هاتفية من صديقٍ قديم بينهما مشاكل منذ عدّة سنوات؛ وفد سلطة في المهد. بالإضافة إلى أنها تُعارض قوّات القذّافي التي لا تُحصى. ماذا سأقول إذاً لأصحاب الشأن؟ بأية هيئة سأبدو إذا أعلنتٌ لُغوقة هنا في البار حيث تركتّه وحيث ينبغي أن ينتظرني دوماً: «تمام؛ وافق ساركوزي»: سوف يستقبل من تريدون؛ من نريده بسرور هذا حدث تاريخي ‏ وإذا استقبلهم مُستشار حين يصيرون في

باريس؟

قال مارك الذي كان حاضرا والذي صوّر المحادثة سِرَا وفهم من إجاباتي أن الأمور

تسير بالأحرى على ما يُّرام: أين المشكلة؟:. أما جيل الذي التحق بناء ووضعتُّه في الصورة على عجّل فخاطبني مُطمئناً: «قال لك ساركوزي إِنَّه سيستقبلهم, إذاً سيستقبلهم» هذا أمر بسيط هذا رائع هيا بنا نُخبر غوقة الذي ينتظر.

عُدنا إلى الفندق وكان جيل ومارك يركضان تقريبا وحالي كحال كودي جاريه

الشرّير الذي مثل دورّه جيمس كانيي في فيلم «راوول والش» جهنم له الذي مات بسبب آلام صُداعِه النصفي .

كان غوقة جالساً في الزاوية الأبعد من البار مع رجل بطربوش أحمر لاشكٌ أنه واحد من الوجها لم يكن هناك قبل قليل؛ وها نحن نراهما معهاً الآن غارِقّين في حديث طويل ومُريح.

أخبره جيل بإطلاق قوله: تمام؟.  كرّر جيل باهتياج: «تمام», لأن هدوء غوقة وطريقته في مُراقبتنا بتحفظٍ غريب بدل أن يرقص من الفرح؛ أغاظه: رئيس الجمهورية الفرنسية سيستقبلكم. إذاً فهو يعترف بكم وعليكم تحديد التاريخ وتسمية أعضاء الوفد هيا بنا إلى عبد الجليل!

لكن غوقة لم يقّل شيئاً. تأمل جيل مليا وراح يُراقبني معبرا بلطف عن قلقه من صداعي  أخذ رشفة قهوة كما لو أن أمامه مُتسَع من الوقت. وتبادل بعض الكلمات بالعربية مع جليسه.

واستغرق ثوان كثرة؛ ثوان طويلة بدا قبل أن يجيبنا قائلا: شكراً يا أصدقائي شكراً جزيلاً. سأنقل الخبر إلى المجلس الذي يمر الآن كل شيء من خلاله. هل من الّْمكِن أن نلتقي هنا بعد ساعة؟

لا وقت لدينا للدهشة. لنهزه. لنتأكّد من أنه فهم ما نقول له: "إذاً لم تفهموا المسألة؟" إنها فرصة وحيدة لدعوة ممثلي الشباب الشجعان المحرومين الذين رأيناهم أمس إلى أوروبا بينما كان قد وقف وانصرف‏ وهو يُكرّر قوله: علينا أن ننتظره وسيكون هنا في أقل من ساعة والقضية هامّة؛ بالفعل.

خلال ذلك قدّم لنا مصطفى عبد الجليل نسخة من الصفحة المزدوجة المطبوعة على ورق الحرير. هؤلاء الناس غريبو الأطوار. لا خيار لنا في الواقع إلا الصَّبر.

السبت 5 آذار/مارس. آخر النهار (الاتصال الثاني بنيكولا ساركوزي ونتائجه

مضت ساعتان. ما نزال في تيبستي.

بفضل واحد من الألغاز التي تُكوّن ليبيا سرّه مرّت الرسائل النصيّة وهكذا تلقيت عدّة رسائل من ليفيت يطلب مني أسماء أعضاء الوفد الذين سوف يستقبلهم ساركوزي ويرى بآن أمين سرّه الخاصٌ سوف يتصل بي ليُحدّد لي موعداً معه فور عودتي إلى فرنسا.

