هروب إلى طرابلس
استعداد للمعركة. كان المبعوث الروسي إلى ليبيا قد أعلن منذ قليل في طرابلس أن اتصالات قد عقدت البارحة يوم الأربعاء في باريس بين الثوار والقذّافي. اتَصلت بي وكالة الصحافة الفرنسية والوكالات الأجنبية وعِدّة إذاعات مازالت تهتم قليلاً بليبيا(ي) المسكينة. وبالطبع طلب منًا علي الذي تكلّم مع عبد الجليل ألا نُقدّم أيّ تعليق "تشغيل" وأنْ نكذَّب كل شيء «إيقاف التشغيل» وبالمناسبة: هذا ما كنت وبعفوية قد بدأت بفعله. ما الذي حدث بالضبط؟ هل خرق القليوشي مدير المكتب عن دراية وسابق إصرار معاهدة السرّية؟ هل هي بداية مناورة لا أرى بوضوح حلقتها التالية لكنها تستهدف إما عرقلتي وإما عرقلة المجلس الوطني الانتقالي؟ هل يريدون أن يقولوا إن أهل طرابلس لا يحدق بهم الخطر الذي نتوقعه؟ وهم مُستمرٌون على خط الدبلوماسية الدفاعية؟ بعد التحقق بدت الأشياء وقد حصلت كالآتي.أطلق المبعوث الروسي عندما كان القليوشي مدير المكتب ما يزال في طيّارة العودة فكرة لقاء محمودي مُعلَّمه حيث سيكون هو مُنظّمه اللطيف. وقد فَهِمَ كالإيطالي فارتيني وكآخرين أن «التوسّط الليبي» كما في السوق القديم للعرض العام هو المنتج الذي يعلو سِعره والسلعة النادرة القابلة للتمويل وقد تبرع بخدماته كوسيط. ويبدو أن محمودي قال لا شكرا ليس الآن لأنّ هناك مبادرة من نفس النوع في باريس. وهذا
مُريح.
الأحد 19 حزيران/يونيو (مصراتة بعد الظهر)
منصور على الهاتف ثمّ سليمان. ثم بشير صباح. غدأ سيكون قد مضى خمسة عشر يوماً على انطلاق الضباط الأحرار في مصراتة! لن نتخلّى عن رمضان زرموح. سنواصل الضغط.
أنا منزعج من هذا مع أنه الحلّ الوحيد؛ إذ لم يمرّ يوم من دون البحث عن وسيلة لنقول له إن السيد رئيس الجمهورية ينتظره، وهذا مهم ويّمكِن أن يغير كل شيء في مصراتة وما بعد مصراتة من أجل كل ليبيا. ولكن المعارك هناك أخذت منحى آخر إنهم قساة جدا ويبدو أن القذَّافِي قد جمّع قوى جديدة على الجبهة الشرقية ويقول زمروح إِنّه لا يستطيع حالياً أن يترك الحبهة.
الاثتين 20 حزيران/يونيو (الميل إلى المفاوضات)
ذكرت جريدة الفيغارو دون أن تسميني في إطار التطور العام للمزاج الدبلوماسي لطرابلس الاتصالات التي عقدت في باريس مع علي زيدان. قلقي الحقيقي فيها يمس هذه القضية؛ لا ينبع من المعلومة (ألا تُشْدّد وهذا هو الأساسي على أن زيدان لم يُساوم على الخط الأحمر الذي هو بالنسبة للمجلس الوطني الانتقالي رحيل عائلة القذَّافي). ولا ينبع أيضاً من إمكانية ظهور اسمي وبالمحصلة ما أهمية ذلك؟ أُوَلم يصدمني فصل القدس بشكل مبالغ فيه؟.
كلا همي الحقيقي هو الميل الجديد الذي أَحِسّه في كل مكان تقريباً وهذه الحلقة الصغيرة ليست أكثر من مثال. فقد أعلن فراتيني من إيطاليا عن مؤتمر تيوديل ويان كي مون الذي علمت أنه اتصل بالمحمودي من القاهرة وتلك المقالات الصحفية في فرنسا التي تتكلم كما في جريدة الباريسيان هذا الصباح التي تتكلم عن الكلفة الباهظة لهذه الحرب وعن عبئها الخ. كل هذا لا يعجبني أبدا وإذا كان للخطوة التي قام بها مدير مكتب القذّافي أن تحمل أي معنى فهذا هو معناها الوحيد: "تندرج في هذا الدرس الجديد وتُعزّزه لتظهر أنها تتمدد حتى باريس وتُشير إلى أعباء تجمل الأشخاص الذين مثلي ومثل زيدان؛ الذين يعارضون بشدة أي اتّفاق مع القذّافي.. إنها باختصار تسوّق برفعةٍ وسّمو فكرة أن الحرب ورطة؛ والحل العسكري مأزق وأنّ كل الإرادات الطيبة في كل مكان تبحث عن حل غير عسكري.
الثلاثاء 21 حزيران/يونيو (إسرائيل والربيع الليبي)
القدس من جديد. «محاضرة الرئيس» شمعون بيريس أكثر حذراً من أي وقتٍ مضى.
وطوني بلير يهيم وجداً بفضائل النموذج الإسرائيلي. عوز صديقي عاموس عوز الذي ألقى خطاباً قوياً حول السلام وحول عظمة الاتفاق، وأنا مَن أعود إلى الربيع العربي بشكل عام والليبي بشكل خاص كي أشرح ل 1500 مُشارك لماذا يجب على إسرائيل ألا تخاف من العالم الذي يتولّد تحت ناظريها.
قلت: علينا بالتأكيد أن نكون حَذِرين.
تلك الثورات التي لم تغب منذ يومها الأول عن ناظريّ هي ككل الثورات تحمل كثيراً من التردّد. ووجود إسرائيل واستمرارها وأمنها ضروراتٌ قطعية إلى درجة لا تسمح لناء ونحن نلعّب بها أو نستهين بها أن تَعرّضها لأي خطر.
ولكنّ هناك خمسة أسباب على الأقل لمقاربة هذا الحدث بتفاؤل نسبي.
ثمّة أولاً أسبابٌ مبدئية. كيف يُمكن أن نتصوّر الصهيونية وهي حركة تحرير ناجحة للشعب اليهودي إذا لم تمد يدَ المساعدة إلى شعوب أخرى لحظة تحرّرها أو في اللحظة التي تحاول التحرٌّر بدورها؟ وما قيمة ديمقراطية تفاخرت لعشرات السنين بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وفي اللحظة التي يلتحق بها الآخرون لا تُبدي أية التفاتة لاستقبالهم؟ وقد جاء في الوصيّة «لن تقتل أبدا» هذه الوصية المقدّسة كغيرها من الوصايا العشر هذه الوصية التي قدمها اليهود للعالم هل وجد مكان في العالم أسيئ فيه استعمالها أكثر من ليبيا المسكينة حيث أرسل القذّافي في شهر شباط؛ طيّاراته لقصف المتظاهرين السلميين؟ على هذا المستوى من المبادئ المسألة غير قابلة حتى للطرح. لا تستطيع إسرائيل أن تدير ظهرها لما يحدث في بنغازي وطرابلس.
