ذات صباح في الأليزيه
الساعة العاشرة صباحاً. لم يتوفّر لي الوقت إلا بالكاد لآخذ حماماً سريعا وأحلّق ذقني, وأْبدّل قميصي بآخر نظيف. وها أنا الآن. في الإليزيه أمام هذا الرئيس الذي تربطني به علاقة متميزة هو خصمي طبعاً. هو رجل لم أَنتخبّه ولن أنتخِبه العام القادم. ولم أتوقّف منذ أربع سنوات: عن النضال بشدّة ضدّ سياسته في كل القضايا تقريباً (وهذه علامة لا تخدع أبداً: لاحظتٌ أنني لم ألتق به على انفراد منذ ذلك اليوم من شهر حزيران/ يونيو عام 2008 قبل حوالى ثلاث سنوات حيث كان قد طلب مني أن آتي إليه لأحدّثه عن آرته ولم يكن لقاؤنا انفرادياً لأنّ «آلان مانك» الذي رتب اُلمقابلة كان حاضراً!.
لكنّ بيننا صداقة في الوقت نفسه. صداقة قديمة جداً تعود إلى أوّل انتخاب له وهو في الثامنة والعشرين مُحافظاً لمدينة نويّي. كنت ناخباً في نوتي. دعاني إلى الغداء ومن ثم تولدت بيننا علاقة تميّزت بلحظاتٍ جوهريّة من الرفقة لحظات البعثة التلفزيونيّة التي دافع فيها عنّي وعن «غلوشهان» ضد طارق رمضان, أو الأهمّ خلال حرب البوسنة حيث كان بالأحرى واعياً بيوميّاتنا بمشاهد السيرة وأخيرا بالجنس السردي الذي لا يُنْسَى. زواج أحد الاخوة... هذا الصباح المنحوس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر حيث تغور الأرض تحت أقدامكم: وحيث تعتقدون أنكم سوف تموتون أيضاء وسبق أن أجابوكم بأنه لم يعد ثمّة من مكان؛ ولا حتى قبر صغير في مقبرة نوتي القديمة لوالدك الذي توفي قبل حين لحسن الحظ أن ساركوزي كان موجوداً... باختصار. إِنّها حرية علاقة وتقارب راسخة في هذا الماضي لم تنقطع أبدا ولا شك أنها سهّلت الحديث الهاتفي المدهش أوْل أمس والحديث الذي لا يقِلّ إدهاشاً الذي سَنجريه الآن مُباشرةً (علامة أخرى تعبر كثيراً عنه لكنّ هذا في الاتجاه الآخر: هذه المخاطبة بضمير «أنتّ» الْمزْعِج تقريباً، حقيقة أن يكون أوّل رئيس جمهورية . مع احتمالٍ كبير أن يكون آخر رئيس جمهورية يخاطبني وأخاطبه بهذا الضمير.
أراقبه وهو يدعوني للجلوس واقفاً أمامه في هذا المكتب الواسع الذي سبق أن أتيت إليه للدفاع عن قضايا أخرى لدى رئيسَين؛ بل لدى ثلاثة من رؤسائه.
الرئيس جيسكار الذي لم أعُد أتذكّر زيارتي له بوضوح؛ ويصعب عل مُطابقة الصّوّر. كنا بصحبة موريس كلافيل وكلود ليفي ستروس وجان لوك ماريون أتينا نحدّثه عن جملة أمور عن حالة رانوتشي وعن مسألة الحكم بالإعدام. أتذكّر فقط سيّداً على قذْرٍ رفيع من التربية ساه قليلاً كان يبدو مُركُزاً على فكرة وحيدة هي أن يدقق فينا واحداً واحدا مخصّصاً لكل منا العدد نفسه من الثواني بانتظام كانتظام الساعة. فيما يتصل بالرئيسَين الآخرّين الصّوّر بصراحة: أوضح بكثير ولا أستطيع الامتناع عن المقارنة.
ميتران الذي أتيثّه إذاً في ظروفي مُشابهة لأنقل طلب النجدة من بيغوفيتش: كان مُتحصّناً وراء مكتبه. كما لو أنه يُريد أن يضع أقصى مسافة تمكنه ليس بيني وبينه فقط بل بينه وبين البوسنة أيضاً.
أمّا شيراك فقابلته لأحدّثه عن موت اللواء مسعود وعن حركة الطالبان التي قتلته وعن هذا التقرير الذي طلبه مني حول مُشاركة فرنسا في إعادة تعمير أفغانستان وكان موقفه معاكساً لموقف ميتران: يوم مجيئي لاستلام طلب التقرير ثمّ بعد شهرين لتسليمه له كان قد اختار الجلوس على واحدة من الأرائك المخصّصة لزواره باذلاً أقصى جُهِدَه ليريحني ينهض باستمرار ويعود للجلوس. لِيْقَدّم لي زُجاجة ماء معدني «بيريبه»؛ ويسألني إن كنتٌ أريد فُستقا وحين أخذ هاتفي المحمول يرن في جيبي؛ نهض من جديد وتظاهر بالابتعاد ليتيح لي أن أردّ وقال: خذه لا تُزعج نفسَّك قد يكون هذا مُهما"
ساركوزي وسّط بين الاثنين. لم يبقّ وراء مكتبه ولم يجلس على أريكة. ليس بارداً كميتران؛ ولا رفيق حميم مثل شيراك. يتصرّف تماما بما ينبغي من حذر مشروع وتشجيع ودّي على الكلام.
