غالبا ما أغالب نفسي على الكتابة، تبيانا لرأي أو تعبيرا عن موقف، لكنني في أغلب الأحيان أنهزم أمام خواطر من قبيل "لا جدوى، لا أهمية، ولماذا؟... ومثيلاتها" خصوصا وأنني تركت طواعية مهنة الإعلام، مخلفا ورائي فضاء واسعا للتعبير، يعج بما شاء الله من رواد مهنة هامة تمثل سلطة رابعة، تحمل هم الرقابة على أداء الفاعلين في السلطات الثلاثة الأخريات.
غير أنني في بعض الأحيان، لا أتمالك زمام نفسي أمام إرادة جامحة في التعبير عن موقف إزاء حدث ما،أو رأي، يفرضه عليواجب الروح الوطنية وتدعمه الحقائق التي أنا نفسي شاهد عليها، ولا يساورني في حقيقتها أدنى شك.
وأمام ما كتبه أخي العزيز حبيب الله ولد أحمد عن مؤسسة معادن موريتانيا، لم أستطع إلا أن أسجل تعليقا على ذلك أنظر فيه من خلال زاوية أخرى غير التي نظر من خلالها أخي حبيب.
بالطبع فإن حبيب الله، هو أحد رواد حقلنا الإعلامي ممن عرفوا بالكتابة بوازع الضمير وحب الوطن والغيرة على المصالح العامة للمواطنين والإنحياز للمستضعفين، وقد حدد لنفسه بذلك مكانة لا يستطيع أن يسمو إليها إلا القلة ممن يقاسمونه نفس السلوك والمواقف.
وإنني لمتأكد كل التأكد أن كتابته تلك، وكغيرها، ليست إلا بدافع روح الوطنية وإخلاء الضمير، وما يصله من بعض أصحاب بعض الملاحظات على المؤسسة المعنية، وتحت ضغط التأثر العاطفي بما ينوب بعض من شبابنا من المنقبين في ظروفهم الصعبة، والمثيرة للتعاطف، وخصوصا حادثتي الاستشهاد بسبب انهيار البئر الضياع.
ولأن الموقف من مؤسسة وطنية بهذا الحجم وبهذا المستوى،تمثل خيار رئيس الجمهورية ضمن تعهداته في حملتهالرئاسية، بل وإحدى أهم دعامات اقتصادنا الوطني خلال فترة وجيزة من إنشائها، لا يمكن أن يتناولها إعلامي بارز، ويحكم عليها بكل قساوة وجرأة بهذه الطريقة وتحت تأثير الصدمة وميل العاطفة، فإنني أجد نفسي ملزما بتوضيح بعض النقاط حول تلك المؤسسة، وقائد سفينتها الأخ حمود ولد امحمد.
لقد مكنتني فترة أدائي في المسرح الوطني، كآلية نهدف من خلالها آنذاك إلى تغيير السلوك الفاسدفي مجتمعنا وتطوره نحو الأحسن بما يتماشى مع روح العصر وتحديات المرحلة، وأدائي بعد ذلك في الإعلام كوسيلة للرقابة على تصرفات القائمين على الشأن العام الوطني، من امتلاك القدرة على التمييز بين الإيجابي والسلبي في أداء المسؤولين، خصوصا في القطاع العام، حيث أدركت أن أمرنا ينقسمون إلى ثلاث مجموعات تتمثل في ما يلي:
1- مجموعة جامدة، وهي الأغلب من أطرنا، وحسب رأيي فإنها تمثل زهاء 99 بالمائة من الأطر لها نصيب من الإدراك والمعرفة، يمكنها من تسيير ما يسند إليها، دون أن تضيف فيه إضافة نوعية أو أن تحطمه كليا، فهي لا تملك أفكارا خارقة، ولا روحا تدميرية، فتسيِّر الأمور الجارية، دون أن تحدث إضافة بينة أو خسارة بينة، فتبقى المؤسسة أو القطاع على ما كان عليه، رغم الوسائل والظروف.
2- مجموعة هدامة، وهي قليلة جدا بفضل الله، لا يوفقها الله، أو لم يوفقها -حتى لا أحكم على المستقبل- في معرفة أدنى طريقة لتسيير المهام المسندة إليها، بحكم عوامل قد تتعدد بحسب كل حالة، تنهار المؤسسات والقطاعات التي تسند إليها عادة، رغم الإمكانيات والظروف المتاحة.
3- ومجموعة بناءة،تكاد تعد على أصابع الكف الواحدة، منح الله أصحابها من الحكمة والمعرفة والقدرة على الأداء والإيمان بالعمل والوطن، ما يمكنهم من إحداث نقلة نوعية لما يتولون مسؤوليته من قطاعات ومؤسسات، فتراها وهي تتقدم وتنمو وتزدهر.
ولعله من واجبنا-كإعلاميين و كتاب ومراقبين- أن نكون متبصرين ويقظين-بحكم ما يمليه علينا واجبنا الوطني- حتى لا نغمط حق إنسان أو نمنح آخر ما لا يستحق، خدمة لوطننا ووفاء لالتزاماتنا الأخلاقية والمهنية.
ومن هذا المنطلق، أستطيع أن أقدم رؤيتي حول شخص ما من أطرنا البارزين، وما توصلت به من معلومات خلال مسيرته الوظيفية، حتى أبرر حكمي في أنه أحد هذه المجموعة أو تلك، بعيدا عن أي تحيز أو نظرة ضيقة أو موقف مسبق أو عاطفة.
إن علينا -انطلاقا من وازعنا الوطني، أن نحارب المجموعة الفاسدة، ونساعد المجموعة الراكدة، ونتشبث ونثمن دور المجموعة البناءة.
