تتبارى كُل مِن إيران ودولة الاحتِلال الإسرائيلي هذه الأيّام في استعراض قُدراتهما العسكريّة، والأسلحة الجديدة المُتطوّرة التي في حوزتهما في إطار “حربٍ نفسيّةٍ” شَرِسَةٍ، هدفها بالنّسبة إلى “إسرائيل” طمأنة رأيها العام القَلِق، خاصّةً بعد تَزايُد الحديث عن عزم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن العودة إلى الاتّفاق النووي، واقتِراب إيران من إنتاج أسلحة نوويّة بعد تَزايُد مخزونها من اليورانيوم المُخصّب بمُعدّلاتٍ مُرتفعة.
صحيفة “الجيروزاليم بوست” الإسرائيليّة اليمينيّة نشرت تقريرًا قبل يومين قالت فيه إنّ حُكومة نِتنياهو حصلت على دُفعةٍ جديدةٍ من طائرات الشّبح “إف 35” التي لا تَرصُدها الرّادارات، وتعمل على تطويرها لحمل صواريخ نوويّة، بالإضافة إلى طائرات نقلٍ من طِراز “KG46A” القادرة على تمويل هذه الطّائرات وغيرها من الجوّ بِما يزيد من أمَد طيرانها، أيّ الوصول إلى العُمق الإيراني، بالإضافة إلى صواريخ “أرو” بعيدة المدى المُضادّة للصّواريخ الباليستيّة وكميّات ذخائر ضخمة للقبب الحديديّة.
إيران ردّت على هذه التّسريبات بكَشفِها السّتار عن منظومة “بهمن” الرّاداريّة المُتطوّرة، التي وصَفها الجنرال علي رضا صباحي فرد قائد سلاح المُضادّات الجويّة بأنّها فريدة من نوعها في العالم، وقادرة على رصد جميع الطّائرات المُسيّرة أو غير المُسيّرة والأجسام الصّغيرة التي تطير على ارتفاعٍ مُنخفض.
***
لا جِدال في أنّ “إسرائيل” تتفوّق تُكنولوجيًّا في الميدان العسكري بسبب حُصولها عليها من الولايات المتحدة مِثل طائرات الشّبح “إف 35” الأمريكيّة، أو خمس غوّاصات دولفين من ألمانيا، ولكنّ هذه التّكنولوجيا لا تتناسب في مُعظَمها مع الظّروف الصّحراويّة والحضَريّة في مِنطقة الشّرق الأوسط، مُضافًا إلى ذلك أنّ لا أحد يعلم يقينًا بِما تُخفيه من أسلحة سريّة، نوويّة أو تقليديّة ستظهر في الوقتِ المُناسب.
الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة ستكون الميدان الرئيس للحرب المُقبلة، وربّما كان الجِنرال الإسرائيلي احتِياط إسحاق بريك مُصيبًا عندما قال في مُقابلةٍ مع القناة السّابعة “إنّ امتِلاك “حزب الله” لبضعة مِئات من الصّواريخ الدّقيقة (من مجموع 150 ألفًا في حوزته) كفيلةٌ لإغراق إسرائيل في الظّلام لسنواتٍ طويلة”، وتابع قائلًا “يكفي ثلاثة أو أربعة صواريخ دقيقة على كُل محطّة كهرباء لتدميرها بالكامل، والشّيء نفسه يُقال عن محطّات المِياه والبُنى التحتيّة الإسرائيليّة الأُخرى.
“القارّة” الإيرانيّة تستطيع امتِصاص أيّ ضربات صاروخيّة أو حتى نوويّة إسرائيليّة، فأقلّ المُحافظات الإيرانيّة تُوازي إسرائيل من حيثُ المساحة، وإلقاء قُنبلتين على هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالميّة الثّانية لم يُدَمِّرا اليابان كلّها، ولم يَحُل دُون تعافيها، وعودتها إلى مكانتها السّابقة للحرب اقتصاديًّا على الأقل، مع التّذكير بأنّ هذه الجريمة الأمريكيّة تمّت بعد استِسلام اليابان، ولعدم قُدرتها على الرّد، بينما إيران وأذرُعِها الضّاربة تملك القُدرة على الرّد من ثلاثِ جِهاتٍ على الأقل.