وثمّة بعد ذلك السياسة وعلى الصعيد السياسي هناك حقائق لا تستطيع دولة إسرائيل أن تتجاهلها. قُلتٌ: أعرف أن في القاعة التي أخطب بهاء أناساً يعتقدون بأن بلدانهم كان بإمكانها أو بإمكانها أو سيكون بإمكانها أيضاً أن تتفق مع القذافي. فهو يحقق لهم الخير العظيم. ولا بْدَ من امتلاك ذاكرة قصيرة المدى لننسى أن ليبيا القذّافي لم تتوقّف خلال أربعين عامأ عن الدعوة إلى تدمير إسرائيل؟ وأنها استّعملت قاعدةٌ خلفية ومأوى ومركز تمويل لألدٌ أعداء إسرائيل؟ وأنها قدّمت بشكل منتظم منبراً لأكبر مُنكري المحرقة والمسعورين؟ وأنها حاولت في آب الماضي أيضاء أن تُرسل قافلة مساعدات لغزة بهدف الثأر من إخفاق التي انطلقت من تركيا؟ وأنها طالما عدّت زيارة السادات للقدس خيانة كما عدّت معاهدة السلام التي أعقبتها وبأنها طردت في خطوة انتقامية وبين عشية وضحاها 200000 عامل مهاجر مصري؟
ربما لن يبتدع الليبيون مِنَّ المحاولة الأولى وربما لن يبتدعوا على الإطلاق ديمقراطية تشرشلية، قد يظهر إسلاميون مُتطرّفون على الهامش وربما في قلب السلطة الجديدة. ولكنّ من الصعب جداً بالنسبة لإسرائيل أن يكون ما سوف يأتي أسوأ من الذي كان.
وخصوصاً أن هناك عدّة أحداث جسيمة تزامنت مع الحدث الكبير وهي تمس إسرائيل ومصالحها الحيوية عن قرب. فقد كان يقال للشعب الليبي ويُكرّر باستمرار منذ عشرات السنين أن له عدوّا عدوًاً واحداً هو إسرائيل. ولَقنوه أن هناك مصدراً للشرور ومنبعاً واحداً لها هو إسرائيل. وانتهوا بإقناعه فجأة بأنه لن يكون لهم من مهمة حتى نهاية الأزمان إلا مقاومة هذا الكيان الذي هو سبب كل بؤسهم وإخفاقاتهم.
وفي الحقيقة الحدث هو أنهم تحققوا خلال النضال ؟ ثم خلال القمع العنيف الذي أعقبه أن لهم عدوا آخر تماما منبعاً آخر لعذاباتهم؛ وأنّ ذلك المنبع ليس له علاقة أبداً بإسرائيل.
وطبيعيّ أنني لن أقول إننا سنعبر من الظل إلى النور، وأنه لن تبقى أية عواقب في النظام القادم، ولعشرات السنين من الدعاية السامة والحاقدة، ولكنها قصفة رعد حدثت. في طبرق واجدابيا وبرقة وراس لانوف وبنغازي ومصراتة في كل تلك المدن التي ذهبتٌ إليها كفرنسي والكل كان يعرف أنني يهودي إنه زلزال إيديولوجي روحي كنت شاهداً عليه. إنها عودة العالم الحقيقي، ووداع الوهم. لقد مُزق حجاب من الوهم بين عشية وضحاها، في ليبيا الجديدة، في ليبيا التي عليها أن تواجه التحدّي الحقيقي والمحسوس؛ وهو إعادة بناء دولة ومجتمع حطّمَهما الطغيان وسيكون أصعب من هذا بكثير ابتلاع وتصديق نظرية إسرائيل سبب كل الخطايا وإسرائيل كبش الفداء.
أضيف أن للسياسة قوانين أرغب في أن أقول حتى إِنّ لها نظريات وأبدأ قبلا بإحدى هذه النظريات. ماذا تقول هذه النظرية؟ تقول: الديمقراطية لا تُحارب ديمقراطية أبداً. أي نعم. يمكن أن يكون هناك دائما استثناءات، ولكن مع ذلك سيكون من الغريب جداً أن يحصل هذا وبالمصادفة وللمرّة الأولى في هذه المنطقة. ولكن حالياً هذه النظرية مُفحمة.
نعرف طُّغاة يفتعلون الحرب مع طُّغاة آخرين، وطّغاة يفتعلونها مع ديمقراطيين.
وديمقراطيون مع طّغاة. ولكني لا أتصوّر أن تُحارب ديمقراطياتٌ ديمقراطياتٍ أخرى؛ ولا وجود لذلك، ثمّة تفسير عملي لهذا القانون، وهناك تفسيرات فلسفية نجدها عند مونتسكيو أو توكفيل وحتى عند الكسندر كوجيف، لكن الحتمية هنا من ثوابت التاريخ القديم والحديث والمعاصر. يمكن لليبيا ما بعد القذافي ألا تكون ديمقراطية. ولكنها لو صارت ديمقراطية فستأتي اللحظة، وسريعاً جداً التي نكتشف معها بأنها أقل تهديداً لإسرائيل من الديكتاتور.
