إعلان

تابعنا على فيسبوك

مذكرات برنار ليفي "يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي" ح21

أربعاء, 10/03/2021 - 00:06

مَن الذي قتل يونس؟

لماذا عبر لي مقتل عبد الفتاح يونس عن نتيجة كهذه؟ الرجل بالتأكيد. هذا الرجل الذي كنت أعرفه وتعود صّوّره المؤلمة اليوم إلى ذاكرتي. هذا الرجل الذي مهما قيل عنه اليوم؛ ترك في شخصياً انطباعاً حسّناً كبيراً، ولهذا السبب من دون شك لم أتوصّل لأقول له في الطيّارة إنني نظراً للتأخير, لم أعد مُتأكٌداً من موعدنا مع ساركوزي. رأيته ثانية خلال توقُّفنا في روما غير مُبالِ، ورأيته ثانية أمام الرئيس واجداً الزاوية المُناسبة للإقناع ورأيته صباح اليوم التالي وسط بهو فندق رافاييل يتحدّث مع رئيس بانهار مازحا غير مُبَالٍ. كان يُشكل في ذهني بوضوح جزءاً من المعصومين كان نمطاً من الرجال نستطيع أن نمضي معه إلى الحرب قولاً وفعلاً، لكنْ لم تمر الأمور كذلك لأنني مضيتٌ إلى الحرب مع مصطفى الساقزلي عشية رحلتنا الجويّة إلى باريس على جبهة اجدابيا.

ومع ذلك فأنا مُتأكّد من أنّني لو مضيت معه أو لو طلبتٌ منه أن يُرافِقني إلى البريقة أو الشهر القادم؛ إلى مصراتة؛ لُشعرتٌ بالطمأنينة العميقة وكنتٌ حتماً سأدّخر مشاعر الخوف والتردّد، وخفّقان القلب، وهنا يموت ميتة غُر ويُقتّل كما يقتل حيوان، وفجأة يبدو صغيراً للغاية، ثانياً ُركبتّيه باكياً لكن بُكاء نهائياً،شكاكاً صوته محُطَّم حين يفهّم. هائجاً مُتضرعاً إلى الله أو إلى جلآديه أو إليهما معا لكن من دون جواب، غير عارِفٍ حقاً ‏هكذا أتخيّله على كلّ حال ما يجري له. إذا كان القذَّافي هو الذي قتله، فلا بدَ آنه امتلك وقتاً هو الثواني المعدودة التي سبقّت احتضاره بطبيعة الحال، ليتعرف توقيع مُعلّمه إِمّا ليلعنه وإمّا ليلعن اليوم الذي قرّر فيه أن ينشقٌ عنه. وداعاً للعالم وداعا في النور الصاعد من الأرض لهذين العقيدّين اللذين كان يحرسان غرفته عشية سفرنا إلى باريس؛ لا أدري، وجلده المُخرّق بالرصاص المبلل بالبنزين والمحروق وجُثته المشوّهة.

ثم هناك بعد ذلك الأسئلة السياسية التي يُثيرها الحدّثٌ طبعاً لأنَ هناك أحد أمرّين إمّا أن القذّافي هو الذي قتله، إذ كان يشكّل جزءاً من نادي الخونة الذى الذي وضع القائد؛ على رأسها جائزة مليوني دولار؛ ورُبّا ثلاثة ووجد لنفسه قاتلاً مأجوراً في بنغازي لتنفيذ العملية وقبض المكافأة؛ وهذا افتراض غير جيّد لأنه دليل على أن بنغازي ليست مُسيطراً عليها بالقدر الذي يُقال وليست مُطهّرة بالقدر الذي ظننته أنا نفسي حيث نجد فيها دوماً خلايا نائمة تابعة للقذافي، وإمًا أن القاتلين خرجوا من صفوف الثوّار وهم المتطرّفون الدينيُون؛ أو أفراد فاقدو الصبر لم يفهموا أن الجيش الذي كان يقوده لم يعد يتقدّم أو عائلة أحد الشباب الذي على العكس يُمكِن أن يكون عرّضه للخطر بتهوّر ومات، ومن جديد هذا مُرِعِبٍ لأنّه يُغذّي أطروحة مُعسكر الثوّار انفسهم وصراع النزعات المُعادية في المجلس الوطني الانتقالي للحرب غير الموفقة؛ وضرورة الخروج بسرعة من هذه الورطة. إذا كان الأمر سيّان فأنا أُفضّل بطبيعة الحال؛ الافتراض الأوّل أجد أنه الأقرب إلى الحقيقة وتصويرٌ أقل كلفة وهذا ما أقضي من أجله نصف الليل كي أتصل بالدوحة وببنغازي وأقنع أولئك الذين يُمكِن أن أتحدّث معهم بدعم أطروحة مقتله بإشراف طرابلس.

الجمعة 29 تمُوز/يوليو (عناصر لُغويّة في ردة فعل على موت يونس)

نسيتٌ الانفعال، ووضعت الصور بين قوسّين، وتخليت حتى عن أن أتساءل عن أية أطروحة أقرب إلى الحقيقة أطروحة التسلّل أم أطروحة تصفية الحسابات.

لأنّ العاجل هو الإجابة على سَيل ردود الفعل التي لا تُفوّت أية فرصة في عدم الثقة بالثوار أو بإلقاء بذور الشك على مبدأ هذه الحرب ذاته، آه، المجلس الوطني الانتقالي... لقد قُلنا لكم ذلك... غريب... غير جاد... ألعوبة في يد الغرب.. «حركيّ».. جماعة من المتخاصمين.. ووضَحتٌ حجّة شخصيّة بسيطة أعتقد بها بنسبة 95% نقاطها الجوهرية هي الآتية.