بدأ بالقول: "شكراً عل مجيئك"
أنا السعيد بتحقّق هذا الموعد. وبهذه السرعة.
- قرأتٌ ما كتبتّ. ولكنْ ستحكي لي قليلاً بطبيعة الحال.
حكيتٌ له عن بنغازي. عن غوقة. عن اللّغز عبد الجليل. عن المجلس الوطني الانتقالي الذي شهدتٌ ولادته. وعن العلّم الفرنسي على الكورنيش. عن الطيارة الورقية بألوان علّم فرنسا. عن مصير الربيع العربي الذي يحدث اليوم في ليبيا. وعن الاقتراحات الثلاثة أو الأربعة التي أقترحها في جريدة الأحد. :
استمع إلي. لم يُقاطعني؛ أصغى إِليّ خلال عشر دقائق. هل هو مُقتنع سلفاً؟ وهو على أية درجة معلومات بالضبط؟ أَضفتٌ في جو من الريبة قليلاً. جبهة راس لانوف. شجاعة الشباب الفوضوية لكنّها الرائعة. يقين الناس في بنغازي بِأنّ كتائب القذَّافي إذا وصلت إلى داخل المدينة سيقتلون الجميع وسوف يُفيضون حقاً آبار الدم التي وعد بها سيف الإسلام.
وشدّدتٌ على أنّ هذا ليس فرضية مدرسية بل مذبحة مُعلّنة. وهو إعلان إن صدّقنا المعنيّين بها وأعتقد أننا يجب أن نصدّقهم ليس أبداً فصاحة خالصة.
ومن جهة أخرى... هذه الكلمات التي سأنطق بها الآن لا أملك أية فكرة عن الطريقة التي راودتني بها. وهي لا تُشبهني إلا قليلاً جداً... بل تُناقض جداً رؤيتي إلى العالم وتُناقِضني... ومع ذلك. أرى نفسي أربط في ما بينها أسمع نفسي ألفظ هذه الجملة التي كانت ستبدو لي في الظروف العادّية غريبة ببرود:
ومن جهة أخرى هذا أمر بسيط جداً... إذا حدثت مذبحة في بنغازي. فسوف يُلطّخْ دم المذبوحين العلّم الفرنسي.
وأنا لم ألفظ هذه الكلمات وحسب ومل أرَ فقط أنني أستقيها من بئر مجهول في داخلي بل بدا لي أنها تثير عند من يسمعها انفعالاً غير مُتوقّع .
إنها في قليل "قصّة فرانسوا ميتران" وهو يتلقَى طلب النجدة من بيغوفيتش إذ حدّثته طولاً وعرضاً عن المدينة المحاصّرة. حكيتٌ له عن الأطفال الذين قتلّهم القنّاصة؛ والْمثقَفِين الذين يعقدون الندوات عن جان بول سارتر في أقبية البناية المقصوفة. حكيتٌ له عن الصحفيين الأبطال الذين استمروا على خط الجبهة في كتابة جريدة المدينة أوسلو بودجنج وفي طباعتها وعن اللواء اللامع يوفان ديفيجاك؛ المكلّف بالدفاع عن سراييفو مع أنّه من أصل صُربي. قلت له كل شيء. نوّعت في زوايا الهجوم. لكنْ لم أستفد شيئاً. لاشيء كان يبدو أنه قادرٌ على زحزحة عدم اكتراثه الجليل بمكان هؤلاء البوسنيين الذين يشعر حتى النهاية أنهم أقل قُرباً إلينا من الصّرببين. بقي كذلك حتى أيقظت جملةٌ بسيطة ومضاً في عينيه ثمّ سألني سؤالاً أو اثنين حدّد من خلاله أن القضية تبدأ من صاحب الشأن: إنها الجملة التي قلتها له هكذا على عجّل, لكنْي أدركتٌ أن التفاصيل هي التي سوف تُغيّر كل شيء في نظره؛ لأنه كان يُنسّق مجموع القصّة مع مشهد مؤسّس في مخميّلته وهي أن الرئيس بيغوفيتش المُحاصر قد يكون مات الآن ونحن نتحدّث جعلتني أفكر تفكيراً لا يقاوم بالصورة الأخيرة لسلفادور اليندي الملاحق ولكنه يقف بعزة نفس بقبعته المائلة على رأسه. ينتظر في القصرالرئاسي في سانتياغو الُدمّرة هجوم الفاشيّين التشيليين. هنا الشيء نفسه. هذا ما سوف يقعل فعله مع قصّة الأعلام الفرنسية الملطّخة بدماء الثوّار ومع سلسلة من العلامات الدقيقة ومض مُرتعش في النظرة ثباتٌ مفاجئ وعابر في الملامح. لدي الانطباع عينه بأنني لامست من دون أن أدري نقطة سريّة من النفس وجّعاً قديمأ لستٌ أدري قاطعني بالقول بصوتٍ أصم بغتةٌ: "حسّناً. حسناً. فلنوقر الوقت. أعرف هذا كلّه. وأنا إنما أتلقّى تأكيد التقارير. من الواضح أنْه لم يعد ممكناً فرض الحظر الجوي. غير أنَّ قصف المطارات الثلاثة التي تُقلِع منها الطيّارات الحربية ثّم تشويش منظومات اتصالاتها هو الحل في الواقع.."
وبرّم شفتيه كأنه أراد أن يقول: نرجو حتى في هذه النقطة ألا يكون الأوان قد فات.
