
أكد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، أنه لم يدخر جهدا، منذ توليه مقاليد الحكم، في سبيل أن يزداد رباط المواطنة رسوخا ومتانة ليكون الأساس الحصري لعلاقة الدولة بالمواطنين ودعامة الانسجام الاجتماعي والوحدة الوطنية، لقناعته الراسخة بأن البلد رهين، في بقائه وفي تقدمه وازدهاره، بقدرتنا على تعزيز رباط المواطنة وحمايته في وجه التأثيرات السلبية لمختلف الروابط الأخرى.
وأضاف، خلال إشرافه على إطلاق النسخة الرابعة عشرة من مهرجان مدائن التراث، اليوم الجمعة في وادان، أن هذه المدينة سطرت، كغيرها من مدائننا التراثية، فصولا مضيئة من تاريخ أمتنا، مؤكدا أن هذا المهرجان يشكل أحد شواهد الحرص على صون هذا الموروث الثمين، بترقية تراثنا الوطني، والتأسيس لتنمية محلية تثبت الساكنة في مواطنها، وتحفز الصناعات الثقافية والتراثية، وتسهم في تطوير هذه المدائن بنحو منسجم مع خصوصياتها التراثية.
وفيما يلي نص خطاب رئيس الجمهورية:
“بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
السيد زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية؛
السادة والسيدات الوزراء؛
السادة والسيدات أعضاء السلك الدبلوماسي؛
السيد الوالي؛
السادة رؤساء المجالس الجهوية والنواب والعمد؛
السادة رؤساء الأحزاب السياسية؛
السادة والسيدات ضيوف مدائن التراث؛
السادة والسيدات المدعوون؛
أيها الجمع الكريم؛
يسرني أن أعرب لكم جميعا، سكان مدينة وادان، عن الشكر الجزيل على حسن استقبالكم وكرم ضيافتكم الأصيل مباركا لكم مهرجانكم هذا. وبودي أن نستحضر معا، لنترحم عليها، شخصية سياسية، وطنية بارزة شاركتنا هنا النسخة الماضية: إنه أخونا كان حاميدو بابا تغمده الله بواسع رحمته، ولنترحم كذلك على شخصية وطنية من مدينتكم هذه شاركتنا هي الأخرى نفس النسخة إنه أخونا لوليد ولد وداد أسكنه الله فسيح جناته.
كما أود أن أتقدم بالشكر لكافة ضيوف المهرجان، من داخل الوطن وخارجه، مقدرا حرصهم على مشاركتنا اليوم، رغم المسافات والانشغالات الكثيرة، الاحتفاء بهذا الكنز التراثي النادر النظير: مدينة وادان.
من شارع الأربعين عالما إلى المكتبات الزاخرة بالمخطوطات النفيسة، مرورا بالعمران المتميز الفريد، كل شيء في هذه المدينة ينطق بعراقتها وما اتسمت به من إشعاع اقتصادي، وثقافي، متألق، لقرون عديدة متتالية.
لقد سطرت وادان، شأنها في ذلك شأن سائر مدائننا التراثية، فصولا مضيئة من تاريخ أمتنا، فصولا بها نعتز ونفتخر. وما هذا المهرجان الذي نطلق اليوم نسخته الرابعة عشرة إلا أحد شواهد حرصنا على صون هذا الموروث الثمين، بترقية تراثنا الوطني، والتأسيس لتنمية محلية تثبت الساكنة في مواطنها، وتحفز الصناعات الثقافية والتراثية، وتسهم في تطوير هذه المدائن بنحو منسجم مع خصوصياتها التراثية.
سكان مدينة وادان؛
في افتتاح النسخة العاشرة من هذا المهرجان، ناديت، هنا، من مدينتكم هذه بضرورة التحرر من أوهام التراتبيات الزائفة، وما تنبني عليه من أحكام مسبقة، وصور نمطية وهمية، تضعف الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية. كان نداءً نابعا من قوة يقيني بأن الدولة الحديثة لا تقوم، في الأساس، إلا على مفهوم المواطنة بما يستلزمه من مساواة في الكرامة والحقوق والواجبات، وبما يتطلبه من تحرر من العصبيات القبلية، والفئوية، والشرائحية، المنافية لجوهره.
وإنني لراسخ القناعة بأن بلدنا رهين، في بقائه وفي تقدمه وازدهاره، بقدرتنا على تعزيز رباط المواطنة وحمايته في وجه التأثيرات السلبية لمختلف الروابط الأخرى.
ولذا لم أدخر جهدا، منذ أن توليت مقاليد الحكم، في سبيل أن يزداد رباط المواطنة رسوخا ومتانة ليكون الأساس الحصري لعلاقة الدولة بالمواطنين ودعامة الانسجام الاجتماعي والوحدة الوطنية.
وفي هذا الإطار عملنا، مثلا، على تكريس دولة القانون وأطلقنا المدرسة الجمهورية لتمكين أبنائنا من الاستفادة، في ظروف متماثلة، من خدمة تعليمية ناجعة ولترسيخ قيم المواطنة والمدنية لدى الناشئة. وميزنا إيجابيا في مدارس الامتياز بتخصيص مقاعد لأبناء أسر السجل الاجتماعي مع منحهم من الإسناد التربوي ما يؤهلهم للتفوق في هذه المدارس.
