
لإن كان قطاع التعليم وكرا للزبونية والمحسوبية على نحو مريع وفظيع فإن قطاع الخارجية مثله تماما بل ويتفوق عليه في أمور عديدة إذ يعرف قطاع الشؤون الخارجية بأنه أكثر القطاعات ابتلاء بمرض المتسللين و القافزين من النوافذ الخلفية دون المرور بالباب الكبير للمسابقات و الاكتتابات العلنية و الشفافة. و في هذا السياق تعود آخر مسابقات الاكتتاب المعلن إلى العام 1984، و جميع مكتتبيها حاليا متقاعدون.
و لم يعد القطاع إلى صوابه القانوني إلا عام 2007، عندما نظمت مسابقة داخلية اكتتب فيها 15 مستشارا للشؤون الخارجية بصفة مباشرة عرفوا بدفعة ال15، من بين 80 مترشحا من مختلف أسلاك الفئة (أ طويلة) بالوظيفة العمومية بأقدمية لا تقل عن 15 سنة، و مسابقة خارجية لدخول المدرسة الوطنية للإدارة لتكوين 19 مستشارا للشؤون الخارجية اختيروا من بين أزيد من 1500 و معهم مسابقة داخلية لمستشار واحد من أسلاك الفئة (أ قصيرة)، عرفوا بدفعة ال20، و التحقوا بالسلك الدبلوماسي عام 2009. ثم تتالت المسابقات بعد ذلك لتدخل الخارجية عهدا جديدا من الشفافية و احترام العدالة و المساطر.
لكن السنوات الأخيرة عرفت للأسف تسلل عدد معتبر من المستخدمين في قطاع الشؤون الخارجية إلى الأسلاك النظامية للشؤون الخارجية، دون المرور عبر البوابة الشرعية للمسابقة و الاكتتاب العلني و الشفاف. و هي ظاهرة يعرفها القاصي و الداني في وزارة الشؤون الخارجية.
و إذا ادعى البعض أن القرارات الإدارية إذا لم يطعن فيها في أجل الشهرين ممن له الصفة و المصلحة في ذلك تصبح محصنة، فنقول إن ذلك مردود بغياب شرط أساسي في هذه القرارات و هو شرط العلنية، لأن المعنيين بالطعن لا يعلمون بها، إلا عندما يجدون السارق و المتسلل منافسا لهم في الصفوف الأمامية. مع أن قرارات الترسيم و إعادة الترسيم موضوع حديثنا هنا تخالف أحكاما للمحاكم صدرت حديثا، و تتعارض مع نص و روح معظم القوانين المعمول بها في الوظيفة العمومية. و أخطرها عمليات النقل التحكمي لموظفين من أسلاك أخرى إلى أسلاك الخارجية دون أية مسابقة و لا إعلان.
لكن المصيبة و الطامة الكبرى في حالة المتسللين في عصر ما بعد التسلل و خفافيش الظلام، هو تميزهم بما يصفه المثل الشعبي الحساني : "سارق و زعيم". تضغط على كل من وزارتي الخارجية و الوظيفة العمومية ليخرقوا لك القوانين و يدمجوك دون حق، ثم تريد لما بني على باطل، أن يكون أساسا يشرع لك أن تنافس الذين دخلوا من الأبواب الكبيرة للمسابقات المهنية العلنية و الشفافة.
أسفنا كبير لما لوحظ في أفق الدورة الحالية "للجنة متماثلة الأطراف" التي من المفترض أن تبت هذه الأيام في تقدمات موظفي الأسلاك الدبلوماسية و القنصلية، من كون عدد ممن رشحوا أنفسهم دون خجل للرتب المتقدمة، من مثل "وزير مفوض" و "مستشار درجة أولى" هم من الجماعة إياها، من المتسللين في عصر ما بعد نهاية مملكة التسلل و اللاقانون. "إذا لم تستح فأصنع ما شئت".
عبد الفتاح ولد باب .
كاتب صحفي
.gif)





.gif)