إعلان

 

تابعنا على فيسبوك

من اعلام ولاتة مولاي عبد الله شيخ العافية/ سيدي محمد ولد جعفر

خميس, 02/10/2025 - 14:55

ولاتة مدينة العجائب الغامضة التي نظن انا نعرفها لكن هل ذلك حقا أم أننا فقط نظن ظنا لكي نبدوَّ وكأننا مستيقنين؟ وأنما نعرف عنها عند التحقيق هو مجرد أوهام نتخيلها، وسرديات نعيد صياغتها ونرسم ابتسامات فرح على شفاهنا الشواحب توهم بأننا اكتشفناها. وفككنا شفرتها الأكثر تعقيدا من شفرة دافنتشي، هل نعرف من هم بناتها؟ من أين جاءوها ماهي منحوتاتهم التي كانوا يعبدون وكيف كانوا يقدمون لها القرابين؟ هل الآباء المؤسسين ضلوا في اديمها عند ما قبروا وقوفا أم ممددين؟، صمت شبه كامل عن هذه الجوانب في كتب كُتُّابِ المسالك والممالك المسلمين؟.

بعد أن وحدت مدينة العجائب ولاتة ودخلت دورة دين الشرق القادم اليها من الشمال محمولا على الأسنة أو على ظهور البُعران في حقب تفاصيلها المقنعة مجهولة والمدون عنها لا يفي بالغرض لتناقضه، يممها الركبان بعضهم قدم من بلاد برغواطة وما ورائها، وآخرون أتوا من اسفل منها.

 في عصورها الحديثة وبعد أن تمهدت السبل واختلطت السن اهل الشمال برطانة السن اهل الجنوب واُخلط القديد بالسمك المجفف على الموائد الولاتية وعلى مشارف مطالع القرن الثامن عشر كان الركب البلحاجي القادم من توات على موعد لأن يكون له تاريخ ثابت مثل بقية الاقوام في ولاتة العجيبة، فتوافدوا باعة ومبتاعين معلمين ومتعلمين واستقر منهم نفر شكل أرومة بلحاجية علوية بها. 

من المنحدرين من تلك الأرومة مولاي عبد الله (شيخ العافية) بن سيدي محمد بن مولاي صالح بن مولاي الشريف، بن سيدي حمُ بالحاج بن مولاي الحسن بن سيدي محمد بن مولاي عبد الله بن مولاي محمد بن مولاي علي السجلماسي، بن الحسن بن محمد بن الحسن الداخل بلاد المغرب قادما من ينبع النخيل في النصف الثاني من القرن السابع الهجري حسب المصادر التي ترجمت له والمنحدر بدوره من الدوحة النبوية من سلالة محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط عليهم السلام.

كانت العائلات البلحاجية أهل تجارة رائجة بين أسواق تافيلات وتوات وبوابتي بلاد السودان ولاتة وتنمبكتو، راكموا ثروات كبيرة عبر أجيال متعددة وفي بيوتاتهم المختلفة ومن بيت مولاي الشريف بن سيدي حم بلحاج ينحدر المُترجم له مولاي عبد الله  شيخ العافية، الذي لم تسعفنا المصادر الولاتية بتاريخ مولده، لكن أكدت لنا وباتفاق شبه تام تاريخ وفاته، وحدثتنا عن ثروته الكبيرة وعن انفاقه وانتفاع المحتاجين منها وعن حجاته المتكررة وكيف كان ينظم ركب الحجيج من ولاتة عبر الصحراء الكبرى، سجل الإيديلبي في تاريخه في احداث عام 1194 " فيه حج مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح حجته الأولى" وجاء في كتاب حوادث السنيين أن " مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح بن مولاي الشريف المعروف بشيخ العافية رئيس شرفاء ولاتة.... كان عادلا تقيا سخيا منفقا حج هذه السنة 1194 " 

وجاء ايضا في تاريخ  (الايديلبي) في احداث عام 1204 هجرية " فيه حج الشريف مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح الحسني" وهو ما أكده المحجوبي في منح الرب الغفور عند ذكره وقائع نفس العام حيث قال" وفيه خرج لحج بيت الله الحرام، الشريف مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح "

وقد رافقه في رحلة حجه عام 1204 هجرية محمد البشير بن الحاج ابي بكر بن الطالب محمد البرتلي  وذكره في كتاب رحلة حجه كثيرا وهي اقدم رحلة حج عثر عليها في ارض البيظان حتى الآن ومما قال عنه " ثم خرج الشريف مولاي عبد الله ذاهبا الى تنمبكتو وخرجت معه لزيارة الصالحين المدفونين بها ... وزرنا الشريف سيدي حم بلحاج ومن معه من اقاربه" وسيدي حم المقصود هو جد مولاي عبد الله الثالث.

وقال عنه الباحث الولاتي عاله بن المرواني في تدوينة له على صفحته بالفيسبوك "من أعلام الشرفاء الولاتيين، الشيخ الشريف مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح الملقب بشيخ العافية, حج ثلاث مرات سنوات ( 1194- 1196 – 1204ه) . وكان من رؤساء شرفاء ولاته"

 

 

وقد مدح الشعراء مولاي عبد الله بقصائد عديدة اخترنا هذه الأبيات من إحداهن نظرا لإشارتها إلى حجاته:

