إعلان

 

تابعنا على فيسبوك

شهد فظائع العدوان.. طبيب بريطاني يعود من غزة بذكريات أليمة عن واقعها

ثلاثاء, 05/08/2025 - 11:19

من داخل مستشفى ناصر في غزة، يعمل الطبيب غرايم غروم وسط ظروف صعبة، حيث أصبحت مهمته إنقاذ أرواح في سباق مع الزمن والموت، وسط العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

يروي الطبيب البريطاني لصحيفة "الغارديان"، تفاصيل يومياته التي تبدأ مع دوي القنابل، وتنتهي بجراح لا تندمل، جسديًا ونفسيًا.

فبين الساعة الرابعة والسادسة صباحًا، كان غرايم غروم، جراح العظام من لندن، يستيقظ يوميًا على دوي القنابل والصواريخ التي تمزق صمت الفجر في قطاع غزة.

ومع أولى ساعات النهار، تبدأ دورة جديدة من العمل المضني داخل مستشفى ناصر، أكبر منشأة طبية لا تزال تقدم خدماتها في القطاع، حيث يبدأ تدفق المرضى إلى غرف العمليات بعد الثامنة بقليل.

وكان غروم وزملاؤه من جراحي العظام والتجميل يعالجون في المتوسط 20 مريضًا يوميًا: ثلثهم من الأطفال، وثلث من النساء، والباقي رجال من مختلف الأعمار، بأطراف ممزقة بفعل القنابل والرصاص.

وغروم هو أحد مؤسسي جمعية "Ideals" الخيرية التي تقدم خدمات صحية في مناطق النزاع، حيث زار غزة نحو 40 مرة، منها أربع زيارات منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وفي إحدى الأمسيات خلال زيارته الأخيرة، وبينما كانت نوبة العمل التي تجاوزت 12 ساعة تقترب من نهايتها، وصل إلى المستشفى طارئ جديد، حيث كان المريض طفلًا يبلغ من العمر 11 عامًا.

هذا الصغير فقد أشقاءه التسعة في غارة إسرائيلية على منزلهم في خانيونس. وكان والده، وهو طبيب، في حالة حرجة، واستشهد لاحقًا متأثرًا بجراحه.

وفي تلك الليلة، تمكن غروم وفريقه من إنقاذ ذراع الطفل بدلًا من بترها، وكان اسم الطفل آدم النجار، ومع تحسن حالته، اكتشف الطبيب البريطاني أن آدم يتحدث الإنكليزية بطلاقة، وله "ابتسامة ملائكية" كانت تظهر عند حصوله على قطعة شوكولاتة من جيب الجراح.

وبعد بضعة أسابيع، تم إجلاء آدم ووالدته إلى إيطاليا. وقال غروم إن حالته الجسدية تحسنت كثيرًا عند مغادرته، رغم أنه من المبكر تقييم تأثير الانفجار على دماغه أو جروحه النفسية.

وأضاف: "لم نتمكن حتى من البدء في تقييم الصحة النفسية لطفل فقد تقريبًا كل أفراد أسرته في قنبلة واحدة".

ولكل طفل فلسطيني تتصدر قصته العناوين، هناك آلاف آخرون لا تُروى قصصهم، فقد أفادت وكالة الأمم المتحدة للأطفال في 16 يوليو، تموز أن "أكثر من 17000 طفل قُتلوا وأُصيب 33000 آخرون خلال الصراع الذي استمر 21 شهرًا".

قصة الطفل يعقوب ذو السبعة أعوام

ويتذكر الطبيب في هيئة الصحة البريطانية الطفل يعقوب، البالغ من العمر 7 سنوات، والذي كان هو وشقيقه الأكبر الناجيين الوحيدين من قصف بالقنابل. كانت ساقا يعقوب مكسورتين من الأعلى والأسفل، وقد تمزق الجلد والأنسجة الرخوة بفعل الانفجار.

ويقول الطبيب: "بينما كنت أكتب تقرير العملية.. كان من المفجع سماعه ينادي على والدته التي كانت قد فارقت الحياة".

