أكد وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة للشهر العاشر أسقط الشعارات والمزاعم التي تسوقها دول غربية للتدخل في شؤون دول أخرى، وكشف كذبها ونفاقها، وافتقارها للقيم الإنسانية، وأكد انحيازها السافر للاحتلال على حساب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن سورية حذرت مراراً من تداعيات هذا العدوان، والاعتداءات على أراضيها، وطالبت مجلس الأمن بوقفهما إلا أن الولايات المتحدة منعت المجلس من ذلك في انتهاك لالتزاماتها كدولة دائمة العضوية في المجلس.
وفيما يلي النص الكامل لبيان سورية أمام الاجتماع الوزاري لمجلس الأمن اليوم حول الحالة في الشرق الأوسط بما فيها القضية الفلسطينية والذي ألقاه نيابة عن الوزير المقداد المندوب الدائم السفير قصي الضحاك: مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة للشهر العاشر، وفي ظل التدمير الهائل وارتكاب سلطات الاحتلال لعدد لا يحصى من المجازر التي أدت إلى استشهاد نحو 39 ألف فلسطيني، وإصابة ما يزيد على 89 ألفاً، جل الضحايا نساء وأطفال، ومع وصول المنطقة إلى ما سماه الأمين العام للأمم المتحدة بـ حافة الهاوية، جراء تعمد الكيان الإسرائيلي زيادة التصعيد فيها إلى أقصى درجة من خلال جرائمه الوحشية واعتداءاته المتكررة على سورية ولبنان الشقيق، علينا أن نسأل: ما الذي يستدعي تحرك مجلس الأمن أكثر مما نشهده من الإبادة الجماعية والفظائع التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني.. ولماذا أخفق نظام الأمن الجماعي الذي أرساه ميثاق الأمم المتحدة في إلزام سلطات الاحتلال بالوقف الفوري لسياساتها العدوانية ومجازرها اليومية.. ولماذا صمتت دول غربية حيال جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها “إسرائيل” على مرأى العالم بأسره، في حين أن تلك الدول ذاتها بادرت في سياقات أخرى لإصدار القرار تلو الآخر، وعقد الجلسة تلو الأخرى، وإنشاء شتى الآليات غير المبررة بذرائع ومزاعم لا أساس لها من الصحة.. إن جرائم الكيان الإسرائيلي لم تبدأ في السابع من تشرين الأول الماضي، لأنها في صميم طبيعته العدوانية ونزعته العنصرية وتطلعاته الاستيطانية التوسعية، وهي استمرار لسلسلة طويلة من المجازر وأعمال العدوان والإرهاب التي تحفل بها سجلات الأمم المتحدة وذاكرة شعوبنا، والتي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مدى عقود لتكريس وجوده على الأراضي العربية المحتلة، وقتل وتهجير أهلها وإقامة المزيد من المستوطنات عليها لتقويض أي فرصة لقيام الدولة الفلسطينية.
لقد تجلى ذلك مجدداً في إعلان سلطات الاحتلال قبل أيام مخططاً لإقامة 5300 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وقيامها تمهيداً لذلك بالاستيلاء على أراض فلسطينية هي الأكبر مساحة منذ أكثر من 30 عاماً.
تؤكد سورية إدانتها الجرائم الإسرائيلية، ومطالبتها بوقفها والمساءلة عنها، كما تجدد الإعراب عن دعمها الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله لإنهاء الاحتلال، والتمتع بحقوقه الراسخة وغير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ونيلها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
ترفض سورية جميع المحاولات الرامية للمساس بوكالة الأونروا ودورها المهم في تقديم الدعم للفلسطينيين في وطنهم الأم والدول المضيفة ومنها سورية.
ما كان لكيان الاحتلال الإسرائيلي أن يجرؤ على ارتكاب كل تلك الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لولا الانخراط المباشر للولايات المتحدة في العدوان، والدعم السياسي والعسكري والمالي والإعلامي غير المحدود الذي توفره مع عدد من حلفائها لـ “إسرائيل”، فواشنطن منعت مجلس الأمن من النهوض بمسؤولياته لحفظ السلم والأمن الإقليميين، وفتحت مخازن أسلحتها، واستخدمت الفيتو 5 مرات خلال بضعة أشهر لتمكين الكيان الإسرائيلي من مواصلة جرائمه.
لا بل إن الإدارة الأمريكية منحت نفسها دون حق سلطة في تحديد القرارات الملزمة وغير الملزمة لمجلس الأمن وفقاً لأهوائها ومصالحها، وهو ما تجلى بمسارعتها لنفي الطابع الملزم للقرار 2728 الداعي لوقف لإطلاق النار في غزة بعد ساعات من صدوره، في حين أن القرار 2735 الذي تقدمت به الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن لم يكن سوى زرع للأوهام، ولم يهدف أبداً لحماية الشعب الفلسطيني، أو تطبيق نظرية المسؤولية عن الحماية التي وظفوها لغزو دول وزعزعة أمنها واستقرارها ونهب ثرواتها، بل كان لتحقيق مكاسب انتخابية داخلية، وإتاحة المزيد من الوقت لتمكين “إسرائيل” من إبادة المزيد من الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية.
لقد أسقط العدوان الإسرائيلي على غزة جميع الشعارات والمزاعم التي تسوقها بعض الدول الغربية للتدخل في شؤون دول أخرى، وكشف كذبها ونفاقها، وافتقارها للقيم الإنسانية، وأكد انحيازها السافر للاحتلال على حساب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
لم يرتوِ مجرمو الحرب في الكيان الإسرائيلي من دماء عشرات آلاف الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، بل أمعنوا في اعتداءاتهم المتكررة على الأراضي السورية، والتي كان آخرها العدوان الجوي الآثم الذي استهدف مبنى سكنياً في دمشق ومناطق في أطرافها فجر الأحد الماضي، والذي سبقه اعتداء طال محيط مدينة بانياس.
إن هذه الأعمال العدوانية تهدد بنشر نيران الحرب في أنحاء كثيرة من المنطقة والعالم ما لم يتم لجم “إسرائيل” عن عدوانها ومساءلتها عن جرائمها.
لقد حذرت سورية من تداعيات اسـتمرار تلك الاعتداءات، وطالبت مراراً الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهما لوقفها، والمساءلة عليها، إلا أن الإدارة الأمريكية منعت المجلس من القيام بأي دور ملموس، ووفرت الحصانة لـ “إسرائيل” ومجرميها، وهو ما ينتهك التزاماتها كدولة دائمة العضوية في المجلس.
تؤكد سورية مجدداً على حقها المشروع في الدفاع عن سيادتها وأمنها واستقرارها وتحرير أرضها المحتلة بكل الوسائل التي يضمنها القانون الدولي.