من المُفارقات العجيبة-الغريبة أنّ دول مجلس التعاون الخليجيّ اتخذّت في الثالث من آذار (مارس) عام 2016 قرارًا يعتبر حزب الله، تنظيمًا إرهابيًا، تمامًا مثل دولة الاحتلال، بكلماتٍ أخرى، منحت هذه الدول الشرعيّة لإسرائيل بالقضاء على هذا التنظيم “الإرهابيّ”، ضمن الجهود العالميّة الكاذِبة والمُنافِقة للقضاء على الإرهاب، مع أنّ الاحتلال هو قمّة قمم الإرهاب. وبعد مرور أسبوعٍ واحدٍ، أيْ في الحادي عشر من شهر آذار (مارس) من العام نفسه، أعلن وزراء الخارجيّة العرب خلال اجتماعهم في مقرّ الجامعة العربيّة في القاهرة عن تصنيف حزب الله اللبنانيّ إرهابيًا، وسط تحفّظٍ من لبنان والعراق وملاحظة من الجزائر، وعلمًا أنّ سوريّة طُردَت من الجامعة العربيّة. من هنا، يُستشّف بالدليل القاطِع أنّ الأنظمة العربيّة تتساوَق في موقفها من حزب الله مع الموقف الأمريكيّ-الإسرائيليّ، الذي يرى في حزب الله شوكةً عالقةً بالحلق، ويبحث عن الطرق والوسائل للقضاء عليه، والتخلّص منه سياسيًا وعسكريًا، لأنّه على المدى المنظور والبعيد لا يُمكِن لكيان الاحتلال التعايش مع تهديدٍ إستراتيجيٍّ يؤرقه ويقُضّ مضاجعه.
***
ولكن على الرغم من الـ”دعم” العربيّ الضمنيّ لإسرائيل، فإنّ الأرشيف لا يكذب: منذُ أنْ وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها في آب (أغسطس) من العام 2006، وبفضل استبسال حزب الله في مُواجهة أحد أفضل وأقوى الجيوش في العالم، خرج إلى النور ميزان الرعب الجديد وتغيّرت قواعد الاشتباك، 12 عامًا منذ ذلك اليوم لم تجرؤ إسرائيل المارِقة على مُهاجمة الحزب على الأراضي اللبنانيّة، لا بلْ أكثر من ذلك، الدولة العبريّة، “الحمل الوديع″، باتت تشتكي حزب الله إلى مجلس الأمن الدوليّ، بعدما كان العدوان على لبنان مُجرّد نزهةً للـ”الجيش الأكثر أخلاقيّةً في العالم” (!)، وأقرّت أنّ ميزان الردع بين الطرفين بات سيّد الموقِف، وذلك على الرغم من أنّ القاعدة في العلوم السياسيّة تؤكّد أنّ العلاقات الدوليّة محكومة بموازين القوى، وميزان القوى، شئنا أمْ أبينا، هو لصالح إسرائيل، كمًا ونوعًا، بالإضافة إلى الدعم الأمريكيّ المُطلق لدولة الاحتلال، وبناءً على ما تقدّم، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: لماذا تمتنع إسرائيل عن القضاء على حزب الله، مع أنّ أركانها يُهدّدون صباحًا مساءً وجهارًا نهارًا بإعادة لبنان إلى العصور الحجريّة؟.
***
ربمّا الجواب على السؤال الذي طُرحَ أعلاه يكمن في عدّة تصريحات أدلى بها علنًا قادة الدولة العبريّة من المُستويين السياسيّ والأمنيّ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ إسرائيل وحزب الله على حدٍّ سواء، يقومان بشنّ حربٍ نفسيّةٍ شرسةٍ: وزير الأمن المُتشدّد والمُتطرّف، أفيغدور ليبرمان، أكّد على أنّ الجيش الإسرائيليّ لم ينتصر ولو في حربٍ واحدةٍ منذ العام 1967، مُعترفًا بشكلٍ غيرُ مباشرٍ بأنّه أخفق أيضًا في حرب لبنان الثانيّة ضدّ حزب الله. من ناحيته أشار المُحلّل دافيد ماكوفسكي في مقالة له نُشرت على موقع “معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى” إلى أنّ المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنّ حزب الله يملك ما يزيد عن مائة ألف صاروخ، وقال إنّ الترسانة الصاروخيّة هذه قد تكون السبب الذي جعل صنّاع القرار في تل أبيب، من المُستويين السياسيّ والأمنيّ، يمتنعون عن ضرب لبنان خلال الأعوام الماضية، والاكتفاء باستهداف مواكب سلاح حزب الله في سوريّة فقط. من ناحيته، أكّد المُحلّل الإسرائيليّ، يسرائيل