نداء القبائل
عاد نداء قبائل ليبيا عن طريق منصور. إذ كان في 8 نيسان/ ابريل» خلال عشائنا في ضواحي بنغازي قد أقره رؤساء القبائل الاثنين وثلاثين من كانوا حاضرين أو ممثلين أي قبائل برقة ومدّن الغرب الشهيدة إجمالاً.
وخلال هذه الفترة جرت اتصالات. وبْعثت رسائل نصيّة؛ وأسرع مبعوثون باتجاه كل القبائل الأخرى في البلاد حتى تلك التي يُفترض أنها تؤيّد القذّافي أو ما تزال تعيش تحت إرهابه. والنتيجة هنا تضيع في لفظ الأسماء. أضيع فيها فأجعل منصور يُعيد تهجئة الأسماء عشر مرّات، لكنّ النصّ هنا، في النصٌ توقيع مفتاح معتوق الورفلي؛ رئيس قبيلة ورفلة في بني وليده التي تُعَد من أكبر قبائل الغرب الليبي.
تلقى توقيع الشريف سيف النصر بعد أن أجرى تعديلاً طفيفا وهو عضو في قبيلة أوُلْاد سليمان شرق مدينة يسرت مسقط رأس القذّافي؛ والمعدودة واحدةٌ من قواعده.
كلّ قبائل مدينة سبها في منطقة الجنوب وكل قبائل فزازونة التي كان يُعتقّد أنها هي أيضاً مُناصرة للقذّافي أو لا تجرؤ على إعلان عدّم مُناصرتها له ممثّلة بالحاج علي الفزاني الذي حدّد لناء في رسالة مُرافقة أن كثيرين من رؤساء القبائل في منطقته لم يستطيعوا أن يوقعوا معه لأسباب أمنيّة ولكنّهم معه قلباً وقالباً.
كذلك أمر قبيلة مقراحة في الجنوب أحد رؤسائها عبد الله السنوسي هو زوج أخت القذّافي وأحد أعمدة نظامه لكنّ توقيع الحاج موسى المقراحي ممثل واحدة من أقدم
عائلات المنطقة وأكثرها تأئيرا يريد أن يُكذّب ادّعاءات طرابلس بقدرتها على الاعتماد عل دعمه لها.
وحضور عبد القادر الطرقي بين الموقعين وهو أحد رؤساء قبيلة الطوارق هو أيضاً دلالة كبرى قبيلة الطوارق المرتبطة مع طوارق النيجر والجزائر ومالي معروفة بأنها مع القذَّافٍي وبدءا من اليوم لا ينبغي أن تكون معه.
وهناك أيضاً القبيلة الساحلية صُّرمان هي مهد اللواء خالدي الحميدي مُرافق القذّافي لكن هاهي بوساطة الحاج مبروك الصرماني؛ تؤكّد بصراحة تامة أنها اختارت مُعسكر التمرّد.
محمّد الدهماني العجيلي يُمثُل قبيلة عجيلة غرب طرابلس.
بو كريس عاشور الورشفاني ممثل قبيلة ورشفانه وهي قبيلة أخرى من غرب العاصمة في قطّاع حي العزيزية الذي يُعَدَ واحداً من أقوى معاقل القائد.
وهناك أيضاً حالة خليفة صالح القذَّافِي رئيس قبيلة القذافة وهي قبيلة القذافي وهي
القبيلة التي يحمل اسمها استطاع خليفة صالح القذّافي أن يُوقّع هذا النصّ لأنّه موجود حالياً في بنغازي وتوقيعه يُعلِن توقيعاتٍ أخرى توقيعات كثيرة يجب أن تبقى سريّة... كل القبائل هنا..
كل أسماء ليبيا لأنّ لليبيا أيضاً أسماء روائية جداً «أسماء البلاد» استجابت لندائنا.
بطبيعة الحال بعد هذا البيان كما تنشره مجلّة la regle du jeu وكما تلقّفته على الفور وكالات الصحافة ينبغي ألا يبقى شيء من ليبيا المنقسمة إلى فريقّين.
لم يعد التقسيم؛ على الأدقٌ جغرافياً يفصل قبائل الشرق وقبائل الغرب (وهذا ما كان يستفيد منه القذَّافي): بل صار انقساماً سياسيا سابق للقبائل ذاتها التي وإن لم تُبِدِ بوضوح ولاءها للمجلس الوطني الانتقالي على طريق أن تفعل ذلك، أو هناك بعض رؤسائها اللامعين الذي فعلوا ذلك...الحدث مهم جداً... والنصر مشهود.
وأكثر من أثاره الحدث. رئيس الجمهورية الذي اتصل بي قبل ساعة من نشر البيان يقول: "كل القبائل حقا؟ كل قبائل ليبيا من دون استثناء؟ إذا تأكّد ذلك فالمسألة محسومة".
ولما أكدتٌ له بالقول: "هذا جيّد. الأمور تسير في طريقها الصحيح. وبالتالي فهي تتقدّم على الجبهات كلها وهذه الجبهة السياسية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية".
وقبل أن يُغلق الخط هذه الملاحظة البصيرة: "يعني هذا أن الأمر الخارق أن أولئك الذين لاموني حين ذهبتٌ إلى ليبيا يلومونني الآن لأنني لا أذهب إلى سورية".
هو مُحق ومخطئ.
والحقّ أن هذا السؤال (لماذا ليبيا لا سورية؟) يتعاظم طرحه غالبا من أناس ذوي نوايا حسّنة ويُريدون أن يفهموا فقط.
في هذه اللحظة؛ لا أملك إلا إجابات ضعيفة؛ وتصوّرها غير كافٍ.
مسألة الحرب العادلة أولاً. ففي هذه الشبكة من القواعد الذرائعية والتجريبية تقرييا التي هي؛ بحسب "مونيك كانتو سبيربير" في الكتاب الصغير الرائع الذي تنشره عن هذه المسألة نظرية الحرب العادلة فهناك شرط آخر يبدو أن العالم كله نسيّه؛ وهو مع ذلك شرط أساسي، إنه القاعدة المدعوّة «الأمل المعقول في النجاح»؛ كما أعلنها غروتيوس في القرن السابع عشر وكما تُعلِنها اليوم بعض الأسماء "الأنجلوساكسونية" الكبيرة. هذا الأمل واضح في ليبيا فهل كان واضحا وهل سيكون واضحاً بالطريقة نفسها في سورية؟ ماذا سيكون أثر الضربات الجوية في هذا البلد كثيف السّكان؟
ثم تأتي فكرة أننا في عالم لا يستطيع كل الناس أن يقوموا بكل شيء في أية لحظة؛ وحيث لا يستطيع البلد نفسه، الذي هو فرنسا أن يدعم في اللحظة نفسها كل الحروب التي عليه دعمّها بأخلاق جيوسياسية عالية؛ الدعم هناك طريقة أخرى للدعم أقل فعالية في الوقت الراهن بالتأكيد وأقل إرضاء للعقل لكنها أفضل من لا شيء: تعميم مبدئها الأساسي لا تطبيقها؛ بتثبيت قواعد جديدة لِلعبة بالاعتماد على ما نقوم به قاعدة لها قيمتها النظرية بالنسبة للجميع .
