..هناك أمر أود ذكره في شأن الملف وبراءة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فالجهة المتهِمة هي التي عليها البحث عن بينة كما قلت لك، وليس على المتهم البحث عن دليل لبراءته، لأن الأصل أن "المتهم بريء ما لم تثبت إدانته" وثمة ما يعرف بقرينة البراءة، وهذه تولد مع الشخص ويظل مصطحبا لها إلى أن توجد بينة محققة ثابتة تقتضي إلغاءها، ولا يلغيها إلا القضاء العادل المسبب.
هل تعلمون أن هذا الاتهام الموجه إلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز يخلو من أمرين أساسيين:- يخلو من وجود اختلاس؛ فلا توجد وزارة ولا شركة ولا هيئة للدولة اختفى منها نقير. وتقارير محكمة الحسابات موجودة، والبرلمان صادَق على كل الحسابات. إذن لا يوجد اختلاس إطلاقا.- ثانيا لا توجد أية تهمة بتلقي رشوة. غير متهم برشوة وغير متهم باختلاس؛ لكن له تهمة كبيرة هي التي وجهت إليه.. ما هي؟ هناك 30 مليارا (حسب شطحات النيابة، وقد تحدثت عنها فوق) من أين نالها؟ تعالوا نطبق مبدأ "من أين لك هذا" على الموريتانيين الذين يتولون الشأن العام. لماذا باؤه تجر وباؤهم لا تجر؟! لماذا يسأل ولد عبد العزيز: من أين لك هذا ولا يسأل الآخرون. ولد عبد العزيز كان لديه المال، وهو لا يكتم هذا؛ بل قاله، لكنه لم يأت من اختلاس ولا من رشوة، وكثير منه كان لديه قبل أن يصير رئيسا. وليس وحده في ذلك.
المنصة: في التقرير الذي أعدته محكمة الحسابات أن ولد عبد العزيز معه متهمون. هل طالبتم باعتقال أحد من هؤلاء المتهمين، أم ترون الأمر استهدافا لولد عبد العزيز؟
ذ. إشدو: التقرير الذي تتحدثون عنه لا وجود له في الملف! وحتى تقرير اللجنة البرلمانية -على علاته وعلاتها- لا يوجد في الملف هو الآخر ولم يتهم أحدا؛ فالنيابة هي من لفق التهم للرئيس أولا وللآخرين.
وردا على سؤالكم: هل طالبتم باعتقال أحد من هؤلاء.. أقول: معاذ الله، معاذ الله. نحن محامون ولا نطالب باعتقال أحد، وإن كان قد أصبح فينا فعلا من يحلون محل النيابة ويطالبون بمثل هذا، لكنني لست منهم. وأود أن تفكر معي فيما سأقوله لك: أنا شخصيا مقتنع ببراءة هذه الجماعة، وبأنها مستهدفة سياسيا. لأنها كانت تقود البلاد خلال العشرية، وساست العشرية، وبنت ما بنت للشعب الموريتاني، وقدمت موريتانيا في طريق مخالف لما كانت عليه ومخالف لما يريد بعض الناس أن تكون عليه؛ وبالتالي يجب استهدافهم والقضاء عليهم، لأنهم يشكلون خطرا على النكوص الذي يفكر فيه ويعمل من أجله بعض الناس.ولد عبد العزيز لم يكن معنيا بالتسيير وإذا كان هنالك مسيرون، ووجد اختلاس أو رشوة، فهم الفاعل الأصلي، وبإمكان من يستهدف الرئيس محمد ولد عبد العزيز ويتجنى عليه أن يعتبره شريكا! ولكن كيف يستهدف الشريك المحتمل ويسجن، ويفعل به كل ما فعل، ويترك الفاعل الأصلي سدى؟ هل هذا سليم أم لا؟ يقال إنه إذا كان المتكلم أحمق يكون السامع عاقلا. وقطعا أن من استهدف من أول يوم هو، وهو من سجن لدى إدارة الأمن وأمضى هناك قرابة 10 أيام ولم يتعرض غيره لهذا. ما معنى هذا؟ معناه أن المستهدف هو بالذات، لأسباب سياسية معروفة.
السياسة في غياب القانون
ثمة أمر يقال لي أحيانا: أنتم تدافعون عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالسياسة وكأنكم ملكي أكثر من الملك، ولا تدافعون عنه بالقانون أو الوقائع. ولعلكم أنتم أشرتم إلى شيء من ذلك.
أود القول إن هذا لا يقوله إلا غافل أو متجاهل؛ فالدستور هو الوثيقة الأساسية والعروة الوثقى للأمة وميثاقها.. فإذا خُرق الدستور بتشكيل لجنة برلمانية لا أساس لها من الصحة، وخُرقت مادته 93 التي تمنح الرئيس حصانة من المساءلة، وكل الاتهامات التي وجهت إليه كانت حول ممارسته لسلطاته. إذا خُرق كل هذا وخرقت القوانين المتعلقة بالمراقبة القضائية. فالمراقبة القضائية إجراء سنه المشرع لضمان حضور متهم غير معلوم المكان ولا يوجد ما يضمن حضوره إلى العدالة! ألا توجد وسيلة لضمان حضور الرئيس محمد ولد عبد العزيز وكوكبة من بُناة موريتانيا إلى العدالة سوى وضعهم تحت المراقبة القضائية وكأنهم مجهولون لا أصل لهم ولا فرع؟!