إن هذه المجموعة البناءة على قلة عددها، تظل – في وجهة نظري- المثال الذي ينبغي أن تتعلقنفوسنا يمنحه الفرصة في القطاعات الحيوية حتى نتمكن من الخروج من دوامة الركود التي يعاني منها الكثير من قطاعاتنا ومؤسساتنا، حتى يحدث الإقلاع الحقيقي الذي وعد به فخامة رئيس الجمهورية وتسعى حكومتنا على تحقيقهويطمح شعبناإلى مشاهدته وعيشه.
ولأن دافع تبييني لكل ذلك، يعود إلى توضيح موقفي مما كتبه أخي وصديقي العزيز حبيب الله ولد أحمد فسأقدم رأيي في المؤسسة الوطنية المسماة معادن موريتانيا وفي شخص مديرها العام الأخ حمود ولد امحمد.
نشأت معادن موريتانيا، كفكرة تعهد بها فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، في حملته الرئاسية، كمؤسسة تسعى لتنظيم حقل استخراج واستغلال المعادنفي بلادنا، بما يعرف بالنشاط المعدني الأهلي وشبه الصناعي.
ولأنه من قديم الزمن ظلت رغبات الأفراد تابعة لمصالحهم الخاصة، وبحسب أغلب المفكرين فإن الأفراد يفضلون الحرية والفوضوية، إذا كانت وسيلة لتحقيق أكبر قدر من المنافع الفردية، قبل أن يتم التنازل عنها لصالح العقد الإجتماعي "الدولة" التي تحقق الأمن والاستقرار، مقابل إجراءات مادية ومعنوية يتطلبها، النظام والأمن.. وغيرها من أهداف قيام الدولة.
وطبقا لتلك الرؤية البدائية، والرغبة الجامحة في تحقيق أكبر المكاسب، سواء من خلال عملية الاستخراج، أو ما تقدمه المؤسسة، وخوفا من دفع أي غرامة لخزينة الدولة، أو حتى من أجل المصلحة العمومية للمجموعة العاملة في الميدان، يأتي المطلب بإلغاء المؤسسة، كطلب بدائي وساذج.
غير أننا وبالإلقاء نظر خاطفة على عناوين الأخبار في مواقعنا الوطنية، خلال الفترة القصيرة لقيام مؤسسة معادن موريتانيا، منتصف السنة الماضية 2020، فإننا ندرك حجم ما قامت به تلك المؤسسة من إنجازات، على سبيل المثال:
- معادن موريتانياالشركة باشرت تأطير المنقبين وتقديم حلول لمشاكلهم.
- معادن موريتانيا تنجز منشآت وأشغال هامة بالتعاون مع الهندسة العسكرية
- معادن موريتانيا ترسل آليات تأمين آبار الحفر وإنقاذ الى تيرس زمور
- معادن موريتانيا تطلق عمليات توزيع مياه الشرب بالزويرات
- توقيع اتفاقية تعاون بين معادن موريتانيا والشركة الموريتانية للكهرباء
- شركة معادن موريتانيا تسلم خمسة صهاريج لصالح بلديات ازويرات وافديرك وبئر أم اكرين
- توقيع معاهدة انتداب بين معادن موريتانيا والوكالة الوطنية للبحوث الجيولوجية
- معادن موريتانيا، إرسال آليات وصهريجين إلى مجاهر اخنيفسات وتيجيريت
- 1,3 مليار أوقية لتطوير البنية التحتية للتنقيب عن الذهب
- شركة معادن موريتانيا تعلن إجراءاتها لتجهيز منطقة الشكات أمام المنقبين
- معادن موريتانيا" تطلق حملة لتوزيع معدات لوجستية على المنقبين
إلى غير ذلك من النشاطات، بالإضافة إلى العناوين الإخبارية ذات الأبعاد الإنسانية، مما يوحي بمستوى الجدية والإخلاص المنعكس على مستوى المردودية والانتاج، وإنني لمتأكد منأنه لولا جهود المدير العام، وسهره ورغبته في تحقيق أعلى الانجازات لما تحقق من ذلك أقل القليل.
إن الإطار حمود ولد امحمد، الذي عملت معه في قطاع الثقافة هو من أعلى أطر بلادنا كفاءة وإخلاصا في العمل ووضوحا في الرؤية وإيمانا بالوطن.
ولقد شهد أداؤه في وزارة الثقافة والشباب والرياضة -أواخر عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع- والتلفزة الموريتانية -خلال المرحلة الإنتقالية- بمستوى قدرته الفائقة على تغيير واقع القطاعات من خلال إحداث حركة ديناميكية وتغيير جوهري تام يشمل المظاهر الشكلية والمحتويات الجوهرية في أي قطاع يتولى مسؤولية، بل إن عمله الكبير في السلطة العليا للسمعيات البصرية، والتي ظلت شتاتا قبل أن بلم شملها، ويجعل منها هيئة قائمة لأداء عملها وتحقيق أهدافها، ولعل الشهود في كل تلك القطاعات مازالوا قائمين ويشهدون بكل تلك الانجازات والتحسينات التي لم يسبقه إليها أحد من كافة من تعاقبوا على تلك القطاعات قبل ذلك، بل شهد أغلبها تدهورا كبيرا بعد مغادرته له.
فهل علينا أن نسيه إلى من أحسن إلى الوطن، أم عليناأن نقوم بإنصافه، حتى لا ينتهي الزمن ونحن ندور في نفس النقطة على حد تعبير "محلك سر.
ععبد الباقي ولد محمد