بحر النهى والعطا من لا يماثله

فيه الفرات ولاجيحون والنيل

المُعمل العيس في مرضات خالقه 

لها على شحطٍ نصُ  وتبجيل

في كل عام له ركب يزور به

خير الورى وله حج وتهليل

ليث هصور مقيم كل ذي أَودٍ 

لا يستلين قناة منه تهويل

الحاذق الحازم اليقظان ناظره 

فما به صروف الدهر تبديل

سارت مناقبه في الأرض سائرة

 فما لها مثل في السير تمثيل

جمت فضائله عمت فواضله 

في كل أمر له عقد وتحليل

ما غاب مذ غاب عنا نجم سؤدده 

حتى أضاءت من المهدي قناديل

قد كان يطفئها من الحيا كرما

فاليوم يبدو لها نور وتعطيل

أنت الإمام الذي كنا نراقبه

 لم تختلف أبدا فينا الأقاويل

عاد السرور لنا وكان فارقنا

والعود بعد فراغ فيه تفضيل

فالله يبقيك في خير رعايته

سيفا صقيلا على الأعداء مسلول

ورثاه انبوية بن محمد بوية بن الطالب عبد الرحمن المحجوبي قاضي ولاتة المتوفى عام 1221هجرية،بأبيات منقوشة على قبره شاهدة على مكانته في نفوس علماء ولاتة ومعبرة عن رُزء أهل القرية بفقده:

هذا ضريح الهدى والحلم والحسب هذا ضريح شريف العلم والنسب

إنسان عين الزمان بدر أنجمه 

حامي الشريعة كهفنا لدى الكرب

يا لهف قريتنا ولاتة أجمعها

بعد الأمير الأمين المنفق الذهب

من للمهمات من لحل عقدتنا 

من للمساجد من للدين والكتب

يا ليت شعري من للحج بعدك 

من للهاشميات في شرق ومغرب

لازال سحب الغفران منسجم

يسقي ضريحك يا بن خير كل نَبِ

 

سرديات ولاتية عنه:

تقول سردية ولاتية عن سبب اطلاق لقب شيخ العافية عليه أن متسلطا كان يأخذ مغرما سنويا على سكان ولاتة، - ومعلوم أن الولاتيين كانوا أهل ثروة ولم يمتهنوا حمل السلاح للدفاع عن انفسهم لذلك كانوا مستهدفين من الغزاة - وأن هذا المتسلط  جاءهم يوما ليخبرهم أنه راي رضيعا في المنام وأنه أمر بأن يترك له المغرم، فعرض عليه الأطفال الرضع فعرفه من بينهم، فأطلق عليه السكان لقب شيخ العافية لخلاصهم من المغرم.

  رواية أخرى تقول إن رجلا من قبيلة أولاد بلة من بني حسان يسمى "سقيدة" جاءه وسكن معه وأنه أشار عليه بشراء الابل فوافق مولاي عبد الله ولما اشتراها قال له البلاوي أي ميسم اضع عليها حتى تعرف به؟ قال له أنا لا اعرف شيئا عن الحيوان وليس لي ميسم خاص ضع عليها الميسم الذي تراه، فقام "سقيدة " بوضع ميسم قبيلته الذي هو على شكل رقم  (١٧١) بالأرقام الهندية معكوسا فصار هكذا (١٨١)، واصبح ميسم آل مولاي صالح ويوجد مكان يقع شرق ولاتة يعرف  حتى اليوم باسم " انباك الشريف "  يقال إن حيوانه كان ينتجع عنده.

من مناقبه في العدل والاصلاح البيني:

 تقول سردية ولاتية عنه أن نزاعا نشب بين مجموعات قبلية حول عين ماء وكاد ينزلق نحو العنف، فجاء مولاي عبد الله شيخ العافية، وهدأ النفوس وذهب بهم الى بيته واعد لهم وليمة وحدثهم عن التراحم والجيرة والارحام، ولما استقر الحال، قال لهم ليخبرني كل منكم عن اصل دعواه، فلما انتهوا من مرافعاتهم اذا بالعين في الأصل وقف قديم وليست ملكا لاحد من المتخاصمين فقال لهم "الماء لا يقسم بالسيف وإنما يقسم بالعدل"

كيف تحدث أصحاب التراجم عن وفاته.

جاء في تاريخ الايديلبي في احداث عام 1216 هجرية " توفي فيه الشريف الغطريف الرئيس فاعل الخير والمعروف التقي النقي السني سيدي مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح ليلة الاحد لخمسة خلون من شعبان".

وجاء في تاريخ ولاتة الكبير في وقائع عام 1216هجرية "توفي الحاج مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح الشريف الحسني"

وجاء في منح الرب الغفور للمحجوبي في وقائع عام 1216 هجرية " فيه توفي الحاج مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح الشريف الحسني .كان رحمه الله تعالى نزيها حليما كريما سخيا منفقا في سبيل الله فعالا للمعروف والخير، تقيا نقيا سنيا بصيرا بأحوال السياسة عادلا فيها، محبا لأهل الدين معظما لهم ولا سيما اهل العلم .كان له مال عظيم نفع الله به عباده حج ثلاث مرات رحمه الله تعالى ونفعنا به آمين.

وقال عنه الباحث في التراث الولاتي الأستاذ عاله بن المرواني في تدوينة له على صفحته بالفيسبوك "من أعلام الشرفاء الولاتيين، الشيخ الشريف مولاي عبد الله بن سيدي محمد بن مولاي صالح الملقب بالشيخ العافية.... حج ثلاث مرات سنوات ( 1194- 1196 – 1204ه ) وكان من رؤساء شرفاء ولاته...  توفى بولاته ليلة الأحد خامس شعبان سنة 1216ه/1804م وله مزار مشهور بمسلته العالية البيضاء... وهى أول معلمة من قبور الشرفاء...رحم الله الشريف مولاي عبد الله وأحسن إليه ووالدينا والمسلمين ونفعنا ببركتهم آمين" .