يطرح التوجه المفاجئ لعزيز نحو تأزيم وضع سياسي يملك فيه السيطرة على أغلب قواعد اللعبة، وفتح مجابهة مع حزب ينتمي لجماعة تتمتع بكامل الإيمان بمشروعها وقد أدى الصراع معها في بلدان عزيزة البنيان إلى نتائج وخيمة ، تساؤلات تحير العقول ،وإن كان العقل على كل حال، أصيب بنكبة وتعطل عن العمل مثل كل الأمور الصالحة في البلد، منذ بعض الوقت .
وتزداد حيرة النبهاء وعلى نحو أعمق كلما عرفنا أن عزيز يحتاج أكثر من أي وقت مضى لتوحيد الجبهة الداخلية أمام حرب طاحنة بالوكالة ضد حركات مبرمة التنظيم ولا يملك شرعية نابعة من الداخل لخوضها ولا أي تفويض لغرس البلد في أتون حرب طويلة الأمد في حين جعله يقبع في غموض وتسويش دائمين في انتظار مصير شائك تتزاحم العوامل الداخلية والخارجية لرميه خارج الاستقرار. وأمام انتخابات رئاسية لم تتضح طبيعة ولا معالم المنافسة فيها بالنظر إلى دروب التوتر والاحتقان التي زادت من غلوائه الاستحقاقات الماضية . إنه الوضع الذي يكون فيه الهدوء هو الضريبة التي يتحمس الجميع لدفعها خاصةً بالنسبة للمستفيد الأوحد بل المهيمن على جميع الفرص طيلة العقد الماضي ،نعني بذلك عزيز ، الذي يحاول دون الإفصاح عن ذلك فرض واحد من ثلاثة خيارات عبر سيناريوهات بدأت تتكشف خيوطها ويتجه عكس المنشود لزعزعة الأوضاع ، وتتمحور الخيارات حول :
١- خيار التوريث أو ترشيح ولد الغزواني الذي تكون فيه قبضة عزيز ، ومحيطه الشخصي والاجتماعي فاحش الثراء المتنفذين في القرار وفِي الصفقات ، لينة رخوة أو سطحية حتى ، مما يقلص لحد معتبر مزايا نظام الفرد ، وهذا غير محبب لدى هذه الطبقة ولواحقها بل تحتج عليه بكل قوة وانزعاج. لكنه يمثل استمرارية النظام في شكله الحالي وتخفيف شحنة الحنق من الوضع وقد يؤثر على وحدة المعارضة حسب بعض التخمينات ، ولا يقف في وجه تحقيقه سوى مجهود سياسي خارق من النخبة اللا منسجمة في الأطر السياسية الموحدة خلف شخصية كاريزمية قادرة على المواجهة ومتحمسة لتزعم خيار التغيير +انسجام المعارضة القوي والفاعل في كسب رهان التحول + الحد الأدنى من الشفافية .
٢-خيار بقاء عزيز من حيث المضمون في السلطة وذلك بتعديل دستوري ونقل النظام السياسي إلى نظام برلماني والغاء سقف السن والبحث عن رئيس يصحح بعض التوازنات الاجتماعية ، ويكون رئيسا ابروتوكوليا، وتوسيع صلاحيات الوزير الأول وتعيين وزير أول تابع خاضع وحكومة وحزب من مجموعة كبيرة من عديمي الضمير في الواجهة ، تتلقى الأوامر وتنفذها دون تفكير ولا تردد ، وتعيين ولد باي " جوهرة عزيز "على البرلمان وإحكام القبضة على النواب بواسطة الاغراء ، وانتقال صلاحيات التسيير الحقيقي مع عزيز باتجاه الحزب . أي يكون الحزب هو مصدر قرار الجمهورية .
٣- سيناريو المأمورية الثالثة : مستبعد لكن قوة وإرادة الأشخاص الذين يتمسكون بذلك الخيار بوصفه الأنجع والأقل خطرا على عزيز ومحيطه ورموز الفساد في نظامه مستميتون في فرضه ويدفعون بأهمية الظروف المواتية :امتلاك أغلبية تمكن النظام من تحقيق كل ما يصبو إليه ، صعود الكفة الدولية الصديقة للبلد ، أهمية الحرب على "الإرهاب " مقابل السكوت عن الوضع الداخلي مما يجعل ذلك الخيار دائما في الواجهة .
هناك ظروف وسيناريوهات تحيط بهذا الوضع . أولها سيناريو الموجه للخارج وهو ان يفجر عزيز أزمة داخلية مع الإسلاميين حيث يهول حجمهم ويجعل منهم قوة منظمة تملك خلايا نائمة قادرة بل مستعدة لتفجير الوضع الداخلي عندما تتم الحرب على " جناحهم " العسكري ولابد من تأخير الحرب حتى تتم تنقية الأوضاع الداخلية أو تعطيل آلية تنامي خطر الإسلاميين أو لابد من بقاء قبضة قوية قادرة على تسيير التحديين الداخلي والخارجي وقد تدرج المأمورية في ثنايا الحلول الناجعة .
السيناريو الثاني موجه للاسلاميين الذين ترتكز عليهم اليوم دينامية التغيير بوصفهم أكبر شريك في العملية السياسية جاءت به صناديق الاقتراع ، شراكة في الواقع مزعجة وغير محببة وستتفاقم إذا لم يتم كبحها وستمثل خطرا على خيارات التوريث ، و أي وضع للمجابهة وبالتالي لابد من وضعهم موضع قبول المفاوضات والابتعاد عن خيارات التطرّف السياسي في مواجهة النظام ونزع أي فاعلية من معارضة جهود النظام في تحقيق أي من تلك الخيارات .وبالتالي يعتبر غلق المركز والجامعة تسجيل موقف للخارج وإعلان نية للمساومة أو للمجابهة في الداخل .
محمد محمود ولد بكار