لما بزغ نجم قناة الجزيرة، كوليد إعلامي، استقبلناه بالفرح والامتنان...وكانت فرحتنا تتجاوز في الوعي واللاوعي كل انتقاد أو مساس من هذا الوليد من قريب أو بعيد،...فالأمل الذي طال انتظاره، وهبه الله لنا بلا نصب ولا تعب .
وفعلا،..متعتنا بعطائها في شموله وتغطيتها وانتشارها في كل بقاع المعمورة... وتظاهرها بالحياد وتوخي أعلى درجات الموضوعية في التعاطي مع الحدث الإعلامي من بين الوسائط التواصلية المتاحة.... وبالمقابل ،متعناها نحن بمشاهدتها وتوسيع قاعدتها والاستعداد المبدئي لابتلاع كل وجبة إعلامية تعدها دون تردد،لا في طعمها ولا في لونها... الشيء الذي مكنها من التغلغل سريعا في أوصال مجتمعنا ببراءته وهو يتوق لنمط إعلامي وفق الطموح المحبط من نكبات الماضي.
لم نكترث بمقابلاتها مع الصهاينة وهدم حاجز الخجل من اللقاء والجلوس، وبل الترحيب الذي كنا نهابه...قلنا، هذه ديمقراطية، وحرية في الرأي، ومقابلة الرأي الآخر....فلا ضير.
لم نستحضر أن المؤسسات الإعلامية ـ بطبيعتها أصلا ـ هي وكر من أوكار الجاسوسية العالمية...غفلنا عن ذلك وتجاهلناه.
بثت برامجها،...فلا تسل عن الجدية والنشاط....لا أغاني،...بل حتى القرآن الكريم لا وقت له....الوقت مملوء ومشغول لحظة بلحظة، تارة بالأنباء وتارة بالبرامج الحوارية وطورا بتوثيق التاريخ، وتاريخ التوثيق....
تجاوزنا ببراءة الطفولة وسكوت المحبط المترجي برنامج (الاتجاه المعاكس)،....ساعات من الصراخ الأليم، المنتصرفيه أي المتخاصمين أقوى نبرة وأسلق لسانا وأكذب قولا...لم نستخلص في كل حلقات هذا البرنامج أبسط فكرة عن كل موضوع يثار سوى باقة من الأسئلة يصيح بها فيصل القاسمي لاترجو منه جوابا ولا من غيره....ينفث فها كامل سمه وهو يقدمها لك في طبقه ....
لم نهتم كثيرا بأحمد منصور وهو يسطر التاريخ الحديث وفق مزاجه المؤدلج، ...فيوثق التاريخ من أعداء التاريخ وتاريخ الأعداء....وصولا لخلق وعي جديد، يخدم الرجل ورهطه وزبانيته وفصيلته التي تأويه...كنا نكذب أنفسنا ونلتمس للرجل أحسن المخارج...
لم نتساءل عن مؤسس هذه القناة، ومن يقف خلفها؟...هل هو من انطلقت الطائرات من أوكاره لدك العراق الحبيبة وهدمها؟...أو هو من يفتح الباب على مصراعيه لإسرائيل وتجارتها....تجاهلنا ذلك وسبقتنا براءتنا......
مع كل يوم يمر، تنكشف الحقائق، وتسقط الأقنعة....وتتجلى قناة الجزيرة على حقيقتها...في سرها، وكر من أوكار الجاسوسية، وفي علانيتها، منبر من منابر الفتن الحديثة!!...
أتذكر فبركتها لمظاهرة في سوريا وهي في بلد آخر،تابعت تركيب الصورة وتفكيكها حتى تبين زيفها وكذبها....
تم ذلك أيضا وبطريقة مماثلة في ليبيا ...هذا مع تبديل أدوار الفاعلين في الساحة: فما دمره الارهاب، هو من فعل النظام،وما أصلحه النظام فهو من فعل الثوار...قلب وتقليب للحقائق يندى له الجبين...فيغدو الجيش وهو من رموز السيادة كتائب فلان، ...أو قوات الإبادة الشعبية أو الإنقلابيين الذين يقتلون هذا الشعب....
لم نتساءل عن سر استهدافها للجمهوريات، التي يتم فيها التعاطي مع الدساتير، على علاتها، وتجنبها الأسرة الحاكمة بالتوريث ولزوم البيعة.....
حتى موريتانيا لم تسلم، يوم قالت القناة للرئيس: ألا تغادر قبل أن يكون الثمن باهظا؟...
واستخدمت القناة لتسويغ دعاياتها، في إثارة الفتن معجما أبدع في الاحتيال والخداع:
(شاهد عيان)، أكثر حالاته في الغرفة المجاورة.....
(مراسلنا من عين المكان)، قابع في غرفة الانتاج... (الصور المفبركة).... (الربورتاجات المزورة)...
وحقيقة قصص الجزيرة مع التخابر، لم تعد سرا، فقصة ويكيلكس وتورط القناة فيها حتى النخاع أصبح أمرا مشاعا....
وبرنامج(سري للغاية) كان العصا التي توكأت عليها المخابرات الأمريكية في بكستان وغيرها لتعقب أعدائها....
والقائد العسكري الفلسطيني الذي تم اغتياله في دبي، كتب له أن لم تلتقط له إلا صورة واحدة عن طريق هذه القناة.
وما زال التاريخ يكشف من أسرار قناة الجزيرة، حتى أن متابع الأنباء يحذفها من قنواته لضررها عليه....
وليس هذا إلا غيض من فيض، على أن يكون بداية لتعرية هذه القناة مع ما عبر عنه كل الذين قدموا استقالاتهم من الوطنيين الأشراف الذين خاب أملهم في خدمة قضيتهم بالكلمة الحرة والفكرة النيرة..
احمدو شاش