يقول المؤرخون إن أقدم "تقويم" معروف هو ذلك الذي تم اكتشافه في الجنوب المصري، والذي يعود تاريخه إلى حوالي 5000 سنة قبل الميلاد.
لقد اعتمدت التقويمات الرئيسية -الهجري (القمري) والميلادي (الشمسي) والصيني (الشمسي-القمري)- على الفصول والمؤشرات الضوئية لدوران الأرض حول محورها ودوران القمر حول الأرض ودوران الأرض حول الشمس، لتحديد اليوم والشهر والسنة، رغم أن اكتشاف التفاصيل الفلكية لهذه الظواهر جاء متأخرا نسبيا.
١- التقويم الهجري
من الملاحظ أن التقويم الهجري بأسماء محلية للأشهر، والقديم قدم الذاكرة الجمعية لبلادنا، بدأ يختفي تدريجيا، خاصة بين سكان المدن الحديثة، رغم الدقة الدلالية لهذه الأسماء : "عشور"، "اتبيع"، "المولود"، "البيظ الثلاثه"، "الاگصار الاثنين"، "رمضان"، "الافطار الاثنين"، "العيد".
وبتطابق هذا التقويم المحلي مع التقويم الهجري بأشهره المعروفة: محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الثاني، جمادى الأولى، جمادى الثانية، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة.
ورغم فصاحة الأسماء المحلية للأشهر ورمزيتها الإسلامية الجلية، إلا أنها لا تتقاطع مع أسماء أشهر التقويم الهجري إلا في الشهر التاسع، رمضان المبارك. ولعل ذلك يعود إلى فضله كشهر النزول ولكونه الوحيد الذي ورد اسمه في القرآن العظيم ؛ لقد كانت الأسماء العربية لأشهر التقويم الهجري الحالي متداولة قبل الإسلام.
من الطبيعي أن نتساءل عن دلالة التسمية المحلية لشهر "صفر"("اتبيع") ؛ هل لها علاقة بالبيع أو تجارة القوافل مثلا، علما بأن "صفر" نفسها قريبة من "سفر"؟... وهل للمسميين "البيظ الثلاثه" و"الاگصار الاثنين" علاقة بالطول النسبي بين الليل والنهار من اليوم الواحد خلال السنة، كأن يعني "البياض" نهارا أطول من الليل و"القِصر" ليلا أطول من النهار؟ وما مغزى ثلاثية "الابيظ"، علما بأن الأسماء الفصيحة للأشهر الهجرية جاءت فردية باستثناء شهرين ثنائين (ربيع وجمادى)؟ ولماذا لم يتم تاريخيا تبني الأسماء الأصلية لأشهر التقويم الهجري في بلادنا، على غرار ما حصل بالنسبة لأيام الأسبوع والسنة؟ أعتقد أنه بإمكان أهل الاختصاص إيجاد إجابات منطقية ومقنعة على هذه التساؤلات، كما أنه بوسعنا جميعا التفكير في الموضوع...
٢- التقويم الميلادي
أما التقويم الميلادي الذي يعود آخر ضبط له إلى 1582 (الگريگوري)، فلأشهره أسماء فصحى قديمة : كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان، أيار، حزيران، تموز، آب، أيلول، تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون الأول ؛ ومن المفارقة أن يبدأ هذا التقويم بكانون "الثاني"، ولعل السبب يعود إلى تعديلات قديمة خضع لها هذا التقويم. لقد دأب الناس في حيزنا الجغرافي، منذ وقت ليس بالقصير، على استعمال الأسماء اللاتينية لهذه الأشهر : يناير، فبراير، مارس، ابريل، مايه، يونيه، يوليه، أغشت، شتنبر، اكتوبر، نوفنبر، دجنبر .