أليس هذا هو الاستهداف بعينه، والاستفزاز بعينه، واحتقار ما وراءه احتقار؟ ثم جاء الحبس الاحتياطي..
هل يحبس احتياطيا إلا من تتوفر فيه ثلاثة شروط لا يوجد أي منها في الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولو توفر فيه واحد منها لكان الحبس الاحتياطي أول طلب يقدم في حقه. ما معنى أن يكون القانون معدوما؟ معناه أن التهمة سياسية.
معناه أننا في نزاع عضلي. كيف ندافع بالقانون في غياب القانون؟! هل من التوازن أن تدعو طرفين إلى المبارزة فتسلح أحدهما وتترك الآخر أعزل؟! إذن فنحن حين انتزع منا سيف القانون ولم تعد للقانون جدوى فمن الطبيعي أن يكون دفاعنا سياسيا ونبين أن التهمة سياسية وأن لا أساس لها من الصحة من خلال الوقائع، فلا توجد وقائع، وإنما هو اتهام سياسي هدفه إسكات هذا الرجل وتحييده.
المنصة: سبق أن أشرتم إلى هذا بالقول إن الناس انتبهوا إلى أن دفاعكم سياسي أكثر مما هو قانوني يعتمد على الوقائع.
ذ. إشدو: أين الوقائع؟ ليأتونا بوقائع.
المنصة: تقدمها الجهة التي اتهمته.
ذ. إشدو: الجهة التي اتهمته لم تقدم وقائع! وإنما جاءت باتهامات تصنع في الشارع وفي المواقع، وعن طريق فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تجسدها غدا قانونيا وقضائيا.
المنصة: حتى لو طبق مبدأ "من أين لك هذا" هل ترون أنه سيكون بريئا؟
ذ. إشدو: بالتأكيد.. أولا يجب أن يطبق هذا المبدأ على الجميع، ثانية لا مصداقية لاستهدافه هو بمفرده. سأحدثك بقصة سبق أن وقعت.
روى أحد قادة التحرير الفلسطيني قصة مفادها أن شخصا يتعلم السياقة سأله معلمه وهو يمتحنه: لو سرت مع منحدر فإذا بشخص أو سيارة أمامك، ما ذا تفعل؟ قال: أضغط على الفرامل. قال: ضغطت فإذا الفرامل لا تعمل. قال: ألجأ إلى فرملة المحرك. قال: فعلت فإذا هي لا تجدي. قال: أدير المقود لتجنب الاصطدام. قال: فعلت فإذا المقود لم يعد مرتبطا بالعجلات.. فماذا تفعل؟ قال التلميذ: أسوق من دون رخصة! لقد سددت عليَّ الأبواب كلها!نحن أيضا سدت علينا الأبواب كلها.
أعطيك مثالا محاكمة وادي الناقة؛ قوم قاموا بانقلاب، وقبض عليهم وأصابعهم على الزناد. قلت في مرافعتي آنذاك (ونقلت كلامي إذاعة فرنسا الدولية) وكنا نقوم بما نسميه الدفاع المنبَتّ! وهو دفاع سياسي حكمه وقاضيه الرأي العام وليس القاضي: "إن ما قام به المتهمون عمل غير شرعي ومخالف للقانون بالتأكيد! ولكنه مشروع بسبب استشراء الفساد وانسداد الآفاق في وجوههم ووجوه شعبهم، وما تعانيه البلاد من ضياع! فلم يبق أمامهم سوى ما قاموا به.نحن أيضا عندما تسد أمامنا أبواب العدالة والإنصاف، ويداس ويعطل القانون، لن نبقى مكتوفي الأيدي؛ بل سندافع بالسياسة، ونلجأ إلى الرأي العام! ونتبع خطة الدفاع المنبت والمتهِم (بكسر الهاء)! لقد فعل ذلك من قبل الزعيم العمالي ديميتروف في أوروبا الشرقية، وزولا في فرنسا في قضية دريفيس، وجاك فرجس في الجزائر! جاك فرجس زارنا في انواكشوط واشترك في محاكمات عديدة فيها.كان سيف القانون الفرنسي مصلتا على رقاب المقاومة الجزائرية التي تسعى إلى تحرير وطنها من الاستعمار. كان كل ما يقوم به المقاتلون الجزائريون يحظره ويعاقبه القانون الفرنسي، فجاء فرجس يمتشق إستراتيجية الدفاع المنبت ويقول للفرنسيين: أنتم كقوة احتلال تكرسون وتسخّرون قانونكم ومحاكمكم لحمايتكم وإبقاء احتلالكم، ولا تعبؤون بالعدل والحق والإنصاف. أما هؤلاء الجزائريون فمن حقهم الدفاع عن أرضهم وعرضهم، وتحرير وطنهم من الاستعمار، وهم غير معنيين بالقوانين الفرنسية أصلا!نحن أيضا سدت أمامنا أبواب القانون والمحاكم، ولم يبق لنا إلا الاحتكام إلى الرأي العام، واستراتيجية الدفاع المنبت!
نقلا عن موقع ذ ولد الشدو