إعلان

تابعنا على فيسبوك

فوضى (الربيع العربي) تطبيقٌ للجيل الرابع للحروب

خميس, 11/03/2021 - 11:55

بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على بداية ما تواترت وسائل الإعلام على نعته بـ"الربيع العربي" إلا أن فوضاه ما زالت مستمرة في تونس ومصر حيث كانت البداية والمراهنات الواعدة والتدخل الخارجي محدوداً، إلى اليمن وليبيا وسوريا حيث التدخل الخارجي الفج والمفضوح، كما أن الجدل والنقاش ما زال محتدماً ما إن كان ما يجري ثورات شعبية وربيعاً عربياً أم مخططاً يندرج في سياق (الفوضى الخلاقة أو البناءة Creative Chaos)‏) التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس منذ 2005 في سياق مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد؟

لا نقلل من دوافع التحركات الشعبية في أيامها الأولى، ولا الأحزاب والقوى الوطنية التي شاركت فيها، كما لا نقلل من حجم المعاناة بسبب ممارسات أنظمة مستبِدة، والحاجة الملحة للتغيير، إلا أن حجم وسرعة التدخل الغربي في مجرى الثورات العربية يؤكد أن الغرب لم يكن بعيداً عما يجري؛ سواء من خلال التخطيط المُسبق موظِفاً شعار دمقرطة الشرق الأوسط ونشر الحريات وصناعة شرق أوسط جديد.. الخ، أو التدخل اللاحق كما جرى في ليبيا؛ حيث قامت طائرات حلف الأطلسي باستهداف الجيش الليبي والرئيس القذافي مباشرة، أيضاُ من خلال تحريك الجماعات والدول التابعة للغرب كجماعات الإسلام السياسي؛ وخصوصاً الإخوان المسلمين الذين كانوا يراقبون الوضع ويديرونه في البداية من مواقعهم ومراكزهم القيادية في عواصم الغرب، ومن بعض دول الخليج العربي وتركيا التي قدمت كل التسهيلات اللوجستية، بالإضافة إلى تدخلها العسكري المباشر في سوريا والعراق وليبيا.

هذا التدخل الخارجي الفج اعترف به رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم آل ثاني في برنامج "الحقيقة" في تلفزيون قطر  في أكتوبر 2017 حين اعترف أنه في السنوات الأولى للأحداث  تم إنفاق أكثر  من 13 مليار دولار لإسقاط نظام الأسد ودعم المعارضة في ليبيا واليمن. وعن التدخل في سوريا تحديداً قال: "أي شيء يذهب إلى سوريا كان يتم عبر تركيا ويُنسَّق مع القوّات الأمريكية وكان توزيع كل شيء يتمّ عن طريق القوات الأمريكية والأتراك، ونحن والإخوان في السعودية، الكل موجودون عسكرياً في سوريا".

ربما يقول قائل: كيف يُعقل أن هذا التحالف الكبير الذي تقوده أمريكا وهذه المليارات التي أنفِقت لم تستطع إسقاط نظام الأسد وإنهاء الحروب المتواصلة حتى اليوم في اليمن وليبيا والعراق؛ بحيث تستلم قوى المعارضة الديمقراطية المدعومة غربياً زمام الأمور؟ وهل استمرار الحروب الأهلية يعني فشل الغرب وحلفائه في تحقيق أهدافهم؟ وهل هناك فعلاً نظرية تسمى الفوضى الخلاقة؟

نفس التساؤلات يمكن استحضارها عندما قامت قوات التحالف الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في بداية 1991 بحرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وتم آنذاك تدمير الجزء الأكبر من الجيش العراقي، وكان في استطاعة التحالف الاستمرار في الحرب وإسقاط نظام صدام حسين، ولكنه لم يفعل. وحتى بعد احتلال العراق 2003 وانهاء حكم صدام حسين استمرت الفوضى والحرب الأهلية إلى اليوم؟ ولا يخرج عن هذا السياق ما جرى ويجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث قام جيش الاحتلال الصهيوني بحصار قطاع غزة بعد سيطرة حركة حماس عليه في يونيو 2007 كما شنت ثلاثة حروب مدمرة على القطاع دون أن يصل الأمر لإعادة احتلال قطاع غزة وإنهاء سلطة حماس ولا مساعدة السلطة على استعادة القطاع؟ أيضاً استمرار النزاع مع إيران دون الدخول في حرب مباشرة معها.