ثم ألقى نظرة على هاتفه المحمول الموضوع على الأريكة؛ الذي بدأ بالرنين وتابع يقول: "قد تكفي غارات على سرت وسبها وباب العزيزية: أجل. لكن يجب المضي سريعا سريعا جدا".
ليس أمامه ملاحظات. لكني تنبِهت أنّ أمامه ملفاً.
قال وكأنه يعترض على نفسه: "المشكلة الحقيقية ستكون سياسيّة, لكنّ الأولوية لهذا
المجلس الوطني الانتقالي..." طبعاً؟ وافقتٌ على استقبال أعضاء منه. إذاً سوف أستقبلهم.
السؤال الجوهري هو الآن: "ماذا علينا أن نتصرّف معهم؟ وعلى أي مستوى
الاعتراف مثلا؟"
يبدو أنه طرح على نفسه السؤال بصدق وما أوقف إيمانه في هذه النقطة. حينئذٍ حدّثتُه من جديد عن الانطباع الجيّد الذي تركه فّي هؤلاء الرجال. وعن أنهم قضاة قُدماء ومُحامون ورجال قانون: وحقوقيّون. وبيّنتُ له أيضاً الأهمية التاريخية التي سيكتسبها الاعتراف الكامل بالمجلس في حال حصوله؛ فقاطعتي فوراً: متى يُمكن أن يأتوا إلى باريس؟
لا أعرف... بسرعة فائقة... رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل يأمر بإرسال الشخصّين الُمكلَفَينَ بملف السياسة الخارجية. الأوّل في الهند والثاني في القاهرة...
أخرجتٌ من جيبي الورقة المزدوجة التي صوّرتها وفيها إعلان ولادة المجلس. كنت قد كتبتٌ بخطّ اليد بجانب اسم العيساوي: «مشكلة تأشيرة الدخول شينغن». أخذ الرئيس الورقة؛ وألقى عليها نظرة سريعة ووضعها جانباً
وهناك أيضاً المشكلة السياسية الأخرى. فرنسا لا تستطيع أبداً أن تتدخل وحدها في ليبيا. قلت له: "أوه! هي ثلاثة مطارات..."
فابتسم: حتى لو كانت فقط ثلاثة مطارات فهذا لا يِتِمٌ إلا بموافقة حلفائنا والأهمّ من ذلك لا يتمٌ إلا بتفويض دولي. والأدهى أن تُكرّر الخطيئة نفسها التي ارتكبها بوش في العراق. في هذه الحال؛ لن تُسامّح فرنسا ولن أسامح أنا أيضاً. لكنْ حسّناً...
قام بحركة مُشَعوذٍ يحرج من قبّعتِه أرنباً. وينظر نظرة ثانية أقل حِدّة وأكثر طفولية من تلك التي سادت منذ بداية الحديث.
هو ذاك يأتي هذا في الوقت الُمناسب. هناك اجتماع أوروبي يوم الجمعة القادم. ثمّ ستنعقد قمّة الثمانية في باريسء في 14 آذار/ مارس ...
اعتراض آخر على نفسه:
سيكون هذا مُتأخراً طبعاً ولن نتمكدن من الانتظار حتى قمّة الثمانية. إذاً سنحاول أن نتدبر أمر هذا بدءاً من يوم الجمعة. سنْكوّن إجماعاً أوروبياً. نتسلّح بهذا الإجماع ونذهب إلى الأمم المتحدة.
وإذا لم ينجح هذا؟
سوف ينجح .
رأى هيأتي المرتابة وسأل باندهاشٍ صادق: من يُمكن أن يعترض عليه؟
لا أدري ... ومن قال إِنَّ برلسكوني وميركل سيقتنعان بسهولة؟
أنا وأنجيلا ميركل مُتفاهمان كما ينبغي ولا يُمكِن أن تكون غير مُكترثة بعدالة القضية.
إذاً جوبّيه هو العقّبة في هذه الحال...
تظاهر بأنه لم يسمع وردّد القول: ميركل! كيف يُمكن أن أتَخيّل ميركل تقول لا في قضية إنقاذ الشعب الليبي؟
عدت إلى المشكلة: ولكنْ جوبيّه؟ لم ننس الطريقة التي تصرّف بها في قضية البوسنة ثم في قضية رواندا. وسيكون حتماً ضدّ هذه القصة الليبية. ولن يكون جوبيّه إذا لم يقف ضدها عندي نصيحة أسمح لنفسي بأن أقدّمها: ننجز كل شيء من هنا من خلال الخليّة الدبلوماسيّة ولا نقول شيئاً لأحد نحتفظ بالْسِرٌ ونُخفيه حتى عن جوبيّه.
تظاهر دوماً بأنه لم يسمع شيئا أو بأنّه لم يكن يفهم إلا نصف النصيحة:
ما فائدة السياسة إن لم تنفع في تذكر دروس التاريخ واستنتاج الْعبّر منها؟ لن أكون مثل ميتران. ولن أكون الرئيس الذي تُرِك الليبيون يموتون في عهده.
