الدولة الفاشلة ليست بالضرورة فاشلة امنيا، فالفشل الامني هو احد اعراض الدولة الفاشلة وقد لا يكون اهمها خاصة اذا اجتمع مع عوامل اخرى من عوامل الفشل. فالدولة الفاشلة هي دولة ينخرها الفساد وتقف عاجزة عن التصدي له بسبب تأثير شبكات صناعة وحماية الفساد.
الدولة الفاشلة هي دولة تكذب على شعبها وعلى العالم حولها وهي تعلم ان الجميع يعرفون انها كاذبة ومع ذلك تمضي قدما في الكذب كان شيئا لم يكن. فالكاذب عندما يستمر في مراكمة كذبه يصل الى الحالة التي يقتنع فيها ان كذبه هو الحقيقة بعينها فيفقد القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وبين ما هو مزيف.. والمشكلة هنا تصبح مصيبة اذا كان الكاذب دولة. فالشخص الكاذب لا يؤثر الا على نفسه وعلى سمعته الشخصية اما الدولة الكاذبة فترسل بكذبها موجات هائلة من الدمار عاجلا ام اجلا سيطيح بالمجتمع في جوانب حياته المختلفة ويلقي الدولة في مزبلة التاريخ.
الدولة الفاشلة هي دولة تترزق من جيوب شعبها فتنهب ثرواته وتضعها في ايدي غير امينة وتسعى الى تدمير بنية الاقتصاد ومعدلات المعيشة وتمنع اي شكل من اشكال النمو الاقتصادي الذي قد يقود الى نمو في الوعي الجمعي في المجتمع، فتضمن بذلك بقاءها في منأى عن الاكتشاف او المحاسبة.
الدولة الفاشلة تسعى الى تجريف الثقافة والفكر والممارسات الابداعية في بلادها وتحاصر المبدعين والفلاسفة والمفكرين وذوي الرأي في المجتمع لتحرمه من القدرة على اكتشاف فساد الدولة وتضمن بقاءها خارج نطاق اي خطر محتمل. لذلك لا عجب ان لا تجد في المجتمعات المبتلية بدول فاشلة مبدعا واحدا في مكانه المناسب، ولا تجد مفكرا او عالما او فيلسوفا او ممثلا عند المستوى او كاتبا او صحفيا لامعا، فتتحول الدولة الى بلاد افقرت من كل شيء ما عدا قصور وسيارات وطائرات كبار الفاسدين ومجموعاتهم المتحلقة حولهم والمستفيدة منهم.
في الدولة الفاشلة يقسَم المجتمع الى ثلاث طبقات، الطبقة العليا التي تمتلك السلطة الحقيقية والثروة وبالتالي تمتلك كافة عناصر القوة يليها الطبقة الثانية وهي في الحقيقة طبقة ملحقة بالطبقة العليا ويتم ممارسة استخدام القوة من الطبقة العليا من خلالها وتجد ممثلي هذه الطبقة في مستويات الصف الاول من السلطات الحكومية المختلفة يعني بالبلدي هذه الطبقة تقوم بدور “مسح الزفر” كما يقال في الحكيات الشعبية. اما الطبقة الثالثة فهو الشعب بكافة طبقاته وعناصره وفئاته، وهذا الطبقة تقوم بعملية الانتاج لصالح الطبقتين الاخريين وهي طبقة تقوم بدور “العبيد” في النظام الاقطاعي حيث تفعَل عليهم قوانين العقوبات المختلفة.
خلاصة الحديث ان الدولة الفاشلة هي دولة قوية لكنها فاسدة تمنع اي شكل من اشكال التقدم في مجتمعها وتسعى بدون كلل الى خلق الظروف التي تجعل الشعب غير قادر الى فعل اي شئ لحماية مصالحة الحيوية.. لكنها في النهاية دولة كما يقولون في الحكيات الشعبية ليست “بنت عيشه” ولا بد لها من ان تصلح حالها او تتلاشى.. انه منطق التاريخ وخلاصة تجارب الانسانية.
أ. د. احمد القطامين