نظرية أخرى. عندما قدمني «عريف» الحفل التقطت قوله إِنَّ ثمّة طّغاة يسقطون وطاغية ليبيا هو الشيطان الذي نعرفه؛ والذي نحبّه جيداً لأنه "يقدّم" وهذه كلمة أخرى التقطتها شكلاً من «الاستقرار». آه! استقرار الطّغاة... أية حماقة هذه! أية أفكار مُعلَّبة! الطغاة ليسوا أبداً مستقرّين. طغيان واستقرار! هما كلمتان متناقضتان. متناقضتان لسبب واحد على الأقل، لأننا نصل دائما إلى لحظة الانقلاب على الطغاة وهذا أيضاً أحد قوانين التاريخ، خذوا مثلا بلداً مثل إسرائيل؛ لقد أقامت معاهدة مع نظام استبدادي هذا أفضل من لا شيء طبعاً. ولكنّ معاهدة تستند على طاغية وخاصة طاغية يشيخ ويضعف، فهي معاهدة لا تساوي شيئاً ذا قيمة؛ معاهدة سلام مع هذا الطاغية معاهدة يدّعي أمام جماعة من الحيوانات الهائجة التي لا تفكر إلا بتمزيقه أنه الضامن الوحيد؛ والجدار الحامي؛ لهذه المعاهدة الأكثر ضعفاً والأكثر هشاشة وهي الأقل استقراراً بين المعاهدات. إما أن يستسلم الطاغية وبالتالي يُمكن أن تتدفق الجماعة الهائجة كالسَّيل وإمًا أن يصمد ولكن إلى متى؟
السلام الوحيد الثابت نسبياً إِنَّما هو الذي نوقّعه مع بلد أوبكل الأحوال مع غالبية شعبه؛ بعد أن تتمّ مُناقشتها والتصديق عليها. معاهدة إسرائيل للسلام مع مصر ستكون موضع تحدّي وأقول أيضا سوف تُقاطع. ستظهر قوى نادمة لأنها وقعت المعاهدة. ولكن أعتقد أنّه عندما ستنقضي فترة الاضطراب يمكن فرض المعاهدة مع سلطة مُتجددة.
الطغيان ليس ضمانة للسلام. الديمقراطية هي خير أفضل ضماناً من الطغيان. إنه قانون آخر.
ما الخطر على أيّة حال؟ إِنّه أحدٌ أمرّين. إما أن الأمور ستمشي، وإلا مرّة أخرى ستخرج ديمقراطية برمانية ممتازة تخرّج مُدعَمةٌ بأفكار عبد الفتاح يونس ومصطفى عبد الجليل. ولكن الأشياء في النهاية تسير في الاتجاه الصحيح، فالثوار الليبيون يعودون إلى العالم الواقعي؛ وسَتُتَاح لإسرائيل كما للغرب، كل الفُرٍص لكسب وضع شجّعته. بل رافقته وكل الفرص لخسارة كل شيء إذا استسلمت للقول إِنْ هذا الوضع قد صار من دونها وحتى ضدها لأنه ستكون حتى النهاية؛ تقود المعركة كمؤخرة للأنظمة القديمة الميتة، أو أنَّ الأمور لا تسير على ما يرام، وتتعاقب عبر الديمقراطية؛ ديكتاتوريات إسلامية. سيكون من المفيد للغاية ومن الهام جداً أن نتمكن من القول "لقد عبّرنا عنه جيداً"؟ أية فائدة تُرتجى إلا الرضى عن النفس وأن نضع في الجيب مكاسب تلك الشفافية المبكرة؟ ولماذا التعرّض لِشكٌ جنون العظّمة الكبير لأولئك الذين سوف يُتمتمون حتماً: "يقولون ذلك لأنهم يقومون به" أو هذا لن يمشي لأن هؤلاء الغربيين الديمقراطيّين واليهود وإسرائيل لم يريدوا الديمقراطية ولم يصدقوها لقد زحلقوهم وخربوا. هناك كثير من الربح في الاحتمال الأول. وقليل من الخسارة في الاحتمال الثاني. هذه وجهة نظري لهذا الصباح؛ لهذا الرهان.
رهان "باسكال" جغرافي سياسي.
الأربعاء 22 حزيران (من فرائز فانون إلى القذافي أشفقوا على افريقيا(
عودة إلى القدس. أسئلة مروان بن يحمد رئيس تحرير مجلة جون افريك سأعيد صياغة ما يلي وأضعه في شكل ما. وآمل أن أنتهي في الوقت المناسب لكي تنشر إجاباتي في عدد المجلة الذي يسبق القمة الإفريقية الكبرى للاتحاد الإفريقي في 30 حزيران/ يونيو حيث يحتمل أن يفرض الخط السنغالي، لكنَي أريد بوجه عام أن أمرّر فكرتين رئيسيتين:
-1 إذا استمرّت هذه الحرب وإذا بدا في نظر بعضهم أنها مستنقع فهذا أيضاً لأنَ كل شيء سخر لتجنّبٍ السيناريو العراقي، أي لتجتّب انتصار مُباغت يأتي على أرض غير ممهدة أمام بديل السلطة القائمة، ولن أذهب إلى حد القول إن هذه الحرب طالت عمداً، ليس لأن الحلفاء يلعبون لعبة التمديد عن سابق إصرار وتصميم، لكن المؤكد أن القضية كان يمكن أن تُحْسَم منذ وقت طويل، وكان بإمكان الطلعات الجوية المتحالفة أن تطلق في اليوم التالي لو أرادت رصاصة الرحمة على آخر القوى المواليّة للقذّافي. غير أن ذلك سيكون مخالفاً للخيار الاستراتيجي الأساسي الذي صاغه ساركوزي منذ اليوم الأول، وبالتالي لم يكن مؤكداً أن تكون مكاسبها مُدرّكة حتى عنده. وإجمالا لا نسرّق من شعب انتصاره ولا نصنع له الثورة التي يستلهمها. بل نعطيه الوقت الضروري كي يتشكل كشعب ذي سيادة مُزوٌد بإرادة عامة وبقدرة خاصة به.
كان يمكن لبوش أن يقول كما فعل في العراق: "نضرب ضربتنا ونتخلّص منهم".
ساركوزي يسير بتؤدة وهدوء مع النية الواعية أو غير الواعية بأن يترك هذا «التأخير» لليبيين وقتاً كي ينضجوا وهذا ما سوف يظهر بعد انقضاء الأمر كأنّه مباركة من السماء. قد يقول خبير أرصاد جوية "ذوبان الثلوج المفاجئ يعني ربيعاً مجْهَضاً."
-2 لقد أذل القذّافي أفريقيا، انتهك قيّمها وأهانها كما سخر منها، يعتقد من يُدافعون عنه أنهم يُدافعون عن قيم قارة تُواجه نذالة استعمار جديد عضال لا والله فالأمر مُعاكس تماما وهذا فخ وأفريقيا إِنّا تُقلل بذلك من قدر نفسها وبعبارة أخرى ما هذه الوقاحة والإفراط في استعمال السلطة؛ من سمح لذلك الرجل بأن يعطي لنفسه الحق في أن يعلن قائلاً: «أنا أفريقيا»؟ هل تعون أيها الأصدقاء الأفارقة المرآة التي تمدّها لكم تلك الشخصية وتُجبركم على أن تتعرّفوا على أنفسكم فيه؟ وكيف وأنتم ورثة "فانون" وأطفال "هوفويت" و"سنغور" أنتم من كنتم تحملون بحقائبكم حركات تحرر وطني طبعت تاريخ الإنسانية.. أيمكنكم أن تنساقوا إلى اختزال أنفسكم في هذه الصورة الهزلية التي يفرضها في كل قمة أفريقية ذلك الشخص العجيب والمزاجي الذي لا يفكر إلا بنفسه. ويحتقر أفريقيا في أعماقه؟ إِنَّ تذكير أفريقيا بحصّتها من العظّمة واستعادة التذكير بتلك العظّمة التي أرادتها أوروبا بأجمل ما فيها وتذكيرها علاوة على ذلك بالمكانة التي يمتلكها أولادها في مقبرة عظماء ذاكرة أخرى أيضاً، أعني ذاكرة تحرير فرنسا من خلال النضال ضد النازيّة بالمعنى الحصري للكلمة. ذلك كلّه ليس إلا أفكاراً تكتيكية. وأنا أُصدّقها.