ومرّة أخرى أيضا أنا واع تماماً بضعف الحجّة من الناحية البلاغية لكنّ هل هناك حجج كثيرة مثلها؟
الخميس 28 نيسان /أبريل (سياسة الكتّاب)
نقطة ضعف الكتّاب كلّهم تقريبا أنهم يُقدّمون أفضل ما عندهم؛ وأكثر ما كتبوه تفرّدأوذلك للحصول على وظيفة ماسحي أحذية في السياسة. هذا الكلام لمارسيل آميه في مجموعة كتابات عن السياسة الصادرة عن دار الآداب الجميلة كنتٌ أُقَلّبِ صفحاتها في مكتبة السوربون في نيس. الجملة نتنة؛ بطبيعة الحال هي غالباً عند مؤلّف أورانوس. لكنّها على الأخصٌ رعناء، فما أمر مالرو؟ ولورانس؟ وهمنغواي وحبٌ إسبانيا؟ وكتاب تحية إلى كاتالونيا لأورويل الذي لم يُفارقني أبدا هو وديوان شعر لآراغون في بنغازي؟ وما أمرٌ هذه الكتّب كلها المُغذّاة بالسياسة مثلما يُغذَّيها آخرون بحياتهم اليومية؟ وتوكفيل؟ وبروست جان سانتوي الُمساعد في دعوى زولا الذي أوصل إلى بيكار في سجنه نسخة من "الملذات والأيام" وشاتوبريان في النهاية؟ كنتٌ أقول في ذلك اليوم إن ألونزيو كان وحدّه زعيم الحرب الجدّي في التاريخ الأدبي الحديث. وإذا شاتوبريان هو وحدّه الدبلوماسي الجدّي؛ ووزير الخارجية مرّتين ثم الوزير الوحيد ببساطة للأدب الفرنسي الأفضل بكثير من مالرو، وفي المُحصّلة أعطى هذا مُذكرات ما وراء القبر. إذاً اتفقنا مارسيل آيميه أو الأفضل مادام علينا أن نفعل نابوكوف في هذا النص الجميل الذي استشهد لي به دانيلو كيس قبل موته: "سأدعم حتى أعدّم بالرصاص أن الفنَّ بدءاً من لحظة اتصاله بالسياسة ينحط حتى إلى مستوى أية تفاهة إيديولوجية". لكنّ «كيس» كان يشعر أن الحرب في يوغسلافيا السابقة كانت تحصل، وكان يعلّم أنه لو عاش لسبّبت له مشكلة لا يُمكِن تجاوزها، وإزاء هذا هم العالم الذي هو شرف أغلب الكتّاب الذين أعجّب بهم.
الخميس 28 نيسان / أبريل أيضا (اعتراف)
ما الذي يُمكِن أن يجمع ثلاثة رجال يخوضون مُغامرةً كهذه؟ وما الذي يمهر اتفاقهم الأساسي بالإيماء؟ كنت مع جيل ومارك في بهو فندق تيبستي في بنغازي في الليلة ما قبل الأخيرة من إقامتنا الأخيرة هناك. هذه ساعة القدّح الأخير قبل الصعود للنوم بعد أن قيل كل شيء؛ لم يبق شيء لم يقل على الإطلاق، ما عدا الْمسارّات الشخصية. نعم؛ ولاحظنا أنَّ شيئاً يُشبهنا، شيء لم نتحدّث عنه أبدأ لكنّه فجأة يظهر للعيان شاغِل ليبيا الحرّة مُوافِق، وفي ما وراء ليبيا التلذّذ بالمُغامرة والفعل طبعاً لكن الأعلى من ذلك كله تشكّل له باختصار دعمأ ووّلعاً أكثر سريّة سنكتشف ونحن نستحضره أنّه هو الذي قرّر في النهاية أن تكون أسبابنا هنا ومهرّ صداقتّنا. هذا الولع هو إسبانيا أعني حرب إسبانيا، هذه الحرب التي سأشرحها خلال بضعة أسابيع في مُتحّف برادو في مدريد والتي كان جورج سمبرون يُسمّيها دوماً "حربنا" وهكذا أستمرٌ أنا بعد جيل كامل وبطريقة أكثر تخيلا في تسميتها كذلك.
من الطبيعي إذاً أن أسميّها «حربنا»: فالآب يُوجب ذلك الفتى هنري ليفي الذي هرب في الثامنة عشرة من بلده الأصلي الجزائر ليذهب إلى برشلونة ليلتحق بالفرّق الدولية، وجيل أيضاً، أعرف ذلك منذ زمن طويل: القصة بالغة الجمال التي ألّف فيها كتاباً عن والِدّيه بول هرتزوق ومارسيل كاشان الطبيبين على ظهر باخرة فرانس نافيغاسيون الشركة التي كانت تنقل حتى اليوم الأخير أو يكاد، من الاتحاد السوفييتي إلى إسبانيا أسلحة للجمهوريّين ثم في صيف 1939 حين تحققّت الهزيمة رافق آلاف الجمهوريين إلى تشيلي.