نشرح أكثر ونقول إنّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تعلّم من دُروس هزيمة عام 1967، وأعاد بناء الجيش المِصري على أُسسٍ جديدةٍ أبرزها التّركيز على السّلاحين البرّي والبحَري، واقتِحام خط بارليف الدّفاعي الإسرائيلي على قناة السويس حسب أحدث الأفلام الوثائقيّة، ولم ينجح سِلاح الجو الإسرائيلي المُتفوّق في حينها في تغيير المعركة، أو صدّ هذا الاقتِحام، فالتّفوّق الجوّي، ومُنذ ذلك التّاريخ لم يَعُد صاحب الكلمة الأهَم في الحُروب.
الصّواريخ الإيرانيّة الصُّنع “التّجريبيّة” والأقل تَقَدُّمًا هزمت كُل الدّفاعات الصّاروخيّة الأمريكيّة ووصلت إلى أهدافها في العُمق السّعودي، فكيف سيكون الحال إذا ما تقرّر استِخدام الصّواريخ الدّقيقة التي لم تُستَخدم بعد حِفاظًا على أسرارِها؟
لو كانت القِيادة العسكريّة الأمريكيّة تَعرِف أنّ إيران تملك صواريخ قادرة على إسقاط “مُسيّرتها” من طِراز “غلوبال هوك” المُتطوّرة جدًّا ويصل إليها على ارتِفاع 20 كيلومترًا فوق مضيق هرمز لما كانت غامرت بإرسالها إلى أجواء الخليج، والسّماح لها باختِراق المجال الجوّي الإيراني، ولذلك لا نعتقد أنّ حديث الجنرال صباحي فرد عن قُدرات المنظومة الرّاداريّة “بهمن” نوعًا من المُبالغة، وإن كانت هذه المُبالغة مشروعة في زمن التَّوتُّر والحرب النفسيّة المُشتَعِلَة أوارها حاليًّا.
***
مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكيّة المُتخصّصة توقّعت في تقريرٍ رئيسيٍّ في عددها الأخير نُشوب حربٍ جديدةٍ بين إسرائيل وإيران، وقالت إنّ شبح ضربة عسكريّة إسرائيليّة ضِدّ مُنشآت إيران النوويّة يحوم فوق أجواء المِنطقة حاليًّا بالنّظر إلى سِباق التّسلُّح، وتَفاقُم منسوب القلق الإسرائيلي من العودة الأمريكيّة إلى الاتّفاق النووي الإيراني، ولعلّ تصريح أفيخاي أدرعي، المُتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، الذي كشف فيه أمس عن عزم جيشه على تشكيل هيئة جديدة تتَولّى التّخطيط للمُواجهة مع إيران أحد المُؤشّرات في هذا الصّدد.
إسرائيل قد تكون الخاسِر الأكبر سواءً عادت أمريكا إلى الاتّفاق النووي أو لم تَعُد، فإذا عادت فهذا يعني رفع العُقوبات عن إيران والسّماح لها بالعودة إلى تصدير النّفط، واستِعادة عشَرات المِليارات من الودائع المُجمّدة، ممّا يُمكّنها من تطوير ترسانتها العسكريّة، وتمويل أذرعها العسكريّة الضّاربة، وإن لم تَعُد أمريكا للاتّفاق فهذا يعني مُضِي إيران في التّخصيب بمُعدّلاتٍ مُرتَفِعَةٍ بِما يُؤهّلها لامتِلاك سِلاح نووي وقد يُؤدّي ذلك إلى مُواجهةٍ عسكريّةٍ ستكون إسرائيل الهدف الأوّل على قائمة الانتِقام الإيراني.. والأيّام بيننا.
عبد الباري عطوان- رأي اليوم