لم يكن ولد هبره كبطل رواية ( مائة عام من العزلة) لغابرييل غارسيا ماركيز يهتم بالموت وانما بالحياة ولهذا فان الاحساس الذي راوده عندما انطلقت رصاصات الغدر داخل رباطه بالكهف لم يكن احساسا بالخوف وانما بالحنين الي حلم قيد التشكل...فمشاعر اللحظة الاخيرة كانت حتما مضمخة بمعاني المقاومة والصعلكة والبطولة ان الوصول لحد التضحية بالنفس والنفيس يزيل الابعاد بين المفاهيم مهما تناقضت ،{ والانسان لا يموت عندما يريد ،بل يموت عندما يستطيع} فهو من مجتمع تصدق عليه مقولة افلاطون بأن( المجتمع الذي لا يعاني من الفقر الشديد، ولا يعاني من الثروة الهائلة سيكون لديه دائما كل المبادئ النبيلة) وهذه المبادئ النبيلة طبعت كل شخوص الرواية رغم تباين المسارات ... استحضرت كل هذه المعاني وانا استمتع بقراءة رواية [ ولد هبره...لكل أجل كتاب ] لمؤلفها الليتو سعيد ولد عبدي سالم الذي هو ضابط متقاعد وكاتب متميز دان له الركاب وامتلك ناصية القلم و الكتاب .... تقع الرواية في 134 صفحة من الحجم المتوسط بطباعة انيقة وتمت ترجمتها الي العربية لتصبح في متناول جميع القراء ...ان الحجم المادي لهذه الرواية لايعكس ابعادها الفكرية والادبية فهي في الحقيقة رواية بحجم واقع حقبة وبابعاد وطن يبحث عن ذاته وعن حقائقه العميقة في حقبة بالغة التعقيد شملت ماقبل الاحتكاك بالمستعمر وواكبت تغلغله ومهدت لما بعده...وقد وفق الكاتب في اختيار عنوان يختصر الكثير من المعاني والدلالات .. عنوان عابر للزمان وللمكان ... يختصر قيم الاصالة وثوابت البعد الروحي ويرسم باسلوب ايحائي سلس كل تجاذبات الاصالة والمجايلة والانخراط في المعاصرة...ومن يقرأ الرواية من بدايتها الي نهايتها يدرك لامحالة ان ظاهرة ولد هبرة تجاوزت الحيز المكاني والزماني للرواية علي اتساعه ورمزيته ..فقد كان ولد هبرة ظاهرة زاحفة ظهرت مثيلاتها في الحوض الشرقي وفي اترارزة ولبراكنه وغيدي ماغة وغورغول وادرار...قد تختلف التضاريس والمسميات والسياقات ولكن الجوهر واحد... وستوقد دموع ( الويلة) ومثيلاتها كدموع (غارا) و(فاله) في مدينة الرياح للكاتب المبرز موسي ولد ابنو علي مساحة المنكب البرزخي نار ثأر ستاتي علي مكائد الغدر والغزاة وتفتح سبل اعادة الاعتبار و الخلود لولد هبره ومن ساروا علي خطاه وستنتصر قيم الشجاعة والحب والوفاء رغم كيد الكائدين ، فالتحول سنة الحياة. ومن شيم اهل المنارة والرباط مواكبة حركة الزمن ، ومن مواهبهم القدرة الهائلة علي مجاراة المتغيرات بحركية ملحمية لاتتوقف...لقد استطاع الكاتب الليتو ان يبحر بنا داخل ذواتنا ومن حولنا وعبر الزمن ليفهمنا بهدوء فلسفي اخاذ من نحن؟ واين كنا؟ واين نمضي؟ فشكرا له لتحديد معالم طريق وجودي لاينتهي...ونتلهف لقراءة اصداره القادم.
ا.م