لكنّ المُفاجأة أنَّ مارك روسيل؛ الذي كنت أعرفه بالكاد أفهمنا أنه في الحالة نفسها: فهو ليس ابن جمهوري بل حفيد جمهوري أمّا بالنسبة للباقي فالمُخْطّط نفسه والظل المحمول نفسه والنمط البطولي نفسه الذي صنعه أيضاً (جدّه نيكولا كامبوس الإسباني المنفي إلى فرنسا لكنه يعود هو أيضاً في نهاية عام 1936 إلى الفرّق إلى برشلونة أيضاً والدفاع عن مدريد ومعركة نهر الإيبر ومن ثمٌّ كي ننّهي القصة اعتقال في واحد من مُعسكرات العراء حيث الجمهورية الفرنسية الجميلة «جمّعت». في شتاء 1939 الُحمر الذين تركتهم يسقطون؛ وهم الآن يجتازون جبال البيرينيه هرباً من أرتال فرانكو الجهنمية. والُمفاجأة آنه هو أيضاً يعمل مثلّنا نحن الاثنين لا أقلّ ولا أكثر على الذاكرة الحافظة والمُخيّلة البطوليّة: فهل هو في خندق في اجدابيا؟ في رأسه قصص معركة نبر الإيبر والصفحات الأول من كتاب أورويل تحية إلى كتالونيا تُشْرّسْه فيلتزم معي معنا في مغامرة فيلم عن ليبيا الحرّة؟ فجاء ولم يمل الموضوع بعد ذلك. وأخذنا "موديل تسيرا دو ترويل لالروأو موديل" مجموعة من الفنانين أنتجوا حول "منغواي ودوس باسوس" فيلم أرض إسبانيا ل"جوريس ايفنز" الخ.
نحن صديقان في الخامسة والثلاثين (أنا وجيل) شكل أبوّينا قانون واحد ومن البوسنة إلى ليبيا مروراً بدارفور ويُّلحِق بنا... ثالثأ قادماً جديدا يجهله فوجُنا الأخوي غير أننا كنا نعرف أن ثقافته السياسية ومرجعيّاته وأحلامه مجبولة من طينتنا نفسها (مارك)... هذا هو الموقف. يُعادل تماماً لحظة افتتان، وحفنة من الُمسارّات والأسرار العائلية المهموسة، ثم في هذا المعرض من المرمر اقل الواسع جدا والخالي تماما أمام فناجين قهوة باردة ويقايا من البيتزا المتجمّدة و"لُعبة أسئلة ارتجالية صبيانية قليلآ وعبثية بعض الشيء وتشتد حماسة كلما تقدّم الليل" التاريخ هو بالضبط بداية هذه الحرب الإسبانية؟ فماذا يفعل فرانكو في جبل طارق في شهر آب؟ وماذا يحدث في باداجوز؟ ومَنْ منّا نحن الثلاثة يعرف كيف ولماذا سميت دوروتي بهذا الاسم؟ وكم من المتطوعين في وحدة سيمون ويل في مدريد؟ وتشكيل كتيبة أبراهام لنكولن؟ ومن أي كتاب استلهم كين لواش فيلم land and freedom وأين يجري حدثُ الفيلم وقبل الفيلم أين يجري حدث كتاب جورج أورويل "جبهة آراغون”
ومعركة نهر الإيبره وتوروايل؟ ومّن هو الذي قال ساعة وصوله إلى مدريد: (أنا مقتنع بأن مناورات العالم الكبرى ضدّ الحريّة قد بدأت توَّأ؟ ومن هو مؤلّف نشيد من أجل فرانكو؟ وكم من المتعاملين يستطيع كل من أن يُسمّي المختارات الجمهورية التي أعدّتها نانسي كونار..
لماذا بقيّ بينما كانت الكتائب تُحارب مُنسحبةً في مالقة وكويستلر؛ في المدينة المهزومة حيث سيسجنه رجال فرانكو؟ عمّن كتب همنغواي: كان سيّقال إنه خاض الحرب لحسابه الخاص؟ كان يتحدّث عن ايزنبورغ الذي هو وحدّه في ذلك العصر الذي لم "ُيطهّر"؛ لماذا؟
استمرّت اللعبة حتى وقتٍ مُتأخر. نحن الثلاثة إذ نستقي معلوماتنا من الذاكرة نفسها نقوم بغاراتٍ من التبخُّر ونقوم؛ حين لا نعرف الإجابة بغاراتٍ من الإثارة والاختلاق.، نضحك. وحين لا نتّفق نقترع اثنان ضدّ واحد فها نشكل نحن الثلاثة مجموع ما هو في هذه الحال الليبية في ما نعيشه هنا الآن يوماً بيوم؛ يبرز ويرى نفسه أفضل في ضوء هذا النموذج الإسباني. كل شيء هنا. القسمة الكبرى الوحيدة المُهِمّة بين هذين النوعَين من الْمعاصِرين أولئك الذين يؤمنون بالتاريخ وأولئك الذين لا يؤمنون به أولئك الذين' يُقاومون شحوب الذاكرة الذي هو مرض كتاب اشعيّاء ويحضُون البشرية على عدّم «تذكر الماضي»؛ وعدّم «التفكير بالأشياء الماضية» وبعبارة أخرى أولتك الذين لديهم حنينٌ إلى العظّمة وأولئك الذين فقدوه. بوسنة! كان فيلما غنائياً وتحمّلتٌ مسؤوليّته وإذا أنتجتٌ فيلمًا؛ من الصور التي نُصوّرها الآن فسوف أُسمّيه ليبيا حُرٌة! سيكون فيلما غنائياً أيضاً وأنا أحِبٌّ هذه الفكرة.
الجمعة 29 نيسان/ أبريل: (قارب للذهاب إلى مصراتة)
أشعر بالملل في باريس. عيني مشدودة إلى الأخبار الُمرعبة التي تصل من مصراتة كل يوم. وفي رأسي فكرة فكرة واحدة - إنها وسواسٌ تقريباً إيجاد حل سريع؛ سريع جدا للذهاب إلى مصراتة، هناك حل الذهاب عبر بنغازي وهي طريق بعض الصحفيين الذين يُجرّبون حظهم ونحاول نحن أن نسلكها حين كان علينا أن نعود مع يونس ومصطفى على جناح السرعة لرؤية ساركوزي، لكنْ قد يتوفْر لي عن طريق بشير صبّاح مُتطوّع ليبي هو صديق منصور إمكانية ثانية أقل أماناً (لأننا قليلاً ما نفعل هذا) لكن ستكون ميزتها أنني لن أرتهن بأيّ شخص بأية مجموعة؛ بأية مهمّة (وبالتالي أربح الوقت): استئجار قارب صيد في مالطة واستئجار طاقم والإبحار مُباشرة باتجاه الجنوب ثلاثين ساعة ملاحة حتى ميناء مصراتة.