لا أخبار جديدة من مصراتة، بالإضافة إلى أنني علمت قبل قليل بأن المركب الذي اعتقدنا أننا وجدناه والذي عوّلتٌ عليه غير قادر على تأمين العبور إلى مصراتة.
الخميس 23 حزيران/يونيو (أختي كاثوليكية)
إذاعة نوتردام. مُقابلة لا تنتهي حول الربيع العربي وليبيا وهذه المرّة مع فكرة ملء القاعة لأجل النقاش الذي سينظمه برنامج «قواعد اللعبة» يوم الأحد. في سينا سان جرمان حول الاضطهاد الذي يتعرض له مسيحيّو الشرق. وكما يحدث غالباً في اللقاءات التي تتم هاتفيا أفضل أن أستمع مُقدّماً إلى المحطة لمدّة عشر دقائق تسبق تدخلي وبذلك أستطيع أن أقيس حرارة البرنامج. وقد أردت ذلك على وجه التحديد مع هذه الإذاعة التي أعتقد أنها المرة الأولى التي أتكلم بها عبر أثيرها ولا أعلم شيئاً عنها.
أنا في بيتي جالس وراء مكتبي. مُبحراً عبر الإنترنت بحثاً عن أخبار جديدة من ليبيا هذا اليوم وفجأة أسمع صوتاً يجعلني أشنف أذنّي. إنه صوت مُعلّمة دينية له نغمة طفولية تُنشِد على ما يبدو أحد مزامير داؤود لم يذكروا اسمها ولم يقولوا لنا شيئاً عنها اللّهمّ إلا قولهم لنا بين قراءتين وبينما هي بصدد تلاوتها في نهاية حفلة تعميد؛ وجمال الهداية أنتم ترون أن الكاثوليكية مازالت مقبولة رغم كل شيء. وفي المزمور الثاني عندما تعود إلى قراءاتها أستوعب فجأة أن هذا الصوت الغريب هذا الصوت الملائكي هو صوت شاعرة ذات موهبة سرية؛ يجهلها الجميع تقريبا باستثنائي، وعرفتٌ أن ذلك الصوت ليس صوتٌ طفلة بل هو صوت شابة فقدتٌ أثرها؛ وأدركتٌ أن مُعلّمة الدّين هذه هي... أختي.
الجمعة 24 حزيران/يونيو (في رأس القذافي)
التقيت دولون البارحة مساءً في المطعم الصيني حيث اعتدنا. ستة وسبعون سنة يا مايسترو! هل يُمكنك أن تتخيّلني في السادسة والسبعين! ثم بشيء من القلق في عينه
البنفسجية؛ يستعيد صوته الحاد الذي عرفته قبلأ في المكسيك أيام كنا متخاصمَّين وكان يريد مصالحتي في آخر النهار وبعد تصوير آخر لقطة (لصوته بقوّته الكثيفة) وتلك الأزمنة البعيدة الآن مازالت تشكّل في أعمق أعماقي جزءاً من وجودي.
يوم كان يدعو المصوّر السينمائي ويشير له بتشغيل جهازه ثم يتجه صوبي مطلقاً نظرة مثيرة "هذه لك يا مايسترو"؛ وحينئذ أمام الكاميرا هذه المرّة وعيناه ملتويتان في عدسة الكاميرا وكل تنانين العالم التي ترقد عادة في قعر بؤبؤّيه الموجهِين إلى الهضبة الخالية. كان يمنحني نظرة فقط ،نظرة، نظرة، من لا شيء نظرة غير واردة في السيناريو هي نظرة لأجلي ولأجل مجموعة نظرات "ألان دولون" التي لم يشك أبداً في أنني كنت أشكلها بورع. وقال لي أيضاً بذلك الصوت الثاني الصوت الأصم الذي هو صوت الصامت: "أنا قلق يا مايسترو. .. لا تسألني المزيد. إنهم حمقى" إحم نفسك. .. أنا قلق؟. وأضاف أيضا أقل ثقةٌ بنفسه وأكثر تردُّداً دخلت التنانين في صلصال نظرته؛ لكن في صوته نيرة أكثر خفوتا ما زادني قلقاً: "ثمّ إلى أين وصلنا يا مايسترو؟ نموذج «القذّافي» هذا وغد... ولكن لا أحبٌّ الطريقة التي تتقدّم بها الأمور... أسمع... وأصغي... إنهم بصدد أن يجعلوا منه ضحية. .. بعد قليل سيصبح شهيداً. .. أو ربما أنكى! قد يصبح مُقاوماً...
يا مايسترو إني أشتمٌ الأشياء رائحتها هنا ليست زكية. .."
أعلم أنه يشم رائحة الأمور، أنا أيضاً أن أشم أشم عبثية الري العام الجاهز كي ينسى الإرهابي والسفاح والطيران الحربي الذي يُغير على الجموع ويقصفها والطاغية والمقابر الجماعية ولا يرى فيه إلا الشخصية التي تقف مُعَانِدةٌ في وجه الغرب الخارج عن القانون والمراوغ الفاسق والمحبط في مدينته طرابلس المحصّنة وبقوى التحالف معاً. أحس ببداية هذه الحالة الجديدة التي يخاط بها، هذا المبدأ من الغموض الذي يرتبط بأيّ شخص يقف وحيداً ضد الجميع؛ وبالتالي يرتبط به ذاته، أشم رائحة تلك الشائعة التي تتصاعد وفي النهاية تجعل من هذا الشخص العام جد ومن هذا الديكتاتور العادي من هذا الأوبو الطاغية الدّمِيّة شخصاً لغزيا شيطانياً بعض الشيء. ولكن ليس كثيرآ مخلوقاً من لحم ودم؛ وفي الوقت نفسه أسطورة ديكتاتور بالطبع ولكنّ فيه قليلاً من روبن هود ومن ثعلبٍ أو من فأر صحراء كما يظن «رومل» أو «الإنكليز» ولكنه في الحالتين متملق كبير، ثعبان بحر يجري من مخبأ لآخرمتهكماً من عظماء العالم أو من القوارض وقرصاناً من دون ميزات، أرى تحولاته كمّدان. وألاحظ موهبته كساحر، لقدره الخاص يحَوّل الرّعب الذي كان يستلهمه إلى فضول شبه مقدس. وأقول في نفسي. نعم هناك بداية ردّة عكسية إذا ما تأكدت فسوف تكون مرعبةً.