 كل أشكال الّمقاومة وكل أشكال التمرّد المسلّم؛ واجهت مآسي من هذا النوع فهي ثمرة مكائد يُدبّرها العدو بطريقة أو بأخرى إذ شهدت الثورة الفرنسية كثيراً من التصفيات؛ بعد خيانة مسؤولين من الصف الأوّل بدءآ مع حفظ الأحجام بجان مولان وحلف الشمال في أفغانستان الذي رأى رئيسه أحمد شاه مسعود ضحيّة عملية اغتيال بكاميرا مُفْخُحْة بعد أن باعه على أرض الحلّف نفسها واحد من أركانه، وحدث الشيء نفسه في جبهة التحرير الجزائرية التي بعثر صفوفها عُملاءٌ مُندسّون ومُقاومون أعادتهم المُخابرات الفرنسية، أو كابرال في غينيا البرتغالية الذي قتلته الشرطة الدولية والدفاع عن الدولة؛ فالثورات بكلمة واحدة تبقى تحت رحمة كوماندوس نائم؛ طابور خامس وعصابات مشتراة وقد كان مُستشاروها السياسيون والعسكريون دوماً ‏ ولا بُدَ لمن يتجاهل هذا من أن يفقد كل ذاكرة تاريخية ‏ الأهداف الْمُضَللة لهذه الألعاب المزدوجة لمؤلا المجرمين الخارجين من الظل.

 الضربة قاسية بالتأكيد على بنغازي وخصوصاً أن المجلس الوطني الانتقالي يفقد بفقدان اللواء يونس واحداً من قادته الذي بحُكم أنه كان الشخص الثاني في نظام القذافي هو أفضل من يعرف نفسيّته، وأسرار سلطته وأجهزتها والغُرّف المحصّنة التي بنّياها معاً تحت الأرضء وتكتيكه وإستراتيجيته (مما يشرح أن طرابلس استطاعت أن تتمسّك بتصفيته وطلبت رأسه؛ وجعلت منه موضوعاً أولياً سواء على الصعيد الشخصي أم على الصعيد العسكري). لكن إذا كانت الضربة قاسية فهي ليست قاتلة، أوَلاً لأنّ يونس إن كان لديه استحقاق معرفة النظام المُعادي من الداخل وإن كان فوق ذلك موضع ثقة عند التحالف وخصوصاً عند فرنسا فلم يكن مفتاح الموقف الوحيد. وثانياً لأن ثمّة في مصراطة وفي جبل نفوسة وليس فقط في بنغازي؛ ضباط مُحترفون يعملون قادةٌ مدنيّين بأهميّة يونس وليسوا أقل منه كفاءة في قيادة ليبيا الحرّة إلى النصر. وأخيراً لأنّ غيابه لم يتبع بأي تراجع على أية جبهة من الجبهات الثلاث (جبهة البريقة وغواليش وضواحي مصراطة» ‏ بل على العكس.

 شكل المجلس الوطني الانتقالي لجنة تقصّى حقائق عاجلة التزمت بإلقاء الضوء على هذه الجريمة، لكنْ هناك شيء أكيد، الطريقة التي اتبعت؛ منذ عدّة أيام؛ بجعل الجريمة ذريعة لتقديم المجلس الوطني الانتقالي كتحالّف شاذً وغير واضح لعناصر هي افتراضياً في صراع بعضها ضدٌ بعضها الآخر؛ وهو عبثي ويشهد هنا أيضا على افتقاد الذاكرة التاريخية الباعث على القلّق. فأن يكون في المجلس الوطني الانتقالي ماضويُون ومحدّثون ممثّلو القبائل أو أن يشهّد صعود طبقات وسطى متمدّنة ومؤيّدون سابقون للقذَّافي وأحياناً إسلاميّون تائبون ومُعارضون تاريخيون مُناضلون منذ أمدٍ بعيد من أجل حقوق الإنسان, أنا أفهم هذا جيّداً.

لكن أن نستنتج من ذلك ما لا أعرف من الاستنتاجات الرخيصة, كي لا أقول غير الشرعية »عن المجلس الوطني الانتقالي» فهذا لا معنى له لأنّه يعني نسيان أن المكون الديمقراطي يُمثْل فيه الأغلبية الساحقة ويربح نقاطاً كل يوم، وهنا أيضا نجد نسيان التاريخ العام لأشكال المقاومة التي كانت دائماً تحالّفات من هذا النوع مُلملة في وحدة غير مُكتمّلة كل مكوّنات الوطن، آلا يتردّى مجرى الأشياء لأجل مُسمّى حين تنكر هذه البديهة وحين لا تُريد أن نرى إلا رأساً واحدا مثلما في جزائر جبهة التحرير الوطنية؟ وهل علينا أن نأخذ على السلطة المتمرّدة في لندن أنها لملمت سنة 1940 أناساً من اليمين واليسار جمهوريين في حداد على قِيمهم وناشطين فرنسيين محمّلةٌ الجمهورية مسئولية الهزيمة وماسونيين ووطنيين ويهوداً ومُعادين للساميّة وشيوعيين واشتراكيين وديغوليين وحتى أعداء الديغولية؟

هذه هي نقاطي الثلاث هذه هي «العناصر اللغوية» لحزب برنار ‏هنري ليفي. والنتيجة هي هذه الإشاعات لا تؤثّر فيها بشيء؛ الثورة الليبيّة بعد مقتل أحد عناصرها محكومٌ عليها أكثر من أيٌّ وقتٍ مضى، ورُبَّما لهذا السبب عينه؛ بالتجمّع والانتصار.

السبت 30 تمُوز/يوليو (حين طالبتُ بخلّف للواء المقتول)

معارك في بنغازي، حتى في داخل بنغازي، مَن كان يُصِدّق هذا؟ ومن كان يُمكِن أن يتخيّل أن «العاصمة المتمرّدة» تستطيع أن تكون مسرحاً لهذه المعارك التي يُحدّثني عنها علي زيدان بالهاتف والتي تنقل الصحافةٌ جزءاً منها؟

رسالة نصيّة إلى عبد الجليل: «احرصوا جيّدا سيادة الرئيس؛ على اختيار خلف إذا كنم تفكرون بخليفة حفتر أو بعمر حريري؛ فسوف تُعَذُون شكوك الانقسام وسط المجلس الوطني الانتقالي؛ لأنهما كانا مُنافِسَي يونس؛ ومُتحدَيّيه منذ البداية أليس لديكم لواء جيّد آخر لا يقال عنه إِنّه كان يتآمر على الراحل؟"

رسالة نصية جوابيّة من رئيس المجلس سوف يُعيّن سَليمانَ محمود العُبيدي العسكري الممتاز الذي يُمثل مزيّة إضافية بانتمائه إلى قبيلة العُبَيدي التي هي قبيلة عبد الفتاح. وتُضيف الرسالة النصيّة أن عليّ الانتباه إلى نفسي، فهذه الأحداث كلها أغضبت النفوس، ويتعيّن أن آخذ العلم بأن تلفزيون طرابلس يبث باستمرار صوراً لي مع وعد بمكافأة لا تثير أمامها مُكافأة الذين قتلوا عبد الفتّاح شيئاً من الطمع؟