ويتذكر حالتين أخريين: أم كانت تحتضن طفلتها البالغة من العمر ثلاث سنوات عندما انفجرت القنابل. فقدت الطفلة ساقيها، وتضرر مرفقا الأم، مما حرمها من استخدام ذراعيها. وهي الآن تستعيد القدرة على استخدام ذراع واحدة.

وعادةً ما يتم إخراج المرضى من المستشفى إلى خيام أو ملاجئ مؤقتة في الرمال، دون أي تأهيل طبي، حيث يعانون من سوء التغذية، مما يبطئ التئام الجروح، فيما معدلات العدوى مرتفعة، ومن الصعب متابعة حالتهم لاحقًا. ومع ذلك، هناك جهود تُبذل.

وقال غروم: "الزملاء الفلسطينيون المذهلون يبذلون قصارى جهدهم.. وبدونهم، لكانت معدلات الوفاة والإعاقة طويلة الأمد أعلى بكثير".

وترسل جمعية "Ideals" فرقًا طبية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 2009، لكن لم يكن إدخال الإمدادات الطبية بهذه الصعوبة من قبل.

وفي السابق، كان غروم وحده يجلب 5 حقائب كبيرة، أما في زيارته الأخيرة، فقد منع الاحتلال فريقه تحت طائلة الطرد والمصادرة وربما العقوبة، من إدخال معدات طبية ضرورية بشدة، مثل أدوات جراحة التجميل الدقيقة لإصلاح الأوردة والأنسجة، أو أجهزة تقويم العظام التي تُساعد على التئام الكسور.

"هذه حياتنا"

ومنذ أن بدأت فرق جمعية "Ideals" زياراتها إلى غزة، كانت هناك دائمًا مبانٍ متضررة، لكن "لا شيء على الإطلاق يُقارن بالدمار الكارثي المنتشر في كل مكان" الآن.

فجميع زملاء غروم الفلسطينيون اضطروا للنزوح، بعضهم أكثر من مرة، وكثيرون فقدوا أقاربهم أو معظم أفراد عائلاتهم الممتدة، ويعيشون في خيام قرب المستشفيات، ويستخدمون مراحيض حفروها بأنفسهم.

ويتذكر غروم امرأة كانت تنام كل ليلة مرتدية حجابها، "حتى إذا قُتلت، تكون في هيئة لائقة"، وأضاف: "ما كان مذهلًا هو عدد الذين كانوا يأتون للعمل يوميًا من خيامهم.. نظيفين، أنيقين، ومبتسمين".

فبعضهم بدا وكأنه يتجاوز معاناة شخصية لا يمكن تصورها، قال غروم عن زملائه الفلسطينيين: عندما تحدثوا عن فقدان أفراد من عائلاتهم.. كانوا يقولون: "هذه حياتنا". ويردف: "ربما سمعت هذه العبارة عشرات المرات".

في زيارته الأخيرة من 13 مايو/ إلى 4 يونيو/ ، كانت أكشاك السوق قد اختفت تقريبًا.

وأفادت وكالة الأونروا يوم الثلاثاء، أن أطباء وممرضين كانوا من بين من "يفقدون الوعي من الجوع والإرهاق"، وسط سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال على غزة.

غروم نقل ما شاهده في غزة إلى صناع القرار في بروكسل وبرلين وباريس، داعيًا إلى ضغط غربي أكبر على إسرائيل. وقال: "في كل مكان قوبلنا بالتعاطف، وغالبًا بالدموع، لكن أيضًا بشعور بالعجز".

وبعد حديثه إلى الغارديان، اقترحت المفوضية الأوروبية تعليقًا جزئيًا لمشاركة إسرائيل في برنامج الأبحاث الأوروبي، وهو أول إجراء عقابي محتمل ضد الحكومة الإسرائيلية، ويجب أن توافق عليه أغلبية الدول الأعضاء ليصبح ساريًا.

وقد عبّر غروم عن "خيبة أمل كبيرة" عندما لم يتخذ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أي إجراء بعد مراجعة علاقات الكتلة مع إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر، لكنه أضاف: "لا أعتقد أن المعركة قد انتهت".

التلفزيون العربي