يُضاف إلى هذا أنني... أنا أيضاً... لو كنت شريفاً حقا فأنا مجبر على الاعتراف بأنني أتربّص وأترقّب ككل الناس الصور النادرة التي تظهر له من طرابلس وأطَّلِع عليها شخصياً ككل العالم على مرّات ظهوره المجنونة أشرحها وأفسرها وأبالغ في تفسيرها. ماذا يفعل؟ في أي شيء يفكار؟ ماذا يمكن أن يكون في رأس يعتقد أنّه ملك ملوك أفريقيا ملك الملوك النجاشي الجديد أن نجد أنفسنا في جلد ذلك المطرود من الجماعة العامة وهذا الخارج عن القانون الكوني؛ وبجلد ذلك السيد الملعون؟ هل ينام الليل؟ هل ينام في قيلولة بعد الظهر؟ هل يصلي؟ هل يحب؟ هل يحلّم؟ لو كان الجواب نعم قَبأيّ شيء يِحلّم؟ قال لي أحدهم إِنْ إبنه المفضّل سيف يذهب كل صباح؛ بلباس سرّي كي يسبح، هل هذه هي حاله؟ هل يقوم هو بتلك المخاطرة أيضاً؟ وهل مازال في طرابلس؟ هل هو هتلر في برلين؟ أو عيدي أمين دادا في جدّة؟ أو نيرون عشيّة حريق روما أو تبريوس في كابري؟ هل يعي حقاً ما حصل له؟ هل يعلم بما يؤخذ عليه؟ أم أنه تحصّن في ذلك التوحٌد الذي هو القاعدة عند الديكتاتوريين؟ المتضايقون والذين لا يريدون أن يروا؟ أفكر بتلك الابتسامة الغريبة التي كان يزرعها منذ ثلاثة شهور في خطابه الشهير في الساحة الخضراء في طرابلس. كانت
ابتسامة طويلةٌ جداً، وكانت ابتسامة مُلِحّة ومطولة دون مُبرٌر، كانت حقاً ابتسامة مجنون أو شخص مُنفصل عن الواقع..
عزلة القذّافي تهمّني، يهمني أيضاً الحقد الذي لا بُدَ أنه يبديه على ساركوزي وعلى فرنسا وعلى الغرب عموماً، وأكثر فأكثر على الجنس البشري أَتخيّل نوبات غضبه وارتباكه نفوره الجديد من الوجوه، وحذره من كلّ ما يقترب منه، حوله المخونة، المؤامرات التي عليه إحباطها كل يوم. الهوس من السّمْ، وضجيج القنابل حول قصوره، ربما يقاوم كثعلب؛ لكنه بالتأكيد يعيش كفأر. حياة ناسك لا تُصدَّق وربما حياة الاحتضار. ابن لادن جلبها لنفسه كان يتلبّس دوره وقدره. لكن هو؟
السبت 25 حزيران/يونيو (وجدث المركب)
حتى الآن ما من تاريخ؛ من طرف الجنرال زرموح، ولكن على الأقل وجدنا مركباً. أعتقد أنه هذه المرّ المركب المناسب. هو في جزيرة مالطة. مُجهّز بعدّة المتن بأفضل من المركب الذي في الأسبوع الماضي وهو أيضاً أفضل من المركب الذي قطعت المسافات بنفسي لأجله.
ولدينا مبدئياً طاقم للمركب، أعطي المعلومة للإليزيه، مكتب الجنرال بوغا وقد نُقل الخبر حالاً إلى حلف الناتو لكي يكسب الوقت.
الخميس 30 حزيران ( عندما يحلم الرئيس بصوت عال)
قصر الإليزيه هو الذي طلب مني المجيء. وقد طلب مني ذلك، وسألاحظ بأنْ هذا من أجل إبلاغي برسالة بسيطة مفادها: مهما قالت الصحافة واستطلاعات الرأي ومهما بدأنا نتكلّم هنا وهناك حول الثمن الباهظ الذي يمكن أن تُكلّفه العمليات ومهما فكر الدبلوماسيّون وبعض العسكريَّين والرأي العام والمعارضة؛ والمهووسون بالوساطة هنالك شخص واحد لن يتزحزح قيد أنمُلة في قضية الحرب في ليبيا ذاك الشخص هو نيكولا ساركوزي."
وجدته هادئاً. كان بعيداً عن تلك الانفعالات التي ينعته بها خصومه من جديد.
مع ذلك الشيء الحاد في أسفل وجهه الذي كنت دائما ألحظه عند الأشخاص غير الواهمين.
-تلقيت رسالتك.
كنت قد تركت له رسالة قلت فيها إِنَّ المحمودي ورجال القذَّافي قد أعادوا الاتصال بي.
-مشكلة هؤلاء الأشخاص أننا لا نعرف من يُمثْلُونَ ولا مدى هامش التحرّك لديهم.
-حقا ولكن ألا يستحق الموضوع مع ذلك شرف المحاولة؟ هل سيكون ذلك تفادياً
للندم في يوم من الأيام؟
لم أفكر تماماً بما كنت أقوله له. كنت أفعله بروح جمهورية وبولاء.
ذلك أنئّي كما فعلت مع رجل اليمامة الذهبية؛ وكما في الموعدّين السابقين مع مدير مكتب القذافي وكما في البقية الباقية من هذه القضية لن أترك شيئاً ليصير غصّة في حلقي.
-أوه ندم...هذا ليس من طبيعتي في شيء! أنا الآن في قلب الحدث. أي أنّني في الحرب، ومن غير الوارد» في نظري تبديد أيّة لحظة زمنية يمكن أن أُسخّرها من أجلها.
-لا شكٌ، ولكنّ هذا أيضا حرب ما بعد الحرب وبالتالي الحرب. ماذا سيحدث في اليوم التالي للانتضار؟ وما الذي يضمن لفرنسا ألا تأتي كي تعيد سيناريو النموذج العراقي؟ ربما يريد هؤلاء أن يتحدثوا عن هذا الشيء.
أنا هذه المرّةَ محامي الشيطان قطعاً. هوسي بالقياس يدهشني وبالتالي؛ يدهشه هو أيضاً.
