تتلاحق الأحداث بشكلٍ مُتسارعٍ قبل وبعد سُقوط العاصمة السوريّة في يدِ قوّات المُعارضة المُسلّحة التي دخلتها دون مُقاومة لأنّ الجيش السوري، وبأوامرٍ من قائده الأعلى قرّر عدم اللّجوء إلى المُواجهات الدمويّة حقنًا للدّماء، وتسليمًا بالهزيمة أمام عُدوانٍ ثُلاثيٍّ، جرى التّخطيط له جيّدًا في الغُرف المُظلمة في واشنطن وأنقرة وتل أبيب.
إعلان السّلطات الروسيّة اليوم وصول الرئيس السوري بشار الأسد وأُسرته إلى موسكو، ومنحهم اللّجوء السياسيّ، يُؤكّد أنّ ما يجري حاليًّا من تطوّراتٍ مُفاجئة ربّما تكون قمّة جبل الثّلج، وربّما هُناك مُفاجآت عديدة قادمة على الصّعد كافّة، فسورية غابة أسلحة، ومن غير المُستبعد أن يكون الاستسلام المُفاجئ مُجرّد مُناورة تمامًا مثلما حدث في العِراق بعد انهيار الجيش العِراقي أمام الغزو الأمريكي، والهدف هو إعادة التّموضع، والانحِناء للعاصفة، واستعدادًا لمُقاومة الاحتلال.
سُقوط دِمشق هو طعنةٌ قاتلةٌ لروسيا وقيادتها التي لا تكنّ لها السّلطة الجديدة في سورية أيّ نوعٍ من الوِد، وترى أنها شريكة استراتيجيّة للنظام السوري المعزول ولم تتوقّف طائرتها الحربيّة عن قصفها في إدلب وحلب وحماة وحمص، ولَعِبَ هذا القصف الجوّي الروسي دورًا كبيرًا في استِعادة الجيش العربي السوري لمُعظم المُدُن والقُرى التي استولت عليها قوّات المُعارضة المدعومة أمريكيًّا وأوروبيًّا وتُركيًّا.
لا نعرف ما هي خطط الرئيس بشار الأسد في المرحلة القادمة فهل يلجأ إلى الهُدوء، واعتزال العمل السياسي، التزامًا بشُروط اللّجوء السياسي، أمْ سيتّخذ من موسكو قاعدة لإدارة مُقاومة يقوم على تشكيلها وقيادتها من منفاهِ الجديد.
تردّدت أنباء في الأيّام القليلة الماضية تُفيدُ بأنّ دُوَلًا داعمة للرئيس السوري المعزول وعلى رأسِها روسيا، اقترحت عليه أن يُشكّل حُكومة في المنفى تأكيدًا لعدم اعتِرافه بالأُخرى الجديدة التي قد تتشكّل في الأيّام القليلة القادمة لإدارة البلاد، وتجنّب حُدوث فراغٍ سياسيٍّ وتمهيدًا لإجراءِ انتخاباتٍ عامّة.
لا نعرف مدى صحّة هذه الأنباء، وربّما من السّابق لأوانه مُحاولة استقراء ما هو قادمٌ من أحداثٍ في سورية، فلم يمر إلّا يومًا واحدًا على سُقوط دِمشق ولُجوء الرئيس الأسد إلى موسكو ومنحه اللّجوء السياسيّ، ولكن ما يُمكن الإشارة إليه أنّ الصّورة تبدو ضبابيّة في سورية في الوقتِ الرّاهن، فدِمشق والمُدُن السوريّة الكُبرى تعرّضت لحربٍ تقودها فصائل مُعارضة سُوريّة مُسلّحة بالإنابة عن أمريكا وتركيا ودول عربيّة أُخرى على عكس الحرب الأمريكيّة المُباشرة في العِراق عام 2003، والتي شارك فيها أكثر من 160 ألف جُندي أمريكي، وجرى تنصيب الجِنرال بريمير حاكمًا عسكريًّا على العِراق في مرحلةٍ انتقاليّة.
للأسف لا نختلف مع بنيامين نتنياهو في قوله “إنّ سُقوط دِمشق وانهيار النّظام الحاكم فيها يُعتبر يومًا تاريخيًّا، وانتصارًا كبيرًا لإسرائيل”، فدِمشق هي دُرّة تاج محور المُقاومة، والدّاعم الرئيسيّ للقضيّة الفِلسطينيّة، والرّافض العنيد للتّطبيع، ويظلّ السُّؤال هو هل ستطول احتفالات نتنياهو بهذا السّقوط؟ نترك الإجابة للأيّام والشّهور المُقبلة.
عبد الباري عطوان