لجمهورية مالي حدود مع موريتانيا تزيد عن (2200 كلم) وهي دولة غارقة في الأوحال حتى اخمصيها، تتالي الانقلابات عليها هو الوجه الانصع للازمات العميقة والمعقدة التي تعيشها، بها حروب متعددة الاهداف واللاعبين ،اولاها حرب ازواد التقليدية بمحركاتها السياسية المصاحبة لقيام دولة سوداء في مجالها، لكن برتوش بيضاء مبتورة من سياقاتها الجغرافية والاثنية، شهد طرف واحد خلالها ماساي القتل والتهجير، ولما اشد عوده امتشق البنادق وامتطى عابرات الصحراء، حتى أثخن أعداءه قتلا ففتحت ابواب مسارات تفاوضية خيوطها في يد الجوار واللاعب الاكبر البعيد ممثلا في دولة الوصاية، مما جعل كل دروب الحلول حتى الآن مسدودة.
عرف الاقليم جبهات عديدة بمسميات واعدة بالنصر ومتوعدة الخصم بالهزيمة، لجلها سند خارجي واضح البصمة والهدف، ماهر في تحريك احجار الشطرنج، وجعلها تستجيب للعبة الجو استراتيجية، التي تغذيها مطامع شركات متعددة الجنسيات وعابرة للقارات، باحثة فقط عما في باطن ارض الاقليم من ثروات، وبه ايضا جبهات اخريات تتبدل امزجتها وفق متغيرات الصراع البيني، منها المجاهر بضرورة الاندماج، ومنها الخارج من رحم المأساة المغاضب والغاضب من الأحلاف.
شكل أزواد ملاذ أمن لمحترفي القتل، من القاعدة ومشتقاتها وحواضنها وحلفائها من تجار الموت بالطلقة الصفراء أو المُستنشق الأبيض الذي تختار له احشاء صاحبات الكواعب السوداوات المتجهات الى اسواق الهوى في القارة العجوز الباذخة.
في الاقليم واحوازه حرب عرقية ذات طابع ديني بين قوميتي البنبارة المسيطرة على كل شيء، وقومية افلان الفاقدة لكل شيء، ومن المثير للفضول في أحداث مالي أن الشيخ الصوفي والفقيه المالكي آمدو كوفا المقارع الشرس لفكر بن عبد الوهاب سابقا عبر اثير اذاعة باماكو، أصبح قائدا عسكريا لجند القاعدة الوهابية، والماركسي اللينيني اياد أغ غالي اصبح زعيم تنظيم نصرة الاسلام والمسلمين، في أزواد تختلط اطماع الماركسي ومصالح الصوفي وعقائد الوهابي.
هذا الوضع الصعب والجغرافيا الطويلة والارحام المتشابكة تحتم على النخب الموريتانية الصادقة والحريصة على أمن بلادها أن تكون رديفا للفعل الرسمي اليقظ والمقدر لحجم التحدي، والمنتبه لما قد ينجر عن استحبالات التطورات الميدانية، سوء في جارتنا الأقرب أو جيرانها الذين تنعكس المواجهات فيهم سلبا علينا حيث يفر أهل قراهم وأهل نجعتهم نحو البلد الآمن موريتانيا، مما يضاعف الأعباء.
الأمن مسؤولية الجميع وليست الدولة وحدها، فمن يهرب مهاجرا سريا، ومن ينقل صاحب جيب منتفخ بالدقيق الأبيض ومن يتكتم على أصحاب هذه الممارسات إنما يريد أن تتدحرج كتل اللهب الحارقة داخل أرضنا فلنحذر جميعا.