تدور أحداث ملهاة شكسبير في نهاية شهر إبريل، واختار الشيخ أن يحلم في بداية نفس الشفعلاهر. تتناول ملهاة شكسبير الحب، ويحلم الشيخ بالحرب؛ و "في الحب والحرب كل شيء مباح"، في فقه همنغواي الذي عانى الحب في الحرب.
للحلم مكانة رفيعة في الأدب، في كل الحضارات، وفي الحضارة الإسلامية يفرق بين الحلم والرؤيا؛ فالحلم حالة نفسية درسها فرويد بعناية وتروي الماضي الشخصي لصاحبها، بينما تنبئ الرؤيا عن المستقبل، كما في الرؤيا التي قصها علينا القرآن أو الحديث النبوي الشريف. لكن المشكلة تكمن في التفريق بين الحلم والرؤيا، إذ يميل الناس إلى عد أحلامهم رؤى. ولما كان الفيصل الوحيد بين الرؤيا والحلم هو حضور شخص النبي صلى الله عليه وسلم في ما يرى النائم، كما ورد في الحديث الصحيح: " من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي"، كثرت "رؤية" الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، عند اشتداد الخطوب والفتن. ولم تخل تلك "الأحلام/الرؤى" من توظيف سياسي ينتصر لرأي ضد آخر، أو لفرقة ناجية ضد فرقة ضالة. وقد اشتهر الإخوان، في عصرنا هذا بترويج الرؤى السياسية التي تخدمهم، أفرادا وجماعة. فقد روى الشيخ كشك رحمه الله أن حسن البنا رحمه الله، حين حلت الجماعة، وأدخل الكثير من أفرادها السجن، نام مهموما، ثم استيقظ وقال لأهله: " لقد رأيت في المنام عجبا؛ رأيت عمر بن الخطاب يشد على يدي ويقول لي هنيئا لك الشهادة يا حسن فقد أكملت الرسالة." ويروي كشك نفسه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل موت الشيخ كشك بقليل. وأثناء اعتصام ميدان رابعة تعاقب حالمون كثر يقصون "رؤى" تعد المعتصمين بمدد من السماء.
وقد روى الشيخ الددو في برنامج الجواب الكافي، على قناة المجد، رؤيا تقول:"... أخبرني أحد العلماء في الرياض البارحة أنه أخبره شخص يثق به أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام مجردا سيفه مغضبا، قال: إلى أين يارسول الله؟ قال: إلى غزة.
وهذه بشارة إلى أهل غزة بالنصر العاجل وبالمدد." ولا يخفى ما في هذه الرواية من تهافت، فسندها ساقط لاعتماده على مجهولين. لكنها تستمد قيمتها من التفاف المسلمين ساعتها حول أهل غزة، وتعاطفهم مع حماس قبل أن تصطف في فتنة الربيع مع البغاة.
لذلك لم ير أحد شيئا في الحرب الأخيرة على غزة، إذ لم تعد للأسف موضع إجماع، وتبدل وضع الإخوان من تيار جارف يكتسح الميادين ويسقط الحكام، إلى مجموعة خارجة عن القانون مطاردة في بعض البلدان الإسلامية، فاتجهت الأحلام وجهة أخرى.
جاء حلم الددو متناسبا مع المرحلة. فقد فقد الاخوان سندهم السعودي العتيد، فصنفتهم المملكة جماعة إرهابية، وخسروا مصر وتونس، ويترنحون في السودان وليبيا، ويطاردهم الحوثيون في اليمن. في هذا الوضع لم يكن لأحد قادة الاخوان أن يحلم بالورود، وإنما بالفتن التي أشعلتها الجماعة في شرق الوطن وغربه. فرأى، في ما يرى النائم أن عاصفة الحزم فرصة للتقرب من السعودية، ولم يكن ذلك ممكنا بفتوى يصدرها، فمن يحمل التمر إلى خيبر لا يتوقع الربح، وإنما برفع العاصفة إلى مستوى الجهاد، وهو ما لم يعلنه الذين أطلقوها!!! تظهر الصنعة بشكل جلي في منطوق الحلم بالرؤيا. يقول الشيخ "... رأيت اليوم وأنا نائم..." تطلق العرب اليوم على مجموع النهار والليل، وربما خص به النهار دون الليل، كما في القرآن. فهل كان الشيخ نائما بالليل أم بالنهار؟ وإذا كان نائما في النهار ففي أي ساعة منه؟ ضحى، أم عند القيلولة، أم بعد صلاة العصر؟ ذاك الاشكال الأول.
