وسط حضور رؤساء وممثلي الغرف والاتحادات التجارية من 28 دولة ونخبة من قادة الاقتصاد في العالم الإسلامي، انطلق اجتماع الدورة التاسعة والثلاثين للجمعية العمومية للغرفة الإسلامية، تحت رعاية الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري في مدينة الدوحة، كي يكون بمثابة منصة لتبادل الأفكار المبتكرة والرؤى المستنيرة لإرساء دعائم مستقبل اقتصادي مشرق تنعم في ظلاله الأمة الإسلامية جمعاء، وذلك من خلال برنامج زاخر بفرص وإمكانات تقوية أواصر التعاون المشترك لتحقيق التقدم المنشود والارتقاء بالأوضاع الاقتصادية في شتَّى ربوع العالم الإسلامي.
انطلق حفل افتتاح الاجتماع التاسع والثلاثين للجمعية العمومية للغرفة الإسلامية بكلمة سعادة رئيس الغرفة الاسلامية، الأستاذ عبد الله صالح كامل، الذي أكد على أهمية تكاتف الجهود - على جميع المستويات - من أجل دفع مسيرة التنمية في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، موضحًا: "أدعو مجلس إدارة كل المؤسسات التابعة إلى الانطلاق من استراتيجية الغرفة الهادفة لتمكين القطاع الخاص، والعمل كشراكة حقيقية مع الغرفة ككيان مؤسس وحاضن حقيقي وداعم مستمر لهذه الكيانات التابعة. وتذكروا معي أننا كقطاع خاص بحاجة إلى منظومة خدمات متكاملة من جميع هذه المؤسسات التي تمثل مرتكزات ضرورية لنجاح أعمالنا".
وفي هذا المضمار، استهلّ الشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني، نائب رئيس الغرفة الإسلامية ورئيس غرفة تجارة وصناعة قطر، كلمته الافتتاحية مُرحِبًا بالحضور الكرام في الدوحة ، ومعربًا عن تقديره لمساعي الغرفة الإسلامية وجهودها الرامية إلى تعزيز العمل الإسلامي المشترك وتسخير الفرص والإمكانات المتاحة للنهوض بمعدلات التبادل التجاري بين دول العالم الإسلامي وتحقيق النمو المستدام في مُختلف القطاعات الاقتصادية. كما أكد سعادته على استعداد دولة قطر لدعم الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، بما يحقق التكامل الاقتصادي المنشود.
من جانبه أشاد رفعت هسارجيكلي أوغلو، نائب رئيس الغرفة الإسلامية ورئيس اتحاد الغرف وتبادل السلع في تركيا، بجهود الغرفة الإسلامية في تعزيز نمو الأعمال والنهوض بالأوضاع الاقتصادية في دول العالم الإسلامي، مصرحًا: "تولي الجمعية العامة للغرفة الإسلامية اهتمامًا متناميًا بمجال الأعمال في جميع الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، وأوَّد أن أهنئ رئيس الغرفة الإسلامية عبد الله صالح كامل على نهجه الحكيم، والشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني على استضافته لهذه الفعالية الهامة".
وتقديرًا للجهود المضنية التي تبذلها الغرفة الإسلامية للارتقاء باقتصادات دول العالم الإسلامي، ألقى ناجى جباروف، المدير العام لإدارة الشؤون الاقتصادية بمنظمة التعاون الإسلامي، كلمة الأمانة العامة للمنظمة، موضحًا: "أود أن أهنئ الغرفة الإسلامية على الدور المحوري الذي تلعبه في تعبئة القطاع الخاص، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية لدول منظمة التعاون الإسلامي، من خلال تعزيز شراكة القطاعين العام والخاص، ومتابعة القرارات والإجراءات المتخذة لزيادة الاستثمارات بين دول منظمة التعاون الإسلامي، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول الأعضاء. ويُعد هذا التجمع شهادة على الوحدة والتعاون الذي يحكم التزامنا المشترك بتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والازدهار في دول منظمة التعاون الإسلامي".
في هذا السياق، أعلن عن إطلاق مركز منظمة التعاون الإسلامي للعمل - وهو مؤسسة متخصصة تعمل كوكالة تنفيذية تسهر على تنفيذ قرارات وبرامج منظمة التعاون الإسلامي في مجال العمل والتوظيف والحماية الاجتماعية- ، كما حثَّ الغرفة الإسلامية على ضرورة التعاون مع هذه المؤسسة، ولا سيما فيما يتعلق بمجالات تمكين المرأة والشباب، ودعم الأبحاث، وتعزيز القدرات.
