إعلان

تابعنا على فيسبوك

ولد محم: التجربة الديمقراطية في مالي لم تشكل حلا لمشاكل هذا البلد

سبت, 29/05/2021 - 16:54

بدأت لعبة الاستقطاب الدولي وصراع النفوذ تدخل إلى مالي من نافذة صفقات السلاح والوصاية على الفترة الإنتقالية والبحث عن موطئ قدم أو محاولة ترسيخه في منطقة هي المرشحة لتكون مصدر الطاقة الأول عند تراجع أو نضوب حقول النفط والغاز في الخليج وبحر قزوين، وهو صراع لو تفاقم فربما اتسعت دائرته لتدخل منطقتنا في دوامة من عدم الاستقرار والتوتر والحروب هي أغنى ما تكون عنها.

والحقيقة أن التجربة الديموقراطية في مالي على أهميتها لم تشكل حلاً لمشاكل السلم الأهلي والانسجام الاجتماعي بين مكونات الشعب في مالي، والتي لن يتم حلها بمجرد إقامة مرحلة انتقالية تنتهي بانتخاب رئيس وبرلمان بشكل ديموقراطي أو شفاف، فالأزمة في مالي أعمق بكثير، وقد آن الأوان للنخب السياسية والقيادات العسكرية بهذا البلد أن تدرك أن الاستقرار في مالي ومستقبلها كدولة ناجحة هو المصالحة بين مكوناتها أولا، والنأي بها عن دوائر الاستقطاب وصراع النفوذ بين الأقوياء، وإقامة سلام دائم مع المجموعات المتواجدة في الشمال والشمال الغربي وبالتحديد في الشريط المحاذي لحدودنا من ديوكنتورو حتى تاودني، والذي عانت كل مكوناته من الاهمال والحرب والارهاب وفقد كل ارتباط له بالمركز، ولا زال مواطنو هذه المناطق يعاملون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وبعضهم لا يتمتع بهذه الصفة ولا يحوز أوراقًا مدنية رغم عراقة انتمائه للأرض وقدم تواجده بها.

فالفلان والطوارق والسونغاي والبيظان بكل مكوناتهم بمالي ظلوا عبئا على دول الجوار وتحديدا على بلادنا بحكم التداخل السكاني وطول خط الحدود (أكثر من 2000 كلم)، بينما ظلت الحكومات المتعاقبة بمالي عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الأمن والتنمية والخدمات الأساسية لهؤلاء، بل وتعرضوا في أحايين كثيرة لمذابح كان الجيش غير بعيد عنها تدبيرا أو تنفيذا أو غض طرفٍ في أحسن الحالات، ناهيك عن أزمات الهوية والتعدد الثقافي التي مازال مجرد تناولها غير متاح مطلقا.

فعلى فرنسا ولكي لا تتكرر تجربتها واعتذارياتها برواندا في مالي أن تدفع باتجاه هذه المصالحة، وأن تدرك أن وجود دولة قوية بسلمها الأهلي وانسجام مكوناتها يخدمها ويخدم سمعتها وصورتها بالمنطقة التي استنزفت خيراتها وفشلت في إخماد حروبها وبناء ديمقراطياتها وفرض التناوب بها.

وعلى بلادنا التي ظلت حريصة على عدم التدخل في الشأن الداخلي المالي أن تبادر وبالتعاون مع الاتحاد الإفريقي ومجموعة الساحل ودول غرب إفريقيا حث الأشقاء الماليين ومساعدتهم على إقامة مصالحة داخلية حقيقية وعادلة، تبني سلما أهليًا مستديما وتضمن توزيعا عادلا لمستويات التنمية بين كل المناطق والمكونات الإجتماعية والثقافية، وفي حالة انهيار الدولة وإعلانها فاشلة بمالي فنحن في النهاية بحكم ارتباطاتنا التاريخية والجغرافية والسكانية بهذا البلد سنتحمل وحدنا العبء الأكبر أمنيًا واقتصاديا واجتماعيا، وقد تحملنا بعضه في السابق ولا نزال (ما يقارب ال 100 ألف لاجئ).

وعلى السلطات المالية أن تدرك أهمية الدور الموريتاني الإيجابي في بناء هذه المصالحة، بحكم ماتملكه من تأثير وقوة ناعمة بالداخل المالي، ولأننا المستفيد الأكبر من استقرار هذا البلد بفعل العديد من العوامل أهمها وجود جالية مهمة عدديا بكل المناطق المالية، وكون هذا البلد يشكل خط العبور الأول والآمن لجالياتنا بساحل العاج التي هي أكبر جالية موريتانية بالخارج (أكثر من 50 ألف مقيم)، بالإضافة إلى جالياتنا في النيجر وبوركينا والشرق الغيني.

كما تشكل بلادنا المنفذ البحري الأهم لمالي، وبلد فرصٍ ومقدرات طبيعية كبيرة فتح على الدوام أبوابه مشرعة لكل الماليين في تكامل اقتصادي مثمر لكلا البلدين.

لذلك فإن أمن مالي واستقرارها وسلمها الأهلي يعني لنا الكثير والنظر إليها وهي تتمزق ليس مطلقا بالفرجة الممتعة.

د. سيدي محمد ولد محم