حين يصرح جميل منصور أن "حركة الإخوان المسلمين لم تعد موجودة منذ زمن بعيد"، فهو إنما يؤبد تقليدا إخوانيا رافق الحركة منذ التأسيس: إنكار الحقائق والوقائع حين لا تكون في صالحها. كان المرشد أول من سن لهم ذلك؛ فبعد اغتيال القاضي الخازن دار أقام التنظيم محكمة لعبد الرحمن السندي، رئيس النظام الخاص، حكمت بدفع دية القتيل وألزمت السندي بعدم التصرف مستقبلا من تلقاء نفسه، وخرج المرشد في حديث الثلاثاء إلى الإخوان فألقى فيهم خطبة "أنكر فيها أي صلة للجماعة بعملية الاغتيال". وظل التنظيم ينكر أي صلة له باغتيال رئيس الوزارة المصرية علي ماهر 1945، إلى أن اعترف اثنان من قادتها بعد ذلك بعقود، أن القاتل منتسب للنظام الخاص وكان مزروعا في الحزب الوطني. وأنكر المرشد أي صلة للتنظيم بقتلة النقراشي باشا وأصدر بيانه المشهور.."ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين!"
على درب إنكار الحقائق والوقائع سار المرشد الثاني الهضيبي حين أنكر وجود تنظيم دولي للإخوان المسلمين.." ليس هناك شيء اسمه التنظيم الدولي..., هذا أبعد شيء عن الحقيقة وعن الواقع وليس من فكرنا, وأهل مكة أدرى بشعابها(الحياة ـ لندن ـ1995/4/15)". كما أنكر يوسف ندا صاحب مصرف التقوى، وأحد قادة التنظيم الدولي ومموله الرئيس، في مقابلة مع (BBC) وجود تنظيم دولي للإخوان! وعلى نفس النهج أنكر ولد الددو، في مقابلة مع الجزيرة، انتماءه للإخوان أصلا! لكن القرضاوي ينشر في موقعه روايته الشخصية لنشأة التنظيم الدولي ودوره فيها.." وبدأ التفكير في إحياء المكتب التنفيذي القديم، الذي كان يمثِّل الدول العربية أو عددًا منها، إذ إن حركة الإخوان ليست مجرد جماعة مصرية، بل هي حركة إسلامية عالمية،...، كما تحدثت عن ذلك في لقاء إستانبول في صيف سنة 1968م. ثم بدأ الأمر يأخذ شكلًا تنظيميًّا، كما كان قبل ذلك. يُدعى من كل بلد واحد يمثل الدعوة فيها. وكنت أحضر ممثلًا للإخوان في قطر، وكنا في أول الأمر مشغولين بوضع خطة للعمل المستقبلي، ليناقشها الأعضاء، فإذا أقرّوها، وضعت موضع التنفيذ." (موقع القرضاوي الرسمي) فهل غاب هذا عن المرشد الهضيبي! ويستمر القرضاوي في الحديث المفصل عن التنظيم الدولي للإخوان فيقول.." كان من أهم ما شغل المكتب أو المجلس في ذلك الوقت، هو إعداد لائحة أساسية عالمية، فإن لائحة الإخوان التي وضعت في عهد الإمام الشهيد البنا، ... كانت موضوعة للإخوان في مصر. والآن نريد لائحة تلائم هذا الوضع الجديد، الذي يمثل معظم الدول العربية، التي توجد فيها جماعة للإخوان، مثل: الأردن وسوريا ولبنان والعراق والسودان واليمن، وغيرها."(موقع القرضاوي الرسمي).
