تزخر منطقة إكيدي الموريتانية - سمية نظيرتها الرودانية المغربية - بالعلماء والصالحين قديما وحديثا شأنها في ذلك شأن مختلف مناطق المغرب الأقصى تزخر برجال العلم والأدب والفكر. تزخر برجال الخرقة والسبحة والخلوة ففي هذه المنطقة بالذات عاش رجال حبذوا ان يعيشوا في غبراء الناس بعيدا عن دائرة أضواء الشهرة التي تكشف المستور لكن القدر أراد عكس ذلك فشاء الله أن يكسبوا من الشهرة والمرموقية ما يجعلهم منقطعي النظير
من هؤلاء الولي الصالح جدنا المرحوم المختار بن اباه بن عبدالله بن محنض بن اعديجه.
يعتبر المختار ول اباه من الشخصيات الدينية النادرة الوجود
فلا احتواؤه على درجة التصرف في الكون بإذن الله تعالى والقدرة الفائقة على تصدير المريد في لحظة جعلت منه شيخا مبجلا على كرسيه معمما.
ولا سرعة استجابة دعوته التي تسقي المطر البلد المحل بل تحجم محدودية سكبه فتخص به خيمة عن خيمة بإذن الله تعالى جعلت منه فحاشا ولا سبابا.
ولا اصبعه التي بمجرد مدها في جهة المعتدي ينفجر العيار القاتل والرصاصة المردية جعلت منه متكبرا جبارا يردي فلا يبقي وينتقم فلا يحلم.
لاشك أن المختار بن أباه نشأ نشأة مفعمة بالألق الصوفي والإشعاع الديني لكن نظرا إلى عادة أهل تلك المنطقة في عدم الاشتغال بتراجم الأهل أو القرابة ضاعت معظم أخبار ذلك الجيل العطر لكن تروي لنا المصادر رغم شحها قصصا وروايات بالتواتر الذي يفيد العلم اليقيني توحي بأنه كان أعجوبة دهره ولاية وصلاحا وتمكنا من ناصية علم الباطن
أشرت لمعظم تلك القصص في الكلمات الماضية كان المختار بن اباه منطويا على نفسه مقبلا على تزكيتها جاعلا من بستانه وسيلة للكسب الحلال ولعل ذلك من أسرار استجابة دعوته فطيب المأكل من تلك الأسباب.
أنجب المختار من ابنتي جدي الابهمتين ابنيه محمذن ميلود وأحمد ومريم وكانوا على قدم راسخ وقدر عال من الصلاح.
عرف آل المختار بن اباه بصفاء قلوبهم من شوائب النفوس وعيوبها المميتة وبسلامة الصدور ورجاحة العقول والتقوى والورع والسعي في النفع العام والشغل بما فيه رفعة المجتمع ومصالحه.
ومن أشهر رجالاتهم للمثال لا الحصر احمد بن المختار بن اباه دفين المدروم وهو الذي قال "ياملان فاطمة عطشانه يالمزن شدي شرماطك" في الاستسقاء لابنته. فانهل المطر الذي لم يجاوزه حومته.
وابناء أحمد بن اباه مشهورون باب واحمدو واسلام ومحمودا الذين كأنما يعنيهم قول القائل:
أبناء يحيى أربع كالأربع الطبائع
فهم إذا خبرتهم طبائع الصنائع
والذين سئل عنهم إسحاق الموصلي فقال أما الفضل فيرضيك فعله وأما محمد فيفعل بحسب ما يجد وفي يحيى يقول الشاعر:
سألت الندى هل أنت حر فقال لا
ولكنني عبد ليحيى بن خالد
فقلت شراء قال لا بل وراثة
توارثني عن والد بعد والد
وفي الفضل يقول القائل:
إذا نزل الفضل بن يحيى ببلدة
رايت بها غيث السماحة ينبت
فليس بسعال إذا سيل حاجة
ولا بمكب في ثرى الارض ينكت
فهم كمهالبة المروانيين وبرامكة العباسيين
ومن أشهر أهل اباه أيضا الفقيه الحافظ لكتاب الله الصالح العلم أبو السادة الكرام المحفوظ بن محمودا بن احمد بن اباه الذي كان مثالا للرجل الصالح المتواضع البر الثمين كان المحفوظ أعجوبة دهره لا تدرك له غاية في الشأو والفضل والعلم فقيد الجمعة 26 مايو 2000م
مضى المحفوظ نجل اباه عنا
وهو السيد الندب الوقور
ستبكيه البشاشة والتغاضي
عن الدنيا إذا جسر الجسور
ستبكيه الصلاة بجوف ليل
إذا ما ساد في النلس،الفتور
ستبكيه الهشاشة للأهالي
بقلب قد تملكه السرور
ومن أشهر أعلام أهل أباه في العصر الحديث العبد الصالح المنفق الجواد حمال الكل عن الكل ألا وهو المرحوم مامون بن اسلامه فقيد الاثنين 23 اغسطس 2004م
الشخصية المشهورة الذي صدحت الحناجر بمدحه ووضع في كل القلوب حبه الذي قيل في سيارته:
ما ترجع لا كاست جيه
تزكر من سترت مامون
مامون اعل لفظ فيها
واعل فعل.فيها مامون
....
