إعلان

تابعنا على فيسبوك

بين "بوسليم" و "سان برناردينو": ولد شارعنا، وأولاد القــ#ـبـة الإمبريالية

أربعاء, 14/04/2021 - 01:13

في ليلتين من الليالي الأخيرة لصمود اطرابلس ضد حلف شمال الأطلسي من 19 إلى 21 من شهر هانيبال/أغسطس 2011 كنت مع رفاقي الشباب في الجبهة السياسية/الإعلامية أنتقل بين أحياء العاصمة من طريق الشط (حيث إذاعة الجماهيرية الرسمية) إلى باب بن غشير (حيث مركز المراسلين الأجانب بفندق ريكسوس).

كنت مُصرّاً أن أعقد مؤتمري الصحفي اليومي من طريق الشط حتى أرفع من روح الناس المعنوية، وذلك لرمزية الإذاعة الرسمية وتوسطها للعاصمة المقاتلة.

تمت الرماية علينا بالرصاص والمقذوفات من ثوار الناتو المندسين في أحياء المدينة، واستشهد عند بوابات الإذاعة الليبية (التلفزيون الوطني)، وعلى مداخل مركز المراسلين الأجانب العشرات من أجمل شباب وبنات ليبيا وهم يقاتلون حلف الشمال وفرسانه الأشاوس.

وحين صدرت التوجيهات لنا بالمغادرة لبني وليد (لكي نبث الإرسال الإذاعي الفضائي من هناك ونستمر في المقاومة) اتصلتُ، كما كنت أفعل طيلة شهور المقاومة، بالجنرال البراني الذي كان مسؤولاً عن خطة تأمين اطرابلس لأستشيره في أفضل طريقة للوصول إلى "الرصيفة" الصامدة، وكيفية تأمين الإذاعة الجديدة هناك. كان هاتفه لأول مرة "خارج التغطية" والذي عرفته فوراً أنه هو نفسه اختار أن يكون خارج "غطاء" المبادئ والقيم العظيمة، وأن يتدثر بغطاء الخزي والعار الذي يلحق به هو وحده دون أهله الأوفياء وجنود كتيبته الأبطال.

قال لي شاب مثقف وغاية في التهذيب واللباقة المدنيّة، اسمه على ما أذكر "مجدي": إذا كان البراني باع، رانا عويلة البلاد شرينا، وتو نفزعوا لك يادكتور.

"البلاد" في اللهجة الطرابلسية تعني دواخل المدينة، بشوارعها وأسواقها وأحيائها الحميمة، وفي تلك الليلة كانت تعني بالذات "بوسليم"، الحي الشعبي ذا الحضور الساحر والشخصية الطرابلسية العريقة.

كان شباب الحي، عويلة البلاد، قد نظموا أنفسهم في مجموعات للدفاع ضد الحلف وعصاباته، وأمّنوا الطرق، والأهم أن هواتفهم النقالة كانت "داخل التغطية" وترد عليك بـالرنّة الفخمة "الله أكبر فوق كيد المعتدي" أو "إحنا رجال الظرف الحالي". 

ووسط شارع أم درمان الطويل، الذي يربط الهضبة الخضراء بـقلب بوسليم، كان أولاد العربي، يوسف العربي وكريم العربي، يتضرجون بالدماء وهم يغنون الأغنية التي مازلت أذكر إيقاعها ولو أنني نسيت أغلب أبياتها "وِلْدْ شارعنا مش وِلْدِ الأليزيه". كان "ولد شارعهم" هو معمر القذافي الذي كان بيته ملاصقاً تماماً لشوارع الحي الشعبي، أما "وِلد الأليزيه" فاسمه ساركوزي أو حتى كاميرون أو أوباما، لا فرق بين أولاد القــ#ـبـة الإمبريالية. 

استشهد أولاد العربي و "مجدي"، وبقية شباب الحي المقاتل، بعدها بخمسة أيام بقصف الأباتشي الأمريكية والتورنادو البريطانية، قبل أن يجهز عليهم وهم جرحى ثوار الناتو الميامين، بعد أن قدموا ملحمة قتالية تشبه تلك التي قدمتها "الفلوجة" العراقية قبل ذلك بسنين قليلة. 

(كم هو رائع أن يسجل التاريخ أنك قاتلت ضد الأباشي والتورنادو والرافال، وأنك حولت حيّك الشعبي البسيط في طرابلس إلى فلّوجة عربية ثانية). 

وفي شهر هانيبال/أغسطس 2013، في الذكرى الثانية لملحمة بوسليم، كنت في حي شعبي آخر ولكنه من أحياء العاصمة الفنزويلية البوليڤارية. هو حي "سان برناردينو". هناك كنت في ضيافة كتيبة ثورية مسلحة من كتائب الثورة البوليفارية-التشافيزية التي تعد العدة الكاملة للغزو الإمبريالي القادم في أية لحظة (تدريبات حية، بناء تحصينات منيعة، إذاعات بديلة) وهم يغنون أغاني الكفاح الشيوعية على مرمى حجر من منزل "ولد شارعهم" المحرر اللاتيني العظيم سيمون بوليفار (1783-1830م)، المنزل الذي يتوسط الحي وقد صار متحفاً وطنياً ومزاراً عالمياً لمناهضي الهيمنة الرأسمالية. 

قلت لهم: ولد شارعنا وولد شارعكم هما من رحم ثورية واحدة، أو من مشكاة اشتراكية واحدة. 

رأيت في وجوه هؤلاء الثوريين المقاتلين بالكلاشينكوف في أمريكا اللاتينية، وجوه أولاد العربي، وشممت عطر بوسليم في "سان برناردينو"، فكتبتُ حينها قصيدة "ضمير الغائب" المرفقة هنا، وأهديتها لهم جميعاً. 

المجد ليوسف وكريم العربي، ولولد شارعهم. 
المجد لمقاتلي سان برناردينو، ولولد شارعهم. 
والخزي لأولاد الأليزيه داخل وخارج الوطن المكلوم.

د. موسى ابراهيم