يأتي الإشكال الثاني من سرد الشيخ لحلم الرؤيا، فهو يكثر من "كأن"، وهي تفيد الشك لا اليقين، والرؤيا يقين والحلم شك. يرى الشيخ النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ملأ من أصحابه، لكن الشيخ ما يلبث يصبح واحدا منهم.." وكأننا في مسجد من مساجد القبائل في اليمن، أو جنوب المملكة العربية السعودية." لا يقطع الشيخ بمكان الاجتماع لكنه يحدده في منطقة النزاع بين اليمن والسعودية. فلماذا تحديد المكان بهذه الدقة؟ لماذا لم ير الشيخ النبي صلى الله عليه وسلم والملأ من أصحابه، في مكة أو في المدينة، أو في الجزائر حيث ينام قرير العين! لماذا انتقل الجميع إلى منطقة النزاع!
بعد تحديد المكان يُدخل الشيخ في المشهد المسور بن مخرمة رضي الله عنهما بطريق الإقحام. فقد رأى الشيخ النبي صلى الله عليه وسلم "ومعه ملأ من أصحابه"، ولم يكن المسور رضي الله عنه من ملئ الصحابة، وإنما كان حديث السن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قتل رضي الله عنه في فتنة ابن الزبير، فلماذا وقع عليه الإختيار.
والأغرب من اختيار المسور هو ما ينسب إليه في حلم الرؤيا.." وكان المسور بن مخرمة رضي الله عنهما يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم هذا الجهاد هل هو فرض فأجابه أنه فرض فقال مثل الصلاة والزكاة." لا يسأل مسور عن حكم القتال، وإنما عن حكم هذا الجهاد هل هو فرض".
فهو يعلم أن القتال في اليمن جهاد، لكنه يتساءل إن كان فرض عين، فيأتيه الجواب بأنه مثل الصلاة والزكاة. وهذه أحكام في الجهاد جديدة لم يسبق إليها الشيخ في نوم ولا يقظة. فلم يقل أحد من المسلمين إن قتال المسلم أخاه المسلم جهاد، اللهم إلا إذا كان الشيخ يكفر الزيدية، وله في التكفير سوابق... وجهاد الكفار ليس كله فرض عين مثل الصلاة والزكاة... ثم ينطلق المسور، حسب رواية الشيخ من جزيرة العرب إلى الشام في غزوة... فلعل الجهاد الذي سأل عن حكمه في الشام ولا علاقة له بما يحدث في اليمن؟ والصحابي الجليل، في رواية الشيخ، متحفز للقتال، لكنه مثقل بالمتاع.." وكأن المسور يطوي ملابسه ومتاعه..." هذا أشبه بمسافر على الدرجة الأولى في رحلة سياحية مدفوعة، منه بمجاهد من القرن الأول.