طبعا أنا على علم بهذا؛ لأنني تحت حماية الشرطة منذ أمس مساء ومن جهة أخرى؛ لديّ انطباع غريب، إذ رأيتٌ خمسة موظفين من مجموعة التدخل في الشرطة الوطنية ينطلقون من دون تحذير مع مُعاونة الوالي التي كانت ترتدي لباس جيمس بوند نسائي يرتبطون منذ هذا الصباح بوحدة دعم الشخصيات العُليا نزلت عمْداً من باريس، وعلمتٌ أن وحدة ارتباط مكافحة الإرهاب تضعني على "مستوى الإنذار الُقلِق" ينبغي التعايّش مع هذا، كم من الزمن؟

الأحد 31 تموز/يونيو (أورويل بايرون)

كِدْتٌ في تقديمي البراهين على الانقسام الحتمي لحروب التحرير وأشكال الُمقاومة أضيف حرب إسبانيا (انظر، أورويل)، وأكثر من هذا أيضا حرب اليونان عندما ذهب إليها بايرون سنة 1824 (انظر: مُراسلة بايرون نفسه وتشجيعه بل يأسّه أمام هذه الحرب التي ‎تندلع بين ورّثة "ليونيداس" في ميسولونغي). توقّفت في الوقت المناسب، إنّها قصة هزيمتّين.

الاثنين 1 آب/أغسطس (حاخام لتواني)

تلقَيتُ اتصالاً من المحامي C لم يقل لي إلا اليوم وهو يبدو مُنزعجا، فقد اقتحم لصوصٌ مكتبه خلال عطلة نهاية أسبوع 14 تموز/ يوليو. أفرغوا خزائته وقلبوا عاليّه سافلاً. لكنّهم عل ما يبدو لم يأخذوا إلا شيئاً واحداً، حزمة مفاتيح كانت في درج مكتبه الخاصٌ الُمقفل، حيث يوجد بينها مفتاح الصندوق الذي تُجمّع فيه مذكّراتي منذ خمسة وعشرين عاماً فماذا كان في هذه الحزمة؟ ومفتاح من وماذا؟ وكم عددها فيما عدا مفتاحي ولِضرورة الاحتفاظ بالسرّ الشخصي لم يقل لي شيئاً عن ذلك؛ بل اكتفى بأن يشرح لي أنه فيها يتَصل بي. ذهب بنفسه؛ في ساعة افتتاح البنوك؛ فأفرغ الصندوق واستأجر صندوقاً آخر. وبالتالي تركني مع تخيلاني، هذه المذكّرات وغيرها... هذه السيرة الليبية الخالصة التي سوف أنشرها حين ينتهي كل شيء والأخرى غير القابلة للنشر ومع ذلك تُشكّل سياق الأولى‏ وهي نوع من "كتاب مخفيّ" أو «محروق» كان الحاخام ماهمان من براسلو ابن حفيد "بال شيم توف" يقول إِنّه لا يُمكن أن يقرأه أحد إلا المسيح احتمالآ وهذا أيضاً! على شرط أن يكون مُقطّعا منشوراً من جديد، مُحطَّما كألواح الوصايا، هذا ما سوف يحصل إذا وقع عليها أحد... اختلاف الُمحتويات... الاعترافات الموجودة في السيرة الأخرى, والتي استأصلتُها من هذه... ثم اختلاف الأسلوب...الجانب الْمعتنى به من هذه السيرة المكتوبة ‏والنغمة الأخرى للسيرة الْمخبأة...مما يُكوّن وحدة الكاتب إذاً...إذا كان هو نفس الكاتب حقا حين يترك نفسه يمضي على سجيّته. وعندما يتجهّز... وإذا كان, بالمناسبة, حقاً في الأولى فلأنه يجد نفسه فيها أكثر... أشباح الأصالة...فلوبير إلى الأبد...التصنّع في مركز القيادة...لم أتحرّك كثيراً في هذه الموضوعات منذ ثلاثين عاماً.. .

الثلاثاء 2 آب/أغسطس (قسم الحقيقة)

مُعلمان نعم. يُضاف في حالتي مُعلّم ثالث: الحقيقة.

الأربعاء 3 آب/أغسطس (عظمة الإخفاق)

وإذا كانت ليبيا في النهاية قضيّة خاسرة قضية جميلة لكنها خاسرة هذا هو الخبر الشائع اليوم، هذا هو موضوع كل التعليقات منذ مقتل يونس والفوضى الخارجة عن السيطرة التي سبّبها في صفوف الثوّار ليكن خيراً، فهذا لن يكون المرّة الأولى وما فكارتُ أبدا على كل حال أنَّ كون قضيّة مُنتصرة وسائرة بسواعد الظافرين وعلى شطاهم يُضيف شيئا كان إلى شرعيّتها. فالفصل بين الحقيقة والانتصار وتحويل الهزائم في الأمد المحدود إلى أفعال ساميّة، حركة اتن (داندي) وحركة ليفيناس والحرّكتين معا يا لها من سعادة.

من دون أن أتحدّث عن مالرو الذي كتب رواية الأمل وحوّلها إلى فيلم لحظة انعدام الأمل تماماً كما هو معروف . أجل من دون أن أتحدّث عن هذه الرواية العظيمة؛ ثم عن هذا الفيلم العظيم التي تحكي ولادة جيش ثوريّ وتفتّح وهم غنائيح ونموٌ أُخوّة في اللحظة الدقيقة جداً حيث لم يعّد شيء للرسم إلا هزيمة بطوليّة، ومن دون أن أتحدّث عن هذه الجملة للورانس في الجزء الرابع من الأركان التي بدت لي على الدوام غامضة يتكلّم عن المجرى الظافر الذي تتخذه هذه الثورة العربية التي كان شديد الارتباط بها ويُلحٌ على «الخجل الفيزيائي للنجاح» الذي أحسٌ به دوماً بعد كل انتصارٍ من انتصاراته والذي جعله يُفضْل على نحو جد منطقي الهزائم الجميلة.