أفكر بسنة 2007. أفكر بذلك الحديث الذي خضناه قبل الانتخابات الرئاسية الذي نقلته فاتحاً خفايا الأمور الكبرى بالمقلوب. طبعا لم يكن يتكلم عن ليبيا بل عن حريّة الشعوب بشكل عام. وأنّ طموحه؛ فيما لو تم انتخابّه أنه سيقود سياسة خارجية واسعة مقياسها ضرورة حماية حقوق الإنسان. لم أهتمّ بذلك حينذ. وما آمنتٌ بأنه سوف يفي بوَعْده. ويمكن القول إِنّ كل ما استطاع القيام به منذئذٍ (بادئاً في شهر كانون الأوّل/ ديسمير بالاستقبال الفاحش للقدّافي) أو بعبارة أفضل لم يتوّف كل مالم يستطع فِعلّه أو لم يرد فِعلّه (عدّم وجود أية مبادرة في دارفور والتفاتة جميلة مُّزيّفة في جورجيا واليد لم تكن ممدودة باتجاه بوتين بأقلّ من امتدادها باتجاه الذي كان قبلّه) عن أن يجعلني على حقٌ. هناء فجأة لم أعد أعرف. ثمّة في طريقة تعبيره بالقول «لن أكون الرئيس الذي يترّك الشعب الليبي يموت في عهده» نبرةٌ من الحقيقة تقلقني. أستأنف القول:
بالُمقابل العسكريُون سيكونون مع التدخل. هل يطول الأمر لا أدري. غير أنّ العسكريّين الفعلييّن أولئك الذين رأيتهم يتململون في البوسنة وأفغانستان ثم في تشاد أولئك الذين ملوا من البقاء بعيدين عن القتال أمام شعوب تموت؛ سوف يتلقّون خبر
التدخل بحماسة".
أجاب لكنْ خارج الموضوع. كان حالِماً قليلآ وخارجٌ الموضوع. "حين أفكر بهؤلاء الناس جميعاً الذين سوف يقولون إنني أفعل ذلك لأغراض سياسية... فأنا لا أتوهم. فهذه الحرب لن تكون شعبية أو إن كانت كذلك فلن يدوم هذا وقتا طويلاً.لكنْ ليس هذا هو السؤال. ينبغي خوضُها".
وضع المدينة؟ أهِيّ مُهدّدة؟ قلقة؟ جاهزة لردّ هجوم القذافي؟ كيف؟
نعم أعتقد أنها جاهزة. ينطبق عليها قول مالرو عن مدريد خلال الحرب الإسبانية: قدرة المقاومة السريّة العجيبة التي تمتلكها المدن.
والرّجال؟
أكثر يقظة مما تُبديه الصحافة. أكثر حزماً أيضاً. وجاهزون للقتال إذا أخلتٌ لهم قَوَة حليفة الجو وقدّمت لهم دعما جوياً جدياً.
هز رأسه كأنما ليقول إن هذا أيضاً يُعزّز ما سبق أن عرّفه. سوف نتبادل أيضاً بعض
الأفكار من بينها فكرة حسّاسة عن استقبال القذّافي سنة 2007 التي لمته عليها ويدّعي أنّه ليس نادماً أبداً؛ لأنّ هذه كانت وقتها أفضل طريقة لتخليص الْممرّضات البلغاريات من الدعوى. لكنْ يبدو أننا حالياً يجب أن نكون مُتفقين.
مبعوثو بنغازي
ربطتٌ وأعدت ربط الأحداث فكرت وأعدتٌ التفكير بذلك المشهد المجنون الذي بدأ في شاحنة خضار صغيرة واستمر مع اتصال غير محتمل من هاتف ثريا مُعطَّلة وانتهى بقصة هذا العلّم الأزرق الأبيض الأحمر الذي كان سيحيرني توظيفي له بهذه الطريقة فيما لو لم أكن اتصوّر أني أنا أيضا خلافاً لآيّ توقع حسَاس تجاهه قليلا. لم أتكلّم مع أحد. وعدت الرئيس بالسرية. ويبدو أنه مُلتزم به وإذا علي الالتزام بوجود خاص. لا أحد يجب أن يعرف لا أحد إطلاقاً باستثناء جيل الذي يُتابع الاتصال ببنغازي ويحاول أن "يتعقّب" مبعوثينا ولحظة وصولهم إلى أوروبا. وأنا أنتظر.
الأربعاء 9 آذار/مارس (المبعوثون أيضأ)
الأخبار عند جيل ومارك. المبعوثان هما جبريل والعيساوي الرَّجُلانٍ اللذانٍ أعلن اسمّيهما مكتب غوقة. بالإضافة إلى اسم ثالث هو علي زيدان رئيس رابطة حقوق الإنسان الليبية. الخلية الدبلوماسية في الإليزيه تتولّى كل شيء. سيكونون في باريس هذا المساء في فندق يقع في الدائرة الثامنة. سيصل زيدان من ميونيخ وجبريل من القاهرة. كلاهما قضيا نهارّي أمس واليوم في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ حيث التحق مهما العيساوي. وقد اسقبلت الوفد, باستثناء العيساوي الذي كانت عنده مشكلة تأشيرة الدخول. هذا العصر رئيسة الاتحاد السويسري في برن. ولم يتوفر لهم من.الوقت إلا ما سمح لهم تحديداً أن يلحقوا موعد آخر طيارة بين برن وباريس. إنهم هنا إذاً. . سيستقبلني وإياهم نيكولا ساركوزي غداً صباحا في العاشرة.
الخميس 10 آذار/مارس (عندما تعترف فرنسا بليبيا الحرة)
الإليزيه. في العاشرة. نحن في صالة الاجتماعات الكبيرة المتصلة بمكتب الرئيس الذي كان مكتب آتالي عند المدخل على يسار الطاولة ساركوزي تُحيط به هنري غينوه وجان - دافيد ليفيت ومّعاونه نيكولا غالي. ومُقابلهم علي العيساوي وعلى يساره محمود جبريل وعلى يمينه شخص لا أعرفه استنتجتٌ أنّه علي زيدان ثّم أنا الذي جلستٌ تلقائياً إلى جانب علي زيدان.