الجمعة 29 نيسان/ أبريل: أيضأ (يهودي في المغرب)
آندريه آزولاي في بيته الكائن في شارع فوزاندري في باريس هو شخص لبق. مُطَمئن عنيف قليلاً، وصوته الخالي من النبرة الناعم إلى درجة أنْه غير قابل للاختراق ويصل إلى أن يكون كذلك. وفجأةً طرأتْ ابتسامة أعادته إلى هيئة الطفل القديم، هيئة الشخص ذاتها التي كانت تميزه حين تعرّفتٌ عليه منذ عشرين عاماً؛ وأكثر. إِنّه آندريه آخر أندريه نفسه وهو مع ذلك أندريه آخر صيرفي "ايتابيشمنت" نوع من "ديزراييللي" فرنسي أو "سولال" يعد نفسه خبيراً في فنّ الصّنع الفرنسي ثم ... المغرب مغرب يهودي إيبيري آخر يهودي عند المسلمين مثلما كان عند المسيحيين، أتذكره لابساً عباءته وهو أكثر يهودية من اليهود الذين يضعون القلنسوة وما أزال أسمعه يشرح لي للمرّة الأولى كيف ارتكزت حياته اليهودية بالتحديد على أن يصير مُستشاراً عند ملك عربي. رأيته ثانية صوته المرتاح نفسه يكاد يكون غير مسموع وحتى الملوك يجب أن ينحنوا ليسمعوه، ولئن كان بيننا لورانس حقيقي لكنه لورانس من دون حرب، لورانس من أجل زمن السلم وفضلاً عن ذلك لورانس يهودي، لورانس مُزدوج بطريقةٍ ماء لورانس أَسْ4- فهو أندريه آزولاي.
جئته أسأله عن رأي حكومته بالليبيين الثلاثة الذين زاروا الرباط توَا وعن الموقف الذي سوف يأخذه المغرب في هذه القضيّة، أجابني بإيماءة وهذه هي لّغة أندريه أفهمتني أن المغرب سيتحرّك بحذر، مع أن قلبه مع الثوّار من دون شك، ويتمنى بالتأكيد نهاية القذافي. وبديهيٌ أنه يُلحقه بالعدو الجزائري، لكنّ المغرب خائف جداً على نفسه، وخاصة أنه على جمر حارق، وهو مُهدّد جداً من شبابه الغاضبين حتى لو لم تكن لأوضاعه أية علاقة بأوضاع ليبيا، وبالتالي فهو مشلول. أمّا أنا فلماذا لم أفكر في هذا الأمر مبكراً؟ خسارة لأنّ هلال الدول العربية المُعتدِلة سينطلق من المغرب إلى ليبيا ويمرٌ بالأردن ولبنان وقطر ويجب الإعلان عنه الآن. وأتمنى بعُمق أنا وآزولاي وآخرون وكثيرون من الأصدقاء العرب أن نُدشنه، وبالفعل بعد قرنٍ كامل النسخة الأخرى من حزب لورانس السياسي العسكري الأدبي أو بتواضع أكثر الحزبي كما كرّرت مرّاتٍ كثيرة عن إسلام الأنوار المضادٌ لإسلام الإرهاب ومِلّته الحديثة من القّلة.
الاثنين 2 أيّار/مايو (أتذكر روجيه ستيفان)
روجيه ستيفان في الصفحات الأولى من كتابه صورة المغامِر المخصّصة لخالة "مالروه ولورانس وأرنست فوت سالومون" "أغلق مجال الُمغامرات الفردية منذ حلّ فعل القوى الجماعية بشكل مفتوح محل مُبادرة الفرد". هل هذا أكيد إلى هذا الحدٌ؟ وإذا ما نجحتٌ في تنظيم هذه الحملة على مصراتة؟
الثلاثاء 3 أيار/مايو (لا أبداً ليست العراق بالتأكيد )
لجنة مجلة la regle du jeu على يسار اللجنة التي ساورها مع ماريا بعض القلّقشعرت به تماما من رؤيتي ألتزم بلا حدود بهذا الدعم للحرب الفرنسية والساركوزيّة في ليبيا وأعطيت سبباً إضافياً لتمييز هذه الحرب عن حرب الأميركيين في العراق. فالأميركيون كانوا يتحدّثون عن "عدالة لا نهائية" مُسلُّمِينَ ضمنياً بفكرة حرب لا حدود لها (لا في الزمان ولا في الوسائل الإجرائية؛ ولا في المنهجيات للأسف)، أما فرنسا فتتحدث عن حرب محدودة الأهداف (حتى إِنها محدودة بشكل مُضاعًف من خلال قواعد الالتزام التي حدّثني عنها العسكريُون في ذلك اليوم وكذلك من خلال تفويض الأمم المُتحدة الذي يفرض إنقاذ المدنيين ويفرض اليوم إيقاف المجزرة في مصراطة). المحدود ضدّ اللا محدود المقدار ضِدّ العدالة اللانهائية. ومن جديد نحن بصدد قانون "غروتيوس" عن الحرب والسلم. نحن؛ من جديد بصدد نظرية الحرب العادلة كما عرّضها "كانت" في كتابه. ومن جديد؛ نحن في الطرف المقابل لإيديولوجية "جاكسون" لإيديولوجيا "الكاوبوي" وللحرب بوصفها عِقابًا ولمذهب «نثق بالُمسدّس»" الذي هيمن في البيت الأبيض خلال حُكم بوش.
الأربعاء 4 أيّار/مايو (فكرة مُبطنة)
تناولت طعام الغداء مع ألكسي لاكروا في المقهى الواقع وراء la regle du jeu قال لي إن "ألكسندر أدلر" وجد أن زاويتي الصحفية عن إسرائيل والربيع العربي مُبتسرة وفضلاً عن أنها مُبتسرة فهي مُعرّضة إذا تدهورت الأحداث لتكذيب قاس. فأجبته أنْ الكسندر معه حقٌ بالتأكيد وأنّ الأحداث ستتدهور حتامً بأكثر مما توقعت وأنّه ستكون في ليبيا الغد الحرّة حتماً موجات مُعادية للصهيونية وحتى مُعادية للساميّة وأنَّ لا أحد ولا أنا طبعأ يدّعي في أية حال من الأحوال أن الديمقراطية ستكون الترياق وستلد بادئ ذي بدء عالماً من المعجزات أو بعبارة أفضل أنا مُقتنع بأنّ الديمقراطية قد تكون أيضاً بطبيعتها وعلى الأقل في مراحلها الأولى اسم تعبير حُرٌ عن دافع معادٍ للديمقراطية. لكنْ بهذه البرهنة التي أفهمها وأعنيها وكل يوم من يومّين أتقاسمها سأجيب بثلاثة أشياء (وأكرّرها بالنبرات كلّها منذ بداية هذه القضية).
