إعلان

 

تابعنا على فيسبوك

في سوريا.. مشهد متكامل لانهيار الوعي الوطني

جمعة, 18/07/2025 - 09:26

الاقتتال في السويداء، والانقسام داخل الطائفة الدرزية بين العمالة للأجنبي والالتزام الوطني، وجرائم ميليشيات الجولاني التكفيرية، والعدوان الصهيوني المتكرّر على دمشق، ليست وقائع متفرّقة، بل مشهد متكامل لانهيار الوعي الوطني وتفكّك المشروع العربي المقاوم، وتسليم القرار السيادي إلى أطراف أجنبية.

ما سُمّي بثورة في سوريا لم يكن مشروعاً تحررياً نابعاً من فهم لطبيعة الصراع المركزي في المنطقة، بل كان حراكاً كيانيّاً محدود الأفق، تتجاذبه مطالب جزئية، وينفصل عن أي تصور تاريخي أو رؤية عربية شاملة لمواجهة الهيمنة.

منذ بدايته، بدا هذا المسار هشّاً، مكرِّراً لتجارب الربيع العربي التي انفجرت داخل الأطر القطرية الضيقة، فاستُهلكت في شعارات ديمقراطية شكلية، بعيداً عن مشروع التحرّر الحقيقي. ومع الوقت، انكشفت وظائفه: تفكيك الدولة، تسهيل التدخلات الخارجية، إنتاج كيانات طائفية ومناطقية تبحث عن حماية من الخارج، وتجهض أي أمل بوحدة الشعب والأرض.

في السويداء، تحوّلت الانتفاضة من احتجاجات مطلبية إلى صراع طائفي مسلّح، وارتبطت بعض فصائلها بتحالفات خارجية مكشوفة، بما في ذلك تنسيق مباشر مع الاحتلال الغاصب. هذه التطورات تهدّد ما تبقى من هوية وطنية سورية، وتحوّل الجنوب السوري إلى ساحة نفوذ لقوى إقليمية لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري.

ما يحدث في دمشق من تكرار للقصف الإسرائيلي ليس مجرد خرق للسيادة، بل نتيجة منطقية لواقع مفكّك، فقدت فيه الدولة المركزية قدرتها على الردع، وانشغلت النخب المتنازعة بصراعات وهمية داخلية، تاركة المجال مفتوحاً لتصفية الحسابات الإقليمية على الأرض السورية. هذا الانهيار ليس مؤامرة على "ثورة نقية"، بل نتيجة حتمية لمشروع لم يدرك قواعد الصراع ولا موقعه فيه.

الصراع في منطقتنا لم يكن يوماً صراعاً بين أنظمة وشعوب، ولا بين مذاهب أو أيديولوجيات، بل هو صراع جذري بين مشروعين: مشروع الهيمنة والتفكيك (وهو مشروع غربي)، ومشروع التحرر والوحدة.

كل حراك يُفصل عن هذا السياق، ويُقدَّم في إطار ديمقراطي محض، أو مطلب مدني مجرّد، يصبح أداة بيد المشروع الغربي المضاد، حتى دون وعي الفاعلين فيه.

الحرية لا تُبنى في فراغ، ولا تُمنح عبر بوابات التمويل الخارجي، بل تُنتزع ضمن مشروع تحرري شامل يربط بين قضايا الأمة ويعيد الاعتبار لفكرة السيادة الكاملة.

ما يحدث اليوم في سوريا لم يكن مفاجئاً، بل قلناه وكتبنا عنه وكتب عنه المئاتُ من المتابعين أصحاب العقل الواعي والضمير الحي. والادعاء الغبي بأن الثورة السورية سُرقت هو تبسيط مخل. الحقيقة أن ما يسقط اليوم ليس ثورة، بل وهم ثوري استُخدم في معركة لا يملك "الثوار" أدواتها ولا بوصلتها، ثم انهار كما بدأ: عشوائياً، منقسماً، خاضعاً لأجندات لا علاقة لها بتحرّر الإنسان أو كرامته.

من لا يفهم طبيعة هذا الصراع بين أمتنا وبين مركز الهيمنة الغربي سيبقى يدور في دوامة الفشل، مهما ارتفعت الشعارات، وتعدّدت العناوين.

لهذا نحن ضد هذه "الثورات" الربيعية تماماً، وسنظل نعمل ضدها حتى تتحقق الثورة العربية الأصيلة، ثورة السيادة والوحدة والتحرير.
موسى ابراهيم