شارك أيضًا في الحفل محمد صالح عبد الجليل، مستشار رئيس جمهورية تشاد، الذي أكد التزام حكومة تشاد بالعمل على تيسير كافة إجراءات تطبيق المشروعات التي تطلقها الغرفة الإسلامية، وأهمها إنشاء مؤسسات للتمويل متناهي الصغر، ومشروع إدارة الحدود الذي يستند على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما سلَّط سعادته الضوء على جهود الحكومة في تطوير قدرات مؤسسات القطاع الخاص وتحفيز الاستثمار، مشيرًا إلى مجموعة من المبادرات التي أطلقتها الحكومة في هذا الإطار، وأهمها إنشاء مناطق خاصة للتنمية الاقتصادية، واعتماد قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل تنفيذ المشروعات الاجتماعية وتطوير البنى التحتية والخدمات العامة بما يسهم في تعزيز مبادئ العدالة والشفافية وتحقيق التنمية المستدامة.
وسعيًا نحو تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي، شدّد حسين سلحوارزي، رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية - خلال كلمته الافتتاحية- على ضرورة خلق سوق إسلامية مشتركة، من أجل إزالة الحواجز وتخفيف القيود وتخفيض الرسوم الجمركية بهدف رفع معدلات التبادل التجاري بين الدول، وزيادة حجم الصادرات، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلًا عن تعزيز القدرة التنافسية لهذه الدول في السوق العالمية، مصرحًا: "بفضل القدرات الهائلة التي يتمتع بها هيكل الغرفة الإسلامية وغرفها الأعضاء، يمكننا تحقيق الأهداف الاقتصادية المنشودة بالتعاون مع الهيئات الحاكمة".
وفي سياق الخطوات الراسخة التي تنتهجها الغرفة الإسلامية لمواكبة التطورات الجارية على ساحة الأعمال العالمية، وادراكها لضرورة تحديث اسم الغرفة وهويتها كي يكونا أكثر تعبيرًا عن مشروعات الغرفة ومبادراتها المبتكرة التي تمهد الطريق لحقبة جديدة من النمو والتقدم، فقد اعتمد الاجتماع التاسع والثلاثون للجمعية العمومية الاسم الجديد للغرفة "الغرفة الإسلامية للتجارة والتنمية"، وهو الاسم الذي وصَّى به الاجتماع الخامس والثلاثون لمجلس إدارة الغرفة الإسلامية، المُنعقد بتاريخ 17 يوليو 2023، في باكو بجمهورية أذربيجان.
وفي ضوء السعي الدؤوب للغرفة الإسلامية لتوسيع نطاق أنشطتها وبرامجها الرامية إلى تطوير مؤسسات القطاع الخاص ودفع عجلة النمو الاقتصادي بالدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وافق الاجتماع التاسع والثلاثون للجمعية العمومية على طلب انضمام اتحاد الجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا (FIANZ) كعضو منتسب في الغرفة الإسلامية، ليصبح بذلك إجمالي عدد المؤسسات الأعضاء في الغرفة 67 عضوًا.
من أهم أهداف الغرفة الإسلامية "تشجيع وتمويل الأبحاث والدراسات الاقتصادية والعلمية والإدارية التي تُسهل تبادل ونشر المعلومات والخبرات الفنية في التجارة والصناعة والزراعة والمجالات الاقتصادية الأخرى".. في هذا الإطار، شهد الاجتماع انتخاب مجلس إدارة مركز الغرفة الإسلامية للبحوث والمعلومات (ICRIC) وهنأ الحضور الكرام المجلس المُنتخب متمنين له السداد في مهمته للنهوض بالبحوث والمشروعات الرامية إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في مُختلف أنحاء العالم الإسلامي.
إضافة إلى ما تقدم، فقد استعرض الاجتماع أبرز الإنجازات التي أحرزتها الأمانة العامة للغرفة الإسلامية خلال هذا العام، وأهمها: إطلاق برنامج الاعتماد الذي يسعى إلى تحسين أداء الغرف التجارية والارتقاء بها بشكل يسهم في دعم وتعزيز قطاع الأعمال الإسلامي حول العالم، وكذلك برنامج الغرفة الإسلامية للتدريب، حيث تقدم الغرفة الإسلامية - ممثلة في أكاديمية الغرفة الإسلامية للتدريب- مجموعة من البرامج التدريبية في عدة دول منها: باكستان، والأردن وموريتانيا، بهدف تطوير الغرف الأعضاء ومؤسسات القطاع الخاص بشكل عام. هذا بالإضافة إلى برنامج الغرفة الإسلامية لتنمية التجارة البينية “Business Connect” الذي يعمل على تيسير عمل الوفود التجارية وتطوير التعاون الاقتصادي بين جميع الأعضاء.
وعلى هامش اجتماع الدورة التاسعة والثلاثين للجمعية العمومية، تم توقيع مذكرة تفاهم بين غرفة تجارة جيبوتي وغرفة قطر، وتعزيزًا لأواصر التعاون المشترك بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، شهد الاجتماع أيضًا توقيع مذكرة تفاهم أخرى بين الاتحاد الوطني لرواد الأعمال (أصحاب العمل) في جمهورية أذربيجان، وغرفة التجارة القبرصية التركية.
وختامًا، عكس الاجتماع التاسع والثلاثون للجمعية العمومية للغرفة الإسلامية التزامها الدؤوب بتحقيق التكامل بين دولها الأعضاء، وخلق آفاق مبتكرة للتعاون والإخاء، تيسيرًا لمهمتها الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في شتى أنحاء العالم الإسلامي.