يشعر الليبيون بالخجل.
الجوٌ رسمي.”
لِلمُستشارين الفرنسيّين على نحو غريب هيئة مُرتبكة؛ وكأنهم لا يعرفون هم أنفسهم
ما ينبغي أن يتوقّعوا. غينو خاصّة مُلتصق بكرسيّه كتفاه مُنكبّان إلى الأمام نظرته حارقةٌ في وجهه المكفهّر وطريقته الْمضحكة في إطلاق النظرات القلقة يميناً وشمالاً.
وجه ساركوزي مُتوتر مكظوم لا أتعرّفه.
هو الذي بدأ فضلاً عن أنه هو الذي سوف يتحدّث خلال الوقت الأساسي للمقابلة.
قال: أعير تطوّر الأحداث في بلّدكم الانتباه الأقصى. وقد أعلمّني السيد برنارهنري ليفي بمُجريات سفره إلى بنغازي وبما رآه وبلقائه برئيس المجلس عبد الجليل. أشكركم على تحمّلكم أعباء السفر للمجيء إلى هنا. الحق أن المجتمع الدولي والتفت إلى جان دافيد ليفيت لا يستطيع أن يبقى مكتوف الأيدي إزاء ما يحدث في بنغازي وفي المدن الليبية الأخرى. بعضهم يتحدّث عن مُساعدات إنسانية: قولوا لي إن كنت مُخطئا لكن يبدو لي أن وقت الُمساعدات الإنسانية قد فات. وبعضهم يفكر بتدخل جوّي. بفرض منطقة حظر جوّي على طيارات القذّافي: فهمت على ما أعتقد أن هذه الصيغة أيضاً غير كافية إطلاقاً إذا تنبّهنا إلى تسارع الأحداث. لا أبدأ لقد وصلت إلى نتيجة وهنا أيضا أوقفوني إن أخطأت مفادُها أن الحلّ الوحيد أمام العنف المتعاظم وامتداد الجرائم التي تُرتكب. إنما هي العملية العسكرية.
أوه! لن نعلِن الحرب ضدّ ليبيا. ولن نقوم بالثورة نيابة عن الشعب الليبي. فالفرنسيّون لم يحتاجوا أحداً سنة 1789 للقيام بثورتهم. وبالتالي لا أرى لماذا سيحتاج الليبيون إلى الفرنسيين أو إلى غيرهم للقيام بثورتهم. دعوني أقُل بالمناسبة إنني رأيت قصّة هذه القوّات البريطانية الخاصة التي دخلت بلادكم؛ من دون إذن وهي مُدجّجة بالسلاح. وكنتم على حقٌ بإعادتهم إلى مكانهم. لأننا لا نفعل هذا حين نأتي إلى أصدقائنا. نطلب الإذن وننتظر التأكّد من الحصول عليه لندخل بمعدّاتٍ حّساسة. إذأ أنا أستجيب هنا لدعوتكم. فهمت من خلال السهّد ليفي أنكم تُطالبون بتدخلٍ جوّي متواضع لزمنٍ محدود من دون جيوش على الأرض واستهداف الوسائل العسكرية التي تُسبّب للتجمّعات المدنية الأضرار التي يشهد عليها العام أجمّع. حسنا أنا مُوافِق. أقول لكم هذا باسم فرنسا أنا مُوافق على هذا التدخل الجزئي المحدود. الذي تطلبونه منا.
يتعيّن فقط أن نضع شكله وأن يكون قليل من العالم معنا. أنا لا أتحدث عن فرنسا:
القوى السياسية الكبيرة سوف تتبعني. لكنّ هناك شركاءنا الأوروبيين وسيكون في غاية الاهمية أن يُوافقوا ويلتحقوا بنا. وفي ما وراء أوروبا ثمّة المجتمع الدولي أليس كذلك؟ اسمعوني جيداً: بإمكاننا أن نتدخل تقنياً؛ فلدى فرنسا الوسائل التكنولوجية أعني العسكرية؛ التي تسمح ا بمثل هذا التدخل على الساحة الليبية. لكنني لا أتحدّث هنا عن التقنية؛ بل عن السياسة والدبلوماسية (يلتفت من جديد إلى ليفيت). وأفكر أيضاً بها سوف يكون غداة تدخلنا وبليبيا الجديدة التي ستخرج بعدّه. وإليكم سيعود أمرٌ معرفة الديمقراطية التي تبغونها وعلى أيّ إيقاع سوف تبنونها. لكنّي أعلّم (ويلتفت هذه المرّة إلىغينو) أن الديمقراطية هي أَفقكم. والديمقراطية تبدأ اليوم. تبدأ بإجماع دولي حول عدالة قضيتكم. حاول آخرون أن يستغنوا عنها ورأينا إلى أين قادّهم ذلك! إذاً الديمقراطية أَوّلا. وفرنسا إلى جانبكم. غير أني أطلب أن تمُهلوني عدّة أيام لأرتّب الأشياء وأتأكد من دعم المجتمع الدولي، وإذا لم أحصل على الدعم الدولي؟ إذا امتنع المجتمع الدولي خلافاً لكل التوقعات عن إدانة القذّافي والتحرّك ضده؟ لا يُمكن أن أتخيّل هذا. لكنْ في النهاية فأتخيّل ما لا يُمكِن تخيّله. لنفرض أن فرنسا لم تحصل على قرار من مجلس الأمن والأمم المتحدة. في النهاية فرنسا... لن تكون فرنسا على أيّة حال. لأنني سأتصرف بالتكاتف مع صديقي كاميرون رئيس الوزراء البريطاني. ولاحقأ سوف نستند إلى قرار موجود قدّمته دولة لبنان. لكن. لنتخيّل عدّم الموافقة على مشروع القرار. في هذه الحال فسوف نتجاوز ذلك. سوف نجد مع أصدقائنا البريطانيين وسائل أخرى ومنظات أخرى لتُعطي العملية شرعيّتها. الجامعة العربية مثلاً. وأنا عل اتصال دائم مع عمرو موسي. فهو يُتابع باهتمام شديد تطوّر الأحداث. وسنعمل على تكوين تحالف لهذا الغرض مع بعض البلدان الأوروبية والإفريقية ومع الجامعة العربية. سيكون أقلّ فاعليةٌ من الأمم المتحدة. لكنّه سيكون أفضل من لا شيء. لأنه سوف يسمح لنا بالتصرف. ومرّة أخرى أقول ليس هذا ما سوف يحصل. الملف تام. والتعاطّف كبير. ولا أشكَ في مقدرتنا الجماعية على تشجيع الرجال والنساء المستعدّين للالتفاف حول عملية حماية المدنيين.
