"يعتبر الأمن قوام الدول وهو مصون بفضل الله أولا وبفضل يقظة قواتنا المسلحة وقوات أمننا وحزمها وصرامتها اتجاه كل ما من شأنه المساس باستقرار البلاد، سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي"
فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني
**
كشف خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بمناسبة إطلاق الحملة الزراعية 2021/2022، عن الأبعاد الاستراتيجية للمقاربة الأمنية الوطنية، وإحاطتها بمتغيرات التطور التكنولوجي الذي يشكل تحديا لسيادة الدول وسكينة الشعوب، من خلال مواكبة تشريعية يقظة تقطع الطريق أمام تغول خطاب الكراهية وترويج الشائعات المغرضة، مع التأكيد على حماية وترقية الحريات الفردية و العامة المكفولة من طرف الدستور.
وقد حمل الخطاب الرئاسي طمأنة المواطنين والمقيمين ومهنيي الأمن على صدق الإرادة والمضي في تحيين وتطوير المقاربة الوطنية التي أثبتت نجاعتها طيلة عامين، وقدرتها على مسايرة تطور المشهد وتقديم حلول عملية لمواجهة التحديات والمستجدات بصفة آنية.
حظيت المقاربة الوطنية في مجالات الأمن، بأهمية كبيرة لدى مراكز البحث الاستراتيجي، فضلا عن متابعة الإعلام الدولي والمشتغلين في عالم الاتصال والمجتمع الحقوقي والشركاء الدوليين؛ خصوصا شمولية الرؤية وانسجامها مع واقع التعددية والحياة الديمراطية للبلد، واعتبارها مساهمة نوعية في تحول يعيشه العالم بوتيرة تعكس مستوى جاهزية الدول وشجاعة قادتها على المساهمة في صناعة السكينة والدفع بالمسارات التنموية في مجتمعات العولمة.
وفقت الإدارة العامة للأمن بإشراف مباشر من قائدها الفريق مسقارو ولد سيدي، في الانسجام المهني لمرافقة مقاربة فخامة رئيس الجمهورية، عبر تطوير أخرجها من ظل الأساليب القديمة نحو حضور مقنع في المشهد الرقمي، كالتزام قوي اتجاه المواطن والكشف عن بعض ماتقوم به من أجل سلامته وأمن ممتلكاته، مع الحفاظ على وقار السرية وجاهزية اليقظة التي يتطلبها المجهود الأمني، على غرار المؤسسات الأمنية العريقة والمتطورة في العالم.
تحرر الأمن ووكلائه من صورة "الجاسوس" الذي يرصد باستمرار حياة الناس الخاصة، وظهر في صورته الناصعة كمشرف على مهام حيوية بموجب القانون مع احترام الضوابط التي يفرض لتأدية عمله.
بعد أسبوع من خطاب روصو أعلن رئيس الحكومه البريطانية بوريس جونسون عن حاجة المملكة المتحدة الملحة لاتخاذ إجراءات ضد إساءة استخدام الإنترنت في انتظار سن قوانين جديدة، قبل الاجتماع بمسؤولي شركات وسائل التواصل الاجتماعي للحديث حول المحتويات العنصرية التي تنشر عبر منصاتها ولمواجهة الموجات المتصاعدة للكراهية.
قدمت حكومة كندا الشهر الجاري مشروع قانون أمام البرلمان لحماية الكنديين من خطاب الكراهية على الإنترنت، يتضمن تعديل القانون الجنائي والترتيبات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، واستحداث إطار تنظيمي لمكافحة الكراهية عبر الإنترنت، وفرض قيود على شبكات التواصل الاجتماعي، ومعاقبة مستخدمي الأسماء المستعارة لنشر خطاب الكراهية.
خلال العام الجاري جعلت الدولة الفرنسية من ضبط وتنظيم النشر على الانترنيت أولوية الأولويات، واعتبر الرئيس الفرنسي مؤخرا أنها "أصبحت مجالا للأسوأ"، مؤكدا التفريط في القواعد الأساسية لحفظ النظام العام، وضرورة التدخل بسرعة لتنظيمه وضبطه بصرامة.
أمرت، كذلك محكمة فرنسية خلال الأسبوع الجاري موقع تويتر بأن يكون أكثر شفافية بشأن جهوده للقضاء على خطاب الكراهية عبر الإنترنت وأمهلته شهرين لمنح النشطاء حق الاطلاع الكامل على الحيثيات القانونية الخاصة بمكافحة خطاب الكراهية، وقد رحبت المنظمات الحقوقية بالتوجه الرسمي لفرنسا واعتبرته في صميم حماية وترقية حقوق الإنسان.
يتيح القانون الفرنسي منذ 2018 متابعة عمليات النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وإدانة الملاحقين في الجرائم الرقمية حتى في حالة غياب تنسيق مسبق، وكذلك إن اقتصر الامر على تدوينة وحيدة.
وقد تم حديثا إنشاء مكتب لمدعي عام خاص بالقضايا المرتبطة بخطاب الكراهية والمضايقات عبر الإنترنت في جميع أنحاء فرنسا.
