إعلان

تابعنا على فيسبوك

عطوان: لهذه الأسباب نرجح الخيار العسكري لتحييد خطر سد النهضة الوجودي

سبت, 10/07/2021 - 20:36

أخيرا انفض اجتماع مجلس الأمن حول أزمة سد النهضة مساء الخميس، وفسر بيانه الختامي الماء بالماء، عندما شدد على أهمية الحوار البناء بين أطراف النزاع الثلاثة، وأعاد الملف كله إلى الاتحاد الإفريقي، وهذا انتصارٌ دبلوماسي كبير لإثيوبيا، وتشجيع لها على فرض سياسة الأمر الواقع والمضي قدما في المرحلة الثانية من ملء خزانات السد التي بدأت قبل أسبوع تقريبا

العالم- مصر

السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري قال للمرة العاشرة يوم أمس إن مصر تواجه تهديدا وجوديا، ونحن ومئة مليون مصري نتفق معه في هذا التشخيص، ولكن السكين وصلت إلى العظم يا سيادة الوزير، وسياسة ضبط النفس لم تعد مجدية، فما هي الخطط البديلة؟

بيان مجلس الأمن يشكل انتصارا كبيرا لإثيوبيا بإحالته الأزمة إلى الاتحاد الإفريقي ووساطته، دون أن يحدد سقف زمني للمفاوضات، فهذا الاتحاد فشل فشلا ذريعا في إلزام إثيوبيا باحترام حقوق الدولتين العضوين فيه، مما يشكل تبنيا غير معلن لموقفها العدواني.

ما يثير الحيرة ما يصدر بين الحين والآخر من تصريحات عن السيد سامح شكري ومسؤولين مصريين آخرين، تتحدث تارة عن وجود بدائل يمكن أن تعوض أي نقص في المياه، مثل إنشاء معامل تحلية المياه، وترشيد لاستخدام مياه النيل، وتارة أخرى عن وجود مخزون مائي فائض في خزانات السد العالي يمكن أن توفر الاحتياجات المائية اللازمة في حال حدوث أي انخفاض في حصة مصر بسبب المرحلة الثانية من ملء خزانات السد.

***

لا نعرف ما إذا كانت مثل هذه التصريحات المحبطة، التي تتناقض مع مطالب الغالبية الساحقة من الرأي العام المصري التي تطالب بالرد العسكري الحازم، هي من قبيل التمويه، أم انعكاسٌ للموقف الرسمي المصري الذي يريد تجنب الحرب وتكاليفها الباهظة بشريا وماديا.

نحن نرجح التفسير الأول، أي “التمويه” وعدم كشف الأوراق للعدو الإثيوبي، فعنصر المفاجأة غالبا ما يكون له دور حاسم في تحديد نتائج الحروب لمصلحة أصحابه، ولنا في اقتحام خط برليف ظهر يوم العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر عام 1973 النموذج الأمثل في هذا القياس.

فحتى هذه اللحظة، ومع بدء ملء السد والتهديد الوجودي الذي يمثله لمصر والسودان، وعشرات الملايين من مواطنيها، لم نر أي خطوات مصرية عملية لإيجاد البدائل المائية، لتعويض أي نقص في المياه، مثل إقامة محطات تحلية عملاقة، أو اتخاذ إجراءات تقشفية مائية في الزراعة واستخدام المياه، وتنقية مياه الصرف الصحي، فإقامة هذه المحطات، أو فرض إجراءات تقنينية لاستخدام الماء، يحتاج إلى فترة إعداد تمتد لسنوات لإكمالها.

الجيش المصري يحتل الترتيب التاسع كأقوى الجيوش في العالم، وتحظى جميع أذرعه الضاربة بتدريب وتسليح حديث ومتطور، ويستطيع وهو الذي خاض أربع حروب ضد الخطر الإسرائيلي الذي يتواضع أمام أخطار سد النهضة الإثيوبي، أن يخوض الحرب ضد إثيوبيا ويزيل خطرها وسدها إذا كان هذا هو الخيار الأخير، لأن أخطار عدم التدخل العسكري أضخم بمئات المرات من اللجوء إلى هذا الخيار على الصعد كافة، لأن مرور المخطط الإثيوبي سيسجل سابقة خطيرة على مصر وأجيالها القادمة.

دينا مفتي، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، قال بكل وقاحة إن العرب يبيعوننا النفط، فلماذا لا نبيعهم الماء، وهذا هو الشعار الذي تطبقه دولة الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام في تعاطيها مع جارها الأردني الذي وقع معها اتفاق سلام لم تحترم أي من بنوده.

فيوم أمس الأول، باعت إسرائيل 50 مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن نقدا، أي ما يوازي حصته المقررة في معاهدة وادي عربة التي تنكرت تل أبيب لها ورفضت الاعتراف ببنودها، وهذا يعني أنه حتى لو وقعت إثيوبيا معاهدة جديدة حول توزيع حصص مياه النيل مع دولتي الممر (السودان) والمصب (مصر) فإنها لن تلتزم بها، خاصة إذا عرفنا أن مستشاري آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي معظمهم من الإسرائيليين، وأن من يحمي سد النهضة منظومات صاروخية إسرائيلية.

إثيوبيا أقامت 13 سدا حتى الآن على النيل الأزرق الذي تشكل مياهه 80 بالمئة من مجموع مياه النيل العظيم، وهدد رئيس وزرائها بإقامة 100 سد أخرى في السنوات المقبلة، مما يعني أن الضرر على مصر والسودان وشعبيهما لن يكون مقتصرا على سد النهضة وخطط ملء خزاناته بأكثر من 73 مليار متر من المياه في غضون عامين وفق المخطط الموضوع، وإنما ستكون هناك سدود أخرى لا تقل خطورة وتهديدا للأمن المائي في البلدين.

***

خطورة المضي قدما في ملء خزان السد، وإقامة عشرات السدود على النيل الأزرق في السنوات المقبلة دون رد، تكمن في تشجيعه لدول أخرى في حوض النيل الأبيض على الاقتداء بالسياسة الإثيوبية هذه، مما يعني تعطيش وتجويع أكثر من مئة وخمسين مليون مواطن عربي في مصر والسودان، أي ما يقرب من أكثر من ثلث العرب تقريبا.

الكرة الآن في ملعب القيادة السياسية والعسكرية المصرية، والخيار النهائي خيارها، وهو خيارٌ عسكري في جميع الأحوال، وستجد مئة مليون مصري، و450 مليون عربي يقفون في خندقها، ونحن نتحدث هنا عن الشعوب، وليس عن الحكومات التي خذلت مصر، وضخ بعضها المليارات لدعم السد الإثيوبي الابتزازي.

من خاض أربع حروب نصرة لفلسطين ولتحرير سيناء لن يتردد في خوض الخامسة والأهم، من أجل كرامة مصر وعزتها، والحفاظ على أمنها المائي المشروع.. والله أعلم.

عبد الباري عطوان/راي اليوم