ينظر معظم المراقبين للوضع القائم في لبنان باعتباره ازمة داخلية اقتصادية الطابع، وتتطلب بعض المعالجات مثل تشكيل حكومة تبدا بالإصلاحات الادارية والمالية، والا فان البلاد تنحدر نحو الانهيار. ومعظم النخبة في لبنان بدأت الحديث بشكل اعمق عن ازمة نظام سياسي او معضلة بنيوية في جوهر نشوء الدولة وتركيبات كيانها تمنع انتاج مؤسسات حوكمة فاعلة. وفي كلا التشخصين للازمة لا توجد أي حلول تلوح في الأفق.
ووفقاً لتقرير مرصد الاقتصاد اللبناني الصادر عن البنك الدولي، من المُرجّح أن تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وفي مواجهة هذه التحديات الهائلة، يهدّد التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الانقاذية، في غياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً والسلام الاجتماعي الهش؛ ولا تلوح في الأفق أي نقطة تحوّل واضحة وفقا للتقرير. ولا يكشف التقرير جديدا في مسالة المخاطر على السلم الاجتماعي نتيجة الازمة واحتمالات عالية التوقع حول نطاق حدوث اضطرابات داخلية تزيد من عمق ازمة سيطرة الدولة. بيد ان معظم السياسات مازالت تتعامل مع المخاطر في حدود الجغرافية اللبنانية باعتبارها ازمة اقتصادية ومعيشية داخلية تتطلب إرادة من الفاعلين المحليين او يتحملوا مسؤولية تقاعسهم لوحدهم.
لكن لبنان بترابطه العضوي مع الازمات والصراعات الحادة في الإقليم، وطبيعة الاصطفاف السياسي للقوى المحلية داخله والتي في الاغلب لها جذور متصلة بالاصطفاف الإقليمي والدولي الاوسع، يجعل في ازمة لبنان الداخلية واحتمالات الانهيار للدولة، ازمة دولية، ويجعل لبنان مرشحا قويا ليكون مجددا ملعبا واسع النطاق للتنافس الإقليمي والدولي. وهذا قد يحول لبنان لاحقا من بلد مأزم اقتصاديا الى ازمة دولية معقدة يستلزم حلها وقت طويل من الزمن. أي تتحول الازمة من محلية الطابع الى زمة ذات بعد دولي، مع تعدد اشكال الصراع داخلها، وتعدد اللاعبين ومصالحهم. ولجوء القوى المحلية للخارج للاستقواء او طلب الحماية، تحت تأثير عوامل طائفية وايدولوجية وخيارات سياسية.
حتى محاولة واشنطن استنساب دعم الجيش اللبناني فقط من ضمن باقي مؤسسات الدولة بذريعة الحفاظ على الاستقرار الداخلي في ظل تداعيات الازمة الاقتصادية، لن ينظر اليه في بيروت من قبل فئة واسعة على هذا النحو مطلقا. خاصة ان واشنطن لعبت دورا رئيسا في إيصال لبنان الى هذه الازمة ضمن استراتيجية إدارة دونالد ترامب في الضغط الأقصى، ومحاولة اضعاف حزب الله. وتشجيع اطراف عربية خليجية لمنع المساعدة الاقتصادية و المالية للبنان.
وان كان الخطاب الرسمي اللبناني مرحبا بالدعم الأمريكي الاستثنائي للجيش باعتباره حالة انقاذية في مواجهة الفوضى، الا ان الكواليس تشير الى قلق لدى قوى سياسية من وضع الولايات المتحدة يدها على مؤسسة الجيش في ظل حالة انهيار الدولة،،ولاحقا جعل الجيش مؤسسة تابعة للسياسات الامريكية مباشرة ولما ذلك من مخاطر. وما يتم فصحه الان بشكل دقيق هو “هل ستدعم واشطن الجيش والمؤسسات الأمنية كافة في البلاد، ام سوف تقوم بالانتقاء تبعا لمعايير محددة. قد يتحول دعم الولايات المتحدة للجيش وفقا لمسارات وظروف لاحقه من الاطراء او اعتباره قرارا يمنع انهيار الاستقرار في لبنان، الى حقل للشكوك والحذر. وبطبيعة الحال هناك في لبنان اجماع كبير على دور الجيش واعجاب استثنائي بادائه في حفظ الامن والاستقرار الداخلي.
و قررت الإدارة الامريكية إعطاء الجيش اللبناني نحو 120 مليون دولار، لهذه السنة، أي زيادة 15 مليوناً عن السنوات السابقة.
ويرتفع منسوب المخاطر في البلاد مع اشتداد الازمة الاقتصادية والمعيشية، وانسداد افق التشكيل الحكومي والتوافق السياسي وخروج الناس يوميا للتظاهر وقطع الطرقات، وتطور حركة الاحتجاج باتجاه مهاجمة المؤسسات الحكومية.
وخلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع امس، قال الرئيس اللبناني ميشال عون إن التعبير عن الرأي مضمون للجميع، ولا يجوز أن يتحول إلى فوضى وأعمال شغب، ودعا في مستهل اجتماع المجلس الجهات الأمنية إلى “عدم التهاون في التعاطي مع الفوضى”، حفاظا على الاستقرار العام في البلاد.
كمال خلف
رأي اليوم