ذهب جيل ومارك إلى المحكمة العليا الواقعة على الكورنيش حيث لا أحد يعرف عنه

حتى الذين كانوا هناك بدوا لهم غريبين أحياناً يتعرّفون عليهما لكنهم سرعان ما

يتجنبوهما ما الذي يحصل؟ هل يُمكن أن تكون المشكلة نابعة في النهاية مما حصل؟ هل عبد الجليل مشغول؟ هل هو حذر؟ هل يُمكن أن تكون هذه الفكرة التابعة من مجهول تقترح عليه انفتاحاً هائلاً بدت له؛بعد أن فكدر فيها أجمل من أن تُصِدَّق؟ بدت مثيرة للشكٌ؟ عبثية؟ كل شيء تمكن. سوف ننظر في الافتراضات كلّها. فمع مرور الزمن وبمساعدة البارانويا تخيّلنا واحداً من مواطنينا صحفياً أو غير صحفي يحذر الليبيين. أو رُبما يكون قد حصل اتصالٌ أيضاً وهذا سيكون أهون الشرور لأن الأشياء ستتم في نهاية المطاف . بين المجلس والطرّف الآخر ليس الإليزيه بالطبع لأن ليفيت طلب مني أسماء أعضاء المجلس التي طلبتها وزارة الخارجية الفرنسية التي لم أكن أبداً محبوباً فيها وبذلك تكون الوزارة قد تولّت القضية بنفسها. شرح هذا أمرٌ آخر تماماً. وسوف نكتشفه بعد ساعة ونحن ما نزال في بار الفندق؛ لا نعود ننتظر غوقة في الواقع بل نعيش إحباطاً ويستولي علينا القلّق يُرافقنا دوار الشمس الذي اتَّخذْ من جديد هيئة السيّد الذي يعرف شيئاً كثيراً ولا يُريد أن ينطق.

مساء الخير هل بحتم عنًا؟ ها نحن هنا...

 إنه غوقة لم نرّه يدخل . يُرافقه الوجيه الذي رأيناه سابقاً معه.

أخيراً! مكتب رئيس الجمهورية يطلب منّا أسماء أعضاء الوفد...

جلس غوقة. وطلب فنجان قهوة.

"انتظروا. لا تتسرعوا. المجلس مجتمع الآن. يُشرّفه الاقتراح. وهو ممتنّ لكم وممتنّ

للرئيس ساركوزي. لكنْ ببساطة من الصعب في نظرنا أن نأتي إلى باريس هكذا من دون الاعتراف بنا..."

كيف هذا من دون الاعتراف بكم؟ أنتم مُعترّف بكم في الواقع! المجيئ إلى باريس

يعني الاعتراف!

نعم ولا .. صعبٌ علينا حقاً أن نأتي إلى باريس من دون أن تم التفاتة أولى... فمجلسنا

تشكل تواً... والوضع العسكري غير جيّد... ولا نستطيع أن نرتكب خطوةٌ غير صحيحة...

‏لما رأيت موقفه. مهما كانت درجة إدهاشه؛ قد تجمّد وأنّه ليس موقفه بل هو موقف

المجلس وأنه لن يتزحزح بعد.. رَجُوتهِ أن ينتظر بدوره عدّة دقائق وصعدت إلى غرفتي لآتي بهاتفي المحمول. وأخرّج إلى سُلَّم الفندق ‏ وأنا أظن أنَّ عند هؤلاء الناس رباطة جأش هائلة اتصلتٌ مرّتين. المرّة الأولى مع جان دافيد ليفيت الذي كانت ردّة فعله مُطابقة في الجوهر لردّة فعلي: «الاعتراف هو الزيارة» وفرنسا لا تستطيع أن تتصرّف بلياقة بأكثر من أن تستقبل على أعلى مستوى مبعوثي المجلس المتشكّل توّا.

‏والاتصال الثاني مع رئيس الجمهورية الذي أعلمته بالوضع وكانت ردّة فعله مُفاجئة جدّاً أيضاً إذ يُذَهلِني لكن بعكس ذهولي من موقف غوقة والمجلس الوطني الانتقالي. قال بكليات واضحة: «نعم» أفهم ذلك؛ موقفهم منطقي سوف أفكر لكنّي سأجد حلا تعال لرؤيتي فور عودتك يوم الاثنين صباحاً.