هارئيل، في صحيفة (هآرتس) العبريّة أنّ هدوء حزب الله الوهميّ لا يعود (فقط) إلى الردع الإسرائيليّ، بل هدفه السماح لنفسه باستكمال مهمته من دون إزعاجٍ وهي: نشر سلاح استراتيجيّ في لبنان ضدّ السكان المدنيين الإسرائيليين، وانتظار اليوم الذي تصدر فيه الأوامر. وتابع: يفترض الحزب، وهو مُحّق، أنّ إسرائيل، على عكسه، لا يمكن أنْ تضرب بصورةٍ عشوائيّةٍ المدنيين في لبنان، ولن تُعيد لبنان إلى العصر الحجريّ، ولفت المُحلّل، المعروف بآرائه اليمينيّة، إلى أنّه تبيّن أنّ افتراض حزب الله هذا صحيح، فسياسة الاحتواء التي مارستها إسرائيل حوّلت مواطنيها إلى رهائن لتنظيمٍ إرهابيٍّ وحشيٍّ، لا يردعه أيّ شيءٍ، وتستخدمه قوة عظمى تكره اليهود (إيران)، وتُهدّد علنًا، ومن دون خوف من ردود العالم، بالقضاء على دولة اليهود، مُشدّدًا على أنّ عمليات القصف المتقطّع للشحنات الإيرانيّة المُحملّة بالصواريخ إلى لبنان ليست أكثر من ألعابٍ ناريّةٍ، إذْ يجري تدمير العشرات بينما المئات، لا بل الآلاف، من الشحنات، تصل إلى حزب الله، على حدّ قوله. وجزم أنّه كلمّا جرى تأجيل الحسم، سيكون الثمن باهظًا أكثر، ومؤلمًا أكثر، وإذا أعطينا العدو، كعادتنا، “حقّ” القيام بالضربة الأولى، فإنّ الثمن سيكون غيرَ مُحتملٍ. وتساءل: ماذا ستُفيد الضربة المُضادّة؟ حتى الآن لم تتعافَ إسرائيل بعد من الصدمة الوطنيّة التي سببتها خسائر حرب أكتوبر 1973.
***
أمّا لجهة تعرّض الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة لصواريخ حزب الله، فبحسب أخر تقريرٍ رسميٍّ صادرٍ عن الجيش الإسرائيليّ، فإنّ حزب الله بات قادرًا على إطلاق 700 حتى 1300 صاروخًا كلّ يومٍ على عمق الدولة العبريّة، في حين قال الجنرال في الاحتياط، متان فلنائي، نائب وزير الأمن سابقًا، إنّ حزب الله تمكّن من تأسيس أكبر شبكة صواريخٍ في العالم، وهذه الصواريخ، المتطورّة موجهة جميعها لضرب بلاده، وفي المُقابل أكّد وزير الأمن ليبرمان على أنّ حزب الله يملك صواريخ أكثر بكثير من دولٍ أعضاء في حلف شمال الأطلسيّ، وغنيٌ عن القول إنّ جيش الاحتلال يتدرّب على منع حزب الله من “احتلال” مُستوطناتٍ في الشمال، وإخراج تهديده بتحويل مصانع البترو-كيميائيات في خليج حيفا إلى قنبلةٍ نوويّةٍ، علاوة على اعترافه بأنّ كلّ بقعةٍ في إسرائيل، بما في ذلك مفاعل ديمونا النوويّ، باتت في مرمى صواريخ المُقاومة، وبمُوازاة ذلك، أعدّت الحكومة الإسرائيليّة خططًا لإخلاء السكّان من الشمال.
***
وأخيرًا في ظلّ هذا الـ”تعادل” والردع المُتبادَل بين الطرفين، نخشى أكثر من نخشاه، أنْ يُقدِم حكّام تل أبيب على مُغامرةٍ-مُقامرةٍ محسوبةٍ أوْ غيرُ محسوبةٍ، واستخدام الأسلحة غير التقليديّة لسحق حزب الله، وكانت صحيفة “معاريف” العبريّة، نشرت في (11.11.2014) أدّق تفاصيل ترسانة إسرائيل النوويّة، وأسلحة الدمار الشامل التي بحوزتها وتشمل صواريخ باليستية عابرة للقارات باستطاعتها حمل رؤوسٍ نوويّةٍ وغواصاتٍ نوويّةٍ وطائراتٍ قاذفةٍ للقنابل وغيرها من الأسلحة، مُضيفةً أنّ الدولة العبريّة تمتلك صواريخ من طراز (أريحا)، وأسلحةً تكتيكيّةً متطورّةً للغاية وغواصات تستطيع حمل صواريخ برؤوسٍ نوويّةٍ ومقاتلات حربيّةٍ من طراز F-16، وأسراب من قاذفات القنابل التي يُمكنها إطلاق 20 قنبلة ذرية في المرّة الواحدة. والسؤال: هل تجرؤ إسرائيل على استخدام الأسلحة النوويّة كأوّلِ دولةٍ منذ الحرب العالمية الثانيّة؟ وهل هذه الخطوة، في حال خروجها إلى حيّز التنفيذ، ستُشعِل الحرب العالميّة الثالثة؟
.زهير اندوراس- رأي اليوم