الأربعاء 3 آب/أغسطس تتمة (تزويق على صورة معمر القذافي)

ضابط من حرّس الجمهورية اهتم بالقذّافي خلال زيارته لفرنسا سنة 2007 شعرت بلذّة خبيثة بجعله يتكلّم عن نزوات «القائد» عن حماقاته... اليوم الذي جعل الرئيس الفرنسي ينتظر ساعتّين...ذاك الذي شعر فجأةٌ بالحرارة فطلب من سائقه أن يُضاعف مجموع الموكب ويقوده على عجل إلى فندق ماريني كي يستحِمّ من دون تأخير. وراحت حارساته الُمجنّدات يجرِينَ حول سيّارته واللذة التي كان يشعر بها حين يُسرّعَ السيّارة ليُجبرهنَ على الجري بسرعة أكبر إلى أقصى طاقتهن حتى تجاوزهن.. وجهه المنفوخ؛ بملاحه الشبيهة بملامح المهرّج حين نراه عن قُرب... وتغيّر مزاجه الُمفاجئ.. .ربما بسبب الأدوية ليس أكيداً...يوم تمكن من الذهاب إلى الصيد في رامبوييه، خشي ضابط الحرّس أن يتركه وحيداً ومعه بندقيّة فلم يرفع بصرّه عنه؛ وحين انتهت رحلة الصيد حلت كارثة! سقطت شجرة شجرة ضخمة جدا ولو سقطت قبل خمس ثوان لأودتٌ بحياته ‏ ولا بُدَ أنه حتى اليوم في معقله في طرابلس ما يزال يذكر بأنّهِ نجا في ذلك اليوم في باريس من محاولة اغتيال وأنّ ساركوزي كان يشحذ أسلحته.. أو يوم لقائه بنساء فرنسا في بافيون غابرييل؛ انكسرت المنصّة؛ فوقع وكاد يكسر رقبته والضابط هو الذي أمسك به وأنقذه في آخر لحظة ‏وهل هذه أيضاً مؤامرة تم إحباطها؟ أو غضبه في متحف اللوفر من أحد حرّاسه الشخصيين وهو ليبي الذي زلّت قدمه فاصطدم به، فلطمه بلكمةٍ هائلة على نقرته مثلما نُلكم أرنباً أو عجلاً..‏ حقاً كان يُعامل رجاله كأنهم حيوانات، ثم طلبه مرّتِين أن تتوقف السيّارة في قلب باريس على رصيف نهر "السين" حيث بائعو الكتب القديمة ، حاولتٌ أن أعرف الكتب التي اختارها وأعرف عناوينها وإن كان هو الذي دفع ثمنها غير أن الشرطي نسي...

الخميس 4 آب/أغسطس (خوفٌ يخيم على المدينة)

وُجهِتْ إلي تهديدات كثيرة بالموت على الإنترنت، وخصوصاً أنْ علي اتَصل بي من طرف عبد الجليل لينقل لي أنّ هذا الأخير يتمنى ألا أَثبّت تاريخ رحلتي إلى بنغازي في الثامن من شهر آب/ أغسطس فالوضع خارج عن السيطرة وفي المدينة معارك أكثر بكثير مما تقوله الصحافة، قلتُ: فهمت، فشكرني، لكنّ هذا كله يبدو لي؛ بطبيعة الحال أنه شاهدٌ على وضع غريب.

الخميس 4 آب/أغسطس  تتمّة (الرئيس، ما قال حرفيا من جديد)

أو أن أنقل هذا الحديث ليعرفه كل البُلهاء الذين يُطَنبون الكلام عن الإخفاق في ليبيا وعن فرنسا المتَحيّرة ورئيس الجمهورية الباحث عن أَوّل فكرة ترِدّه وتسمح له بالتراجع عن هذه الخطوة الخاطئة.

بعثت إليه هذا الصباح رسالةً أوحيت له باسم الشخص الذي بدالي فجأةً؛ أنّه الأفضل موقعاً كي ينقل عرضاً بالاستسلام على القذّافي فذكّرني بما أنقله حرفياً.

"تلقّيتٌ رسالتك طبعاً فكرة "بوريس" فكرة جيّدة، لكنّه قريب منّي جداً، ثّم ماذا سيكون الموضوع؟ وسأرسله إلى طرابلس ليفعل ماذا؟ وكي يُفاوض على ماذا؟ ومع مَن؟ هيا إذاً...ليس من شيء نتفاوض عليه مع هذا الشخص، فهو مجنون وقد قلت لك هذا، ويعُد مكنا أن يجري معه أدنى حديثٍ جِدّي وقد حدّدت لنفسي إستراتيجية ولم أحدّدها كي آتي وأغيرها اليوم . الأمر خاص بطبعي أولاً: فأنا لست من النوع الذي يُغْيّر رأيه هكذا، وثانياً بسبب ما يحدث على الأرض أيضاً، فباستطاعة الناس أن يقولوا ما يشاءون: أصدقاؤنا في المجلس الوطني الانتقالي يتقدّمون جيّداً، يتقدّمون بهدوء في البدء، صحيح أنْ هذا يمضي بطيئاً أكثر من الْمرتقَب، ولحسن الحظ بالمُناسبة أنني أقنعت كاميرون أن يُبرمج رحلتنا إلى بنغازي في شهر تموز/ يوليو. تخيل سفرنا في قلب التأثر المرتبط بموت يونس! لا. حين سنذهب سيكون معنا مشروع حقيقي ستكون رحلتنا من أجل الكلام, والتوجّه إلى أهالي بنغازي وقول كلام بليغ لهم. ولهذا السبب نحن في حاجة إلى موقفي يبدو أقول تماماً يبدو على الأقل مُستقرَاً إن لم يكن قد سُوّيّ.