وفي هذا الصدد، تؤكد الغرفة الإسلامية على المضي قدمًا في مساعيها الرامية إلى تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في دولها الأعضاء، وذلك من خلال دعم التعاون الاقتصادي بين هذه الدول، وتوفير مناخ استثماري خصب أمام المستثمرين من شتى أرجاء العالم، فضلًا عن دعم الابتكار والإبداع من أجل تحقيق المستقبل المنشود لدول العالم الإسلامي.
وبهدف إنعاش الاقتصاد الفلسطيني من خلال حشد دور القطاع الخاص أطلقت الغرفة الإسلامية مبادرة التمكين الاقتصادي لفلسطين
أطلقت الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة مبادرة التمكين الاقتصادي لفلسطين، من أجل مساندة الشعب الفلسطيني وتمكينه من مواجهة التداعيات الكارثية التي لحقت بالبلاد.
وجاء اطلاق هذه المبادرة خلال اجتماع الدورة التاسعة والثلاثين للجمعية العمومية للغرفة الإسلامية، وتهدف مبادرة التمكين الاقتصادي لفلسطين إلى إنعاش الاقتصاد الفلسطيني من خلال حشد دور القطاع الخاص وتعزيز التمكين الرقمي للقوى العاملة فيه، ويتخلل ذلك إنشاء نظام شامل للتعليم عن بُعد، وربط التعليم الأكاديمي بتطبيقات مهنية مع التركيز على ثقافة التحول إلى العمل عن بُعد، بالإضافة إلى تعزيز الأعمال التجارية من خلال إطلاق مبادرات مالية شاملة متنوعة وتهيئة البنية التحتية لدعم العمل عن بُعد، الأمر الذي يسهم في تمكين الفلسطينيين من الانخراط في السوق العالمية وبناء اقتصاد رصين للبلاد.
وتشمل مجالات عمل المبادرة منصة للتوظيف عن بُعد وتطوير المهارات تتضمن قائمة بالوظائف المتاحة ووحدات تعلم متكاملة للراغبين في العمل عن بُعد، ومنصة أخرى للتعلم عن بُعد تضم مجموعة من الدورات التدريبية وورش العمل التخصصية التي تسعى إلى تعزيز المهارات الشخصية وإتقان مهارات العمل عن بُعد، ومن ثم خفض معدلات البطالة، وتوفير دخل ثابت، وتمكين المجتمع من تحقيق الاستقلال المالي والتغلب على مُختلف المعوقات الاقتصادية.
هذا بالإضافة إلى حاضنات الأعمال التي يتم من خلالها توفير مراكز محلية للتدريب الرقمي، وعقد ندوات افتراضية حول كيفية العمل عن بُعد، وكذلك دعم رواد الأعمال في مُختلف المحافل والمؤتمرات الدولية، فضلًا عن التعاون مع الجامعات لتقديم منح دراسية ودعم مادي للطلاب غير القادرين، ودعم ريادة الأعمال، مما يؤدي إلى تعزيز الابتكار والإبداع والنهوض باقتصاد البلاد بشكل جَليّ.
وتتمثل آليات تمويل المبادرة في التمويل الاجتماعي أو التشاركي؛ أي المشاركة في جمع الأموال اللازمة لتلبية الحاجات المادية للمبادرة، إلى جانب تبني مشروع أو عدة مشروعات تحمل اسم الجهة المانحة، وذلك من خلال جهة بعينها، فضلًا عن التبرعات النقدية التي يتم جمعها من كبار رجال الأعمال والمستثمرين التأسيسيين.
وقد دعت الغرفة الإسلامية جميع رجال الأعمال، واتحادات الغرف التجارية، ومؤسسات القطاع الخاص، والمنظمات الدولية إلى توحيد الجهود والتكاتف من أجل المشاركة في تحقيق أهداف هذه المبادرة وتمكين الشعب الفلسطيني من التغلب على ما أصاب بلاده ولحق بها من خراب ودمار، ومساندته لتعزيز النمو الاقتصادي بالبلاد من أجل مستقبل أفضل لأمتنا الإسلامية جمعاء.
وتأتي مبادرة الغرفة الإسلامية للتمكين الاقتصادي لفلسطين كي تكون بمثابة خارطة طريق لتحقيق الاستقرار الاقتصادي طويل الأجل، وذلك في ضوء الجهود الحثيثة التي لا تتوانى الغرفة الإسلامية عن تقديمها من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتعزيز النمو والارتقاء في شتَّى ربوع العالم الإسلامي. وفي هذا الصدد، تؤكد الغرفة الإسلامية - باعتبارها الممثل الوحيد للقطاع الخاص في دول العالم الإسلامي- على المضي قدمًا في مساعيها الحثيثة بالتعاون مع مُختلف المؤسسات المعنية من أجل إرساء دعائم مستقبل اقتصادي مشرق تنعم في ظله دول العالم أجمع.