في الثامنة والثلث من ليلة أمس الجمعة، حسب التوقيت المحليّ لفلسطين، كانت قنوات التلفزة الإسرائيليّة تبثّ برامجها الإخباريّة الرئيسيّة، التي تحصد نسبةً عاليةً من المُشاهدات، وكانت البرامج عبارةً عن سباقٍ محمومٍ في مديح مجزرة جنين، التي نفذّها الاحتلال أوّل من أمس الخميس، والتفاخر والتباهي بقّوة الأجهزة الأمنيّة في دولة الاحتلال، والتي باغتيالها الفدائيين في المُخيّم منعت عمليةً فدائيّة كبيرةً كانت المجموعة تُخطط لإخراجها إلى حيّز التنفيذ، بحسب مزاعم “الخبراء” و “المحللين”، الذين يعلمون وفق أوامر الرقابة العسكريّة.
في الثامنة والثلث وفي قمّة الاحتفال الإسرائيليّ بالنصر المؤزّر في مخيّم جنين، الذي قدّم 10 شهداء، بينهم مُسنّةً في الستين من عمرها، تغيّرت الأمور وتبدلّت بمائة وثمانين درجةٍ. الشاب المقدسيّ، خيري علقم (21 عامًا)، وصل إلى مُستوطنة (نفيه يعقوف) بسيّارته أطلق النار باتجاه عددٍ من الإسرائيليين في المكان، الأمر الذي أوقع سبعة قتلى وعددٍ من الجرحى، وبعد ذلك لاذ بالفرار من المكان، حيث لاحقته الشرطة ودار بين الطرفيْن تبادل إطلاق نارٍ أسفر عن استشهاده.
ad
الصدمة في إسرائيل كانت كبيرةً وواضحةً وكان من الصعب على وسائل الإعلام العبريّة تقبّل النتائج الكارثيّة، برامج التلفزة تغيّرت وباتت التحليلات والتقارير سيّدة الموقف، في ظلّ مقّص الرقيب العسكريّ، والمصطلح الأكثر استخدامًا كان (عملية صعبة وخطيرة جدًا)، وازداد الشعور بالإحباط والإرباك بعد أنْ سمحت الرقابة العسكريّة بنشر معلوماتٍ عن المُنفّذ، ليتبيّن أنّه عمل بشكلٍ فرديٍّ، وأنّه ليس عضوًا أوْ مقربًا من أيّ تنظيمٍ فلسطينيٍّ، وأنّ جدّه كان قد قُتِل من قبل يهودٍ فيما تُسّمى بالقدس الغربيّة في العام 1998، ولم تُعرَف حتى اللحظة هوية القتلة.
وما أضاف للمشهد قلقًا أكثر في صفوف الإسرائيليين، هو التأكيد من قبل الجهات الأمنيّة الإسرائيليّة أنّ الحديث يدور عن عمليةٍ فرديّةٍ، الأمر الذي يمنع جيش الاحتلال من القيام بعملياتٍ انتقاميّةٍ في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة المُحتلّة، كما أنّ العمليّة الفرديّة تؤكِّد مرّةً أخرى، بحسب المحللين الإسرائيليين، استحالة اعتقال المخطط والمنفّذ قبل إخراج العمليّة إلى حيّز التنفيذ، وهنا تكمن خطورتها، علمًا أنّ المُنفّذ ليس صاحب سوابق أمنيّة بالمرّة.
في السياق قال رون بن يشاي، مُحلِّل الشؤون العسكريّة في موقع (YNET) الإخباريّ-العبريّ إنّ الحديث يدور عن عمليةٍ خطيرةٍ، وأنّها جاءت ثأرًا وانتقامًا للعملية التي قام بها الجيش الإسرائيليّ في مُخيّم جنين، وأنّ الاجتماع الذي سيعقده مساء اليوم السبت المجلس الوزاريّ الأمنيّ المُصغّر (الكابينيت) سيكون حاسمًا للغاية، وذلك على ضوء تركيبته اليمينيّة المُتطرّفة، والدعوات التي أطلقها الوزير الفاشيّ إيتمار بن غفير في موقع العملية بتسليح جميع الإسرائيليين ليُدافِعوا عن أنفسهم.
ونقل المُحلِّل عن مصادره قولها إنّه من المُتوقّع أنْ يُطالِب الوزراء المُتطرفين بالقيام بعملياتٍ عسكريّةٍ واسعةٍ، الأمر الذي سيدفع الفلسطينيين إلى الردّ على ذلك، لافتًا إلى أنّ الضفّة الغربيّة باتت جاهزةً للبدء في انتفاضةٍ شعبيّةٍ ثالثةٍ، الأمر الذي سيُعقِّد الأمور أكثر ممّا هي مُعقّدة، مُشيرًا في ذات الوقت إلى أنّ الاجتماع سيكون الامتحان الأوّل للكابينيت اليمينيّ، على حدّ تعبيره.
علاوةً على ذلك أوضح المُحلِّل أنّ حالةً من التوتّر الشديد تسود مناطق الضفّة الغربيّة، وأنّ خشية الأجهزة الأمنيّة للاحتلال هو اندلاع مواجهاتٍ بين المُستوطنين اليهود المُتطرّفين جدًا وبين الفلسطينيين، والتي ستقود حتمًا لاندلاع انتفاضةٍ شعبيّةٍ ثالثةٍ، وأنّ منع هذا الأمر هو التحدّي الرئيسيّ الماثِل أمام دولة الاحتلال في هذه الفترة بالذات، على حدّ قوله.
وخلُص إلى القول إنّ المهمة الأساسيّة لقوّات الأمن الإسرائيليّة هي منع عملياتٍ مثل عملية (نفيه يعقوف) ليلة أمس، والعمل على منع عمليات انتقامٍ يقوم بها المتطرّفون اليهود، الأمر الذي سيؤدّي لاشتعال المناطق الفلسطينيّة المُحتلّة، كما قال.