أثار مقطع فيديو جرى تداوله بشَكلٍ واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ويحتوي على جُثّة مُتحلّلة في وسط الصّحراء قِيل “كذبًا” إنها تعود للعقيد الراحل معمر القذافي حالة جدل غير مسبوقة حول عمليّات التّضليل التي انتشرت في بدايات “الثّورة الليبيّة” وشرعيّة ووطنيّة أهدافها أوّلًا، والحِكمة من وراء دفن جثامين بعض الزّعماء والشخصيّات الإسلاميّة والعربيّة في البحر (أسامة بن لادن)، وفي قُبورٍ مجهولة في الصّحارى (العقيد معمر القذافي ووزير دفاعه أبو بكر يونس ونجله المعتصم) في وسط الصحراء ثانيًا، أو خطفها (الجثامين) إلى أماكنٍ غير معروفة ربّما في الولايات المتحدة الأمريكيّة مثلما حصل مع جُثمان أبو بكر البغدادي رئيس تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) الذي قيل إنه قُتِل على يد خليّة تابعة للجيش الأمريكي اقتحمت منزله بالقُرب من مدينة إدلب السوريّة، ولم يتم حتى الآن معرفة ماذا حصل لجُثّته وبعض أفراد أُسرته وحرّاسه الذين قُتلوا في الغارة نفسها.
إذا كانت الحكمة من دفن جُثمان العقيد القذافي في بداية “الثورة” وقبلها عرضه في ثلاجة فواكه بطريقةٍ “غير إنسانيّة” كنوعٍ من الشّماتة، وإظهار النّزعة الانتقاميّة في أبشعِ صُورها، هو تحطيم مُعنويّات أنصاره وتعزيز معنويّات خُصومه الذين كانوا يعملون لتنفيذ مُخطّط ثَبُتَ أنّه أمريكي لإطاحة حُكمه ودفعهم لمُواصلتهم “الثّورة” بالتّالي، فَمِنَ المُفترض أن هذه الثّورة انتصرت، وأزالت نظام العقيد القذافي من الحُكم، ولهذا فإنّ السُّؤال الذي يبحث عن إجابةٍ هو عن استِمرار حالة الغُموض حول مكان قبره رُغم مُرور 11 عامًا على الأقل.
الذّريعة التي يتبجّح بها من دَفنوا بن لادن في البحر، والعقيد القذافي في قلب الصّحراء، هو عدم تحوّل قُبورهم إلى مزاراتٍ لأتباعهم، وهي ذريعةٌ تبيّن كذبها، فتنظيم “القاعدة” في صُورته الأصليّة تشرذم وتفكّك ولم يَعُد يُشَكِّل أيّ خُطورة على الولايات المتحدة مثلما كان عليه الحال قبل عشرين أو ثلاثين عامًا، كما أن وجود ضريح معروف للعقيد القذافي لم ولن يُشَكِّل أيّ خطرٍ على لبيبا بالمُقارنة مع الأخطار التي تُهَدِّد “الثّورة الليبيّة” هذه الأيّام والنّاجمة عن حالةِ الفوضى والصِّدامات الدمويّة بين ميليشيّات الثورة المُتنافسة على السّلطة في ليبيا طِوال الـ11 عامًا من عُمر “الثّورة” وإطاحة نظام القذافي.
العقيد معمر القذافي وُلِدَ مُسلِمًا وماتَ مُسلِمًا، اختلف معه البعض أو اتّفق، ولهذا من حقّ أُسرته وأنصاره أن يعرفوا مكان جُثمانه، وإعادة دفن رُفاته وفق تعاليم الشّريعة الإسلاميّة، خاصَّةً أن المذهب المالكي هو المذهب الغالب في ليبيا، ولا يُحَرِّم زيارة الموتى وقراءة الفاتحة على أرواحهم، فإذا كان إرثه السّياسي سَيِّئًا وديكتاتوريًّا في نظر خُصومه الذين يتربّعون على عرش ليبيا هذه الأيّام، فإن الحقائق على الأرض تُؤكِّد أنهم أكثر سُوءًا ودمويّة وديكتاتوريّة منه، وتسبّبوا في قتل عشرات الآلاف من أبناء ليبيا العُزّل الأبرياء سواءً بصواريخ طائرات حِلف “النّاتو” التي استعانوا بها لإطاحة حُكمه، أو برصاص بنادق خِلافاتهم وتنافسهم على الحُكم فيما بينهم، علاوةً على سرقتهم مِئات المِليارات من أرصدة الشّعب الليبي، وعوائد ثرواتهم النفطيّة، وكُل ما نقوله مُثْبَتٌ بالوثائق.
خِتامًا نقول لماذا تعمّدت أمريكا بثّ إعدام الرئيس العِراقي صدام حسين في فيديو جرى بثّه وتوزيعه على نطاقٍ واسع، والسّماح بدفنه في مسقط رأسه، وفعلت العكس تمامًا فيما يتعلّق بجُثمان العقيد القذافي؟ ونأمل أن نسمع ردًّا مُقنِعًا من أمريكا، زعيمة العالم الحُر ومنظومة قيم العدالة والمُساواة وحُقوق الإنسان التي تُروّج لها وتعمل على تسويقها في بُلداننا والعالم الثّالث وتخوض الحُروب وتُغيّر الأنظمة من أجلِ تطبيقها.
“رأي اليوم”