‏اكتشفت الحل بعد ساعة حين كنت قد صعدتُ إلى غرفتي اكتشفته كما اكتشفه أهل بنغازي من ضجيج المدينة. إذ بدأ هذا بضوضاء أبواق السيّارات تحت نافذتي. ثم تعالت صيحات الفرح وتناهت إليّ. ورأيت مجموعة من الناس تتجمّع على الأقدام على شاطئ البحر ثّمَ تتجه إلى الكورنيش مُنشِدةٌ اسم ساركوزي فنزلت الدرج أربعاً أربعا ورأيت أمام الفندق من جديد مارك وجيل. فانخرطنا بين الناس وحاولنا أن نفهم ما يجري. قال أحدّهم:

اعترفت فرنسا قبل قليل بالمجلس الوطني الانتقالي. فاضاف آخر: لا لم تعترف به ولكنّها رحبت بتأسيسه؛ وهذا شيء رائع. حين وصلنا إلى الكورنيش صعدنا إلى الطوابق العليا حيث أرانا البيانَ الذي أعلنه الإليزيه والذي تبثّه وكالات الأنباء العربية أُحَدُ أعوان غوقة المزدحم بالعمل؛ المنهك الذي يتلقّى وابلاً من الُمكالمات الهاتفية؛ ومع ذلك فهو مُغتبط.

يقول البيان: "تُرحُب فرنسا بالمجلس الوطني الليبيّ وتدعم مبادئه وأهدافه التي يعمل من أجلها. وتهنئ نفسها بإرادة الوحدة التي توّجت تأسيس المجلس وتُشْجّع المسؤولين فيه والحركات التي تكوّنه أن يُكملوا عملّهم بهذه الروحية. وتّدين فرنسا الاستخدام غير المقبول قوّة ضِدّ المدنيّين وتتوجّه إلى أقارب ضحايا المواجهات الجارية في ليبيا. وتحيي شجاعة الشعب أمام العُنف في الزاوية وفي غيرها من المناطق الليبية. وتدعو بإصرار إلى احترام القرار الذي أصدره مجلس الأمن وإلى إيجاد حل سيامي سريع يسمح بوقف أعمال العُنف وبتشكيل حكومة ديمقراطية تستجيب لتطلّعات الليييّن".

الجماهير في الخارج تصرخ من فرط السعادة. وتوارد الناس الذين ازدادوا عدداً لسماع الأخبار أو أنهم يعرفونها لكنهم جاؤوا يحتفلون بمناسبتها يتعانقون ويُعانقوننا. حُدّد الموعد هنا غداً صباحاً: لقد قبلت دعوة فرنسا بشكل طبيعي وسوف يُعطوننا أسماء أعضاء الوفد غداً. فاختفى صُداعي تاماً.

بحثأ عن الجهاديين في درنة

استيقظنا عند الفجر. عُدنا إلى الكورنيش فوجدنا أنّهِ ما يزال مليئا بالناس الذين يحملون أعلاماً عليها الأزرق والأبيض والأحمر صنْعت أثناء الليل. لم تكن أشكالا ناجحة. بعضّها كان مستطيلاً جداً. وبعضها مُربّعاً أكثر من اللازم. رأيت وأنا أقترب من أحد الأعلام؛ علماً ضخما جداً في الواقع لانه يُغطي قسما من واجهة مركز الصحافة صنعوه من قِطع قماش خَيطَتْ على عجّل ولم يلوّنوها بأحمر حقيقي ولا بأزرق حقيقي. لكنّ تأثيرها فعّال. المدينة هي التي شرعت في الاحتفال بالعيد والعيد فرنسئ. بنغازي هي التي قرّرت بعد هذه السلسلة غير المتوقّعة من المكالمات الهاتفية: واللقاءات؛ أن تُكرّم بلادي وهو تكريم شعبي وعفوي. حاولتٌ جاهداً ألا أكون وطنياً بإفراط. هذه الفكرة ة تفعل في شيئا. دخلتٌ بتأثر عارم مكتب غوقة الذي لم يكن قد وصل بعدٌ لكنّه أرسل مُسبْقاً ُمعاوناً كلّفه بان ينقل ِلي المعلومات الأولى عن الوفد الذي سوف يستجيب لدعوة الرئيس ساركوزي. من الأعضاء السيّد علي العيساوي الذي كان وزير المالية في عهد القذّافي ثُمّ سفيراً في الهند وبهذه الصفة