-من المضحك أن تتكلّم كما يتكلّم مستشاري (توجّه بابتسامة دافئة إلى ليفيت). جميعهم يقولون لي: «السيد الرئيس؛ وماذا في اليوم التالي...في اليوم التالي يا رئيس... ماذا يمكن أن أجيب؟ فنحن لا نصنع أنفسنا من جديد. صحيح أنْ لديّ هذا الجانب من القيام بمهمّة واحدة. أستغرق بمجامع ذاتي في حدث اللحظة.
وحتى لو أن آخرين في هذا الوقت. يفكرون باللحظة التالية؟ وحتى لو أنهم أخذوت وضعية أن يسرقوا من فرنسا اللحظة القادمة انتصارها؟
-أواه...ما معنى أن يسرقوا الاتتصار؟ سيكون هناك ديناميكية كهذه على كل حال كأثر الانفجار... .
- أفكر بما يِحضّر له الأميركيون على سبيل المثال. والله وحده يعلم إذا كنت غيرَ مُعادٍ للأميركيّين أم لا ولكن...
-ولا أنا!
راجع نفسه:
- ولو أن لهم؛ على الرغم من كل شيء... طريقة غريبة في انتعال أحذية قياسها 48 وفي سحق رجلك تحت مداسهم الهائل وعندما تصرخ قائلاً لأحدهم: آي... آخ لقد دُسِتٌ على قدمي يُجيبك: "إنه خطؤك يا صغيري! ماذا كنت تفعل تحت حذائي؟"
-حسنا أدري أن عملنا مُضْنِ في هذه اللحظة التي نتكلّم بها في وزارة الخارجية؛ وأنّ
هناك أشخاصاً أقوياء جدأ سيخرجون من الغابة في الدقيقة الأخيرة؛ وسيعرضون على العالم السلام وبالتالي على الليبيّين.
-خطة سلام رئيسة جاهزة في اليد.
هزّ كتفيه.
لحسن الحظ.
- يصلون مُتأخرين ويأخذون الأوّلوية ويفرضون خطّة مصنوعة في الولايات المتّحدة الأميركية.
-غودار هم غودار في الحالتين قال رافعاً حاجبه؛ كما لو كان يشير إلى التزامن غزير المعنى مع جان لوك غودار. :
-لست من مناصريك وسوف تنتهي صحبتنا أنت تعلم ذلك جيداً في اللحظة التي
ستربح بها فرنسا هذه الحرب. ولكن لا أدري لماذا يترك الفرنسيون أنفسهم ينغلقون في دور صانعي الحرب بينما يدعي آخرون القيامَ بالسلام.
-ولا واحد من أنصاري والله هذا جميل حلو! أتعتقد أن السيدة رويال كانت لِتفعل ما أفعله؟ وبأنك يمكن أن تكون هنا مع مدام رويال وأنتما تتحدثان عن الطريقة المثلى لديمقراطية ما أو لحماية المدنيين؟
-لا أعلم... وأذكرك بأنَّ هناك اليوم؛ على رأس المعارضة البرلمانية شخصية لها طابعها الخاص هي مارتين أوبري التي اتخذت موقفاً قبل الجميع؛ حول ضرورة التدخل ول تغير رأيها أبداً بحجة أن هذا هو أيضاً رأي رئيس الجمهورية.
في يوم ما سيكون لدينا دور كدورها في إخراس دُّعاة السلام في الحزب الاشتراكي وفي إفهامهم أنَّ الحزب مُنقسم إلى درجة لا تسمح بأن نفرض عليه انقساماً جديداً في ما يتعلق بليبيا. هذه المرأة تتصرّف بشكل جيد.
- ولكنْ دَعْنا في موضوعنا. يجب أن نتذكّر البوسنة كنت معارضاً لاتفاقيات دايتون.
وأنا كذلك.
-أعلم ذلك ولكن هذا لم يمنع بيل كلينتون من النجاح في تلك الفترة أن يقرن
الدورين وأن يِدخّل معاً إكليلٍ غاره "إكليل القائد الحري" من جهة؛ وإكليل رجل السلام تقريباً في نفس الوقت.
-حقاً. لكن علينا أن نربح الآن.
-إرادتي الكاملة تتطلّع نحو ذلك: نحو النصر.
رن هاتفه. إنه ابنه الأصغر لويس. يضيء وجهه لديه منعكس أن يخفي فمّه بيده. سمعتٌ فقط كلمات رقيقة وقد وعده بأن يعاود الاتّصال به
-أين كناً؟ نعم هذه الحرب. كنت أقول إننا سوف نربحها.
واستدرك بالقول:
-بالمحصلة نحن... قال «نحن» بسرعة. لأنه هو من سيكون في النصر أخيرا؟
أحصى بأصابعه: الأميركيُون نحن متفقون على أنهم ليسوا هناك حقاً.
الأصبع الثاني: الإيطاليّون كان من الممكن أن يحصل ذلك غير أننا نتساءل عما إذا كان ما يزال في رأس برلسكوني دماغ.
الإصبع الثالث: الاتحاد الإفريقي، لقد عملت عملاً جيداً مع واد. ولكن من دون زيما...
حرّك إصبّعه الثالث بإلحاح خاص: يجب أن نتذكر ذلك جيداً! جاكوب زيما حاضر دائماً، لقد كان هنا وقت إعلان قرار الحرب، وسيكون هنا من جديد في قمّة هذا الأسبوع، لقد اتصلتٌ به وقلتٌ له: جاكوب نحن بحاجة إليك يجب ألا تترك واد يتفتّت. وبالطبع أجاب جاكوب: حاضر كما فعل فيما يتعلق بالقرار الدولي.
استعاد سلسلة أفكاره وطوى الإصبع الثالث ورفع الآن الإصبع الرابع: حسنا بالتأكيد هناك الإنكليز. آه الإنكليز! وبدت عليه هيئة من يريد أن يقول شيئاً كثيراً عن الإنكليز.
- الإنكليز أناس جيّدون حلفاء رائعون وأعلم جيداً أَنْنا من دونهم ومن دون
كاميرون؛ لم نكن لنصل لما وصلنا إليه. هناك مشكلة واحدة معهم هي أنهم بحاجة إلى
استشارة ثلاث مكاتب محاماة قبل أن يلقوا بقنبلة.
ولما لاحظ أنني لم أفهم:
-نعم. أنا أطلب من رئيس مجلسي العسكري وإذا قال لي رئيس مجلسي بأنني أستطيع فإني أمضي في مسعاي أمّا هم...
"مازال خنصره في الهواء" يرسم حركات دائرية صغيرة بذراعه مُقَلّداً هياجاً كبيراً.
