حين انطلقت مجموعة من الليبيين متسللة وسط الظلام رافعة شعارات تنادي إسقاط النظام ورفع الحرمان !تصدى لهم رجال الأمن على غرار ما هو معهود في كل الدنيا، ليمنعوهم من تدمير الممتلكات العامة وأخذ السلاح واستخدام عناصر أحسن تدريبها داخل ليبيا وخارجها، خشية أن يعوث هؤلاء المجرمون في الأرض فسادا تحت مظلة المظاهرات السلمية، ليتدخل الغرب في لمح البصر تحت ذريعة "حماية المدنيين" أو البحث عن أسلحة دمار شامل أو حماية الشركات الغربية أو منابع النفط أو الملاحة الحرة في السواحل الليبية، وحتى تحت غطاء طلب المتمردين أو المجرمين أو المعارضين لا فرق من الناحية الشرعية والقانونية فليس لأي منهم شرعية صادرة عن إرادة تسندها نصوص تخول مطالبة التدخل.
إن الرد الغربي أو الاستجابة لمطالب رعاة النفط ورعاة الجريمة وطلاب تدمير ليبيا لم يتأخر ولذلك أسباب وجيهة لمن يدرك حقائق العصر واختلاط ما هو مالي بما هو ديني وما هو سلطوي. أصحاب التمرد يمتشقون بنادقهم ويتأبطون سيوفهم ويركبون دباباتهم. مَنْ تلك سماتهم تعتبر فضائياتنا "المحايدة" و"علماؤنا الموقرون" و"دعاتنا المهتدون" أنهم متظاهرون مسالمون استبيحت دماؤهم دون وجه حق...!
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من يريد أن يفرق أمركم وأمركم جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر لي أحد الثقات أن غيره أخبره أنه شاهد بعض الجنود يغادرون الثكنات في بنغازي وهم يبكون احتجاجا على التعليمات التي تتركهم ينصرفون مخلفين أسلحتهم وراءهم ثقيلة وخفيفة.. لو صدرت التعليمات صارمة في البداية بتوقيف التمرد في حدوده وفي جذره لما امتدت جذوة التخريب والتقتيل وقطع الرؤوس لتشمل المظاهر المقززة المؤلمة التي شاهدنا بأدلة لا تقبل تزوير الفضائيات ولا محاولة تحسين صورة التمرد الإجرامي المسلح.
لقد أوضح ابن حزم في المحلى وغيره من الفقهاء أن الاستعانة بالكفار على قتال المسلمين في حدها الأدنى تكون فسوقا حسب ابن حزم وقد بين رأيا مجاورا مفاده أنها كفر إذا كان من شأنها إطلاق يد الكفار لغير صالح المسلمين، وأناشدكم الله يا من له ذرة من الإيمان هل جاءت أمريكا وفرنسا والدانمارك والسويد والنرويج وغيرها لنصرة المسلمين ولمصلحة المسلمين؟
لقد وجه أحد علماء شنقيط وهو عالم معروف بورعه وزهده وسعة اطلاعه يدعى الإمام مالك بن احمد الأفرم مجموعة من الأسئلة للقرضاوي و كلها استنكارية ، وبيّن فيها بتواضع العالم العارف خطأ فتاوى القرضاوي بهدر دم مسلم كان يقول بالأمس القريب من أمام خيمته إنه قدم للإسلام في الأمكنة المظلمة ما لم يقدمه له أحد ، وقد بيّن له أخطاء هذه الفتوى ومدى خروجها عن الدين وكل ذلك بجهد وتجرد لا ينطلق صاحبه من موقف سياسي، ووجه له أحد عشر سؤالا كلها فقهية محرجة، ولا بد قبل مغادرة هذه النقطة أن أشيد بدور علماء شنقيط الزاهدين الذين تصدوا بالعلم الذي لا يبغي صاحبه غير وجه الله لهذه الفتاوى التي تدرج أصحابها حسب الحاجة.
تجدر الملاحظة أن الجامعة العربية وفقهاءها حين يدعون لاجتماع عاجل إثر كارثة إنسانية ودينية مست الفلسطينيين يتلكئون ويتغيبون ثم يجتمعون بعد فوات الأوان ليشكلوا لجنة لدراسة قرار لا يتجاوز اللجان المختصة، وحين تعلق الأمر بليبيا في لمح البصر أحالوه لغير العرب ولغير المسلمين حتى لا يلتبس الأمر وتجد الدول الاستعمارية والصليبيون واليهود فرصة لا تعوض للانقضاض على بلد طالما شكلت ثروته مصدرا لتمويل كل الثورات وشكلت قيادته صمام أمان أمام الانحراف أو الانجراف وراء تيار لا يخدم المصالح العليا للأمة ولا للإسلام في عالم أصبح يحركه قطب واحد يمر رحاه على كل ذرة تشم فيها رائحة الإسلام أو الثورة أو الإنسانية ولكن شريطة أن لا تكون أوروبية بالمفهوم الواسع للمصطلح.
لا تكونوا نصارى أو يهودا أكثر من أهل الشأن: إن وزير خارجية بريطانيا وليس في الأمر سر حين وقف يشرح موقف بلاده أو حكومته لبرلمانه لم يتلكأ ولم يحتج لانتقاء ألفاظ أو كلمات تخفي نواياه الحقيقية وإنما صرح مباشرة قائلا إن لنا أشياء من ضمنها مصالح خاصة في الموضوع وثأر قديم مع القذافي ومع ذلك ترى وسائل إعلامنا التي نعول عليها في يقظتنا وعلماؤنا الذين نعول عليهم في حفظ ديننا وساستنا الذين نسلمهم زمام قيادتنا وجامعتنا التي تتولى حماية كياناتنا الهزيلة أن الغرب بالمفهوم الواسع للمصطلح تدخل بناء على طلبنا ونزولا عند رغبتنا وحماية لمدنيينا ومقدساتنا وتمشيا مع فتاوى فقهائنا ولذلك كله شواهد تؤرق الضمير الجمعي والفردي.
إن الدانمارك أصبحت تتمتع بغطاء شرعي فقهي عربي لتسدد الضربات للشعب الذي أَلَّبَ عليها العالم بمناسبة نشرها للصور المسيئة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وللقائد الذي أنفق جهده ووقته لنشر دين ترى فيه خصما واجب المحاربة بكل الوسائل حتى بالرسوم الكاركاتورية. أما فرنسا فقد صرح وزير داخليتها بفخره بكون ساركوزي يتقدم الصفوف الأمامية في الحرب الصليبية . أعرف أن قلوب المسلمين وأحرار العالم تتفطر ألماً ولكن نصيحتي لهم أن يدركوا المثل المشهور ويتأملوه جيدا ، وهو أن العار أطول من العمر.
ذ. بونا ولد الحسن
20 ابريل 2011