عجب أن يتحدث البعض عن أكبر عملية تحقيق برلماني وقضائي في تاريخ البلد شملت العديد من الملفات وحجزت فيها تحفظيا عشرات المليارات، على أنها مجرد تصفية حسابات شخصية بين رئيس سابق وخلفه في السلطة.
ورغم أن الكل يتحدث عن عمليات فساد كبيرة خلال الفترة الماضية، وقد أشار التحقيق إلى بعضها، ورغم أن الرئيس السابق يتحدث بعد خروجه من السلطة عن حيازته لأموال طائلة جدا دون إفصاح عن مصادرها وهو ما يدفع إلى الإشتباه لكون الرجل لم يمارس نشاطا ربحيا بشكل معلن، وظل خلال مساره المهني في وظائف وأسلاك يمنع على من يشغلها التربح، فإن البعض مازال يتحدث عن هذا الملف دون إدراك لأبعاده وما يمثله من تحول في آليات وطرق وإرادة الحرب على الفساد.
إن خلافنا (رئيساً وأغلبية) مع الرئيس السابق هو خلاف سياسي صرف، إذ دعمناه في الماضي بقوة وتفان، وبنفس القوة والتفاني نختلف معه اليوم، ولا نرى في القضاء الساحة الأفضل لخوض هذا الخلاف أو تصفيته، ولو تعلق الأمر بمجرد تصفية حسابات سياسية أو شخصية فإن آليات ذلك متوفرة وبطرق أكثر دهاء وحنكة وإيلاما بميادين وسوح أُخر وبكلفة أقل.
ولو كان الامر كذلك لما كان أغلب المشمولين في الملف من كبار الداعمين للرئيس وقيادات الحزب والأغلبية، وهم على نفس القدر من الخلاف السياسي مع الرئيس السابق، فأية حسابات نصفيها مع هؤلاء؟؟.
إن علينا النظر بتوازن وواقعية، وأن ندرك أننا نعيش لحظات مهمة من تاريخ الحرب على الفساد في هذا البلد، وأن هذا الملف بدأ برلمانيا وانتهى بيد القضاء دون أي تدخل من السلطة التنفيذية مطلقا، وأن رئيس الجمهورية أدار هذا المسار بحكمة وشفافية واحترام كامل لمبدأ فصل السلطات واستقلالها.
والكرة الآن بيد القضاء الذي لايشكل مجرد المثول أمامه نقيصة ولا منقصة من أحد، فكل متهم بريء حتى تثبت إدانته، هذا إذا وُجه إليه الإتهام.
نتمنى صادقين أن يقدم قضاؤنا تحقيقا بمصداقية عالية، ومحاكمة عادلة للمتهمين، وأحكاما لا تستهدف متهما ولا تحابيه، وأن يُعيد للشعب ما نهب من ممتلكاته.
ذ. سيدي محمد محم