عادَ اسم المهندس سيف الإسلام القذّافي نَجل الزَّعيم الليبيّ الراحل يتَردَّد بقُوَّةٍ كأحَد أبْرَز المُرشَّحين لخَوضِ الانتِخابات الرئاسيّة الليبيّة التي مِن المُتَوقَّع أن تَجْرِي في الربيع المُقبِل تحت إشراف الأُمم المتحدة، ويَبدو أنّه يَحظَى بدَعمٍ كَبيرٍ مِن قبَل قِوىً دوليّة وعربيّة أبرزها روسيا الاتحاديّة.
وإذا صَحَّت نتائِج الاستِفتاء الذي أجرَته وأعلَنت نتائجه حركة “مانديلا ليبيا” التي قالت إن 90 بالمِئة مِن المُشاركين فيه أيّدوا تَرشيحه وانتخابَه كرئيسٍ قادمٍ لليبيا، فإنّ هذا يعني أنّه يَمْلِك حُظوظًا لا بأسَ بِها للفَوز بسبب حنين جُزءٍ كبيرٍ مِن اللِّيبيين الى مرحَلةِ الاستِقرار التي عاشَتها البِلاد قبل انْدِلاع الثَّورة الليبيّة في شباط (فبراير) عام 2011، التي أطاحَت بحُكم العقيد معمر القذّافي.
حركة “مانديلا ليبيا” الذي يَبدو أنّها مُقَرَّبةٌ مِن المهندس سيف الإسلام قالت إن 71065 شخصًا شاركوا في هذا الاستِفتاء، وصوّت 91.64 منهم لصالِح نجل الرئيس الأسبَق “لإعطائِه فُرصَةً لإعادَة بِناء الدولة واستِكمال مَشاريع ليبيا الغَد”، وكانَ لافِتًا أنّ موقع “روسيا اليوم” الرسميّ نشر نَتائِج هذا الاستِفتاء، وأبْدَى اهتِمامًا كَبيرًا بِه.
السيد خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدَّولة في ليبيا قال “إن سيف الإسلام “ليسَ نَزيهًا” بِما يَكفِي مِن الناحية القانونيّة ليتَرشَّح للرئاسة”، وأضاف في حَديثٍ لوكالة “سبوتنيك” الروسيّة “أنّه مَطلوبٌ لمحكمة الجنايات الدوليّة، وللقَضاء الليبي، ومِن أهَم شُروط تَوَلِّي منصب رئيس الدولة أن يكون المُرَشَّح نَزيهًا، الأمْر الذي يَحول دُونَ ترشيح نَجل الرئيس الليبيّ السَّابِق له”.
السيد خالد الغويل، مُحامي سيف الإسلام، أكَّد أنّ مُوكِّله سيُسجِّل ترشيحه رَسميًّا حين فتح قوائِم التَّسجيل للانتِخابات الرئاسيّة، وقال “للشعب الليبي حَق الاختِيار”، وأضاف “إنّ محكمة الجِنايات الدوليّة تعمل خارج الشرعيّة الدوليّة”، مُعَبِّرًا عن استغرابِه مِن عَدم مُلاحَقتها مُرتَكبي المجازر في حَق الشعب الليبي، وتَدمير مُقدَّراتِه في الوَقتِ الذي تُلاحِق فيه المهندس سيف الإسلام الذي حُوكِم أمام القَضاء اللِّيبيّ وشَمِلهُ عَفْوٌ عام”.
