تأملات مع الذات بعنوان : شهداء الله في الأرض!
كانت جلسة رائعة، وكيف لا تكون كذلك والنبي ﷺ فيها !
والصحابة يكحلون أعينهم بالنظر إلى وجهه، يا لحظهم وتمر جنازة ... فيثني الصحابة عليها خيراً ، ربما قالوا يومها : كان الميت صديقاً وفياً، وزوجاً مُحبّاً ، وابناً باراً ، وجاراً كريماً ، كان يُصلح بين المتخاصمين، ويتصدق على المساكين، ويُسامح من أخطأ بحقه، وكان قلبه معلقاً بالمساجد !
فقال النبيُّ : وَجَبَتْ!
ثم بعد قليل مرَّت جنازة أخرى، فأثنى الصحابة عليها شراً،
ربما قالوا يومها : كان الميت صديقاً غادراً، وزوجاً لئيماً، وابناً عاقاً، وجاراً مؤذياً ، كان لا يحترم كبيراً ولا يعطف على صغير، والطريق إلى المسجد لا يعرفها ولا تعرفه.
فقال النبيُّ ﷺ : وَجَبَتْ!
فسأل الصحابة : ما وَجَبَتْ يا رسول الله؟
فقال: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شُهداء الله في الأرض!
كلنا سنحمل يوماً على الأكتاف، فكل نفس ذائقة الموت، ومـا نحن إلا جنائز مؤجلة، وكما قال كعب بن زهير :
كلُّ ابن أُنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول!
فهل فكرنا ماذا سيقول شهداء الله في الأرض عنا يوم تحمل في التوابيت ؟!
كل إنسان تتعامل معه اليوم هو شاهد لك أو عليك، تذكر هذا جيداً وأنت تخالط الناس، وانس ما شئت ولكن إياك أن تنسى: وَجَبَتْ !
ماذا سيقول أبواك عنك؟ اللهم اغفر له فقد كان نعم الابن، أم سيقولان اللهم إنك تعلم ما كان من أمر عقوقه ، ماذا ستقول زوجتك عنك؟ اللهم إنه كان خير زوج، أم ستقول خُذ بحقي منه يا الله!
ماذا سيقول أبناؤك عنك؟ اللهم إنه كان أباً عادلاً لم يُفضّل ابناً على بنت ولا ولدًا على ولد، أم سيقولون يا الله إنه قد ظلم وميز وأضاع الأمانة ولم يحسن التربية .
ماذا سيقول جيرانك عنك؟ اللهم أنزله في جوارك فقد كان خير جار، أم سيقولون وأخيراً استرحنا من أذاه، ماذا سيقول زملاؤك في العمل عنك؟ اللهم ارحمه فقد كان طيباً ينصح ويُساعد، ويحفظ السر، أم سيقولون اللهم إنك تعلم أنه كان واشياً لا يؤتمن، ومؤذياً لايحتمل .
كل فقير رأى منك دفء ابتسامتك قبل دف درهمك هو شاهد ، كل متعثر أقمته وأخذت بيده هو شاهد كل دمعة مسحتها هي شاهدة لك.
كل مسكين أعنته، وجائع أطعمته، وتائه أرشدته، ومظلوم نصرته، شهود لك، فكثر شهودك، فجنائز الغد تتنفس اليوم !
قراءة ممتعة مع صوم مقبول إن شاء الله تعالى.
☆خبير مالي وباحث في العلوم الانسانية