وتت مامون الطبع اجناس
حد اركبها ماهي محظور
ما تبلز عينيه فالناس
وابلا حس اتمش بشور
...
حمال أعباء أهل الحي أجمعهم
فما سعى الدهر في نقص ولا دون
كم أنفق المال في اللأواء مبتغيا
وجه الإله بمن غير ممنون
...
فكل شخص لمامون عليه يد
ما كان مامون مناعا لماعون....
ومن ابرز شخصيات أهل أباه المرموقة ذات الصيت العالي والمجد الأثيل والسمعة الطيبة بالكرم والجود محمدن ول أحمدو ول أحمد ول المختار ول أباه الذي ظاهر بين سمطي تقوى ونبل مع كرم النفس وجود الكف حتى صار مضرب المثل "انصل مانك محمدن ول اباه ال اتظحكو الطلبه" اي تضحكه المسألة
وتعتبر هذه الجملة ترجمة لفظية لبيت زهير:
تراه إذا ما جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وفي أبنائه مجده وفضله وجوده فما المستشار المشهور اليوم عند الجميع احميده بن اباه إلا درة من ذلك العقد وثمرة من ذلك العذق فهذا الشبل من ذلك الاسد وهذا الماجد من اولئك الاماجد.
ذو ادب مورث من نسبه
وأدب مورث من حسبه
عون المساكين والضعاف والمرملين ولا أشهد بحول الله إلا بما أعلم ولو شئت لأعطيت أمثلة حية وبراهين ساطعة من ذلك الطبع المحاطي سبائك اللجين والذي يمتزج فيه حب البعد عن الأضواء مع تسليطها عليه والاشتغال بالأذكار والنوافل رغم مشاغله الجمة والتواضع والرزانة الذين يكسبان المرء تشبثا بالآراء الرصينة وصمتا عن سفاسف القول وشقشقات الغوغاء وتشدقات الحثالة اتباع كل ناعق ممن لم يستنر بنور العلم ولم يلجأ إلى ركن وثيق ولو شاء لأجاب لكنه مثله الحسن:
لساني صارم لا عيب فيه
وبحري لا تكدره الدلاء
والصمت عن السفيه اليوم بمثابة حشره في زاوية ضيقة من سلة المهملات:
حسدوا الفتى اذ لم ينالوا شاوه
فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها
حسدا وزورا إنه لدميم
لكن:
وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود
ولله در القائل:
ولن تستبين الدهر موضع نعمة
إذا أنت لم تدلل عليها بحاسد
أما صلاحه وفضله وسرعة انتقام الله له من شانئيه فلا تحتاج لدليل ولا يحتاج رعدها لنذير برق فمن جده عاهد الله أن لا يضحك حتى يرى مقامه عند الله ولم يضحك بعدها حتى وقت وفاته ريء يبتسم ما عساك تظن بحاسده وظالمه
وتذكرنا هذه القصة كثيرا بقصة التابعي المشهور ربعي بن خراش الذي يقول فيه العلامة البدوي المجلسي:
وربعي أقسم أن يضحكا
حتى يرى مصيره فنسكا
وريء يضحك قبيل القاصمه
وهكذا فليك حسن الخاتمه
والذي يقول فيه ابن عم الصالح المختار العلامة الشاب المحفوظ بن أجداد:
والندب ربعي الذي قد اقسما
وحين قارب الحمى تبسما
رب قني بجاهه عند النزوع
سوء الحساب إنني منه جزوع
أما أخوال احميده بن اباه أهل سمت فلم يكونوا ليصموه فما معدنهم إلا الفضل وما نجارهم إلا السؤدد وما دثارهم وشعارهم إلا التقوى والصلاح:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
مثل النجوم التي يسري بها الساري
ولحومهم مسمومة وعادة الله في منتقصهم معلومة
حقق الله للوالدة الكريمة والصالحة مريم بنت ألمين بن المختار بن سمت بن محمذن بن لوم بن محنض بن اعديجه مرادها فيه وحفظه من كل سوء ونفس معيان وأقر عينه فيمن يحب بما يحب ولا كحل عيني مبغضيه وحاسديه بإثمد التوفيق وفتح عليهم من السوء والمكروه كل طريق.
إن كنت قد أخرتها ذكرا فكم
من آخر في رتبة التقديم
اخوكم عبد الرزاق راكب الاسد