- لديهم خمس مروحيّات خمس! مقابل خمس عشرة مروحية لنا! بالضبط مابين عشر وخمس عشر حسب الحاجة! دون أن نحتسب الأجهزة التي تأتي لمساندتهم وحمايتهم؛ لأنّ مروحيّاتنا تحوم على ارتفاعات منخفضة جداً! وهم عندهم الإنكليز نقاشات لا تنتهي ليعلموا هل هم ضمن حيّز القرار أم لا وبالمحصلة في الأسفل لن تنتظز الأهداف تقرير المحامي للابتعاد إلى ملاذ آمن أليس كذلك...؟
يرفع الآن بنصره. الإصبع الأخير وعليه هيئة من وصل إلى نهاية تعدادٍ مُضجر ويختتم قائلاً: "آه! لو ربحنا هذه الحرب"...
واستدرك:
-لا ليس لو عندما نربح هذه الحرب سيرى العالم أننا والليبيون من فعل ذلك.. ونقطة
انتهى في الواقع..:وأشار كمن تذكر شيئا نسيه.
-هل تعلم أنني رأيت جبريل مرّة ثانية؟
وأشار إلى الأريكة التي أجلس عليها مقابل أريكته: "كان هنا قبل أمس مع عسكريين. جبريل شخص جيد جداً جادٌ جدا أتوا يقولون لي إنهم بحاجة إلى المال والسلاح."
التفت إلى ليفيت:
-الحق أن الأسلحة لديهم لقد حصلوا على الكثير منها أليس كذلك يا جان دافيد؟
-نعم سيدي الرئيس أجاب ليفيت الذي لم يكن قد تكلَّم منذ بداية اللقاء.
-كم؟
وبما أن ليفيت حذره تردّد في الإجابة:
-لا أدري كيف تم ذلك؛ والواقع؛ أنّ قسما كبيراً من الأسلحة مازال في أغلفته. وسيكون على رصيف بنغازي الكثير من الحاويات التي لم تفتح بعد، ومازالوا يطلبون المزيد، ولكن بالمقابل..
قاطع نفسه، كما لو أنه يتلذذ مسبقاً بالخبر ويعمل على استمرار المتعة.
- وبالمقابل يعدوننا بالهجوم، اندفاع تكتيكي كبير، من دون شك على البريقة أو في جبل نفوسة سنرى. ومن ثم يأتي بالطبع الشيء الثاني والأساسي الذي لا أعتقد أنّه ممكن أن يعلنوا لنا استقلال طرابلس قبل 14 تموز..
اتخذ هيئة من لا يُصِدّق فعلا للأسف. الشيء الثاني بعد ذلك وبهيئة حالم ونظرةٍ طفولية: "ستكتمل النشوة بحضور جبريل على منصة الشرف."
وكأنه يقرأ أفكاري:
- أعلم أنها كانت فكرتك. كنت قد قلت لي ذلك: أن يكون جبريل على منصّة الشرف والطيارون الفرنسيون مُكلَّلون بالمجد سيحضر الطيّارون لكن أخشى ألا يكونوا على منصّة الشرف.
حدّق بي مرّةٌ أخيرة شعرتٌ أنْ اللقاء يشارف على نهايته وتبقى الصلابة... صلابة ماذا؟ لا أدري.
كلّ ذلك مغامرات الشيء الوحيد الذي لا يُشكل انقلاباً مفاجئاً هو أننا كنا على حق في خوض تلك الحرب وأننا بصدد إنهائها.
هناك اعتبارات عديدة أيضاًء حول الفرنسيين المخطوفين في أفغانستان وقد ذهب الليلة السابقة لاستقبالهم في فيلا كوربي.
انتفض قليلاً ولم يُعلّق بل قال:
تكلّم عن ذلك مع بوغا كان ذلك عندما عبرت له عن رغبتي بالسفر على متن طيّارة أواكس فرنسية.
بضعة أسئلة أخيرا حول زيارة مقاتلي مصراتة والذي لم يستوعب لماذا كل هذه الصعوبة في تنظيمها ولو كنت محتاجاً إلى مساعدة؟ لا لا أعتقد؛ فقط التأكد من أن روندو يقوم بها يجب القيام به عندما يصلون أخيراً إلى مالطة؛ الباقي قمت به على وجه التقريب؛ وجدت أخيراً المركب؛ والطاقم؛ وهذا الصباح تلقيت المعلومات بأنهم يجب أن يتوصلوا إلى الخروج من مصراتة في الأسبوع المقبل...افترقنا بسلام.
الاثنين 4 تموز (الاجتماع الأول لأجل سورية)
اجتماع سوري في باريس في سين! سان جرمان. في البداية كانت الأمور بسيطة. أتى سوريو أنطاليا ليروني وقالوا لي: «لماذا سياسة الكيل بمكيالين؟ لماذا هذا الظلم الغامض؟ لماذا هذه المُجاملة غير العادلة؟ قلت لهم: معكم حقّ: هذا غير مُسوَّغ في الواقع؛ إنها فقط أسباب عرضية وبالتالي أسباب سيئة. شرحوا هذا التفضيل؛ فلنمسك بشيء ما؛ لنفعل ما بوسعنا وسيصبح ذلك أمراً واقعاً.
بدأ جيل وشالشا بالتحرّك مع فرق عمل مجلة la regel du jeu وطاقم السينما وقد كوّنوا من ذلك مهرجاناً جميلا تخلّلته عيوب كثيرة ة بالتأكيد ولكن كان له فضائل ثلاث على الأقل.
قد يكون الأول يبدو من الجنون أن نقول ذلك ولكنها الحقيقة. لم يحصل ذلك حتى الآن إلى درجة أننا نستطيع القول نعم إِنّ هذا المهرجان ربما كان سابقة نادرة من نوعها وهو كذلك في الحقيقة, كنا الأوائل في التحرّك.
1. شاركت فيه شخصيات من اليمين ومن اليسار. لوران فابيس وكوبيّه. وكان فيه مدارس ومشارب متعددة أحزاب الوسط ومفكرون مستقلون ووزراء سابقون مثل
كوشنير أو عمارة حيث تحالفت كل الحساسية الفرنسية وتعالت على نفسها لتجعل من سورية الهدف الوطني الكبير الذي يجب أن تكونه.
2 السوريون كانت الفكرة الفوريّة أن نرى سوريّين على المنصة يتوجّهون إلى الشعب الباريسي. سوريون من كل المشارب سوريون من كل الانتماءات منهم مُتديّنون وآخرون غير مُتديّنين، منهم بعثيّون قُدامى وآخرون لم يكونوا بعثيّين أبداً. ثوريون وإصلاحيّون محافظون بصبغة مُعتدلة... وقد حرصنا وهذا تفصيل رئيس يتعلق بالثورات العربية أن تكون هناك أيضاً نساء وعلى وجوب أن يأتي السوريّون جميعاً من نساء ورجال.