فهل كل هذا يعني فشل أمريكا والغرب وإسرائيل في تحقيق أهدافهم؟ أم أن هناك قراءة أخرى لكل ما يجري ملخصها أن استمرار الحروب الأهلية وحالة الفوضى والانقسام الفلسطيني وتجزئة دول المنطقة كان الهدف الرئيس لأمريكا وتحالف الثورات المضادة؟ وبالتالي فإن أمريكا وحلفاءها لم يفشلوا؛ بل يحققون أهدافهم كما خططوا لها.

في محاولة لفهم ما يجري في المنطقة العربية وما سيكون عليه الحال في عهد الرئيس جو بايدن الذي يبدو أنه سيُحيي ويجدد سياسة الفوضى الخلاقة، يجب معرفة ما طرأ على الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في العقود الأخيرة؛ حيث تم اعتماد ما يسمى "الجيل الرابع من الحروب" ((Fourth-generation warfareوذلك بعد صدور كتاب بهذا الاسم عام 1989 للمؤلف الأمريكي وليام ليند (William S. Lind) ومن بعده شاع المصطلح وتعددت الكتابات عنه. ويمكن تعريف هذه الحرب بأنها تجاوز للأشكال أو الأجيال الثلاثة السابقة للحروب إلى نوع جديد تتميزبأنها حروب بالإكراه تهدف إلى إفشال الدولة القومية المستهدفة وزعزعة استقرارها وإفقادها سيطرتها شبه الكاملة على القوات العسكرية وعودة أنماط الصراعات التقليدية من طائفية ومذهبية وقبلية، ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الامريكية، وفي هذا الواقع الجديد يصبح المواطنون مرتزقة عند عدوهم؛ أي أمريكا أو من يدير هذه الحرب.

كان البروفسورماكس مانوارينج(MaxG.Manwaring) وهو أستاذ وباحث في الإستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات الإستراتيجية والعسكرية التابع للجيش الأمريكي، أهم من تحدث عن هذا النوع من الحروب، وكانت غالبية محاضراته مغلفة وقاصرة على القيادات العسكرية والأمنية الأمريكية والإسرائيلية، إلا أن مضامينها تم تسريبها؛ ومنها المحاضرة التي ألقاها في إسرائيل في الأول من ديسمبر 2018 أمام عدد من كبار الضباط من حلف الناتو والجيشالصهيوني؛حيث وضّحأهداف الجيل الرابع من الحرب، وملخصها كما قال: "ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الأممأو تدمير قدرتها العسكرية؛بل الهدف هوالإنهاك، التآكل البطيء، لكن بثبات!.. فهدفنا هو إرغام العدو على الإذعانلإرادتنا.. الهدف زعزعة الاستقرار؛ وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو لخلق الدولة الفاشلة، وهنا نستطيع التحكم،وهذه العملية تنفذ بخطوات ببطء وهدوء،وباستخدام مواطني دولة العدو".

لماذا لا يتم الانهيار السريع بدل التآكلالهادئ والبطيء؟ لأن التآكل البطيء يعني خرابامتدرجاللمدن، وتحويل الناس إلى قطعان هائمةوشل قدرة البلاد العدو على تلبية الحاجات الاساسية؛بل تحويل نقص هذه الحاجات إلى وجه آخر من وجوه الحرب؛وهو عمل مدروس ومنظم بدقة!!

خلاصة حروب الجيل الرابع، أو ما يُطلق عليها أيضاً الحرب غير المتماثلة (Asymmetric Warfare)فصلتها بشكل أشمل النسخة الإنكليزية من موسوعة  Wikipediaحيث ذكرت أنها تتميز عن الحروب السابقة ببعض أو كل العناصر أدناه:

1. "مُعقّدة وطويلة الأجل.

