"الحد الأدنى من البصيرة يرشد إلى العمل مع الآخرين للحفاظ على الأساس المشترك، ليس بالضرورة بالوئام ولكن ليس باستبعاده، وفي كل الأحوال بروح المسؤولية "
**
تصوف المعلم محمد يحظيه ولد ابريد الليل وشاب، في حب الوطن الموريتاني. تعود الخروج واقفا من صومعته، كل ما أبصر عقله الباطن دُنو عاصفة قد تطال هيبة مصلحة الإبل وانتظام غدوها ورواحها : يرصد بآنية مشحونة جغرافية الحركة والعمران؛ ليهب بولع حلولا تطال أمن الطلقة وأمان الرغيف؛
انشغل بكرامة وحياة الناس ووئام المجتمع، مسخرا، بحماس لذيذ نفوذ عقله ووجاهة حضوره للذود عن سيادة الحضارة في ربوع خيمة الخيمة، لخيام الصحراء الكبرى.
فشل خصوم اليمين المتطرف في إفراغ " قوميته" من التقدمية؛ دافع عن حق الأقليات في تطوير لغاتها، والمساهمة في حماية الهوية الوطنية من استهداف المخططات و الأجندات الوافدة من وراء الحدود. قدم تضحيات جسام ليتمتع كل موريتاني بحريته في الرأي والانتماء السياسي، مناهضا بشراسة جميع مظاهر الاستبداد التي أجلت امتهان التعددية.
أحاط ولد ابريد الليل بتاريخ وتراث القارة السمراء وشعوبها، وانتقد عبر نصوص لاقت انتشارا كبيرا على مستوى إفريقيا وعبر العالم، أشكال الحيف التي يتعرض لها " العرب"، " الفلان"، " الطوارق " و " الماندينغ"؛ في دول القارة.
باشر ولد ابريد الليل كأول مسؤول عن الثقافة و الإعلام الإشراف على الرفع من أداء الإعلام العمومي باللغات الوطنية لتفادي لجوء بعض مواطني الجمهورية إلى متابعة إعلام دول الجوار، حيث اكتتب جيل العصر الذهبي للبولارية والصوننكية والولفية في الإعلام العمومي، للإخبار والتثقيف الديني والصحي والتعريف بتراث المجموعات الوطنية؛ ليستمر عطائه على مدى عقود، كأهم المرجعيات، ليس في بلادنا فحسب، بل في شبه المنطقة.
لازال الأرشيف يحتفظ، برسالة فاتح مايو 1979، بعربية ولد ابريد الليل المصقولة، تضمنت " إذنا خاصا"، بتعاقد الإذاعة الوطنية مع الوجيه بال آمادو تجان، والإغداق عليه، وتعيينه بصفة استثنائية مسؤولا عن الإنتاج الإخباري والثقافي باللغة البولارية.
كان " الكاتب" تين يوسف كي، كما وصفته يومية Le Monde في نسختها لليوم التاسع من سبتمبر 1988، يتردد نهاية العقد السابع من القرن العشرين على دار الثقافة في نواكشوط، قبل أن يُلحقه بعد نظر ولد ابريد الليل باتحاد الكتاب في نسخته الأولى، ليصبح لا حقا أول مدير مركزي عينه في وزارة الإعلام.
طالب بعض نخب إحدى المكونات الثلاث للأقليات خلال مؤتمر ألاك، في شهر مايو من العام 1958، بإقامة " دولة عرقية"، واعتماد الفرنسية كلغة رسمية، لحسم الخلاف حول ما اعتبروه " المشكل الثقافي"، الذي تم تجاوزه لاحقا عبر حزب الشعب بترسيم اللغة العربية و تقديم " الضمانات" للأقليات، ليستعير نفس الأشخاص، طرح " التعايش"، الذي ظل حاضرا في مناشير طلاب ونقابيي اليمين المتطرف؛
واصلت لاحقا صولة أجندات الاستهداف تحكمها في المشهد السياسي، ليتسلل إلى متن خطاب الدمقرطة في آخر عقود القرن العشرين تحديث لشعار الشحن " الوحدة الوطنية"، الذي نشأ خارج السلم في فرنسا، ليتحرك لاحقا نحو القارة لارتهان دمقرطة “لابول”، عبر " المؤتمرات الوطنية"؛ ويعتمد نفس المنطق على عجل انتقائية في تضمين الخطاب السياسي حصرية " الإرث الإنساني"، المرتبط بتداعيات مسار هوية الدولة والمجتمع.
تم استخدام خطاب "الوحدة الوطنية" بشكل مفرط في التاريخ السياسي الحديث لدرجة أنه بدأ يفقد قدرته على الانتشار والإقناع، وأضحى موضع شك مريب، مفرغ من الجاذبية والصدق، مشحون بدوافع سياسية خفية ومناورات انتخابية مكشوفة.
الموريتانيون، في غالبيتهم الصامتة، متحدون حول الأولويات الرئيسية للبلاد من حيث التكامل والأمن؛ رغم تغذية بعض النخب السياسية باستمرار مشهد الاحتقان وتمزيق بعضها البعض، خلافا للشعب الذي يبقى محصنا إلى حد كبير، متمسكا بعرى الانتماء للدولة.
اللجوء إلى خطاب "الوحدة الوطنية"، في زمن السلم والوئام مناورة تحوي من العنف المعنوي ما يخفي مستوى فوضوية قطيعة الخطاب السياسي مع الواقع.
دأب رؤساء فرنسا منذ فجر تاريخ الجمهورية الثالثة، على الدعوة إلى " الوحدة الوطنية" في فترات الأزمات الخطيرة والمصائب و التشرذم؛ حيث تم التعبير عنه في 4 أغسطس 1914، في دعوة للفرنسيين إلى "الوحدة المقدسة" بعد إعلان ألمانيا الحرب ضد بلادهم؛ و كذلك بعد مجزرة باريس في 6 فبراير 1934، التي نفذتها قوى اليمين المتطرف؛
في فرنسا، بدأ الحديث متأخرا حول تمثيل التنوع في الإعلام، حيث يعود إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بفعل ضغوط خلاصات البحوث في مجال علم الاجتماع، لغياب الحيثيات القانونية المؤسسة له، بعد أن سيطر واقع الخطاب الشرائحي و التصنيفات الاختزالية المستخدمة و الصعوبات في تمثيل الأقليات العرقية بشكل أفضل.
قياس التنوع يواجه صرامة دستور الجمهورية الخامسة، وتحريم المجلس الدستوري للدراسات الإحصائية القائمة على العرق، مع رفض الطبقة السياسية لإضافة ديباجة لدستور فرنسا تكرس احترام التنوع، بحجة أن سياسات المحاصصة القائمة على العرق تبقى حكرا على البلدان المعروفة بممارستها الرسمية للميز العنصري.
يكتفي المجلس الأعلى للسمعيات البصرية (CSA) باعتماد معايير عادلة للتوظيف وتكافؤ الفرص داخل المؤسسات بين الناس من مختلف المجموعات العرقية، لضمان ظهور وجوه منتقاة من الأقليات العرقية على الشاشة الصغيرة.
عبد الله يعقوب حرمة الله