 قرأت على عجل ما كتبته عن يونس. أنت الذي على حقٌ إذاً سوف يجدون لنا طبعا ثلاث خلايا إسلامية غامضة مُندسّة! القضية الرائجة! كما لو أنه لا يوجد اندساس في كل المؤسّسات التي من هذا النوع! وعليه؛ لا أعرف حقيقة معلوماتك. لكنّ أصدقاءنا سائرون نحو النجاح وهم يتقدّمون ‏وهذا هو الأهمً! على كل جبهة من الجبهات الثلاث: "البريقة وزنتان ومصراتة." بعد ذلك يستطيع الناس أن يحكوا ما يشاءون. يُمكنهم مثلاً أن يُبالِغوا في تفسير إعادتي لحاملة الطيّارات شارل دو غول، سوف

أذهب من جهة أخرى لاستقبالها، يجب ألا تقول هذا لأحد غير أني سأذهب لاستقبالها شخصيا يوم الأربعاء وسوف أقول حينئذٍ ما يجب قوله في هذا الموضوع. أعني على الخصوص أن الحالات النفسية "للميونيوخيّين" ليس لها أيّ نوع من الأهمية أمام المخرج الذي لا نشكٌ فيه. ولكون الانتصار هو الانتصار لن يأتي أحدٌ بعد ليقول: «كم كان هذا طويلاً! كم شوّقت الناس! كم كنا نُفضّل حرباً أقل تورّطا الخ!». في لحظة مُعيّنة سوف يتسارع الزمن. سوف نُحْطّم كل شيء كما حين ننظر عبر عدسّة طيفيّة مُقرّبة ولن يتكون لدينا بعد الانطباع مع الوقت بحرب طويلة، الحقيقة هي أن هذا الانتصار سوف يُقاس بالصعوبة وبالرّهان، فحذارٍ! لأنْ ما يحدث هنا يتعدّى شخصي وولايتي فوضع فرنسا في العالم العربي هو ما نحن في فجر إقامته، النظام العالمي وأسلوب العلاقات الدوليّة من أجل العقود القادمة، هو ما نحن بصدد تعريفه. هذا حدّث ذو أهمية بعيدة المدى، زلزالٌ بطيء، كل هذا يستحقٌ قليلاً من الصّبر. لِنبقى على اتصال. شكراً على ما تقوم به".

الأحد 7 آب/أغسطس (الرئيس: ما قال حرفيا أيضأ)

الساعة العاشرة والنصف، اتصال جديد من نيكولا ساركوزي، يُريد أن يسألني عن مُقابلتي هذا الصباح مع فريديريك جرشل من جريدة لو باريسيان، لكنه ذهب سريعاً إلى الجوهري: «كانت مُقابلتك محَذّرة لأننا قصفنا هذه الليلة من جديد قصفاً عنيفاً. حتى إن القذَّافِ فقد ضابطاً برتبة لواء هو قائد قوّاته يبدو أنه مات في معركة البريقة. هناك تقدّم على الجبهات كلها، كلّها، وبدأت الأمور تتحوّل تحولا إيجابياً بالفعل، لو حصلت مصراتة على الأسلحة التي طلبتها؟ طبعاً عدد واحد منها، فقد قدّمت قطر للتوٌ ست مائة بك آب؛ ذهب نصفها إلى مصراتة، من دون الحديث عن التجهيزات الثقيلة التي هي قَيْد الوصول. نعم العمل الذي بدأ في 20 تموّز/ يوليو يُعطي آثاره المُحتمَة، ثمّة علامة لا تُخطئها العين، لم يعد القذافي قادراً على التصرّف، وليس هناك أدنى قصف لمروحيّاتنا. لقد انتهى. أقول إذاً انتهى.

لكنّ هذا لا يعني بالطبع أن الحرب انتهت إلا أننا في الاتجاه الصحيح جدّاً ينبغي بالضبط أن يكون أعضاء المجلس الوطني الانتقالي أكثر جُرأة. فهم ما يزالون مصدومين بموت يونس ونحن نتفهمهم، لكنْ على الأخصٌ الفصل الذي فعلوه في شهر آذار/ مارس عندما وصلوا حتى بن جواد وكان عليهم أن يعودوا من حيث أتوا. وسوف يُدركون, على ما أعتقد, أن الموقف تغيّر. هل ستعود إلى ليبيا قريباً؟ ستكون عودتك إيجابية، لأنك تستطيع أن تشرح هم بعض الأشياء، يجب الانتباه طبعاً، غير أن ذهابك إليهم سيكون جيداً بحق، في ما عدا هذا رأيت كاميرون. قال لي إنني كنتٌ على حقٌ حين أرجأتٌ السفر إلى بنغازي، سوف نذهب إليها، لكنّنا سوف نذهب لإيصال رسالة، ستكون الرسالة  الفصل العسكري انتهى ونحن ندخل المرحلة السياسية وهاهي إعداداتها. وأضفت أن عندي سبباً آخر كي لا أستعجل: ذلك أنّه لا ينبغي أن نُعطي انطباعا حتى ضمنيا بقبول فكرة تقسيم البلّد. وهنا حين سنذهب إليها قد لا يكون هذا بعد في طرابلس لكنّنا في النهاية سوف نتوجه إلى كل البلّد وعبّر البلد إلى مجموع البلاد العربية."

الثلاثاء 9 آب/أغسطس (ماذا يفعل المجلس الوطني الانتقالي؟)

حل عبد الجليل كل اللجان التنفيذية في المجلس الوطني الانتقالي. وأنا أعرف كما قال ساركوزي أن الأمور تتقدّم جيداً، أعرف أنها تتطوّر على الجبهات كلّها، لكنْ في الوقت نفسه... يصير من الصعب الدفاع عن كلّ هذا... فقليلون من يصغون إلينا عندما نشرح أن هذه القفزات الُّمفاجئة عديدة وأنّ للديمقراطيات الوليدة كامل الحق في أن تُعدّل حكوماتها الخ... جعلني جيرشِل في جريدة لو بَاريسيان قبل أمس أقول: «لاشك عندي أبدأ». هذا صحيح. لكن هناك بالتأكيد لحظات حرجةـ فأمام قلّة مهارة عبد الجليل والمجلس الوطني الانتقالي نشعر أحياناً أننا مثل المدافعين عن دريفوس شديد الشحوب شديد الانعزال يتوسّلون بالقول: «أليس ممكناً أن تُغيروا لنا البريء؟»