لا شَكْ أنّ هُناك قِطاعًا عَريضًا في ليبيا يدعَم تَرشُّح نجل الزَّعيم الليبيّ الراحل، بسَبب حالة الفَوضى الدمويّة التي تعيش فيها ليبيا نتيجة سيطرة ميليشيات مُسلَّحة مُنذ انهِيار الدولة، والإطاحةِ بالنِّظام فيها، بفَضلِ تَدَخُّل حِلف “النِّاتو” عام 2011، واغتِيال الرئيس القذّافي بطَريقةٍ بَشِعةٍ ومُهينَةٍ في تشرين الثاني (أكتوبر) مِن العامِ نفسه، ولعلَّ الدعم الذي يَحظَى بِه المهندس القذّافي الابن مِن روسيا وبعض الدول الأُوروبيّة، من بينها بريطانيا وإيطاليا، يعود إلى هَذهِ الحَقيقة، فقد أكَّد ليف دنغوف، رئيس مجموعة الاتِّصال الروسيّة لتَسوِيَة الأزمة الليبيّة، على هامِش مُشارَكته في مُؤتمر باليرمو الشهر الماضي “أنّ هُناك اتِّصالات بين القِيادة الروسيّة والسيد القذّافي الابن، لأنّ هَذهِ الشخصيّة الليبيّة لديها اعتِبارات ووزن سِياسيّ في ليبيا لذلك سيَكون ضِمْن الأطراف المُشاركةِ في العمليّة السياسيّة الليبيّة ولهُ فَريقٌ قَويٌّ داعِمٌ له”.
مَصدر قُوَّة المهندس سيف الإسلام القذّافي هو فَشَل النُّخبَة السياسيّة التي حَكمت ليبيا بعد إسقاط نِظام والِده، في إقامَة البَديل النَّاجِح، والحِفاظ على وِحدَتيها الترابيّة والديمغرافيّة، وبِناء دولة المُؤسَّسات، ونَزعِ أسلحة الميليشيات المُسلَّحة التي عاثَتْ في الأرضِ قَتْلًا وفَسادًا.
الرئيس معمر القذّافي لم تستهدفه الدول الغربيّة ويُطيح بنظامه حِلف “النِّاتو” لأنّه كانَ دِيكتاتوريًّا، وهذا صَحيح، وإنّما لأنّه لَعِب دَورًا لا يُمكِن إنكاره في مُحارَبة نُفوذ الدول الاستعماريّة في القارّة الأفريقيّة، وأرادَ صَكَّ الدِّينار الأفريقيّ، وتوفير الغِطاء اللازم لهُ مِن الذَّهب، ورُبّما لهذا السَّبب، إلى جانِبِ أسبابٍ أُخرَى أعرَبَ باراك أوباما، الرئيس الأمريكيّ السَّابِق، المُنحَدِر مِن أُصولٍ إفريقيّةٍ، عَن “نَدمِه” على المُشارَكة وتأييد تَدَخُّل حِلف “النِّاتو” لتَغييرِ النِّظام في طرابلس.
الرئيس الليبيّ الراحل تَرَكَ 360 مِليار دولار مِن الوَدائِع الماليّة والاحتِياطات مِن الذَّهب قبل اغتِياله، ومِن المُؤلِم أنّ مُعظَم هَذهِ الوَدائِع جرى نَهبُها مِن قِبَل المَحسوبين على حُكّام ليبيا الجُدُد، ووصول البِلاد إلى ما وَصَلت إليها مِن دَمارٍ وفَوْضَى.
لنْ نَسْتَعجِل إصدار الأحكام حَول فُرَص المهندس سيف الإسلام في الفَوز، أو حتّى خوض الانتِخابات الرئاسيّة المُقبِلة، لكنّنا لا نُعارِض مُطْلَقًا حقّه في النُّزولِ إلى الحَلَبة، والمُنافَسة على الرئاسة، مِثله مِثل أيّ مُرشَّح ليبيّ آخَر، وتَركِ حُريّة الاختِيار للمُواطنين اللِّيبيين شَريطَة أن تكون هَذهِ الانتِخابات حُرَّةً ونَزيهةً وتَحتَ إشراف الأُمم المتحدة.
الشَّعب الليبيّ عانَى كَثيرًا طِوال السَّنوات الثَّمانِية الماضِية، تَهجيرًا وإفْقارًا، ونَهْبًا لثَروات بِلادِه الغَنيّة، ويَستَحِق أن يَعيش كَريمًا في بَلدٍ مُستَقرٍّ، ولا نَعتقِد أنّ هذا الحَق الذي يُجَسِّد الحَد الأدنَى، كَثيرٌ عَليْه.
“رأي اليوم”