كما نجد في مصادر أخرى تحقيبا أكثر دقة لتاريخ التنظيم الدولي وظروف نشأته، ومراحل تطوره. فقد أنشأ البنا قسم الاتصال بالعالم الإسلامي عام 1944، وتولى رئاسته الأستاذ عبد الحفيظ الصيفي، وهو النواة الأولى للتنظيم الدولي.(ويكيبيديا الإخوان). تطور قسم الاتصال إلى مكتب تنسيق.." سيظل التنظيم الدولي يشتغل كـ»مكتب للتنسيق» بين التنظيمات الإخوانية في العالم إلى غاية تولي مصطفى مشهور القيادي الإخواني ونائب المرشد العام للإخوان المسلمين (عمر التلمساني آنذاك) والرجل الحديدي داخل الجماعة، زعامة التنظيم الدولي، ليعمل على وضع الهيكلة المؤسساتية للتنظيم، ليتم التأسيس الرسمي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين بتاريخ 29 يوليوز 1982، كما توثق لذلك الوثيقة المرجعية التي تم الكشف عنها سنة 1992 والتي أَطلق عليها مؤسس التنظيم «خطة السيطرة والتمكين."
كانت اجتماعات التنظيم الدولي تتم، حسب القرضاوي في مكة والمدينة، وبيروت وعمان، وقد ضم، إلى جانب فروع الجماعة في البلدان العربية والإسلامية مؤسسات ومراكز ومساجد في أوربا وأمريكا، لعل من أشهرها اليوم اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا ومنظمة CAIR في أمريكا. ويقول القرضاوي إن للتنظيم انتشارا في أكثر من سبعين دولة حول العالم، ومن ضمنها موريتانيا. "يقول السيد/ الشيخان ولد ابراهيم ولد بيب القيادي البارز في حركة الإصلاحيين الوسطيين، تيار الإخوان المسلمين: نشأ التيار الإسلامي منذ العام 1975، وحركة الإصلاحيين الوسطيين هي التي تمثل تيار الإخوان المسلمين في موريتانيا."(ويكيبيديا الإخوان، ملف عن الإخوان في موريتانيا). ولم يعلن أي فرع من فروع الجماعة حل نفسه، بما في ذلك فرع موريتانيا. بل إن الجماعة الأم في مصر رفضت حل نفسها بعد ترخيص حزبها واستيلائها على السلطة.
وحين يقول بيان إخوان موريتانيا إن حزبهم حزب موريتاني صرف، فإن الوقائع لا تؤيد ذلك، وإنما هو حزب إخواني ينتظم فكرا وتنظيما في التنظيم الدولي للجماعة ويخضع لسلطتها. فلو كان حزبا موريتانيا صرفا لما رفض رفع العلم الوطني في مؤتمره العام، ولما تظاهر منتسبوه ضد قرار سيادي اتخذته الدولة الموريتانية، ولما كانت الأعلام التركية التي رفعها مناضلوه، عند زيارة أردوغان أضعاف الأعلام الوطنية. ولو كان حزبا موريتانيا صرفا لما اعتبر أي نقد لجماعة الإخوان المسلمين نقدا له يستوجب منه الرد على صاحبه بالحق وبالباطل. فما علاقة ابن مزيد بمن قال صادقا إن البنا هزم في الانتخابات، ولماذا يتصدى ولد الددو في خطبة الجمعة بالرد على انتقاد حركة الإخوان المسلمين التي أكد جميل منصور أنها لم تعد موجودة منذ زمن بعيد!!!
وكيف نفسر مؤازرة مدوني الإخوان للهجمة الشرسة التي شنتها أقلام التنظيم الدولي على بلادنا ورئيسنا انتصارا لإخوانهم في حزب تواصل الإخواني! تظهر هذه الهجمة أن التنظيم الدولي لا زال موجودا، ويتعصب لفرع الإخوان في موريتانيا. فقد أعطت صحيفة القدس القطري إشارة انطلاق الهجمة بافتتاحيتين متتاليتين، وجدت صداها لدى خريج كلية التجارة، وكاتب عمود في يومية الدستور الأردنية، فأمعن في الإساءة. إن الأحزاب الموريتانية الحقيقية هي المنتمية إلى الوطن فكرا وتنظيما، أما التنظيم الدولي السري الذي يتخذ واجهة حزبية يستغل بها نظامنا الديمقراطي، ومناخ الحريات العامة، وهيئات "خيرية" لتبييض التمويلات الخارجية، فلا مكان له في الخارطة السياسية الوطنية.. والحل في الحل...
د.محمد اسحاق الكنتي