2. تستخدم الإرهاب.

3. لا تستند إلى قاعدة وطنية،؛ فهي متعددة الجنسيات وغير مركزية.

4. تشهد هجوماً مباشراً على المبادئ والمثل العليا الأساسية للعدو.

5. حرب نفسية متطورة ومعقدة للغاية، لا سيما من خلال التضليل الإعلامي وشن حرب قانونية.

6. استخدام جميع الضغوط المتاحة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً.

7. عدم وجود تسلسل هرمي.

8. تعتمد على عمليات صغيرة الحجم وشبكة ممتدة من الاتصالات والدعم المالي.

9. استخدام حركات التمرَّد وتكتيكات حرب العصابات".

هذا التحول في مفهوم واستراتيجية الحرب يكمن في جوهر الفوضى الخلاقة - أو البناءة- التي قررت الإدارة الأمريكية تبنيها للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط مع حرب الخليج الثانية، ثم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.

إن من يتمعن في تفاصيل وعناصر ما يجري في المنطقة العربية منذ حرب الخليج الثانية، وفي ظل ما يسمى بالربيع العربي وما جرى ويجري في العراق ومناطق السلطة الفلسطينية سيجد إجابة عن كل التساؤلات التي سبق أن أشرنا إليها. الجيل الرابع من الحرب هو الوجه الآخر أو التطبيق العملي  لسياسة الفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها كونداليزا رايس عندما أشارت إلى أن هدف الولايات المتحدة هو تفكيك الشرق الأوسط وإعادة تركيبه من جديد بما يشمل إسرائيل - وهو ما جرى مع التطبيع الأخير- وبما لا يتعارض من المصالح الأمريكية.

الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن يتم توظيفهم من حلفاء، لم يكونوا يستهدفون زعيماً عربياً بعينه أو دولة عربية محددة بسبب غياب الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان؛ بل الأمة العربية ومشروعها القومي وإمكانية نهضتها وتوحدها.. وبالتالي فإن العدو - أو الخصم- الذي يجب تدميره وتفكيكه هو الأمة العربية والزعماء والدول الذين يمكنهم أن يشكلوا قاعدة منطلق لنهضة الأمة العربية.

ما يؤكد نجاح أدوات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لتحقيق أهدافها من خلال تطبيق الجيل الرابع من الحرب نلمسه من خلال مقارنة ما ورد حول أهداف هذه الحرب مع نتائج فوضى الربيع العربي، حيث آل "الربيع العربي" إلى:

1. إثارة النعرات الطائفية والعرقية والمناطقية.

2. صعود جماعات الإسلام السياسي المتطرفة وتراجع القوى المدنية والديمقراطية.

3. تهديد وتفكيك الدولة الوطنية وما تمت مراكمته من إنجازات تحققت بمعاناة ونضالات الشعب.

4. انهيار الروابط القومية العربية، أو ما يسمى المشروع القومي العربي.

5. تراجع مسار الانتقال الديمقراطي السلمي.

6. تدخل دول الجوار؛ وخصوصا تركيا وإيران والكيان الصهيوني.

7. تزايد النفوذ الغربي والروسي.

8. استنزاف الثروات والمقدرات المالية العربية.

9. تغُّول إسرائيل وغياب أية مصادر تهددها.

10. تحويل دول ما يسمى الربيع العربي إلى دول فاشلة.

وأخيراً فإن ما صدر من تصريحات عن الرئيس الأمريكي بايدن وفريقه اتجاه المنطقة يؤشر إلى العودة لتوظيف الجيل الرابع من الحرب - أو الفوضى الخلاقة- تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو حل الدولتين بخصوص القضية الفلسطينية، ولا توجد لدى الإدارة الأمريكية الجديدة أية نية أو توجه لحل مشكلات دول المنطقة؛ بل إدارة للصراعات والحروب.

ابراهيم ابراش