أولا قاعدة أساسية أن تتدهور الأحداث، هذا ممكن، لكنّ الديمقراطي لا يستطيع أنيأخذ هذا الممكن على أنه أكيد. ولا يستطيع ألا يمنح نفسه فُرصة على الاقل في "فجر الصيف" وليس بإمكانه ألا يكون مُتيقّظاً، وألا يُقلّل من لكن استنتاجي من هذا
الخطر والاستناد إلى هذه العقبة كي أمنع الإبحار فهذا لا يُمكن تصوّره.
يأتي بعد هذا سؤالٌ صائب. الحدّث واقع على أيّة حال. ألم يتأكّد أنّ مُبارك لم يكن خالداً ولا بن علي ولا القذّافي وسيقع عاجلاً أم آجلاً فاذا ينفع في هذه الحال أن نكون كالنعامة؟ وأي نظام عالمي سيتغير إذا كانت أركاّنه ديكتاتوريُون متهرئون مُدانون؟ وهل يمكننا أن نبني جُغرافيا سياسية أي رؤية عن العالم على فكرة وحيدة هي وجوب كسب الوقت وتأخير الحتمي؟ والموقف العقلاني الوحيد أقول العقلاني لا يرتكز كما قلت لليبرمان بمواكبة حدّث لا يرهن حصوله بنا أنا لا أقول أن نقترن به بل أن نلاحقه نلاحقه فقط وأن نحاول مُواكبته وبذلك نضغط بشِدّة على قدّره؟ قال لا كان نقدياً: "السّيريو هو السيريٌ" وهذه حقيقة الأمر.
ثم تأتي مشكلة الإستراتيجية إذ ينبغي أن نكون داخلها حتى نضغط وتلزمنا الشجاعة حتى نسمح لأنفسنا بالاحتجاج ولن يُسمّع في اللحظة المُناسبة إلا أولئك الذين لم يديروا ظهورهم قبلاً لتفتّح هذا الربيع وأعلم أن اللحظة ستأتي حيث ستكون عناوين الصّحُف عن الدوافع الإسلامية والأصولية وأن هذه الثورات العربية تحرّرت منها. وأعلم أننا سوف نرى كما رأينا في البوسنة وأكثر مما رأينا في البوسنة إسلاميين سيحسّب لهم أنهم قاتلوا في الخطً الأمامي الطاغية الفاضح، ألّا ينبغي في ذلك اليوم أن يكونوا هنا وأن يكونوا أخويين بما يكفي ومُتضامنين وأن يعقدوا مواثيق الثقة المتينة كي يستطيعوا أن يقولوا لهؤلاء الناس إِنّ هناك؛ عندما نريد أن نكون ديمقراطيين أشياء لا تُقال؛ وأفعالاً لا يُرتكب.
وهذا سيكون واحداً من أدوار فرنسا، وهذا ما يجب تحضيره بتواضع اعتبارا من اليوم... احتيال إذا شئنا.. لكنه احتيال العقل.
الخميس 5 أيار/مايو (لكي ننتهي من هنتغتون)
المسألة هي هنتنغتون أي مرة أخرى هذه الأعداد الأولى للجدل الإيديولوجي التي نعود إليها دوماً. فإمًا أن نعتقد أنْ الفضاءات الحضارية كتّل مُنغلّقة على نفسها ومُترابطة في قطعة واحدة وبالتالي فمإ ما يحدث في العام العربي لايعني العرب وحدّهم وليس لدينا كلمة نقولها فهذا شأنهم في بلادهم. وإما أن نرفض أحكام هنتنغتون المسبّقة مُعتقدين أن الحضارات تتواصل وتتداخل؛ وتتبادل التأثير والتأثُر وتتحاور؛ ونحن ننتمي باختصار إلى هذا الحكم الُمسبّق الذي هو وحدة الجنس البشري أو لنقّل هذا بعبارات عادية أكثر ننتمي إلى مقولات ما كان يُسمّى قديما بالعالمية؛ ونعتبر أن الأرض العربية الإسلامية مثلا لا تفتقر للمثل العُليا في الحرية وبالتالي فالقضيّة العربية قضيّتنا وهي أيضاً جزء من داخلنا ومذهبي
الفلسفي في تدخل المصلحة يُسوٌغ نفسه تسويغاً كاملاً. حكم مُسبّق مُقابل حكم مُسبق.
مُعسكر مُقابل مُعسكر، غير أنها مُعسكرات الفكر، وينبغي الاختيار.
الجمعة 6 أيار/مايو (كوبيه وميشيل فوكو)
تناولتٌ طعام الغداء مع جان "فرانسوا كوبّيه" في مقرٌ حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية على الشرفة والطقس جميل، هبت ريحٌ خفيفة كادت تقتلع المظلّة فعُدنا على أعقابنا.. على الطعام؛ ليبيا. ليبيا دائماً وأبداً. قال لي الأمين العام للحزب الرئاسي إِنّه ساهم في تهدئة جوبيه الذي كان غاضباً جدأً مني، وقال لي أيضاً إن بينه وبين ساركوزي وجهة نظر مُشتركة: عدّم التراجع أبدا وعدم الندّم وهو متأكّد من أن هذا ما ستكونه حال ليبيا غير أنه قال لي أيضاً إنّه من أولئك الذين يخشون تطوّر الأحداث، وعندما عرضتٌ عليه أطروحتي عن ضرورة الولوج في الأرض غير المستقرّة كي نكون قادرين إذا اقتضت الحاجة في اللحظة المُناسبة الضغط على حُلفاء ينبغي أننا درّبناهم مسَبَقا وشجعنّاهم ودعمناهم بإخلاص أجابني جواباً أذهلني وجعلني أقيس مرّة أخرى؛ عند واحد من أهم عناصره؛ عدّم الفهم المتربّص باليمين الفرنسي أمام هذه الحرب: "وإيران؟ ماذا سوف تفعلون بإيران؟ ألم يشكرنا
الإيرانيُون كثيراً لأننا آوينا الخُميني في نوفل لوشاتو؟ وفوكو؟ أرسلنا إليهم ميشيل فوكو الذي كان برنار هنري ليفي ذلك العصر فهل تتذكرون أنهم شكرونا على هذا أيضاً؟"
سأعبّر عن جوابي من خلال ثلاث نقاط:
1. عبد الجليل مُسِلِم ورع لكنه يختلف عن الخميني.
