لا شك ان الحرية سمة انسانية تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات وهي تشمل الحريات المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية لأن الحرية لا تتجزأ
وقد انقسم العالم في إطار تحديد معنى الحرية الى مذاهب عدة اهمها
المذهب الليبرالي الرأسمالي الذي نظر إلى الحرية من جانبها المعنوي والفردي انطلاقا من شعاره دعه يعمل دعه يمر...فكان يعرف في الأدبيات السياسية بالمذهب الفردي الذي انطلق من الفرد اساسا وركز على حرية التعبير والتجمع والتظاهر والتملك والتجارة والتنظيم السياسي
ويعاب على هذا المذهب انه اهدر المصلحة العامة في سبيل الفرد وانه اقر حريات شكلية بلامضامين فعلية وبلا آليات مادية لتطبيقها على ارض الواقع وحمايتها من العبث بها
وانه فرق بين الإنسان في بعده المادي والمعنوي فحرية التعبير والتظاهر لا تغني عن الحاجة للسكن والصحة والتعليم والعمل ؟؟!!
المذهب الآخر هو المذهب الإشتراكي الذي نظر بدوره للحرية من زاوية واحدة هي الزاوية المادية الإقتصادية انطلاقا من شعاره المعروف ...من كل حسب جهده ولكل حسب حاجته . فاعتبر الحرية تكمن اساسا في توفير الحد الأدنى من الصحة والتعليم والسكن والشغل مقابل حرمان كلي من جميع الحريات المعنوية التي اعتبرها مجرد مظهر وافراز من افرازات الصراع الطبقي في الدولة الرأسمالية ؟!
وبما ان الدولة الإشتراكية لا طبقية فيها فإنها ليست بحاجة لجميع الحريات المعنوية كالتعبير والتظاهر والتجارة والتملك الخ
وبذالك اهمل المذهب الإشتراكي ايضا الجانب المعنوي في الإنسان وسحق ماهية الإنسان في دلاب الجماعة الشيوعية التي تقيم دولة طبقة العمال
والحقيقة ان الإنسان يتكون من جانب روحي معنوي له حاجات معنوية تتطلب اشباعا معنويا لا ماديا
وجانب مادي له حاجات مادية تتطلب اشباعا ماديا لا معنويا ؟
ومن العبث تصور وجود حرية تفصل جانب الإنسان المعنوي عن جانبه المادي او كينونة الإنسان الفرد عن المجتمع الذي يعيش وسطه او يفصل الدنيا عن الآخرة
وهذا الخلل هو ماعالجه الإسلام عبر منهجه المتميز الذي هو نظاما وسطا بين الرأسمالية والإشتراكية فأقر المكلية الخاصة بشروط ومعايير موضوعية اهمها ؟
اعتبار المالك الحقيقي للمال هو الله اما الإنسان فهو مجرد مستخلف والمستخلف يجب ان يتصرف وفق ارادة من استخلفه
الشرط الآخر هو تقديم المصلحة العامة على الخاصة دون الإضرار بالخواص
الشرط الثالث هو مراعات الحقوق الإجتماعية في المال وطهارة اصل المال
قال تعالى.. يسألونك ماذاينفقون قل العفو....
والعفو عند جميع المفسرين هو مازاد عن حاجتك ..وجاء في الحديث...إن الأشعريين كانوا اذا ارملوا في الغزو اوقل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم بالسوية فهم مني وانا منهم....اوكما قال صل الله عليه وسلم وبذالك سد الإسلام الباب امام تغول الرأسمالية الوحشية وامام قمع الشيوعية الإلحادية التي تمنع الملكية الخاصة من حيث المبدأ؟!!!!
وانطلاقا من هذه النصوص جاء المذهب الإقتصادي لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه وخطط المقريزي وكتابات سيد قطب وجمال عبد الناصر والنظرية العالمية الثالثة لمعمر القذافي وكل الكتاب والمفكرين العرب الذين كانت أطرو حاتهم وسطا بين الإشتراكية المطلقة والرأس مالية المطلقة فهي تقر الملكية الخاصة من حيث المبدأ ولكنها تقيدها بشروط وضوابط اهمها تقديم المصلحة العامة على الخاصة وحق الدولة والمجتمع في نزع الملكية الخاصة إذا اقتضت ذالك المصلحة العامة ؟؟
وفي الجانب الإجتماعي نص الإسلام على وحدة الأصل الإنساني وجعل معيار التفاضل هو التقوى والعمل الصةلح...
قال تعالى... يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم ..
فأقرت الآية التعدد القومي في إطا ر الدائرة الإسلامية الواسعة ؟!!
يدل على ذالك اللفظ.. شعوبا وقبائل....
وفي في الحديث ...كلكم لآدم وءادم من تراب الا لا فضل لعربي على اعجمي إلا بالتقوى... اوكما قال صل الله عليه وسلم وبذالك تحققت الحرية الإجتماعية والمساواة الإنسانية في المنهج الإسلامي .!!!
ولعل هذ المدخل قد ذهب بنا بعيدا عن عنواننا وهو الفرق بين الحرية الموضوعية والحرية الشعبوية ؟
واعتقد ان الحرية الموضوعية هي حق ممارسة الخيار الواعي في ظل القانو ودون الإضرار بالغير ..؟
وانطلاق الشخص من مبدأ ان حريته تتوقف عند ما تصل إلى حريات الآخرين وانها لا بد ان تكون مقيدة بضوابط دينية واخلاقية وقانونية واجتماعيةولا تهدد المصلحة العامة بشكل من الأشكال ؟؟
اما الحرية الشعبوية فهي الحرية المتفلتة من جميع القيم والأخلاق والمعايير الموضوعية والإعتبارات الإجتماعية والمصلحة العامة ولا تخضع إلا لمزاج الشخص وما يثير عواطف وتعاطف العوام؟!!!
وهذه ليست حرية وانما هي بهائمية وفوضوية مخالفة للفطرة الطبيعية وسنة الله في خلقه ومنطق التاريخ والحضارة !!
سيدي الخير ولد الناتي