كما توسعنا في إنشاء وتعزيز الكفالات المدرسية، دعما لنسب الاستبقاء ومؤازرة للأسر الأقل دخلا. كما أطلقنا إصلاحا شاملا لمنظومتنا الإدارية بهدف جعلها أقرب إلى المواطن، وأقوى في تمكينه من إجراء معاملاته، ونيل حقوقه، بكرامة، وعلى أساس المواطنة حصرا؛ سعيا إلى أن يُحس الجميع، في مختلف أوجه التعاطي الإداري، وفي توفير الخدمة، بمساواة مطلقة في الواجبات وفي القدرة على استيفاء الحقوق.
كما حاربنا الهشاشة والفقر ببناء شبكة أمان اجتماعي لا تزال تتوسع من حيث عدد الأفراد المستفيدين وتتنوع من حيث أشكال الدعم التي توفرها كتحمل الدولة لتكاليف التأمين الصحي للأسر الفقيرة وإدراج الوالدين وجميع طلاب التعليم العالي في التأمين الصحي واستحداث مؤسسة الصندوق الوطني للتضامن الصحي التي تتكفل بالتأمين الصحي للأسر الأقل دخلا بمساهمة رمزية.
ناهيك عن التسهيلات الاستشفائية العديدة من قبيل مجانية بعض الخدمات الصحية لكافة المواطنين، كالحجز، ونقل المصابين بحوادث السير، والنقل الطبي بين الوحدات الصحية، وأدوية الإنعاش والحالات المستعجلة، وأدوية السل، وتصفية الكلى وزراعتها، ومدخلات التغذية والتلقيح. علاوة على دعم التكفل بحزمة من الخدمات كعلاج النساء الحوامل، وأمراض القلب، والسرطان، والملاريا.
هذا علاوة على تأمين تحويلات نقدية منتظمة لصالح الأسر الفقيرة وتوفير المواد الغذائية المدعومة حماية للقدرة الشرائية لمواطنينا الأكثر ضعفا.
وحرصنا، كذلك، في الوقت ذاته، على إشراك الجميع في تدبير الشأن العام بتعزيز اللامركزية، وتوسيع النسبية، وبلوائح النساء والشباب، مع ضمان تمثيل ذوي الاحتياجات الخاصة.
كما توسعنا في تطوير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وبنى تحتية سعيا إلى توفيرها، في السوية، للجميع ربطا للحقوق بالمواطنة وتخلصا من الغبن والإقصاء.
هذا بالإضافة إلى عديد الإجراءات الأخرى التي من شأنها أن تساهم في ترقية مفهوم المواطنة وتاليا في تعزيز الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
أيها السادة والسيدات؛
إننا نعي جيدا أن ما تحقق في سبيل تقوية رباط المواطنة وتعزيز اللحمة الاجتماعية، هو مما يقع على مسؤولية الدولة حصرا، وهي تدرك أنه، على أهميته، لا يكفي، بل لا بد أن يعززه تحول عميق في العقليات والمسلكيات، يتراجع بفعله التأثير السلبي للقبلية والشرائحية والفئوية على رباط المواطنة.
ويشهد تاريخ الأمم والشعوب على أن تحول العقليات والمسلكيات هو في العمق، مناط في الأساس بالنخب السياسية، والفكرية، والإعلامية، والفنية، وبالمجتمع المدني عموما، ولن تتمكن الدولة، منفردة، من إحرازه.
والغريب في الأمر أن نخب بلادنا مقتنعة بضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وبأهمية ترسيخ مفهوم المواطنة، لكن تجاذباتها واختلافاتها ونزاعاتها تغطي غالبا على هذه القناعة، فيخرج بذلك هدف تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مفهوم المواطنة عن دائرة أولوياتها ويتضاءل إسهامها في تحقيق هذا الهدف إن لم تشارك، بوعي أو بغير قصد، في إعاقته.
صحيح، أن الاختلاف والتجاذب في الرأي والمواقف أمر محمود، به تعيش وتتطور المنظومات الديمقراطية، وهو مرغوب لدينا، ونحترمه، ونعتبر أن لا غنى عنه مطلقا، لكنه لا ينبغي أن يكون على حساب أسس كياننا الاجتماعي ومشتركاتنا الأساسية، التي تقع على عواتقنا، جميعا، مسؤولية تعزيزها وتوطيدها.
وإن إجماعنا على هذه المشتركات وتكاملنا في تعزيزها وتوطيدها لا يقلص مطلقا الفضاء الواسع للاختلافات والتباينات التي هي روح الحياة الديمقراطية. ولذا يتعين علينا جميعا حكومة ونخبا سياسية وثقافية ومجتمعا مدنيا أن نكون يدا واحدة في حماية هذه المشتركات.
ولم أدع مؤخرا إلى إجراء حوار شامل لا يستثني طرفا ولا موضوعا إلا لقناعتي بضرورة بناء إجماع وطني شامل حول هذه المشتركات بما يزيد رباط المواطنة متانة ويعزز الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
ومعلوم بداهة، أن الإجماع حول المشتركات لن يستديم حاضرا ومستقبلا إلا بمشاركة فاعلة من شبابنا أمل أمتنا وقاطرة تحولها ونمائها.
وإننا لنعول كثيرا، على إسهام شبابنا بحيوية ونجاعة في ترسيخ رباط المواطنة وتقديمه مطلقا على ما سواه من الروابط الأخرى.
وفي الختام أعلن على بركة الله افتتاح هذه النسخة الرابعة عشرة من مهرجان مدائن التراث، راجيا لها باهر النجاح، ومجددا الإعراب لضيوفها عن كامل الترحيب والتقدير.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
.gif)





.gif)