2 فرنسا تُقاتل إلى جانب ليبيي اليوم وتُساعدهم على التحرّر أليس هذا مُختلفا بطبيعة الخال عن إيواء الخميني في نوفل لو شاتو؟
3. أمّا فوكو... فأجد أننا كنا في البداية شديدي القسوة على سلسلة التقارير التي أعدّها فوكو ونشرتها جريدة "لو كورييه ديللا سيرا" والتي هي إثر قراءتها بعد هذا الزمن, أقل هذياناً ما يقال عنها. لكنّ الأكيد أنّها تقارير وتقارير فقط وأزعم أنني فعلت في ليبيا أكثر من مجرّد نقل ما يحدث عندما أعيد كتابة أوَل نصّ عام لجبريل؛ والتصريح الأول لعبد الجليل؛ وبيان القبائل؛ وعندما أعمل على الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي أو على مجيء يونس إلى باريس فأنا في دور لم يعُد مُتعلّقاً بالشرح ولا بالتمجيد ولا بالإعجاب. بل بالتأثير."
كان كوبّيه يسمعني لكني رأيت أنني لم أقنعه فهذا يُمكِن أن يكون رأي مَن هو أدنى منه مرتبة في قيادة الحزب. أي قاعدة حزب الرئيس؛! فإذا كنا كذلك عنده وهو أكثر رؤساء الحزب لمعانا فكيف سيُفكر ناخب عادي من ناخبي اليمين؟ وسواءٌ أكانت هذه الحرب مُتصوّرة ثُمّ ُمقرّرة ثم مُندلعة حتى إشعار آخر ألا تصدر مرّةٌ أخرى عن مُعجزة سياسية؟
يمين قاس... رأي (في أفضل الأحوال) غير مُكترث، أوساط أعمال مُنسجمة مع نفسها أي قشَّة قشة بيتانية... حزب سيادي قوي ضاج يعد قادمين جُدُّداً ذوي ثقل... جهاز دولة وعلى رأس الأجهزة وزارة الخارجة التي لم تفهم أبداً المغامرة الفاسقة التي نجرّها إليها... فا الذي يبقى؟ رئيس استثنائي. رئيس المعارضة أوبري التي تُبحِر عكس أعضاء حزبها ولكنها تُقاوم جيداً. وحفنة من المثقّفِين والإنسانيين والصحفيّين كما في البوسنة وغالباً نفس صحفيي فترة البوسنة: يقاومون التشويه الإعلامي؛ ويُّدافعون. هذا كثير وقليل. كان لابُدَ من هذا التحالف الغريب وغير الْمحتمّل.
السبت 7 أيّار/مايو (وافريقيا)
بصدد التأثيرات منذ خطابي الأبله يوم وصول وفد الوسطاء الأفريقيين ومُظاهرات فندق تيبستي كان يدور في رأسي مشروع هو الآتي: إيجاد وسيلة لكسر هذه الجبهة الأفريقية التي بناها القذّافي بالدولارات والوعود وإيجاد الداعم أو الثغرة الكفيلة بتقويض هذا الإجماع الفضائحي واُلمفرط في التملّق كما يرى العالم الصاعد, ورَبما تكوّنت لدي فكرة.
الأحد 8 أيّار/مايو (نعم سوريّة طبعاً)
حدّثني ابني آنتونان عن اتصال هاتفي من فرانسوا هسبورغ يُدين فيه صمت الُمثقفين إزاء ما يحصل في سورية وأنا لن أتصرّف إلا إذا أقحمني بالاسم مع ساركوزي في النهاية! لماذا أنا؟ وإذا كان هذا الصمت يُزعجه إلى هذا الحد فلماذا لم يخترقه في وقتٍ سابق؟ وباسم أي قانون غريب يجعلني الشخص المفترض الوحيد لاختراق الصمت عن الثورات العربية؟
الحقيقة أنْ ما فعلتّه في ليبيا يُنتظّر ننتظر وأنا شخصياً أنتظر على كلّ حال أن يفعله أحدّ في سورية؛ و لا يكون هيسبورغ ذاته. والأهمّ من ذلك أيضاً ما قام به ساركوزي بالتغلّبٍ على مُقاومة شُركائه وتحفظاتهم وعبقريّته في نزع سلاح الُمعارضين في مجلس الأمن الدولي، يُدهشنا ألا يوجد إنسان آخر مثل مركل؛ أو ساباتيرو أو أوباما وعضو كبير أو صغير من مجلس الأمن (كان يجب أن أجد القائمة الصحيحة فكل طرف معنيٌ معني ضميريا ومن السهل جداً أن يِتَخِذ المرء شكل الرُتيلاء غامزاً بعين السوء كي يُردّد باستمرار عجّبأء عجَباً غريب... ألا تجدون غريباً ألا يفعلوا في سورية ما سبق أن فعلوه في ليبيا... آلا تجدون هذا مُثيراً للشكٌ والاضطراب وعلى درجة عالية من الارتياب ومُثقّلاً بالمعنى لكنْ ما المقصود؟ هذا الكيل بمكياgّين والقياس بمقاسّين؟(.
الثلاثاء 10 أيار/مايو (لينين وافريقيا)
وسواسي الأفريقي دائماً. لديّ في هذه اللحظة وسواسان: مصراتة وأفريقيا. ثمّة= في ما يخص أفريقيا هذه الكلمة للينين التي كنت أردّدها في شبابي ولم أعٌد أعرف لا سياقها ولا معناها: «من يبسط يدّه على أفريقيا يبسط يدّه على أوروبا». لعبتٌ بهذه الكلمة؛ وأعدت اللّعِبِ بها. داورتّها وقلبتّها. أفريقيا وأوروبا... أفريقيا وأوروبا...عندما بسط القذّافي يده على أفريقيا...قالت أوروبا للقذّافي ...ممنوع أن تمس أفريقيا...فمّن يبسط يده على أوروبا ببسط يدّه على أفريقيا...من يبسُط يدّه في أوروبا يعني بسطّها على البلد الأفريقي الذي سيرفع يده في وجْه القذافي... وأنا متأكد على كل حال من أن في إفريقيا مفتاحاً.