ثم يقحم الشيخ في حلمه شخصية أخرى معاصرة.. "وكان في الحاضرين شيخ من علماء موريتانيا..." إخراج الحلم مرن جدا بحيث يسمح بخلق شخصية جديدة تسند لها أدوار ثانوية. فلم يحدثنا الشيخ عن العالم الموريتاني في رؤيته الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم وملئ أصحابه، وإنما أقحمه كما أقحم المسور. قدم العالم أهله الذين سافروا على الإبل إلى الشمال. إذا عدنا إلى تحديد المكان الأول، جنوب السعودية فإن العالم الموريتاني يكون قد أجلى أهله عن منطقة الجهاد، "...وهو يريد أن يلحق به". فعلى من يعود الضمير؟ في لغة العرب، يعود على أقرب مذكور، وهو في النص الشمال. وفي هذه الحال يريد العالم التولي يوم الزحف! وهذا ما جعله يتهيب الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم..."فأدخلته أنا عليه، وطلبت منه أن يسأله الدعاء ويودعه." أصبح الددو، في الحلم حاجبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والعالم الموريتاني فرار يودع النبي صلى الله عليه وسلم ويترك ساح الجهاد ليلحق بأهله إلى الشمال. ليست هذه أول مرة يصف فيها الشيخ عالما موريتانيا وصفا لايليق. فقد وصف العالم الجليل محمذ فال ولد متالي بسوء الخلق في شبابه. (أنظر فقه العصر). خرج الحاجب يودع المهاجر إلى الشمال، فرأى شجرة عظيمة يتعلق بها صبية ظنهم من الصومال! قوة فراسة عجيبة! هل يختلف صبية الأوغادن، أو جيبوتي، أو أريتريا عن صبية الصومال، فكيف استطاع الشيخ، وهو يغط في نومه التفريق بينهم!
ثم يدخل الشيخ عنصرا جديدا في السرد، فيبني الفعل للمجهول.." فقيل هكذا يفعلون..." فكيف يمكن تقدير هذا المجهول ليصبح معلوما؟ فالمسور انطلق إلى الشام والعالم الموريتاني لحق بأهله في الشمال، والشيخ خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم! لذلك تنتمي هذه القيل إلى السرد الفني لا إلى الواقع الحقيقي. يستمر السرد في إدخال عناصر جديدة إلى المشهد الأصلي.." وفي رجوعي رأيت بيتا دون المسجد الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم...
" لم ير الشيخ البيت عند خروجه، فكيف رآه عند رجوعه! ثم يصف لنا داخل البيت قبل الحديث عن دخوله! "في هذا البيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ومعها بعض آل النبي صلى الله عليه وعليهم وسلم تسليما لم أتبينهم لكن كان دخولي عاديا كدخول الانسان على محارمه." وهذا حكم جديد! كيف يمكن للددو أن يكون كالمحرم لعائشة يدخل عليها "عاديا"، وقد نهينا عموما عن الدخول على النساء، فما بالك بأزواج النبي! يكفي هذا ليعلم الشيخ أنه انتقل في نومه من الجزائر إلى مكان يألفه بعيد من منطقة القبائل بين اليمن والسعودية.
مرة أخرى يقحم الشيخ شخصية جديدة في المشهد دون مبرر واضح! فلماذا حضور عائشة وبعض آل النبي! وأخيرا يحدد الشيخ بدقة زمان رؤياه، مثلما حدد مكانها.."هذه رؤياي اليوم يوم الإثنين." وبذلك يكتمل المشهد في بعديه المكاني والزماني، ويختم على طريقة المسرحيات الكلاسيكية باستخلاص العبرة.." وقد فهمت منها أن الحرب الدائرة في اليمن والشام الآن هي جهاد واجب، وأن الحاصل في الصومال تصرفات صبيانية وأن النصر قريب إن شاء الله." (حقوق الطبع محفوظة).
كان بإمكان الشيخ الاكتفاء بالجملة الأخيرة، فهي تلخص كل شيء. لكن المسلم العادي، ذو الأحلام البسيطة، والرؤى الصادقة ربما تساءل: لماذا يظهر النبي صلى الله عليه وسلم في أحلام الإخوان، داعيا إلى الجهاد في سوريا واليمن، دون فلسطين أرض مسراه، وثالث قبلتي دينه، ومهبط الوحي عليه! ألا يمكن للشيخ أن يمارس السياسة بشكل واضح فينشئ حزبا يسميه حزب الأحلام.
ينهي شكسبير ملهاته بقول الجني بك، مخاطبا الجمهور..
إن لم تكن التمثيلية قد حظيت برضاكم
فرجائي الحار من جمعكم
أن تتخيلوا أنكم كنتم هنا نياما
وأن ما شاهدتموه كان رؤى وأحلاما."
وكثير من الأحلام.."ذهب مع الريح."