بعدما هدأت العاصفة الديمقراطية في البلد وشربت كل "حفرة ماءها" ,كما يقال ,سنستغل هامش الحرية المتاح لنا ونكتب عن بعض التحديات المطروحة دون أن نخلط الأوراق ونطلب ما لا يمكن تحقيقه في فترة وجيزة..
وما أسطره الآن ليس إلا وجهة نظر تخصني ,ولطالما تجنبت الكتابة في السياسية قدر المستطاع، والهروب من أتونها وأفخاخها ,لأن مَن يكتب فيها كمن يسير وسط جزيرة ملغومة ,وأنا القادمة من فضاء تنازعني فيه الصحافة والأدب والشعر ,وإن قلتُ الموسيقى فما افتريت.
لكن للضرورة والظروف أحيانا أحكامهما.
إن هذه المرحلة ـ من وجهة نظري ـ تتطلب من الجميع المشاركة والتعليق وعدم السكوت ,وذلك بتسليط الضوء على واقع بلدنا والتحديات والصعاب التي يمر بها، حيث يخوض حربَ تغيير شرسة وسط بؤرة عالمية متوترة وتغيّرات جيوسياسة واستراتيجية شاملة .. ولا شك أن المنحنى البياني في موريتانيا يؤشر للصعود والارتفاع في كل المجالات ,رغم الصعوبات الكثيرة التي تعترض أي نمو وتقدم في ظل الظروف والبيئة المضطربة آنفة الذكر.
صحيح أن التحدي كبير والارث ثقيل ,فواقع كل ولاية وكل مقاطعة يظهر بوضوح حجم هذا التحدي ,فالفقر والمرض والجهل والبطالة عقبات كأداء في سبيل تنمية البلد ,وما تزال موجودة وبقوة ,لكنها مسؤولية ضخمة تتطلب تكاتف الجهود وتضافرها من الجميع.
ويحدونا أمل كبير بأن إنشاء مجالس جهوية سيكون لها دور كبير في حل الكثير من تلك المشاكل ,خصوصا أنها مجالس تولدت من رحم القرى والبلدات والتجمعات السكانية ,وهي معدة لإكمال وتجاوز النقص الملاحظ في أداء البلديات ، دون أن يختفي دور الأخيرة تماما ,ومن المنتظر أن تساهم تلك المجالس بنصيب معتبر في تحريك عجلة النمو ورفع مستوى المعيشة وسيكون لها دور مهم في تسيير بعض المرافق العمومية التي تستجيب لحاجيات ومتطلبات السكان.
وعلى ذكر دور البلديات ,لا بد أن نعرج هنا على واقع بلدية عرفات التي يشتعل فيها الصراع على منصب العمدة بين حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وحزب تواصل..
عرفات التي تنتخب للمرة الثانية ,حين تقرأ ما يكتبه التواصليون عنها تخالها إحدى عجائب الدنيا ال7 .. إن ساكنة عرفات يتعرضون لعملية ترهيب خطيرة وغسل أدمغة ,هذه العملية تتخذ من الدين ترسا تُخفي خلفه نوايا "الجماعة" الحقيقية ,وسلاحا تُشهره في وجه المخالفين لفكرها وتتهمهم بالكفر والزندقة والخروج من ربقة الاسلام، فأنت ـ مثلا ـ حين تحاور شابا في مقتبل العمر ـ لا يجد متنفسا ولا فضاء رياضيا لممارسة هوايته ـ وتسأله عن رأيه في واقع البلدية يجيبك : يكفينا أن عمدتنا (مسلم ملان), وذلك يعني بالمفهوم المخالف : أن من قد يحل محله ,يهودي أو نصراني أو وثني ,فمتى كان في موريتانيا غير المسلمين؟.
والحقَّ أقول : إن عرفات بحاجة إلى التغيير للتغلب على بعض العقبات المعيقة للتنمية :
ـ فلا وجود لمشاريع مفيدة في المقاطعة تخدم السكان.
ــ عرفات بحاجة لإرادة جادة وقوية من أجل توفير حياة كريمة ،ولن يكون ذلك إلا بإيجاد بنية تحتية ,وإنشاء مشاريع صغيرة لذوي الدخل المحدود والاهتمام بالفئات الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم ودمجهم في المجتمع.
ـ التقليل من البطالة في صفوف الشباب , عن طريق دعمهم والاهتمام بقدراتهم ,وذلك بخلق منشآت رياضية يستطيعون من خلالها اكتشاف مهاراتهم ومساعدتهم في تنميتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة ,بدل صرف تلك الطاقات في الأعمال الاجرامية والسلوك المنحرف أوتجذير الأيدلوجيات "المستوردة" والتلاعب بالعقول .
وقبل أن أغادر هذا المدخل التعبيري أقول : إن أكثر من عقدين من الزمن من تهميش عرفات وتجاذب مواطنيها بين أغلبية سكانية لا ثقة لديها في العمدة الحالي ولا في حزبه المعارض ,وبين "معارضة" متشبثة بالبلدية رغم مكوثها فترة طويلة من الزمن دون أن تُقدم أي شيء ملموس لصالح السكان ,أقول : إن أجواء مشحونة بالاختلافات كهذه الاجواء بين اتجاهين سياسيين متنازعين أحدهما متعنِّتٌ ومتشبث بالكرسي حتى النهاية ,ليس من مصلحة هذه المقاطعة الكبرى ذات الكثافة السكانية المتميزة ديموغرافيا واجتماعيا واقتصاديا ,فالمواطن البسيط ,والوجه الحضاري للمقاطعة في النهاية هما المتضرر الأول من هذا الصراع ,وليس تصميم تواصل على رفض التناوب في عرفات ـ وبأي شكل كان ـ الا نوعا من وضع الدواليب في عجلة التغيير التي ينشدها وينتظرها "العرفاتيون" جميعا ,ويبدو لي أن قطار التغيير قد تحرك بالفعل ولن يتوقف إلا بعد الوصول للهدف.
زهراء نرجس