هل يبدو كل ذلك جيداً؟ هل كل هذا جيد؟ كان ذلك رائعاً جداً في نظر بعضهم؛ لأننا رأينا منذ ثلاثة أو أربعة أيام أن حركة غريبة بدأت تتزحزح ولا هدف لا إلا إفشال المهرجان الحجّة كانت بسيطة: برنار ليفي...ماذا برنار ليفي...؟ لاشيء. فقط برنار ليفي.
شيء غير مُحتمّل أن يتدخل برنار ليفي لإنقاذ السوريين شيء لا يطاق أن يكون السوريون مدينين لبرنار ليفي بأيّ شيءٍ كان ليفطس السوريون. أي نعم من الشاق علي قول ذلك ولكن يجب أن أنتهي بقوله ليفطس السوريون بدل أن ينقِذهم هذا اليهودي عفواً هذا الصهيوني برنار ليغي. في البداية اعتقدت أن هذا الشيء يأتي من أوساط موالية زد على ذلك أن هذا ما قلته منذ قليل قبل بداية المهرجان. قلته على شاشة أحد التلفزيونات ولكن في الحقيقة لا. هذه المحاجة الغريبة ويجب أن نقولها بصدق المحاجة المتوحّشة قليلاً يبدو أن معارضين كانوا يدعمونها أيضاً.
أمرّ على الفرنسيين لأن القضية تبدو لي بشكل خاص مُؤثّرة في نظر واحد مثل كوبيه الذي لم يُبِدِ أيّ استعداد للحيرة وواحد مثل فابيس الذي صرف شُرطياً من جماعة الإسلام اليساري الذي جاء يشرح له أن مساندة يهودي إِنَّما هي ورطة وتهمة في نظر السوريين وواحد مثل كوشنير الذي قيم؛ ومن أكسيل بوتياتوفسكي ومن فرانسوا بيرو ومثلهم كثيرون اخترعوا الأعذار التي تتفاوت في تصنّعها لكن قمّة الأعذار كانت عند "راما ياد" التي اتّصلت بي قبل ساعتين من بدء المهرجان؛ لتقص علي قصة «مرض» (أوردها هكذا كما وردت)؛ «لعملية عاجلة» (أعيد إيرادها كما هي)؛ "أحاول وسعي أن أُحرّر نفسي يا سيد ليفي، كل شيء ولكن سآخذ القطار يا سيد ليفي في نفس ساعة مهرجانك!
إذا لم يكن هناك قطار بعد ذلك؟ أو غداً ولكن بما أنني أجريتٌ عملية جراجيّة أقول لك؛ عملية هل تفهم! أم ماذا؟ ولكن في باريس بالطبع؛ آه نعم القطار... حقا علي أن
آخذ القطار...لم أفهم سؤالك... ولكن ليس قطار هذا المساء في الغد... ولكن ليس من أجل العملية. ولكن للراحة بعد العملية... ماذا؟ لو استطعت. في هذه الحالة سأمر لمدة ثلاث دقائق لأنني سأكون على طاولة العمليات! عفواً؟ لا صحيح. لم أخضع لعملية هذه الليلة... ولكن أنت تُبلبلني يا سيد ليفي إنها الراحة قبل التخدير وأنا بحاجة إليها يا سيد ليفي للراحة لأنّك تعلم يا سيد ليفي ماذا يعني التخدير؟
غداً في نفس موعد مهرجانك سأدخل المستشفى هذا ما أستطيع أن أقوله لك....ماذا؟
مهرجانك اليوم. آه نعم؛ أنت محق... أنت تُشْتتني في النهاية... أنت تقوّلني ما لم أقله...أنت تجعلني أخلط بين قطار ومستشفى الاثنين والثلاثاء...هل تريد موتي أم ماذا يا سيد ليفي؟ أنت بدون قلب يا سيد ليفي؟
"أنا سأخضع لعملية" هل هذا واضح؟ ويجب أن أرتاح هذا كل ما يجب أن تفهمه.. آه رسالة... صحيح أنه كان بإمكاني أن أرسل رسالة...هل أنت من سيقرؤها؟ أنت جاهز حتى لكتابتها بنفسك؟ آه... هذا لطف منك... ولكن الطبيب ينصحني بعدم كتابة الرسائل أيضاً..". وعلى هذا الكلام أقفلت "راما ياد" الخط.
تتدفق على الشبكة شبكة الإنترنت العربية سيول من الشتائم ضدَّي ومن تشويه كامل للحقائق وجبال من الصور الُخجلة تظهرني؛ في غزة مُبتهجاً بقتل الأطفال انتهيتٌ بقمة الغيظ بأن أمسك الثور من قرنيه فاتصلتٌ بألكسندر كولدفارب رئيس الوفد وجئت في قلب الليل إلى فندقهم: شارحاً للمشاركين الأحد عشر المحتَمَلِينَ الذين خافوا في البداية حتى من مجرد الظهور في الردهة؛ معي:
1. أنني في الواقع يهودي؛
2. العلاقة مع إسرائيل هي مُكوّن من مكونات يهوديتي؛
3. لا يوجد يهودي في العالم من بتغلادش إلى البوسنة ومن أفغانستان إلى دارفور وفي ليبيا الآن؛ وفي مؤسسة SOS rasisme لمكافحة العنصرية في فرنسا إلى النضال ضد الإسلام الراديكالي المتطرّف على مدار البسيطة كلها؛ عمل بقدر ما عملت من أجل المسلمين في العالم؛
4. أنه لو استمر هذا التهريج ولو استمر هذا الجو من الريبة فسوف أُلغي ببساطة ووضوح هذا المهرجان أو بكل الأحوال لن آتي إليه.. في النهاية عادت الأمور إلى نصابها.
وقام المهرجان. وقد شهد بعض اللحظات القوية (لوران فابيس).
أظهر "الكسي لاكروا" مُقدّم المهرجان تحت نذير العاصفة؛ أنّه خبير في فن إدارة قاعة صعبة.
هل أنكر نظريتي في مؤتمر القدس؟ البرهان المحسوس الأول بأنني أخطأت عندما قلت إن الشعوب العربية؛ عندما تمزق حجاب الأوهام الذي يُشوّهها فسوف تعود إلى الواقع وإلى التقدير العادل لصراع القوى؟ كنت أتكلّم بالطبع عن الليبيين لكي شعرتٌ في الوقت نفسه، وللمرّة الأول أنْني خائف.
يتواصل