في أواخر الثمانينات من القرن الماضي قدم ضابط الجيش التشادي إدريس دبي نفسه كمقاتل إفريقي من أجل الحرية، على منهج القادة الأفارقة الكبار مثل لومومبا وناصر ونكروما.
وكان يتكلم معنا في ليبيا عن إيمانه بمشروع معمر القذافي الإفريقي، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً. خصوصاً فيما يتعلق بتأمين منطقة السهل (الساحل) والصحراء ضد الوجود الأجنبي (الفرنسي خصوصاً) وضد توابعه المحلية (الإرهاب الأصولي).
كما كان مندفعاً باتجاه أفكار الزعيم القذافي في التنمية الاقتصادية الإفريقية المشتركة، وتحرير الثروات الإفريقية، والتكامل بين دول وسط القارة خصوصاً، وربط الساحل الإفريقي الشمالي (عبر موانئ ضخمة) بعمق القارة السمراء حيث مناجم الذهب والماس وغيرها.
أصبحت تشاد في عهده، وبتأثير مباشر من معمر القذافي، سداً منيعاً ضد محاولات الاختراق الصهيوني لإفريقيا، ودعمت ليبيا الثقافة العربية والإسلامية في البلد، وبنت المدارس والمساجد، فكوّنت تشاد بذلك عمقاً استراتيجياً آمناً لليبيا وللأمة العربية ككل.
ولكن نهاية النظام الثوري في ليبيا واستشهاد معمر القذافي كشفت الحجاب عن الشخصية السلطوية الانتهازية الضعيفة لإدريس دبي. فالرجل ذهب مسرعاً إلى أحضان الفرنسيس ليطلب منهم المدد العسكري والاقتصادي، ويدير وجهه لكل المشاريع والقيم التحررية التي مثلها "تجمع دول الساحل والصحراء" و "الاتحاد الإفريقي العظيم"، وتجد فيه فرنسا رجلها العائد إليهم من أحضان معمر القذافي الفكرية المزعجة لهم.
ولأن الغرب الاستعماري مرتبط بنيوياً بـ "مخفر البوليس" الإسرائيلي الذي تم زرعه في المنطقة العربية لضمان تبعيتها الاقتصادية والسياسية للمستعمر، فقد جاءت" إسرائيل" في ركاب فرنسا إلى تشاد وبدأت تتغلغل في الجسد التشادي محاولة أن تخترق من خلاله ما تبقى من صمود القارة السمراء ضد الكيان العنصري في فلسطين المحتلة.
ظن إدريس دبي، مثل ظن أنور السادات قبله، أنه بهذا ضمن أمنه وسلطته، ولكن المتغطي بفرنسا وبإسرائيل عريان.
الفرق بين معمر وكلٍّ من أنور وإدريس أن معمر قاتل في سبيل القيم العظيمة والمبادئ التي رفض أن يتخلى عنها حتى من أجل سلامته الشخصية،
بينما قُتل أنور وإدريس خصوصاً لأنهما التحفا بغطاء الأجنبي وظنا أنهما في أمن وأمان.
لم يدركا أن الأجنبي يقتات على الفوضى، ويعتاش على الصراع، ويزدهر في مستنقعات الخراب.
والآن ستدفع فرنسا أكثر وأكثر باتجاه الفوصى الخلاقة في شمال تشاد وجنوب ليبيا حتى تبرر وجودها العسكري ويستمر تحكمها بمنابع الثروة الإفريقية، بينما قوى فبراير السياسية في ليبيا صامتة وخائفة ومرتعدة، بل ومتواطئة.
ليبيا الآن بالذات (ومعها الجزائر ومصر والسودان) تقع تحت رحمة فرنسا وإسرائيل والإرهاب الأصولي التابع لهما عبر بواية الجنوب الليبي الكبير.
أما أنتم يا ليبيين فانتظروا الخير اللي جايبه "الحاكم الجديد"، على قولة المجاهد بومطاري الشهيرة.
د. موسى ابراهيم