سموم تنخر مشاورات تجريها أحزاب موريتانيا لإطلاق حوار سياسي، في مواقف تفضح أجندة قائمة على الإقصاء والتخريب.
محللون ومتابعون للشأن السياسي الموريتاني انتقدوا سلوك "الإخوان" تجاه المشاورات الجارية بين الأحزاب لإطلاق حوار سياسي في البلاد.
واعتبروا أن موقف التنظيم يفضح نواياه ومشروعه القائم على غريزة الانفراد والاستحواذ، وتغليب منطق الفتن والنزاعات على فضيلة الوفاق والإصلاح والتهدئة.
والأربعاء، اتفقت أحزاب موريتانية بينها الحزب الحاكم، على إطلاق حوار سياسي دون مشاركة "الإخوان"، من أجل بلورة "عقد جمهوري" في البلاد.
مشروع تمكين
الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني إسحاق السعد، اعتبر أن غياب الإخوان عن هذه المشاورات يكرس طبيعته في الخروج عن الإجماع كلما لاحت فرصة للتقارب بين أحزاب سياسية مهما كان تصنيفها.
وأشار السعد، في منشور بحسابه عبر موقع فيسبوك، إلى أن الموقف الإخواني يمثل ترجمة لمشروعهم السياسي القائم على "التمكين"، والذي لا يحتمل المشاطرة والمشاركة؛ لافتا إلى أن هذا الأمر تسبب في فشل كل تحالفاتهم منذ إنشاء التنظيم، وصولا إلى الانتخابات الأخيرة.
وأوضح أن الفرع الإخواني كان يطرق أبواب الأحزاب سواء كانت يسارية أو قومية أو تقدمية أو محافظة، لكنهم ما يلبثوا أن ينفصلوا على حين غرة.
وشدد السعد على أهمية خطوة إطلاق المشاورات الحالية التي تمهد للحوار، لما لها من أهمية في الوصول إلى إجماع حول قضايا وطنية كبرى تتجاوز بطبيعتها تصنيفات الأغلبية والمعارضة، لتعلقها بالأمن القومي للبلد ووحدته الوطنية ومستقبل أجياله.
وخلص إلى أن حزب "تواصل" الإخواني في موريتانيا سار على نفس درب التنظيم حين قاطع الإجماع الوطني للتشاور حول القضايا الوطنية الكبرى، ليكون عنصر تأزيم في أجواء التوافق والتهدئة.
بدوره، يرى الكاتب والوزير السابق محمد ولد أمين أن إقصاء الإخوان عن مشاورات الحوار هو التصرف الطبيعي تجاه جماعة تعمل لحساب أجندات أجنبية.
وأوضح ولد أمين أن الحوار مع هؤلاء يمثل "تضييعا للوقت في نقاشات عقيمة ما لم يتخلوا عن التبعية للأجنبي الذي يمول ويؤطر حزبهم وتنظيماتهم الإرهابية والظلامية".
ولفت إلى أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة أعادت لوحدها تشكيل الخريطة السياسية، ما أظهر فشلا سياسيا ذريعا للإخوان وكل تحالفاتهم السياسية.
الإجماع يلفظ الإخوان
تكرس خطوة غياب الإخوان مشاورات الحوار الجاري في موريتانيا العزلة المتزايدة للتنظيم، خاصة في ظل الإجماع السياسي الواسع حول مبادرة الحوار الجديدة، وهي الأولى من نوعها منذ استلام الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني السلطة قبل نحو عامين.
وحاول الإخوان قبل يومين، عرقلة قطار المشاورات حول إطلاق مبادرة الحوار السياسي بعد أسابيع من اللقاءات الموسعة والثنائية بين الأحزاب السياسية، عبر إصدار حزب "تواصل" الإخواني بيانا تضمن بعض الشروط للمشاركة في المبادرة.
لكن الأحزاب السياسية وبينها الحزب الحاكم، قررت غلق باب المشاورات أمام الإخوان، والمضي قدما في طريق مبادرة الحوار والتشاور السياسي.
وناقشت تنسيقية الأحزاب الموريتانية خلال اجتماعها، الأربعاء، خارطة طريق لحوار سياسي ووطني شامل يهدف إلى "وضع تصور جادّ لمستقبل البلاد، وخلق إطار جامع لكل الموريتانيين قوامه تقوية اللّحمة الوطنية، وتجذير الديمقراطية"، وفق وثيقة أصدرتها التنسيقية اليوم.
وتضم تنسيقية الأحزاب الموريتانية؛ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم إلى جانب أبرز الأحزاب المعارضة، وهي: الصواب، وتكتل القوى الديمقراطية، والتحالف الشعبي التقدمي، واتحاد قوى التقدم.
وتعتبر الوثيقة أن مبادرة الحوار السياسي الجديدة تهدف لبلورة ما تصفه بإجماع واسع حول القضايا الوطنية الجوهرية، لوضع تصور جادّ لمستقبل البلد، وخلق إطار جامع لكل الموريتانيين قوامه تقوية اللّحمة الوطنية، وتجذير الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بعيدا عن الانتماءات الضّيقة.
وتعدد الوثيقة أهداف مبادرة الحوار السياسي في "إيجاد إجماع وطني حول القضايا الكبرى التي تواجه البلاد، والقيام بإصلاحات جوهرية تُمكن من إرساء دولة القانون والعدل والمُساواة، وتُفضي إلى تطبيع الحياة السياسية".
وذكرت الوثيقة أن الحوار "يشمل كافة الطيف السياسي الوطني، معارضة وأغلبية، أحزابا وفاعلين سياسيين، تحت رعاية الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني".
وشهدت موريتانيا منذ 2005، عدة حوارات سياسية ومنتديات وطنية تستهدف مناقشة القضايا المطروحة، وخرجت كلها بقرارات انعكست على التجربة الديمقراطية للبلاد، وإصلاح منظومة الانتخابات وإدخال تعديلات جهوية في سياستها المحلية ورموزها السيادية.
وشهد حوار 2011 على الصعيد الاجتماعي، تجريم ظاهرة الاسترقاق والاستعباد في البلاد بنص الدستور، بالإضافة إلى إصلاحات سياسية أخرى لصالح تعزيز دور الأحزاب السياسية في المشهد، ومحاربة ما وصف حينها بظاهرة الترحال السياسي.
العين الإماراتية