يحتل الأمن الصدارة في السياسات العمومية، ويشكل أساسها والغرض منها.
ومنذ بعض الوقت وخاصة في المناطق الحضرية ، يعبر المواطنون عن شعورهم بعدم الأمان على أنفسهم وممتلكاتهم رغم انتهاج نظام صارم للأمن تشارك فيه مختلف القوى الأمنية.
واستجابة لما يبديه المواطنون من انشغال، أصدر فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، تعليماته للحكومة بوضع استراتيجية أمنية مناسبة وديناميكية وفعالة وخطة محكمة.
وتنفيذا لهذه التعليمات تم وضع خطة تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف من بينها:
- طمأنة المواطن وتوفير الأمن له ولممتلكاته من خلال تدابير الطوارئ ذات الأثر الفوري والملموس والقابل للقياس ؛
- إنشاء إطار مؤسسي شامل على جميع المستويات الإقليمية ؛
- ضمان التنسيق المنسجم والتوجه نحو تجميع فعال للموارد ؛
- تصميم نظام لجمع البيانات ومعالجتها وتحليلها كأداة لصنع القرار والتقييم باستمرار ؛
- نشر القوات اللازمة لتحسين العمليات ؛
- استخدام تقنيات المراقبة والتحكم الجديدة لتحقيق أقصى استفادة من الفرص التي تتيحها ؛
- التركيز على المعلومات الاستخبارية ؛
- تعزيز عدد قوات الأمن من خلال الاكتتاب
- وضع إستراتيجية وطنية شاملة ومتكاملة، على المدى القصير والمتوسط ، لتوفير الأمن؛
وبعد المناقشات والعمل التعاوني بين جميع الهيئات الأمنية المشاركة في العملية تم تقسيم العمل إلى مرحلتين زمنيتين هي:
1. اتخاذ تدابير طارئة
2. تحديد عناصر إستراتيجية متكاملة،
ومع ذلك ، يجب التذكير أن انعدام الأمن ظاهرة عالمية تؤثر على جميع البلدان، كبيرة كانت أم صغيرة ، غنية أم فقيرة ، لأنها مرتبطة ارتباطًا جوهريًا بالتوسع الحضري والتطور،حيث يتفق جميع الباحثين والمختصين في المجال على أن انعدام الأمن في جميع أنحاء العالم سيكون متعدد الأوجه بشكل متزايد وأكثر تعقيدًا في إدارته.
بعض النقاط المرجعية المفيدة
وقبل وضع الحالة الموريتانية في سياقها الطبيعي يبدو لي من المناسب الإشارة للملاحظات والحقائق والأرقام التالية:
• تظهر الدراسات القديمة أنه ليس حجم التجمعات الحضرية هو الذي يوفر البيئة الملائمة لانتشار الجريمة بل التخطيط والتطوير والتمدن العشوائي الذي يكون غالبا محفوفا بالمخاطر.
• إن الطبيعة الحضرية للقتل ، على سبيل المثال ، واضحة خاصة في أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي وجزء كبير من إفريقيا.
فالمدن التي يزيد عدد سكانها على 50000 نسمة ، تسجل في الواقع ، عددًا غير متناسب من جرائم القتل في بعض بلدان أمريكا الوسطى. (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ، 2014) إذ تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من سكان المدن في البلدان النامية والبلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية قد وقعوا ضحايا خلال فترة خمس سنوات ، وبلغت معدلات الجريمة 70 ٪ في بعض المناطق.
• في جميع أنحاء العالم ، هناك أدلة على أن معظم الجناة ، سواء بالنسبة للجريمة المنظمة أو عصابات أو جنوح حضري، هم من الشباب.
وعلى الصعيد العالمي ، فحوالي 70 ٪ من ضحايا جرائم القتل هم من الرجال ، ومعظمهم من الشباب في الفئة العمرية 15-25 سنة ؛
• تشير نتائج مبادرة المدن الآمنة الدولية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن التحرش الجنسي وأشكال العنف الجنسي الأخرى في الأماكن العامة هي أمر يحدث يوميًا للنساء والفتيات في جميع أنحاء العالم في كل من المناطق الحضرية والريفية، وفي كل من البلدان المتقدمة والنامية. مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (2011) ؛
• تشمل أعمال القتل العنيف حول العالم استخدام الأسلحة النارية، فهذه الأسلحة تقتل 200000 شخص كل عام. ويحدث معظم القتل بالسلاح في المناطق الحضرية؛ حيث يعيش أكثر من ثلثي ضحايا هذا النوع من العنف في بلدان غير متأثرة بالنزاع المسلح؛
• تدرك الدول في جميع أنحاء العالم أهمية التعاون والشراكة مع المنظمات المجتمعية والمنظمات غير الحكومية والمهنيين والأفراد لتحسين السلامة والأمن خاصة على المستوى المحلي. وقد بدأت الدول عمليات التخطيط الحضري التشاركي التي تعتمد على مساهمة الأفراد في تحسين سلامة المساحات الخضراء وشوارع المدينة؛
• ولأهمية التهديد الإرهابي بطابعه المزدوج غير المتكافئ والمتجدد الذي يتطلب تصميم وتنفيذ إطار ملائم لإدارته وفق أسلوب استراتيجي واستجابة منظمة للرد على المشاكل التي يطرحها الجنوح والإجرام، قامت السلطات العمومية بتنفيذ تدابير طارئة على مستوى التشغيل والاتصال:
كل منهما مصحوبة بإجراءات يتم اتخاذها على الفور.