الجمعة 12 آب/أغسطس (عندما أعلن لي جبريل تاريخ انتفاضة طرابلس(

جان نوفيل يحتفل بعيد ميلاده، مع هبوط الليل، الهواء طريّ مُنعِش. وآخر لاعبي لعبة الكرّة في الساحة الكبيرة التي تُطِلَ عليها شقة جان أوقفوا تصفيرهم الأخير ورتّبوا كراتهم. مائدة ريفية. جو وديْ صيفي وريفي جميل، حكى لي هوبير تانكا المستشار في جريدة نوفيل حكاية جان بوديّار الذي كان صديقه وناشِره. وحكى لي أيضاً كيف أن سيّدة شابة كانت تأتي خلال فترة مُعينة كل أسبوع تقريبا إلى المكتبة المشتركة بينه وبين بائع كتّبٍ مُستعمّلة في شارع غي ‏ لوساك وتعرض رزمة كبيرة من الكتب التي كان الصديق البائع يأخذها، يُساوم على السعر ويشتريها إلا أن سيّداً كان يأتي دائما بعد عدّة أيام وأحياناً بعد عدّة ساعات ويقول بتهذيب شديد: «لا بُدَ أنكم استقبلتُم سيّدة وأنا آتِ الآن لشراء الكتب التي باعتكم إيّاها». هذا الرجل هو لوي ألتوسر. والسيّدة هي زوجته هيلانة والكتب التي كانت تبيعها هي كتب ألتوسر. لم يفهم مانكا ولا صديقه تاجر الكتب سر هذه اللعبة الغريبة التي تجعل أحد الزوجين من دون أي شرح يقضي وقته في ترميم المكتبة التي يُبعثرها الآخر وبالمناسبة حصلت اللعبة نفسها في الثلاثينات بين جان كوكتو وموريس ساش.

في لحظة من السهرة رن هاتفي حين رأيت شارة الدوحة؛ أجبت إِنّه محمود جبريل يطلب مني أن أنقل رسالة عاجلة إلى الرئيس ساركوزي، الرسالة هي تقريباً الآنية: "ساعة الانتفاضة في طرابلس قريبة قبل نهاية الشهر لكن لكي ينزل شبابنا إلى الشوارع ويجابهوا عساكر القذّاقي يجب تحييد الأهداف العسكرية الأخيرة التي يُمكن أن تُسبّبٍ الأذى وأنتم تعرفون هذه الأهداف والمستشار العسكري للرئيس يعرفها أيضاً وعددها ثلاثون بإمكاننا أن نُحيّد عشرة من بين هذه الثلاثين بوسائلنا الخاصة. أما في ما يتعلّق بالأهداف الأخرى؛ أي بالعشرين الباقية لاشيء يُمكِن فِعلَّه من دونكم من دون حلف الناتو وفرنسا، وأنا أعرف هذه الأهداف فعلاً، أمرها مُتصل بغرفة عمليات القيادة العسكرية وبمركز مُراقبة بكاميرات الفيديو و"بترسانتّين" وبعدّة قواعد وبمدرج الإقلاع الخاص للقذّافي الذي كان يُحدَّثني عنه سفير بريطانيا العظمى في باريس مُعلناً لي أن تدميره سيكون علامةً من علامات النهاية، فوعدته بنقل الرسالة ولكني استغلّيت المناسبة لأقول له شيئين.

أوّلاً: من العاجل الإعلان عن نتائج البحث في مقتل عبد الفتّاح يونس ومن العاجل أن نُقدّم الدلائل على تسرب رتل خامس من طوابير أَلقذّافي إلى بنغازي ومن العاجل كذلك إسكات التخمينات التي أساءت كثيرا في أوروبا إلى قضيّة ليبيا الحرّة.

 ثانياً: من الجوهري أن تُعَرَض بشكل أفضل قضيَّةٌ حل اللجنة التنفيذية للمجلس الوطني الانتقالي التي فهم الجميع أنّها حل للمجلس الوطني الانتقالي نفسه جوهري يعني بعبارة أخرى التشديد على جانب «تعديل» اللجنة (حكومة تُقدّم استقالتها رئيس الوزراء والرئيس تُجِريان مُشاورات كما في أية ديمقراطية ويُسمّيان حكومة بديلة أكثر تأقلماً مع المرحلة الجديدة)؛ ومن الجوهري؛ على عجّل العمل على أن يبقى في حكومة جبريل الجديدة عناصر من الحكومة الأولى، سيكون هذا برهاناً على أننا لسنا في خطة «إبعاد عام» يضعها كثيرون في رؤوسهم وكان لها هذا الأثر الحائل في الرأي العام.

كان جبريل يُصغي أكّد لي أننا مُتَفقان تماماً على النقطة الثانية وأنّه عبّر عن رأيه في ذلك على إحدى القنوات التلفزيونية العربية، وحول النقطة الثانية بالُمقابل أسرّ إِيّ بسذاجة مُؤثّرة بانعدام الدليل على تورّط القذّافي في مقتل يونس وأنّ بعض القتلة الذين سبق توقيفهم ما يزال اثنان هاربين) أكّدوا أنهم قاموا بالعملية بمفردهم من دون مساعدة؛ أو طلب خارجي ويجب أن أقوم أنا بقيادة عملية بحث حيث إننا حين نحسم أمرنا من دون تردّد نتجنّب استبعاد فرضية القتل القادم من طرابلس حتى لولم نملك الأدلّة الرسمية، لكن رُبّما فاتت ساعة هذا النوع من التقديرات وهو لا يفكر إلا بوشوك الانتفاضة فأرسلت رسالة نصية إلى سا ركوزي.

