لا تُخفي إسرائيل خشيتها وقلقها الكبيريْن والعميقيْن من التقارب الروسيّ-الإيرانيّ وتُحذِّر نفسها والعالم من تبعات هذا التعاون الذي برز واضحًا في مسألة تزويد طهران لموسكو بالمُسيّرات، التي ساهمت إلى حدٍّ كبيرٍ في تنجيع الضربات الروسيّة لأوكرانيا في الحرب الدائرة هناك، كما يعتقد الخبراء في مجال الأمن أنّ روسيا ستبدأ بمساعدة إيران على التمركز أكثر في سوريّة، وهو الأمر الذي يُقلِق دوائر صُنّاع القرار السياسيين والأمنيين في تل أبيب ويؤرّقهم ويقُضّ مضاجعهم.
وفي هذا السياق رأى القائد السابِق لشعبة الاستخبارات العسكريّة في جيش الاحتلال (أمان)، الجنرال تمير هايمان، أنّ “تحولات النظام العالميّ الجديد تدق باب الأمن القومي الإسرائيليّ”، لافِتًا في ذات الوقت إلى أنّه “في المنافسة العالمية الحالية، لإسرائيل مصلحة واضحة في انتصار الغرب، كما أنّ الجلوس على الجدار هو نوع من اتخاذ موقف، وينبغي إعادة النظر فيه”.
الجنرال هايمان، الذي اعتزل الخدمة بالجيش منتصف السنة الماضية ويشغل اليوم مدير مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، أكّد في مقالٍ نشره بصحيفة (يسرائيل هايوم) العبريّة “أنّ أيّ نجاح روسي جراء مساعدة إيرانية سيعزز العلاقة والالتزام الإيرانيّ-الروسيّ، وأنّ معنى هذا النجاح هو تعزيز قوة الجمهورية الإسلاميّة بشكلٍ يسمح لها بتحقيق هدفيها الاستراتيجييْن: قدرات نووية وهيمنة إقليميّة”، على حدّ تعبيره.
ورأى الجنرال هايمان أنّه “إلى جانب نجاحات تكتيكية إسرائيلية في جبهة القتال ضد الإرهاب الفلسطيني في الضفة الغربية، وفضلاً عن إنجازها في إعادة الاستقرار على الحدود الشمالية مع توقيع مرتقب على اتفاق الحدود البحرية، فإننا في تطور جغرافي سياسي آثاره مهمة للغاية: المنافسة بين الشرق والغرب على تغيير النظام العالمي”.
علاوة على ما جاء أعلاه، شدّدّ هايمان على أنّ “الحلف الروسي الإيراني، وتطور المعركة في أوكرانيا، ونشر محدث لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية، ثلاثة تطورات مركزية. رغم أنها في نظرة سطحية لا يرتبط أحدها بالآخر وغير خطيرة على إسرائيل، فإنها قد تتحدى الأمن القومي الإسرائيلي، ويجب الاستعداد لها”.
ومضى قائلاً:”التطور الأول هو دعم طهران لموسكو، فإيران تزود روسيا بمنظومات سلاح دقيقة، وتشارك بشكل مباشر أيضًا من خلال مهاجمة أوكرانيا بمسيرات إيرانية ترابط في شبه جزيرة القرم، وفي الساحة الداخلية، تصدر إيران أكثر من مليون برميل نفط في اليوم، الأمر الذي يكفي لوجود اقتصادها، بخلاف الانطباع الشديد في الشبكات الاجتماعية، والنظام يتصدى للمظاهرات بتصميم وبنجاعة”.
وتابع: “التطور الثاني هو المعركة في أوكرانيا، تعلن روسيا عن وضع طوارئ غربي الدولة، وتستأنف الضغط على كييف، وهي مصممة على مواصلة المعركة حتى النصر، وتنقل قوات ووسائل قتالية من سوريّة إلى الجبهة الأوكرانية”.
وأشار هايمان إلى أنّ “التطور الثالث هو وثيقة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، والتي تعدّ الصين المشكلة الأولى للنظام العالمي والتهديد الأول في أهميته على الأمن القومي الأمريكي، ويتعيّن على دول الشرق الأوسط أنْ تعالج مشاكلها بنفسها، بينما الولايات المتحدة ستؤيد من بعيد، وواشنطن ملتزمة بمنع وضع إيران نووية، لكنها لن تستخدم القوة العسكرية لتغيير الأنظمة؛ والتكنولوجيا مقدر من مقدرات الأمن القوميّ”.
ورأى هايمان أنّه “بخلاف الماضي، من شأن روسيا هذه المرة أنْ تدعم جهود التموضع الإيراني في سوريّة، من خلال حماية الذخائر الإيرانية في سوريّة بشكل يشوش حرية العمل الإسرائيلية، وبمساعدة غير مباشرة في نقل وسائل قتالية إيرانية متطورة إلى سوريّة، ويحتمل حتى في اتخاذ ردّ فعلٍ يتجاوز التنديدات المعروفة للهجمات المنسوبة لإسرائيل”.
بالإضافة إلى ذلك، شدّدّ الجنرال هايمان على أنّ “التهديد الاستراتيجيّ، سيأتي من جهة البرنامج النووي الإيراني. كلّما مرّ الوقت على هذا النحو، يتقلص احتمال التوصل إلى اتفاق، ورغم الانتعاش الاقتصادي المرتقب جراء الاتفاق، لا يشخص رئيس إيران فيه جدوى بعد”.
ومضى قائلاً إنّه “بخلاف الماضي، حيث اضطر الرئيس الإيرانيّ لـ”احتساء كأس المرارة”، على حد تعبيره، فإنّ الواقع الحالي لا يستدعي تنازلاً كهذا، وفي ضوء المساعدة لروسيا، ستتلقى طهران تعزيزًا مهمًا من الإسناد الروسي – الصيني، الذي يمنحها شبكة أمان اقتصادية – أمنية حيال الغرب”.
ونبّه هايمان من أنّه “في ضوء النظرة الأمريكية لإيران كمشكلة شرق أوسطية محلية، نشأ وضع خطير تواصل فيه إيران تسريع البرنامج النووي بلا عراقيل ودون أي مانع من تأخيره أو تقييده، وقد يستنتج الزعيم الإيراني بأنّ العقوبات غير ناجعة، وأنّ أيّ عملية عسكرية أمريكية ضد نظامه هي أقل معقولية في العهد الحاليّ، وفي مثل هذا الوضع قد نجد أنفسنا في واقع إيران نووية كجزء من حلف شرقي من القوى النووية”.
وخلُص إلى القول إنّه “ثمة تهديد استراتيجي أبعد مدى، لكنّه لا يقل أهمية، ينبع من المنافسة الأمريكية المتزايدة للصين، فوضع موضوع التجارة بالتكنولوجيا والبحث والتطور كموضوع أمني حساس، يعرض للخطر القاطرة الاقتصادية المركزية في إسرائيل، التجارة بالتكنولوجيا وبالعلم”، كما قال الجنرال الإسرائيليّ تمير هايمان.