الخميس 12 أيار/مايو (عن الحرب الفكرية)
إذاً هذا كله يطرح أن أيضاً سؤالاً يُعِلن عن نفسه كالآتي: حين أفعل كلّ هذا حين أتدخل بهذه الطريقة؛ غير سعيد بها ألاحظ وأكتب أبني تصوّرات عن أفريقيا فأرفع هيكل خطط لتحطيم الدرع الإفريقية للقذَّافي عندما أكون الكاتب الشعبي في نظر جبريل وعبد الجليل..
عندما أُقنِع الرئيس الفرنسي بأن يلتزم مع المجلس الوطني الانتقالي عندما آتي بلواء باحث إلى باريس هل ما أزال في دوري وبما أنني كنتٌ أتكلّم ذاك اليوم؛ عن الُمعسكرات الفكرية التي يجب دوماً الاختيار من بينها فهل يتصل الأمر دائماً حتى بفكر؟
وبعبارة أفضل أقول: قصص «الخارج» و«الداخل» والأراضي التي تربحها, و«الأراضي التي تخسرها، وهذا التكتيك؛ والتجسّس هذا السطو والقسر؛ هذه الطريقة في لي الذراع وفي تحديد موعده في أن نكون هنا بُغية أن نزِن ذات يوم هذه الإستراتيجية الجامعة كما كان يقول فيليب سوليرس حين كان يعمل في مجلة Tel Quel, أو ماو «بيني ليفي» الأوّل هذه المعركة جنباً إلى جنب التي لا نعرف في أي اتجاه سوف تجري هذه الطريقة في التأليف. في قول نصْف الأشياء (هذا إذا كان نصفّها أصلاً! فأحياناً يقال الأقل من النصف بكثير مُرقة مُرقة من الحقيقة) أليس ذلك النقيض التام للعمل الفكري الذي خلقت له من حيث المبدأ؟
وبعبارة أفضل: حتى مكان السياسة؛ مكان احتمال الحدوث؛ واللقاء مكان المصالح والعواطف المتصارعة هذا المكان المُظلِم المُعتم هذا المكان الذي ليس عالماً ونُحاول يائسين أن نجعل منه عالماً (لكنّه قد يكون حيلةٌ أخرى؛ حيلة السياسة نفسها الوعد الذي تأخذنا به وشبحه بامتياز خداع آخر) أوَليس هو كما هو مكان مُعادٍ للفكر حيث تخور قُوى المثُقَفِين ويفقدون ذواتهم؟ وماذا سأفعل في هذه المعمعة الحقيقية الوحيدة الأكثر وعورةً من غيرها التي تحدّثت عنها في تقاريري عن الحرب؟
أرسل لي باسكال باكّيه في ذلك اليوم مجموعة من حكم سليمان التي تقول «قلب الملك في يد الله». وحكمة أخرى أجبته فوراً أنها موجودة في رواية الحرب والسلم لتولستوي بمفرداتها نفسها في مقطع وقعتٌ عليه وهو يتحدّث عن نابليون (عند تولستوي؛ ومعه هذه النتيجة الطبيعية: الملوك عبيد التاريخ - يعتقد أنهم يسودون التاريخ ويهيمنون عليه ويعجنونه بأيديهم: لكنْ لا هم الذين يُعجَنون ونابليون لاشيئ). أهِيّ مُصادفة إذا؟ نقل؟ وإذا كان هذا نقلاً فَعَبْر أيّة قناة؟ بأيٌّ سِرٌ نقل وأي انتقال؟ لا أعرف شيئاً عن هذا لكنّه واقع.
والأغرب أنّ هذه الكلمة تعني الشيء نفسه في رواية تولستوي وفي التلمود أن يكون المرء ملكا أن يكون من هذا المشهد يعني أنه في الظلام كما يعني أنه يُضيف أيضا على نحو مُفارق ظلاماً على ظلام العالّم حتى في الاهتياج الذي يُبديه وهو يُحاول أن يرى فيه بقليل من الوضوح. فالسياسة هي دوماً من طبيعة الظلام من طبيعة غير القابل للاختراق. هي في جانب من جوانبها هزيمة مُكرّهة للذكاء، ومحاولة التفكير فيها أي ما ندعوه فكراً إننا هي مشروع محكوم عليه بالإخفاق.
وزيّن «بافيه» رسالته باعتباراتٍ لطيفة عن التعب حيث يفترض لي (تعب الجسّد وتعب الروح؛ والتثبيط: والسّأم) حين يتخيّلني في هذه الحبكة، حبكة هذا المشهد وحول الشكٌ الذي يُساوره؛ مثل "بيني" حين رآني عائداً من حروبي المنسيّة وثائراً من أجل الموصل أو مدافعاً عن شباب الضواحي في فرنسا فأنا لست مُغفَلاَ ولا استطيع أن أكون كذلك، وهو على كل حال لا يُمكن أن يعتقد أنني أكتفي بنصف الفِكرة هذه؛ بفكرة الرّخْص بهذه الفكرة المشبوهة الُمقتطعة كما يُقال من كحول رديئة فكيف لشخص مثلي لم يُعلِن الحداد على الدراسات وبأقلّ من ذلك على الحقيقة وكيف لواحد من أتباع لافيناس يعرف من أيّ سموٌ غير تاريخي يتجلى حين تُريده هذه الحقيقة الخفيّة وكيف لليهودي في داخلي المثقف وهو عارف ذلك، بحُكم أنَّ القانون وإن كان مُتزامناً مع أفعالنا يسمو عليها إلى اللانهاية، كيف لشخصي مثلي يُمكن أن يعتقد بهذه اللعبة لُعبة الاختباء لعبة إخفاء البؤس لُعبة هذا البؤس؟
ربما معه حقٌ فيما يتصل بالإنهاك ففي بعض الأيام أفقد طاقتي على الاحتمال. ويتملكني شعور بأن في عالم لا يُمكن إدراكه؛ له عمقان أو ثلاثة أعماق حيث لا أعرف من يقول الحقيقة؛ ومن يكذب. نعتقد أننا نفهمه. لكننا لا نصل إلى ذلك. نظن أننا نتقدّم في معرفته غير أننا في الحقيقة نتراجع. يحصل هذا على الساحة الفرنسية كما على الساحة الليبية. عندما أسمع جوبّيه أو كلينتون؛ أو عندما أتحدّث مع جبريل. ولئن كان هذا هو الواقعي ذاته الواقعي بالمعنى الذي يعطيه إيّاه "لاكان" فهو بالتالي معنى السياسي الذي يخفى على إدراكي.