حينئذٍ ستكون هناك بعض الأشياء التي أستطيع أن أقوم بها وحدي من دون انتظار موافقة أحد أيَاً كان. مثلاً الاعتراف بكم. فهناك قواعد بسيطة كما تعلمون. فلرئيس الدولة حقوق (قليلة) وعليه واجبات "كثيرة". والحال أنّ من أوّل واجباته ضرورة حماية شعبه. والقذّافي عجز عن القيام بهذا الواجب. حتى إِنّه ارتكب الأسوأ من هذا لأنَّ ضحايا القمع الذي أطلقّه تُعَدَ على ما يظهر بالآلاف. يبقى التأكد من الأرقام لكنها مهما افترضنا أعداد كبيرة. انطلاقاً من هنا ونتيجة ذلك. فقّد القذّافي حقٌّ إدارة البلاد. ولم يعٌّد يملك أيّة شرعيّة. لهذا السبب أنا من أنصار نقل الشرعية الكاملة نقلا عاجلاً بل فورياً إلى المجلس الوطني الانتقالي الذي ُتمثلونه. نقل ملموس سيكون سهلاً. سوف نعترف بكم بدءاً من اليوم؛ ممثلين شرعيين وحيدين لليبيا. وفي أقرب وقت (يلتفت من جديد إلى ليفيت)» مثلاً في نهاية الأسبوع القادم سوف نرسل لكم سفيرآ وسوف تُرسلون إلينا سفيراً. وأكرّر أمامكم رجائي بأن يلتحق أكبر عدد ممكن من بُلدان العالم بهذا الموقف الفرنسي ويعترفون بكم كسلطة شرعية لليبيا الجديدة.
هل ينبغي أن تحتفظوا بسريّة هذا كله؟ يتظاهر بأنّه يمُكر ويطلب بنظرته رأي مُستشاريه. لا. لم يعد الآن من داع للاحتفاظ بالسرٌ. فالذين يعرفوني يعلمون أنني صادق الوعد. وبالتالي ليس عندي كلام مُزدوج. وإذا التقيتّم صحفيين في ساحة القصر عند خروجكم؛ بإمكانكم أن تقولوا لهم جوهر ما قلته لكم رُبّما باستثناء نقطة واحدة: فكرة الهيئة الشرعية البديلة في حال عدم موافقة الأمم المتحدة لنترك هذا سريّاً بيننا في الوقت الحاضر.
استمرّت الجلسة ساعة. الليبيون مذهولون. لم يكن لديهم؛ وهم يُصافحون الرئيس السماوي. كلمات يُمكن أن تعبر عن اعترافهم بجميله. ولما كانت ساحة القصر مليئة فعلاً بالصحفيين وبأجهزة التصوير التلفزيونية فكرت بالخروج من الرواق الذي يبدا على اليمين تحت السُّلّم وهكذا وقفتٌ وراء ستائر إحدى النوافذ لأتمكن من الاستماع عن بُعد إلى مؤتمرهم الصحفي الُمرتجَل. وحين انتهوا واتّجهوا صوب المخرج؛ من جانب شارع ضاحية سانت اونوريه؛ يلحق مهم مصوّرو التلفزيونات خرجت من الباب الجانبي إلى شارع الإليزيه. وما كِدت أصير في الخارج: حتى رن هاتفي. إِنّه الرئيس الذي يُريد أن يعرف رأيي في اللقاء وإذا ما كنتُ مبسوطا وإذا كان كل شيء مُناسباً لما كنا قد قُلناه. ثمْ وبغرابة أعرف الآن مع نهاية اليوم وحتى قبل أن أَعِدَ مخططه لماذا يتصل بي: «حسّناً...كنتٌ حاضراً حسناً! أنتَ أيضاً... لا تتردّد... قل ما رأيتَ وما سمعتٌ...لا تتردّد في التعبير عن رأيك...». ما إن انتهت الكالمة وصرتٌ في السانت اونوريه حتى اختفى الصحفيّون. لم يبقّ إلا قناة عربية أدليتٌ لما ببعض التصريحات. أمام البريستول دعاني ديديبه فرانسوا للمجيء الساعة السادسة مساء إلى إذاعة أوروبا الأولى حيث كنت أحاول: أمام الجُموح الإعلامي أن أخفف وقع الحدث؛ بالقول: يجب عدم المبالغة ولن تذهب فرنسا لقصف طرابلس. نحن بعيدون عن الصورة التي تُعطيها القنوات التلفزيونية كافةّ عن برنار هنري ليفي الذي يتحدث باسم الدولة الفرنسية على مدخل الإليزيه لِيُعلِنَ الحرب على ليبيا. لكنْ إن كان هذا يُسليها...فلا أهمية لهذا الكلام الجارح برٌمّته...الشيء الوحيد المهم هو أن الرئيس قطع عهداً. وتم الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي. وأنا سعيد بهذا.
