لم يكن التسامح فيما يتعلّق بالخُروج من الدين الإسلامي في العربيّة السعوديّة أو ما يُعرف بالردّة والمُرتد عن الإسلام، أمرًا مسموحاً، أو مطروحاً للنقاش، فضوابط الشريعة في ذلك الخُصوص معروفة وفقاً لتبيان علماء الوهابيّة، والصحويّة، وهي القتل، إلا في حال تراجع المُرتد عن ردّته.
ولكن ومع دخول المملكة عصر الانفتاح، بدأت الأصوات العقلانيّة تتطرّق لتلك الضوابط، وآخرها ما تجرّأ عليه أحمد الغامدي مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق، وكتابته لمقال بعنوان “لا صحّة لحدّ الردّة”.
وقال الغامدي في مقاله الذي أثار جدلاً بين السعوديين، أن المتقرر في نصوص القرآن المحكمة حرية الإنسان في إيمانه، وأنه لا إكراه في الدين، وقد عُورض هذا بأن قتل المرتد ردة مجردة مقررة في كتب الفقه الإسلامي، والجواب عن ذلك أن ذلك اجتهاد ولم يثبت في الردة المجردة نص صريح محكم صحيح لا طعن فيه”.
وأضاف الغامدي: سأبين هنا الرد على شبهات هذا الاعتراض، وذلك فيما يلي: أولًا: احتجوا بما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن ابن مسعود قال: قال رسول الله: ’لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة‘، فقالوا هذا خبر في الصحيحين ينص على قتل المرتد، قلت: هذا الخبر غير صحيح، وغير مسلّم بأنه صريح لما يلي: أولًا: إسناده ضعيف، لأن مداره على الأعمش، وهو مدلّس وقد رواه بالعنعنة فلا يقبل منه ما عنعنه..”
وانقسم السعوديون حول تفسيرات الغامدي، فمنهم من وجد بأنه يستدل لأدلة كاذبة، وغرضها إضاعة شرع الله، ومنهم من وجد بأن الشيخ الغامدي يقود معركة فكر وتنوير ضد المُتطرّفين.
واستدل الرافضون لمقال الغامدي بقول ابن تيمية في الصارم المسلول: الردة على قسمين: ردة مجردة، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها.
وكانت السلطات السعوديّة تُوجّه اتهامات بالردّة، ليس فقط فيما يتعلّق بالخروج من الإسلام، بل تشمل تلك التهم، التطاول على الذات الإلهيّة، والنبي محمد، وانتقاد الدولة السعوديّة بتطبيقها أحكام الشريعة، وهي مثلاً التهم التي جرى توجيهها للشاعر الفلسطيني أشرف فياض، وصدر بحقّه حُكم الإعدام، ثم جرى تخفيفه للسجن 8 سنوات.
ولم تُلغِ حتى الآن العربيّة السعوديّة “حد الرّدّة”، وتستبدل عُقوبته الواجبة بالقتل في بعض الحالات، بالسّجن، ومن غير المعلوم إذا كانت مثل تلك المقالات التي تخوض بعدم صحّة حد الردّة، ستُفضي لإلغاء الحد من النظام الأساسي للحُكم مُنذ تأسيس المملكة.
رأي اليوم