• ويشمل التشغيل مستويات مختلفة من التدابير ، ولا سيما الإطار التنظيمي مع إنشاء أطر جديدة مثل مركز للعمليات المشتركة (CO) ، الذي تشارك فيه جميع الفرق المعنية بمكافحة الجريمة ، ومركز للمراقبة عن بعد للمحاور والأماكن العامة قيد التشغيل من طرف الإدارة العامة للأمن الوطني واتخاذ سلسلة من التدابير لتعزيز آليات المنع والمراقبة والقمع وتجسد مستوى الاتصال من خلال اعتماد خطة لتعزيز الشعور بالأمن والطمأنينة لدى المواطنين، و أدت هذه الإجراءات إلى تحسين الوضع الأمني بشكل ملحوظ.
وعليه فإذا أخذنا عام 2017 كأساس مرجعي، فإن جميع الجرائم المسجلة في جميع أنحاء التراب الوطني قد انخفضت من 11149 حالة في ذلك التاريخ إلى 3748 حالة في عام 2020 ، أي بانخفاض قدره 66.4٪.،كما تراجعت حالات السرقة بأنواعها بين هذين التاريخين من 10748 حالة إلى 3662 حالة ، أي بانخفاض قدره 66 ٪.
- انخفض عدد حالات الاغتصاب من 341 حالة إلى 58 حالة بانخفاض
قدره 83 ٪.
إن التطورالتكنولوجي قد أدى إلى خلق أشكال جديدة من الاتصال أحدثت انقساما مزدوجا بين الأجيال والأقاليم. على الرغم من أنه يوفر إمكانيات أكبر للوقاية ، إلا أنه يولد أنواعًا جديدة من الجنوح.
وفيما يتعلق بجرائم القتل ، فقد انخفض عددها من 60 حالة عام 2017 إلى 28 حالة عام 2020 ، أي بانخفاض قدره 53.3 ٪. تُظهر هذه البيانات بوضوح أن الوضع تحت السيطرة وأنه يتحسن باستمرار ، وهذا يؤكد أننا بعيدين كل البعد عن مواجهة أزمة أمنية كما يحاول البعض تسويقها.
وعلى كل حال ومهما كانت الأوضاع فعلينا أن نواجه الحقائق إذ علينا أن ندرك حقيقة أساسية هي أننا نعيش كما في العالم من حولنا تحولات على المستوى الأمني إذ أصبحت الدول والمواطنون مهددون كما أصبح الأمن قضية سياسية لها الأسبقية على التنمية لأنها هي المحرك لهذه الأخيرة.
كما لم يعد الأمن حكرا على القوات المسلحة وقوات الأمن بل اقترن بالسياسات والحفاظ على حقوق الإنسان.
فالأمن إذا، وقبل كل شيء عمل جماعي يلعب فيه كل واحد من موقعه دورا لا غنى عنه وأصبحت التكنولوجيا عنصر حاسما في تحقيقه خاصة فيما يتعلق بتصميم السياسات الأمنية وتنفيذها.
وعلى أساس هذه المبادئ تعمل السلطات الموريتانية على وضع اللمسات الأخيرة على إستراتيجية متكاملة لمكافحة الجريمة والانحراف في المناطق الحضرية، وهذه الاستراتيجية تتطلب بالضرورة إنشاء إطار عالمي للتماسك ودمج الاستجابات الملائمة والفعالة لمشكلة متعددة الأبعاد، و مبنية على ركائز منها الدعامة المؤسسية وتتضمن إنشاء إطار تعاوني بين مختلف الهيئات المسؤولة عن الأمن الحضري كإطار مؤسسي للتبادل والتنظيم قادر على توفير الحماية الكاملة للسكان، وجمع المعلومات الضرورية، ومركزيتها، ومعالجتها.
محمد سالم ولد مرزوك
وزير الداخلية