الجمعة 11 آذار/مارس عندما اعتقد رئيس الجمهورية بوجوب تغيير لهجته
جنوب فرنسا. قبل أن أترك باريس وافقت: لأوّل مرّة في حياتي على إجراء مُقابلة على هذه القناة المسمّاة الجزيرة التي قلت عنها كلاماً سيّئاً كثيراً لحظة تأسيسها واكتشفت أنها في الواقع قناة عظيمة من مستوى سي أن أن حيث بالإمكان كما حصل اليوم أن نتسلى بإطلاق عبارة تفرح شبكة الإنترنت: blow jobs التي سيصير صعباً إعطاؤها للدكتاتوريين العرب. أنا سعيد بكلمتي. سعيد حين نتساءل هنا أو هناك من هو المُستهدّف. إنها العاشرة ليلاً. كنت أتناول طعام العشاء عندما رنَّ هاتفي. تردّدتٌ في الإجابة من خشية أن تكون الإذاعة الألف تطلب مني ما أقول؟ مُصِرَاً على «صوت» حول قضية blow jobs أو عن "دبلوماسية مدخل الإليزيه". لكنْ لا شيء من هذا. إِنّه ساركوزي. غير أنه ساركوزي حزين. تقريباً مُغتاظ. فهو بحسب ما أحسستٌ من نبرة صوته؛ لم يستطع أن يجذب شركاءه الأوروبيين إلى صفّه بالسهولة التي كان يتصوّرها.
يقول العكس بشكل طبيعي. يدّعي الترفع أي زَعم!؟: لم يكن هذا سهلاً لكنّه كان يُمكِن أن يكون أسوأ؛ على الأقل حصلت عل بِيانٍ مُشترك. يُشْدّد على عجّل على أن الجامعة العربية تتقدّم «بخطىّ سريعة» نحو وضع صارم. غير أني اكتشفت الحقيقة لاحقاً وأنا أقرأ البيان المشترّك وعندما شاهدت التعليقات عليه على شاشات التلفزيون؛ فقد مضى أمس سريعاً جداً مع الليبيين ولعلّه أفرط؛ ومن الواضح أن شركاءه سيجعلونه يدفع ثمن تصرّفه بمُفرده (بوصفه مظهراً جديداً للصّلّف الفرنسي). وفيما يتّصل بالأميركيين الأمر مُختلف أيضاً: سلسلة من المكالمات الهاتفية مع نيويورك ترفع حرارتي وقلَمّا تكون أفضل.
فالجمهوريون كالديمقراطيين يبدون على الخط: «تخوض الولايات المتّحدة الأميركية حربّين لا تعرف كيف تنسحب منهما فهل هذا هو الوقت المناسب لتخوض حرباً أخرى مُرتجلة فوق ذلك؟» باختصار: فرنسا وحيدة. يبدو أن جبّل البارحة تمخّض فولّد فأراً. وهل امتلك ساركوزي الحكمة في أن يضرب ضربته من دون أن يطلب رأي أحد لأننا عندما نرى كيف يتصرّف هذا العالم الصغير بعد قراره نجرؤ على تخيّل حجم المصاعب التي وضعها قبله!
ما العمل الآن. ونحن في هذا الموقف؟ هل هناك وسيلة للمُساعدة وما هذه الوسيلة؟
دفْع الأمور كيف؟ أم أنّ كل شيء قد انتهى ونحن بصدد الُمشاركة. بشكل آخر في إعادة نشر مشهد ميتران 1992 مع سفرته الرائعة إلى سراييفو الذي سمع به العالمّ كله على الفور تقريباً؟ ذلك كله يدور في رأسي. وإذ أضاف النعاسٌ الخلط والبلبلة: بنيتٌ مُخطّطات مجازِفة العودة إلى بنغازي لكن لماذا؟ أُقدّم عريضة؟ هذا وهم؛ نداء أوروبي؟ ليس هذا بأفضل من ذلك، حتى جاءتني هنا في الثالثة وبضع دقائق صباحا فكرة أقلّ رداءة أَجَلتٌ تنفيذها إلى الغد. باختصار: إقناع الأميركيين. أو بعبارة أفضل: إقناع سيّدة أميركيّة. أعرف هذه الأميركية قليلاً. رأيتها سنة 2004 مع تينا براون في بوستن. ورأيتها ثانية في مسرح كارليل حيث جاءت. مثلي لتسمع مُغْنيّة شعبية. كنت حيَّيتُ شجاعتها وعزّتها عدّة مرّات في مقالاتي في جريدة American verigo لحظة الاغتصاب الرمزي الذي مُورس معها بفتح ملف لوينسكي. وقبل ذلك بزمن طويل سنة 1994. في نيويورك حيث علم مكتبها بعرض فيلم بوسن! من أجل مجموعة من المثقّفين وقادة الرأي وحيث طلب kسخة عن الفيلم؛ أعلمتني باشمئزازها أمام استشهاد سراييفو وأمام صمت العالم! هذه الأميركية هي طبعاً هيلاري كلينتون وزيرة خارجية باراك أوباما. ستكون يوم الاثتين في باريس لحضور قمّة الثماني.