في ما يتصل بالسياسي وعلاقتي به؛ ليس مخطئاً كلياً أيضاً. ألم أكتب بدءاً من كتابي الأول الذي مضى عليه أكثر من ثلاثين عاماً أنّ مكان الكاتب والفيلسوف والمثقف بعيد جداً عن الملك؟ ألم تقل الحكمة اليهودية التي لم أكن أعرف عنها حينذاك أيّة فكرة كل شيء؛ كل شيء على الإطلاق عن لُغْز هذه المسافة إبراهيم الذي تفاوض مع الملوك الخمسة ومضى وموسى الذي بارك فرعون ونجا بنفسه البطاركة هؤلاء المنبوذون وهم يعرفون أن ساحة الملوك سجن وأننا لا بْدَ أن نكون مجانين حين يكون عندنا ناس وأننا نرى في الظلام لنتركهم وندخل السجن؟ «إحذر من السّلطة» فصل الآباء الأسوأ من ذلك حقاً هو الخوف، خوف عميق لا علاقة له بالخوف الذي استطعت أن أستشعره في البريقة واجدابيا وقديماً في غابة تنغا على أطراف برجمبورا، في بنغشير مع الجنرال مسعود وتحت القصف في سراييفو. لا إِّهِ الخوف الآخر خوف الروح؛ وقد كان "فوكو" يقول: الشجاعة الحقيقية ليست شجاعة الجسّد بل شجاعة الروح (في نهاية حياته وهو يلفظ أنفاسّه الأخيرة كانت آخر كلمة قالهًا: نادوا "كانغلهيم"؛ فهو يعرف كيف يموت...). والحقّ أنَّ الأمر نفسه ينطبق على المخوف مخاوف الروح هي الأسوأ المخوف من المخاطر التي نتعرّض لها حين نتحالف مع الحقيقة. الخوف الذي ينتظرك يا دون جوان حين
تدّعي معها أَنْك تحتال. الخوف من أن أخطى؛ ومن أنَّ ثمن هذا الخطأ يُدفّع من دماء الآخرين. والخوف طبعاً من الاسم الذي أحمله؛ ليس اسمي لا ليس اسمي الشخصي وليس اسمي السرّي لكن اسمي الآخر اسمي العام اسمي السرّي الذي هلل له الناس ذاك المساء على الكورنيش في بنغازي لكنْ ما الذي فهموه حقاً؟ وما الذي فكروا فيه؟ من يدري؟ فأنا كما قال لانزمان لا أرى في نفسي «سيّد العالم» أطبّق «الابتزاز» على سياسات حسّاسة. وأنا لا أفقد «الصّوابِ» ولا "الاتّزان". بل أعتقد فقط أنني رأيت حتى الآن بأوضح قليلاً مما رأى الآخرون، وأشعر أنني قوي وهشٌّ في الآن نفسه. أنا أبعد عن الحقيقة من أن أكون قوياً. لكنّني داخلٌ فيها إلى الحدّ الذي لا يجعلني فريسة الميت؛ كالحيٌ وفريسة هشاشة السياسيّين الضارية هل هشاشتي تفوق قوّتي؟ أم قوتي تفوق هشاشتي؟ هذا مرهون بالأيام.
غير أن "باكيه" بالقابل؛ مُخطئ في ثلاث نقاط جوهرية ورُبّما في أربع .
1. أولا الحقيقة. أعرف طبعاً. وفهمت أنها آتية من الأعلى أو سوف تأتي وهذا واضح وضوح الشمس. لكنْ الآن... في هذه الأزمنة العدّميّة أو غير التبشيرية على كل حال... فهل أشتم الحقيقة حين أتذكّرها حين لا أستسلِم لهذه الذاكرة لكني أعرف أنها لا تُعبُر عن نفسها بشكل كامل ولا تتجلى بجلالتها ومن الواجب أن نتحالف معها بما لدينا، جزء من هناء وجزء من هناك لُعبة مستمرّة في كل لحظة لتأخير الخطأ لتعديله؛ وتعطيله والاحتيال عليه؟ فالتحالّف مع الحتمي ليس خطيئة بل هو واجب.
2 ألَفتٌ كتاباً بعنوان عن الحرب في الفلسفة يُفصح عنوانه تماماً عن الغرض منه. وأنا ما أزال فيلسوفآ وأفلاطونيا ومُقتنعاً بالتالي بتعالي الحقّ. لكنّني أرى هذه الحقيقة بعين المحارب أعني من زاوية فلسفة نيتشه أي بعين ذات تعرف؛ من الآن حتى تنبثق مُسلّحة تماما من دون تحالّف أن هناك هذا الزمن الطويل جداً الذي هو عصرّنا حيث تُعبر عن نفسها على مسرح تمثل عليه حرب التملّك والنزاع والتمزّق التي ستصير موضوعاً لها. إذاً كان موقفي دوماً نيتشه في أفلاطون. نيتشه الذي ينتظر أفلاطون وليس لي إلا عدو واحد هو هيغل.
3 تدخلي في هذه الحرب. عملي في هذه اللعبة في هذه الواجهات في لمعان الحقيقي
وغير الحقيقي. فليطمئنوا. أنا لست مُغفلاً. وأعتقد أن لا أحد أقل انخداعاً بهذا القليل من الحقيقة. ومع التحفّظ على اللاوعي الذي يتلاعب بي بكلّ تأكيد أعتقد أنني متمكن تماماً مما أحاول أن أقوم به الآن. أنا مُتعَب. نعم. خائف قلت قبل قليل إنني خائف. أما أن يخدعني ويلعب بي من هو أكثر دهاءً مني (سواء أكان من أتباع القذافي أم إسلاميا أم مُعادياً للسامية لا يعرف الندم) فهذا لا لا أعتقد سوف نرى لكني لا أعتقد.
4 اسم يهودي في نهاية المطاف لا ينفع وأفترض أن أقول إنني لا أتخلى عنه أبداً: شاهد من بين شهود آخرين على الكاريكاتير المعادي للساميّة على الكورنيش؛ وشاهد أيضاً على افتتاحية خطابي إلى الشباب في آخر مساءٍ من فترة إقامتي الثانية في بنغازي. لكنّي أؤكٌد وقد يكون هذا أقل وضوحاً أنني لا أخفي يهوديّتي أكثر من ذلك. فهي واحدة من موضوعات معركتي. هذه المعركة أيضاً هي موضوع الدفاع عن "الاسم اليهودي".
يتواصل