كان واحداً من أوائل الدبلوماسيين يتغيّب عن الموعد (فليس لديه تأشيرة دبلوماسية لدخول أوروبا ‏ فهل يُمكن تسوية هذا الأمر؟). والسيّد محمود جبريل أيضاً الذي كان في السنوات الأخيرة؛ رئيس «تنمية الاقتصاد الوطني»؛ ورأس حركة تحرير الاقتصاد الليبي وأنه؛ بحسب الورقة المزدوجة التي أعطاني عبد الجليل نسخة منها هي في جيبي؛ مُكلّف مع العيساوي بالشؤون الخارجية للمجلس الانتقالي. ورٌبّما سيُضاف اسم شخص ثالث لا نعرف بعد من يكون. أقول لم لا تكون إمرأة؟. سيكون مُهما للرأي العام في فرنسا أن تكون امرأة من أعضاء الوفد. عندكم الأختان باغاغيف. إيمان وسلوى اللتان ستصنعان مُعجزة . سوف نرى؛ لا نعرف؛ سوف نخبركم...». أعطيتهم رقم هاتفي وعُنواني الإلكتروني» ورّقَمَي جيل ومارك وعنوانيهما الإلكترونيين. أكدوا لي أنهم لن ينتظروا حتى اللحظة الأخيرة وأنهم سوف يخبروننا فور توجُه الوفد أو أيّ عضو من الوفد إلى باريس. فقرّرت العودة إلى فرنسا دون تأخير ‏ من درنة إلى طبرق والطريق كلها بالاتجاه المعاكس حتى سالوم, ثُمّ مرسى مطروح حيث تنتظرنا الطيارة.

توقفنا من جديد في درنة. قصّة «الإمارة الإسلامية» هذه التي حدثني عنها أيضاً أحد الصحفيين: في قاعة الفطور, في فندق تيبستي تُكدّرني. ولما قدّرنا أن نقلع خلال الليل لنصل إلى باريس حوالي الثامنة صباحا وأنّ معنا في النهاية بعض الوقت قرّرنا أن نقضي فيها جزءاً من النهار. حقاً النساء قليلات في الشوارع. والنساء النادرات اللواتي نراهنَ محجّبات. ثم إننا عزفنا عن إحصاء عدد المساجد. لكنْ هل هذه المدينة إمارة حقّاً؟ وإسلامية أصولية؟ طيعاً علينا توخي الحذّر. وخصوصاً أننا لن ننجح في رؤية مَن قد يكون «أمير المدينة» الأفغاني القديم؛ المدعوٌ عبد الحكيم الحصادي لكنه كما قيل لي في الجبهة مع «فرقته»» هناك حيث تحتِدم المعارك لأنّ محاربي درنة «أفضل محاربي ليبيا». لكنْ في النهاية ثمّة علامات لا تخطئها العين ‏ ولا تمضي في الاتجاه الذي يخيفني عاشور: الطالب القديم في كلية الطبّ المسلم طبعا والتقيّ رُبّما غير أنّهِ يشرح لنا قائلاً: ليبيا الغد ستعترف بالحريّة ليس فقط بحريّة الرأي بل بحريّة التفكير وأنّه أخذ بالشرح حتى لبي وقتّ الصلاة.

هذه المجموعة من المحاربين تعيش تحت الخيام غير بعيد عن الجامع الكبير: أحدهم بحكي لنا عن تحرير المدينة ويُرينا آخر غاضبٌ جداً صُوّر أجساد مُقطّعة احتفظ بها في هاتفه المحمول؛ وهي تشهد على وحشية رجال القذَّافي بينما يقودنا ثالث إلى قاعة مُتصلة بالمسجد إلى حائطٍ من وجوه حيث تُعلّقَ صُوّر «شُهداء» أيام شباط/ فيراير ويُسمّيهم واحداً واحدا بنغمةٍ رثائية مؤثّرة لكنّها جليلة ‏ ومع أني نظرتٌ كثيرا وسألت كثيرا لكنني لم أرَ الفرق بين هؤلاء الثوار والثوار الشباب الآخرين الذين تمكنتٌ من رؤيتهم في اجدابيا أو في البريقة.

هذا الإمام الفخور بأن مدينته هي «الأكثر تديّناً في ليبيا»» وبالروح نفسها كما لو أنْ هذا يُناسب ذاك؛ هي التي دفعت الثمن الأغلى  مائتي قتيل لثورتها ضدٌّ القذّافي: ويحتج على أن تكون درنة قد قدّمت منذ عشر سنوات إحدى أكبر فصائل «المحاربين الأجانب» ذهبت لمحاربة الأميركيين في العراق؛ وصرخ حين حدّثته عن «الأصولية» وقدّم لي كلمة «إسلام وسيط» نفسها التي قالها السيد الذي التقيت به على الكورنيش في بنغازي في المساء الأول ووقّع كلامه بالقول: لا يوجد في هذه البلاد إلا إرهابي واحد يحضر ضدناً شيئاً رهيبا هو مُعمّر القذّافي المعروف ب "المجعد". ثمّة تفصيلان أيضاً.

