شهدت المرحلة السابقة من السجالات الإيرانية الأمريكية تباينات عديدة، وذلك نتيجة عدة متغيرات فرضتها القوى التي حكمت بعد الثورة الإيرانية، رغم وجود المحافظين الذين لا يشجعون على إقامة علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية تحت أي ظرف، لكن هذه المتغيرات السياسية الايديولوجية للدول، ومع تنامي الحضور الإيراني في المنطقة، وتوسع علاقاتها نحو شرق آسيا، ومع العلاقة السورية الإيرانية الروسية خاصة في الحرب التي شُنت على سورية، وعلى الرغم من ضخامة التمويل العسكري والبشري والمادي ضد إيران ومحورها، إلا أن الخطة الأمريكية والإسرائيلية لم تكتمل بعد، والدليل ما فرضه الميدان في سوريا خلال السنوات التي تعززت فيها الشراكة بين الدول الثلاث للقضاء على الإرهاب منذ عام 2015، مما شكّل لدى الحليفان الأمريكي والإسرائيلي قلقًا لخطورة هذه العلاقة في تحقيق خطوة “الشرق الأوسط الجديد”، القائم على أمريكا أولاً واسرائيل ثانياً، لجهة تقاسم المصالح بين واشنطن وتل أبيب.
ما بين العراق وسوريا قاسم مشترك يتمثل في الرغبة الامريكية الجامحة لتقسيم هذين البلدان، وفق هيكلية تقوم على الطائفية والمذهبية وضمنًا الضرب على وتر الأقليات، واستطاعت أنّ تُنشئ ما يسمى كردستان العراق، وهذا ما تعمل عليه واشنطن في الجزيرة السورية، والمتابع للحرب على العراق منذ 2003، وكيف تعددت الأسباب لتتمكن القوات الأمريكية من الدخول اليه، وإقامة قواعد لها فيه وتحديداً في المناطق الاستراتيجية والحيوية الغنية بالنفط، وإرساء ذريعة ما يسمى “المحتل الإيراني” في العراق، عبر قنوات خاصة من التبعية الامريكية، بُغية تبرير الوجود الأمريكي، والسماح لأذرع اسرائيل الاستخباراتية بالدخول إلى العمق العراقي.
وفي سوريا ما زالت القوى المرتهنة للولايات المتحدة الأميركية من ميليشيا قسد تنتظر تحقيق الانفصال كما في كردستان العراق، فـ مسرحية الديمقراطية التي تدخل من خلالها واشنطن أبواب المنظمات والمؤسسات الدولية لتُثبت هيمنتها، بات من الماضي، وهذا الصراع السياسي بين واشنطن وطهران ما هو إلا نتيجة عدم الرغبة الإسرائيلية في استمرار الحضور الإيراني المتفوق في سورية على الصعد كافة، الأمر الذي ترجمه تصريح جنرال إسرائيلي، وذلك من خلال جملة خطوات أعلنها بشكل صريح وعلنيّ، لمعالجة الاتفاق النووي الإيراني بالتنسيق والعمل على عدم السماح للإيرانيين بالعودة للاتفاق، لتحقيق تعديلات جوهرية على اتفاقية 2015، والذي من شأنه أنّ يقلل من نشاط إيران الإقليمي. بحسب الأهواء الأمريكية والإسرائيلية.
على ما يبدو أن ما يحدث من هجوم إسرائيلي على موقع “نطنز”، بالإضافة إلى مهاجمة إسرائيل لسفينة ايرانية في البحر الأحمر، كل ذلك يدخل ضمن حملة استراتيجية للأمن الإسرائيلي، فـ إيران التي تتطور نووياً، وتقوم بزيادة أجهزة الطرد المركزي، والذي سيمكنها من التقدم في البحث و التطوير النوويين، الأمر الذي يؤرق الكيان الإسرائيلي.
في المحصلة، لن تتمكن الاستراتيجية الإسرائيلية المتبعة عبر هذه الاحداث من إيقاف البرنامج النووي الإيراني، أو إيقاف الوجود العسكري الإيراني المتفوق في المنطقة، ولن يوقف علاقات ايران مع الصين وروسيا، وعليه فإن زيارة وزير الدفاع الأميركي الجنرال لوجد اوستن لإسرائيل هي التي أدت إلى زيادة الاعتداءات على ايران، نتيجة تفاهمات ما بين الإدارة الأميركية وإسرائيل، لكن رغم ذلك ستبقى الجمهورية الإسلامية الإيرانية سدًا منيعًا أمام الأجندات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وكذا ستبقى إيران القوة الإقليمية التي استطاعت رغم الحصار، من كسر كل الإدارات الأمريكية.
ربى يوسف شاهين
رأي اليوم