يجرم القانون في سويسرا التي تحتضن مقر لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان خطاب الكراهية بجميع أشكاله ، ويكرس حماية المعتقد الديني من الإهانة والتشويه.
في تقريره لعام 2019 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أوصى المقرر الخاص المكلف بحرية الرأي والتعبير بتبني كبريات شركات المجال الرقمي سياسات محتوى صارمة بشأن خطاب الكراهية.
تعتبر المفوضية السامية لحقوق الإنسان أنه لا مجال للخلط بين حرية التعبير والتحريض على الكراهية ، حيث أقرت معايير وتوصيات وثيقة الصلة بالمشهد الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي بدقة تكرس الخبرة القانونية لتقليص هوة اختلاف التشريعات الوطنية كأساس قانوني ضروري لمواجهة التطور السريع والمذهل للمشهد الرقمي.
تأتي المبادرة الأممية لحظر أشكال خطاب الكراهية، بعد جلسات عمل خبراء المفوضية السامية لحقوق الإنسان، في مجالات القانون الدولي وحماية الحريات وحقوق الإنسان، عقدت في جنيف، فيينا، نيروبي، بانكوك، وسانتياغو دي تشيلي.
وقد أوصت بملائمة التشريعات والسياسات القضائية المتعلقة بمفهوم التحريض على الكراهية، و تنفيذ حظر التحريض وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
توج هذا المسار باعتماد المنظمة الأممية وثيقة مرجعية "خطة عمل الرباط" في الخامس من أكتوبر 2012، تعتمدها السلطات الوطنية للاتصالات السمعية والبصرية في شمال وغرب إفريقيا، وتبنتها كذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قرارها الصادر في 17 يوليو 2018 ، إضافة إلى المنظمات الحقوقية، خصوصا منظمة العفو الدولية، والمادة 19، وممثلية الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى وخطة عمل الأمم المتحدة لمكافحة خطاب الكراهية التي تم إطلاقهما في يونيو 2019.
تعتبر حرية التعبير من دعائم الديمقراطية ومايترتب عنها من ممارسة كافة حقوق الإنسان، ويكرس القانون الدولي حمايتها مع مايترتب عن ذلك من يقظة للمجتمع الحقوقي، و تقر لها
لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري قيودا مشروعة تقتضي صرامة القوانين الداخلية للدول في تجريم التحريض على الكراهية والعنصرية والدعاية للإقتتال والمواجهات بين مكونات المجتمع الواحد من جهة وبين الدول من جهة أخرى؛ وبالتالي فإن الدولة مسؤولة عن تطبيق هذه الحيثيات بأعلى قدر من الصرامة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتداد بحرية التعبير لاستئناف العقوبات الواردة في حق الأفراد والجماعات المرجوة لخطاب الكراهية.
وتتكفل الدول بمسؤولية إنشاء وحدات من الشرطة المتفرغة لمكافحة الجرائم عبر الإنترنت و خطاب الكراهية على الويب وتزويدها بالموارد المالية والفنية لأداء دورها على أكمل وجه.
أصبح المشهد الرقمي بصفة عامة و شبكات التواصل الاجتماعي بصفة خاصة وكرا مظلما لخطابات الكراهية والعنف بأصنافه وبطريقة هائلة ومقلقة وما يترتب عنها من الحقد و العنف الموجه ضد مجموعات معينة وعلى أساس العرق أو الأصل أو الدين أو لون البشرة أو الهوية.
في مواجهة ما أسمته الهيئات الحقوقية الدولية «Hate speech» "خطاب الكراهية" ، تترتب إلزامية التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية الذي يحط من قدر كرامة الإنسان ويمثل أرضا خصبة لجميع أشكال العنف، باعتبارها تحديا حقيقيا يجب على الدول مواجهته على الصعيد القانوني والأمني.
راكم خبراء القانون والأمن حصيلة عقود من الرصد والدراسة والتقنين تناولت مفهوم خطاب الكراهية و آثاره على سيادة الدول وسكينة المجتمعات، ويدخل في دائرتها "جميع أشكال التعبير التي تروج للكراهية أو تحرض عليها أو تبررها (..) عدم التسامح و التعصب المعبر عنه في حق القوميات، العدوانية والتعصب العرقي والتمييز؛ "، وتشدد التوصيات الأممية على ضرورة محاربة خطاب الكراهية، باعتباره خطرا على التماسك الاجتماعي، يضع ضحاياه في حالة من الخوف والرعب و يحد بشكل كبير من استخدامهم المشروع لحقوقهم الأساسية، كما يوفر أرضية خصبة للتحضير لأعمال العنف الجسدي أو ترهيب الفئات المستهدفة، إلى جانب التشهير النمطي والمنهجي بالتجريد من الصفات الإنسانية ليسقط حاجز الكرامة فيصبح كل شيء جاهزا بعد ذلك لارتكاب جريمة الكراهية.
لا يمكن للدولة منح حماية متساوية لجميع المواطنين إذا سمحت لخطاب الكراهية بالانتشار في المجال العام للتحريض على العداء أو التمييز ضد مواطنين معينين ، فيما بينهم بسبب هويتهم الثقافية أو العرقية.
عبد الله يعقوب حرمة الله
نقلا عن مجلة الشرطة