فرنسا. أخبار البارحة مساء أثارت هنا الحميّة نفسها التي أثارتها في بنغازي. ويكاد يكون الفرح مُزعجاً كلّما قلنا نحن فرنسيون في طريقنا إلى باريس. الأكثر أهمية هو إجماع هؤلاء الشباب على أن يطلبوا بروح واحد. تدخلاً عسكرياً: لكن بأي شكل؟ ليس هذا واضحا لكنْ الدعوة واضحة؛ واليد هنا ممدودة وهنا مَن يطلب النجدة؛ فنحن بعيدون, بعيدون جداً عن أفغانستان والعراق ويُغض الغرب الذي هو غالباً الدين الحقيقي.

وهناك هذه الطرفة. عند مخرج المدينة وقد هبط الليل حين كنا نبحث عن طريق طبرق صادفنا نقطة عبور غير مُتوقّعة. وهنا وللمرة الأولى منذ دخولنا ليبيا طلب الرجل المناوب الذي يعطي لنفسه أهميّة جوازات سفرنا. لاحظ تحت ضوء شُعلته وعد على جواز سفري وعلى جواز جيل العدد الكبير من الأختام الإسرائيلية. أنزلنا من سيّاراتنا. وأتى بنا تحت واقية مرفوعة على أربع سَواري أعلام تكوّن مقرٌ نقطة العبور. ودعانا للجلوس على الأرائك الغائرة التي فقدت قِشّها الموضوعة على سجّادة مُّزريّة وهذا كل أثاثهم. . والمذياع الموضوع على أعلى درجة صوت, يُمطر فيضاً من الأخبار التي خمنا أنها مُقلِقة يبرز فيها اسم رأس لانوف؛ وبن -جواد والبريقة وبنغازي وها نحن نمضي في نقاش ليلي طويل حاد لكن غير حاقدعن إسرائيل؛ والصهيونية؛ وحقوق الفلسطينيين الْمنتّهكة ‏ لكن الإزعاج الوحيد أن النقاش أخرنا قليلا. لكن كل شيء على ما يُرام.

كنا في الواحدة صباحا على الحدود التي عبرناها في هذا الاتّجاه بسرعة.

وفي الثالثة صباحاً كنا في مرسى مطروح حيث قام بتسفيرنا موظف شبه نائم.

خلال ذلك استطعت للمرّة الأولى أن أفتح بريدي الإلكتروي.

كان في فيض الرسائل الإلكترونية وقد تهت في البرقيات التي بدأت تتحدّث عن انقلاب الموقف الممكن لصالح القذّافي ثلاثة أخبار. .

صدر تقريري في جريدة الأحد وعنوانه «ماذا يُمكِن أن نفعل من أجل الثورة الليبية الفتيّة؟» حيث أقترح التدخل العسكري الجوّي الذي يستهدف مطارات القذّافي وتشويش منظومات الاتصال والقيادة وخصوصاً الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي بوصفه الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي.

وثمّة خبر عاجل من وكالة الصحافة الفرنسية يستشهد بإعلان ألان جوبّيه الذي اعترف » قبل عدّة ساعات من القاهرة» بأنَّ «الكولونيل القذَّافي ونظامه» قد «فقد الشرعية؛ وعليه «أن يتنحّى»» لكنّه أضاف في الحال أنه يُعارض بشدّة فكرة تدخل عسكريّ غربيّ في ليبياه إذ ستكون له في رأيه نتائج سلبية للغاية.

وأخيراً رسالة من أمانة سرّ رئيس الجمهورية يطلب منّي أن أكون هناك غداً صباحاً بل بعد قليل الساعة العاشرة في الإليزيه. كيف سيتناغم هذا مع ذاك؟ وكيف سيتمكن

ساركوزي من التوفيق بين حذَّر وزيره ونزوته الخاصّة ساعة تأكيد هذا الموعد؟ سأعرف المزيد عن هذا بعد عدّة ساعات.

يتواصل