السبت 13 آب/أغسطس (حين يعطي رئيس الجمهورية إشعاراً باستلام إعلان جبريل(

اتصل بي ساركوزي قال لي: «استلمتٌ الإعلان، هذا كله واضح، وأرى تماما ما يعني بالأهداف الثلاثين ناقص عشرة، وما يجب قولّه لجبريل أننا سنبقى جاهزين. ومن جهة أخرى، يجب ألا يُخامره الشك، فهو يعرف سلّفاً ما نقوم به. ويعلّم عن طريق أصدقائنا بكل ما سبق أن قدّمناه من أسلحة إلى مصراتة وما ننوي تقديمه أيضاً. عفواً؟ تقصد قاعدة "دراغينيان" حيث ستُدهَن دبابات باللون الأسمر الفاتح؟ بُف...دبّابات بالأسمر الفاتح يمكن أن تكون من أجل أفغانستان على كل حال أنا أسخر منها فإذا استحوذوا على المعلومة فهذا سوف يمنعهم من استحواذ أشياء أخرى. ففي هذا البلّد ما يكفي من "الّبيتانيين" الذين مهما فعلنا سيّحاولون الحطّ من شأن العملية مثلما سبق أن حاولوا فعله مع ما قُمنا به في ساحل العاج، أعود إلى جبريل، هل يعلّم بما قله أمس في طولون عن عودة حاملة الطيارات شارل ديغول؟ تصميمي الحازم وصلابة دعمي ودعم فرنسا من خلالي. هناك شيء مع ذلك أودٌ أن تقوله له قبل أن نبدأ العمليّات في طرابلس يجب أن ننهي الأمر في البريقة، ونحن بصراحة نوشك على إنهائها، وقد تكون لهذا مزيّتان، من الناحية الاستراتيجية، سيكون هذا هجوماً مُضلَّلاً بإجبار القذّافي على تجميع الكتائب في الشرق ومن الناحية الرمزية سيكون هذا تحوّلاً إذ ستزداد ثقة أصدقائنا بأنفسهم إذ ينبغي أن نرى جيداً أنهم حتى الآن ونحن نتكلّم يمشون من ارتداد الموقف عليهم؛ ومن تراجع مَا وأنا نفسي كي أقول الحقيقة لا أخشى إلا شيئاً واحداً: أن تسلبهم كل هذه القصص كمقتل يونس

والدعاية المُضادّة الرغبة في القتال، إذا أظهروا أن الحال ليست هذه إذا احتلُوا البريقة ولم تحتلها منهم كتائب القذّافي فسيكون هذا تقدّماً مهما وانطلاقاً من هنا سيكون كل شيء ممكناً. قل هذا لجبريل قُل له من طرفي قل له آلآ يسمع العقول المريضة التي سوف تقول له إن فرنسا غير قادرة على فعل شيئين في وقتٍ واحد: الأزمة الاقتصادية من جانب والحرب في ليبيا من جانب آخر على أيّة حال شكراً على هذا الرسالة سوف أتصل بك حالما يكون عندي شىء جديد. في النهاية... شىء جديد كل نصف ساعة عندي شىء جديد. شىء جديد..

الاثنين 15 آب/أغسطس (حين يأخذ القذافي دور النازي)

نقلت رسالة ساركوزي كما وعدتٌ إلى جبريل وبحسب الاتفاق تقدم الليبيون الأحرار استعادوا الزاوية في الغرب. وهم على وشك استعادة البريقة، وينبغي أن تكون الغاريان تحت سيطرتهم خلال الأيام بل خلال الساعات القادمة. وخلال هذه الفترة لن يجد القذّافي شيئاً يفعله أفضل من أن يُلقي بالشتائم ويلعن ويتوعد «جرذان» العصيان بكارثة وشيكة، لكنه لا يعرف، أو لا يُلاحظ أو لا يرى على ما يبدو أنه يُكرّمهم أروع تكريم ممكن. ألم يُطلّق اسم جرذان طبرق على الحامية الأسترالية البطلة التي كانت تُدافع عن المدينة خلال 250 يوما سنة 1941: ضِدّ رومل؟ أليس هذا هو عنوان الفيلم الجميل الذي استخلصه شارل شوفيل؛ في نهاية الحرب من هذا العمل السامي؟ ثُمّ عنوان المسلسل التلفزيوني الأميركي الذي طالما أثار أحلامي حين كنت مُراهقاً؟ وعنوان فيلم آخر أيضا يحكي. فيما يبدو لي عن وقائع سلاح الفرقة البريطانية السابعة الُصفّحة؟ إِنَّ زلّة اللسان فادحة والإقرار مُربك. ففي نسخة الفيلم لعام 2011 القذّافي هو الذي يُعطي الثوّار دور الُحلفاء ضدٌ النازيّة ‏ ويُعطي نفسه دور رومل.

الثلاثاء 16 آب/أغسطس (اسمعوا لاكان أيضاً)

في كلّ مكان، على التلفزيون وفي الجرائد وفي الأحاديث سؤال واحد. ما الذي سيفعله القذافي؟ وكيف سيتصرّف؟ ألن يقود المقربين منه، وبالتدريج؛ مدينته إلى مهرجان أخير من الألعاب؟ أليس هو بعبارةٍ أخرى أكثر جنوناً من أن يُسلّم بخسارته؟ أليس فيه من الجنون ما يكفي ليجعله يُفُضّل نهاية جميلة على منفىّ ضئيل؟ لم أعتقد بهذا، ظننتٌ منذ اليوم الأوّل آنه إذا قاوم بشكل جيّد فلأنه بالضبط كان يُراهِن على انقسام التحالّف؛ وسأم الآراء العامة وتكاليف هذه الحرب. وأظٌن أنه حين يأتي اليوم الذي سيفهم فيه؛ اليوم الذي سيّدرك فيه حتمية هزيمته؛ لن يمتلك «عزّة» ولا رغبة في «الاستشهاد»» ولا شيئاً ‏ بل سيهرب وينجو بنفسه. الكلمة المشهورة "للاكان" الذي حبس في خزانة حين كان في المدرسة الداخلية في سانت آنَ على جدار قاعة الحراسة: «لا يستطيع الجنون كل من يُريده».

الأربعاء 17 آب/أغسطس (يوم D-DAY (

نيكولا ساركوزي عل الهاتف يُعلِن لي أن الأسلحة وصلت ليلا عن طريق البحر من مصراتة إلى طرابلس؛ وأنّْ يوم النصر قريب (خلال 72 ساعة عند غروب الشمس بعد الصلاة). ثم اتصال من مارتين أوبري التي تريد أن تعلّم إلى أين وصلنا في الحرب: قالت لي: "أنا أقرأ كلل شيء لكن من الصعب أن أكوّن فكرة عما يحصل هل انتهى النظام حقاً؟ وهل الهجوم قريب بالقدر الذي أسمعه؟ أم علي أن أصدّق أولئك الذين يُصِرُون على مُقاومة القذّافي؟ تم وعود التوأمة التي قّمنا بها في مصراطة ‏ فأنا لا أحب تقديم الوعود وعدم الوفاء بهاء أليس الزمن مناسباً لنعطيها مضموناً؟».

 لم أجرؤ على أن أفضي لها ما أعرف لكنّي قل لها على كل حال؛ ليس هذا هو الزمن الأفضل للتفكير بعلاقات التوأمة ويستطيعون أن ينتظروا قليلاً أيضاً وأرجو أن تفهمني بالإشارة.