قرّرت أن أفعل كل شيء من أجل تهيئة لقاء بينها وبين أحد أعضاء الوفد الليبي الذي زار الأليزيه.
كما مع اللواء مسعود؟ كما لي البوسنة؟
في وقتٍ متأخر من الليل.هناك حدّثان مُزعجان يرعِبني تكرارّهما.
ميتران سراييفو.كنت أعتقد أنني وصلت حتمَّاً إلى إقناعه.أتذكّر حين اتصل فيدرين بي من طرف الرئيس وكأنّه حصل البارحة يوم السبت المشهور حيث أخبرني أن الرئيس سيطير من لشبونة قاصداً العاصمة البوسنية المحاصرة. فبصرف النظر عن أنَّ هذا الرئيس ماكر بحقٌ كان يعرف ماذا يفعل وهو يُغرق المشكلة السياسية للقومية الصّربيّة ومشروعها في التطهير العرقيّ في ضوضا التفاتة المساعدات الإنسانية الهادفة إلى خلق جسرجوّي يسمح بتأمين الأغطيّة التي لن تُستخدم: كما رأينا في فيلم بوسنة إلا لِصّنع الأكفان.كانت القضية قد سُويّت منذ البداية.
وهناك الحدث الثاني الأقل ذيوعاً من الأوّل الذي أتى لاحقا وترك فّي ذكرى حارقة؛ هو خطوة الثنائي مسعود شيراك. كنت في شهر شباط/فبراير من عام 1998 قد أقنعت اللواء مسعود بالمجيء إلى فرنسا للتعريف بنفسه.وفي سنة 2001 في نهاية شهر آذار/مارس؛ يوم الجمعة 30 آذار تحديداً )وكنت في مهمّة تصوير تقرير عند قرنق في جنوب السودان وهذا كله محفور بحروف وأرقام من نار في ذاكرتي( اتصل بي عن طريق المهندس إسحاق ليقول لي إنّْه جاهز.أعلمت فوراً فرانسوا بينو الذي كان بحكم أنه كان دائماً على عِلْمٍ بأننا سوف نذهب لاستقبال اللواء بطيّارة في دشنب في طاجكستان وأن عليه؛ في اللحظة المناسبة إلزام شيراك باستقباله يطلب مني بانتظام أخبار المشروع.خلال الوقت الذي استغرقته عودتي إلى باريس اتّصل بصديقه الرئيس ورآه يوم الأحد بعد يومين وأقنعه. ويوم الاثنين صباحاً شرعّت آلة الإليزيه في العمل وحين تشرع في العمل تنبه حتما آلة ماتينيون. يوم الاثنين عصرأ تدّعي رئاسة الوزراء أنّها تلقّت من البعثة الفرنسية في كابول خبراً يُفيد بأنّ مُبادرة الإليزيه تضع المتطوّعين الإنسانيين الفرنسيين الموجودين على الأرض الأفغانية في خطر.
حيث إن رئيس الوزراء ليونيل جوسبان.إمَا أن يأخذ التهديد على محمل الجد وإمًا أن يحاول نزع فتيل ضربة سياسية قد تنقلِب لصالح مّن يخوض ضده معركة حتى الموت قبل سنة من الانتخابات الرئاسية ويفتح مظلته ويُنبّه أنّ القضية إذا تمت فستتم من دونه.أمّا الرئيس الذي كان فريسة الشكٌ. وموت النفس ولا يُريد أن يتحمّل أيّ خطر فيُّلغي الدعوة ويطلب من فرانسوا بينوه الذي كان آسفاً مثلي أن يُلغي إرسال طيارته - ويّرسِل الطفل الوليد سرا إلى البرلمان الأوروبي. فأنقذت رئيسته نيكول فونتين ماء الوجه.كذلك فعل هوبير فيدرين وزير الخارجية؛ الذي أخذ على عاتقه أمر استقبال الذي كان؛ في تلك الفترة قبل عدّة أشهر من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر وقبل مقتله رمز الإسلام المعتدل ومُقاومة الإرهاب. أما السيناريو الكارثة الذي أخشاه؛ أكثر من أيٍّ شيء آخر أن أرى اليوم إعادة
إنتاج دوامة الضّعف. فهل وصلنا إلى هذه المرحلة؟
نحو جامعة فرنسية عربية
القاهرة. قرار صارم من الجامعة العربيّة. يقول إِنَّ القذّافي «فقّد شرعيّته». وعلى القُوى التقدّميّة أن «تتعاون» مع المجلس الوطني الانتقالي.وعلى مجلس الأمن في الأمم المتّحدة أن يفرض عل الفور حظرا جويّا على ليبيا. فهل هي بداية الانضمام إلى فرنسا؟ هل هو مخطّط هذا التحالّف الكبير الذي ذكره الرئيس أمام مبعوثي عبد الجليل؟ هذه مرحلة حاسمة بالتأكيد. لحظة تاريخية. تكذيب لأطروحة المصري البلهاء حيث استبعد.خلال حفل العشاء في سفارتنا في القاهرة أيّ تدويل لهذه القضية العربية الداخلية التي ينبغي ألا تُحَلَ إلا عربياً.
اتصلت بغلام واصف مُرافقي في ميدان التحرير وأحد آخر من احتفظوا بموقفهم أمام أعداء الثورة. فيؤكّد لي النبأ.
يتواصل