لقد حيرتني مبكرا "المطالع" -بما فيها "مطالع المَ والبرد والحر"- وأشكالها الحيوانية العجيبة والملهمة، كما حيرني "فارق الحسبتين" (13 يوما) وأسماء الأشهر السالفة وعلاقتها الغامضة بالأشهر الهجرية بأسمائها المحلية ... ولا زلت أتساءل اليوم :لم اعتُمدت في بيئتنا الثقافية الأسماءُ اللاتينية لأشهر التقويم الميلادي، رغم وجود أسماء فصيحة وقديمة ومتداولة لها؟ ثم لماذا لم يتم إيجاد أسماء محلية لهذه الأشهر، على غرار ما حصل بالنسبة للأشهر الهجرية، علما بأن سكان هذه الأرض اكتسبوا المعارف الفلكية الكافية لهذا الغرض، وذلك منذ بعض الوقت؟...
بخصوص التساؤل الأخير، ففي بعض مناطق الوطن ولأسباب مناخية في الغالب أو تفاؤلا، استحدث الناس مرادفات لأسماء الأشهر الميلادية : مارس-فالش ؛ مايه-النضح ؛ يوليه-الخيره... إلا أن هذه المرادفات بقيت لصيقة بالأسماء اللاتينية، ولم يتطور الأمر إلى مرحلة الاستغناء عن هذه الأخيرة.
٣- حول الفصول
في منطقة "الحوظ"، قبل نصف قرن من الآن، كانت هناك ثلاثة فصول رئيسية (طول كل واحد منها حوالي ثلاثة أشهر) : "الصيف" (حار وجاف)، "الخريف" (ممطر وحار نسبيا)، "اشته" (بارد وجاف عادة) ؛ كما كانت هناك ثلاثة فصول أخرى "فاصلة" (حوالي شهر لكل واحد) بين هذه الفصول الرئيسية، وهي على التوالي : "النيسان"، "ألاوه" و"تيفسكي". لقد ساهم، في الماضي، انتظام هذه الفصول في ضبط التقويمين المعروفين تاريخيا في البلاد. إلا أن الاحتباس الحراري الناتج عن الاستهلاك المفرط لمصادر الطاقة الأحفورية في الدول الصناعية، أربك المناخ، خاصة في منطقة الساحل. فتقلص فصل "الخريف" تدريجيا بحوالي شهر ونصف لصالح فصل "الصيف" الذي ازداد حرارة معدلا، واختفى فصل "اشته" تقريبا فتحول إلى "تيفسكي" بشهر إضافي. فهل ستحذو الثقافة حذو المناخ، فتعيد صياغة فصول السنة ومسمياتها، طبقا لما تمليه المعطيات الطقسية السائدة اليوم، أم أن للثقافة وتيرة بطيئة إلى حد يجعلها شبه-مستقلة بالنسبة للظواهر الطبيعية التي أفرزتها تاريخيا؟
٤- زخة حساب
نظرا إلى أن الشهر الهجري يستغرق ما بين 29 و 30 يوما، أي 29,5 يوما معدلا، نستنتج أن عدد أيام السنة الهجرية هو (تقريبا) 29,5*12=354 يوما. وبما أن عدد أيام السنة الميلادية يساوي 365 يوما، الشيء الذي يعني أن النسبة بين "السنتين" هي: 354/365=1,031. اعتمادا على ما سبق، ونظرا إلى أن تاريخ الهجرة النبوية الشريفة هو 622، يمكن حساب السنة الميلادية (م) انطلاقا من السنة الهجرية (ه) على النحو "المستقيم" التالي:
م=(ه \1,031)+622.
فمثلا إذا اعتبرنا السنة الهجرية الحالية ه=1443، فتقابلها السنة الميلادية :
م=(1443 \1,03)+622=2021,61 ؛ وباختيار العدد الطبيعي الأقرب إلى هذا العدد العشري، نحصل على 2022!
عيدا سعيدا (بأثر رجعي).
د. إسلكو أحمد إزيد بيه