الخميس 18 آب /أغسطس (الشريعة؟)

أعلن المجلس الوطني الانتقالي عن ميثاق برامجه. انتخابات حرَة وشفافة... حقوق الإنسان... حريّات عامّة... كل شيء في الميثاق... طبعاً مع جملة محُيرة: "الشريعة هي المصدر الأساسي للقانون".

علينا ألا نسعى إلى الُمواربة.

هناك ثلاث طرق لفهم هذه الجملة:

كنًا جميعاً مخدوعين إذ ليس مصطفى عبد الجليل مُناصراً سابقاً للقذّافي وحسب بل هو إسلامي مُقنّع وستكون ليبيا مملكة سعودية أخرى سوف تُقطّع فيها يدُ السَارق وتُرجَم المرأة الزانية، وكي نُعيد تعميرّها سوف نمر على جسد هؤلاء ال %90 من الليبيّين المسلمين الأتقياء غالبا ولكنهم محافظون وفي طريقنا سنسحق شباب الإنترنت والثوريّين الذين لا يُصِلُونه الذين رأيت أعداداً كبيرة منهم على جبهات القتال ونساء بنغازي اللواتي يمضين دوماً بوجوه سافرة هذا عبث ولا أحد يُصدقه.

يعرف مصطفى عبد الجليل بأنَّ في البلّد بحسب التقديرات الأكثر تشاؤما رجال مخابرات من البلدان الأكثر عدائيّة؛ بين 5 إلى 10 من الإسلاميين وهو يعلم أيضاً أن بعض أفضل مُقاتِليه؛ كما يحدث غالبا خرجوا من صفوف الإسلاميين وهو لا يُريد أن يخسرهم.

بل يُريد أن يُقدّم لهم ضماناً أويُريد أن يسحب البساط من تحت أقدامهم: مما يقود إلى النتيجة نفسها، وبالتالي يُدِرج هذه الجملة كما في الدستور المصري، في المادّة 2 التي يعرف الجميع أنها عديمة الفعالية ولم تمنع أبداً من أن يكون قانون تابليون هو وحدّه المُطبّق. وهذه حال مُعظم البلاد العربية، فالشريعة لكونها في الحاصل غير مُدوّنة في أي كتاب وتعليماتها ليست موضوع أي تكوين غير مختلّف عليه فإيرادها في الدستور ليس خاطرةٌ كبيرة ‏وهذا رهان عبد الجليل. افتراضٌ مُريح.

متغير الافتراض رقم 2 أو زيادة عليه تخرج ليبيا من نظام لا وجود فيه للقانون على الإطلاق، لم يكن فيها دولة، ولا أحزاب، ولا جمعيّات، ولا مجتمع مدني، ولا قانون خصوصاً، كان نظام الإرادة المطلقة، كان شريعة الأقوى، شريعة الغاب، والنزوة، وبالتالي القانون الإسلامي يعني أن هناك قانوناً، القانون الأسلامي إلى جانب القانون الديمقراطي وحقوق الإنسان القانون الإسلامي الذي يُضاف إليه بدءاً من الآن أنْ الدستور يضمن

حقوق أتباع الأديان الأخرى في تطبيق شعائرهم يعني نهاية الخلط وحرب الكل ضدٌ الكل والفوضى القاتلة للمُتديّنينَ ولإباحة كل شيء. ليبيا بلّد لا روابط اجتماعية فيه لا يقوم إلا على قوة قائد ساحقة. ستكون رسالتها: سوف نصير بلّداً طبيعياً حيث الكلمة الأخيرة للقانون وهذا افتراضٌ مُريح أيضاً هذا هو الشرح الذي احتفظتٌ به في ذلك اليوم.

وأنا أعلم للأسف أننا ندخل المنطقة التي لاشيء فيها مُستحيل.

الجمعة 19 آب/أغسطس (فيلبان في جربا)

اتصل بي نيكولا ساركوزي هذا الصباح، أعلن لي أنّه سوف يلتقي بجبريل يوم الأربعاء إذ حاول سيف الإسلام أن يتصل به أمس، لم يرد على مُكالمته. وفيلبّان في جربا؟ يزعم أنْ لا علاقة له بهذا، كان يُمكِن أن ينصب له هذا الفخ؛ لكنه لم يفعل. فكل الناس يُريدون الآن على كل حال الانحشار في كلّ شيء، وكاميرون يُريد أن يُرسِل أزنار كسفيز. وهو أي  ساركوزي طلب بصفاء نيّة ولأنه لا يُريد أن يتمكن أحدٌ أن يلومه يوماً لأنه لم يحاول حتى آخر لحظة؛ مع ضابط من الإدارة العامة للأمن الخارجي، لكنه يعرف أن القذّافي وسيف الإسلام لا يُريدان الرحيل، يعرف هذا، ويعرف خصوصاً مثلما أعرف أن ساعة اليوم الكبير تقترب غداً من حيث المبدأ إذ سقطت غريان قبل قليل كانت آخر حاجز قبل طرابلس، إذاً أن يتحرّك كل هذا العام الصغير وأن يهزَّأْ فلان أو علآن؛ وأن يبغي البقاء في التاريخ كذاك الذي لا يحلم ساعة النصر إلا بسجن الديكتاتور فيا أسفي عليه، ويا أسفي عليهم؛ فلا أهميّة لهذا أبداً.

الأحد 21 آب/أغسطس (حين يتنفّس الرئيس الصعداء)

بدأت انتفاضة طرابلس، خلايا نائمة، عناصر من القوات الفرنسية الخاصة وإماراتيون وعلى نطاقي ضيق إنجليز من أجل المناورات سلسلة تفجيرات خلال الليل في مركز المدينة (الأهداف السريّة المشهورة التي كان يحدّثني عنها جبريل مساء عيد ميلاد جان نوفيل). نزل أربعمائة مُقاتل من مصراتة فجأة يقودهم اللواء رمضان زرموح على شاطئ شرق المدينة وتحرّكوا باتجاه الساحة الخضراء، هرب القذّافي وهربت عائلته أيضاً وأعلنت وكالات الأنباء أنّ سيف الإسلام رُبما اعتقل قبل تكذيب الخبر، ساد خلط، وارتباك، كان معي الرئيس على الهاتف قبل قليل، يبدو مُتفرجاً، تنفّس الصّعداء.

يتواصل